أنس القاضي / مرافئ لا -

«من نحن» مقولة شائعة في الوعي اليومي تصادفها كلما تحدثت عن الأطماع الاستعمارية والمخططات العدوانية الموجهة ضد اليمن، والتي تُعدها القوى الاستعمارية والتوسعية الغربية والصهيونية والخليجية، وهي اليوم واقعة ملموسة. أصحاب هذه المقولة يتساءلون من نحن حتى يكون لنا هذا الاهتمام الذي تتحدثون عنه! فهم يفترضون أن اليمن دولة دون ثروات أو موقع استراتيجي، لا تثير مطامع أحد، وأن شعبها بدائي لا يقيم له الآخرون وزنا، بل يفترضون أن اليمن ستكون عبئاً على من يحتلها ويستعمرها! 
تقوم مقولة «من نحن» على التبخيس بقيمة الشعب والوطن اليمني، وهي تعكس ضعف الانتماء إلى الهوية الوطنية والإيمانية، تعززها نظرة ليبرالية فردية أنانية إلى الحياة، تحصر الإنسان في الاهتمام بمصيره الشخصي والفردي، وتجاهل ما دون ذلك من قضايا واهتمامات وطنية، والأدهى من ذلك أن من يرددون هذه المقولة بعضهم ينتمون إلى أحزاب يسارية وقومية، الصراع مع العدو الامبريالي والصهيوني جزء أساسي من برامجهم السياسية التأسيسية.
تلعب هذه المقولة دوراً تخريبياً في الوعي الاجتماعي، يشيع الانهزامية والعدمية، ويثبط الإنسان اليمني عن مقاومة الغزو والعدوان الأجنبي الراهن، وهو العدوان الذي لم يعد هناك ريب في إجراميته ولا في أطماعه الاستعمارية التوسعية، حقائق باتت تعترف بها شخصيات كانت في الصفوف السياسية والعسكرية والإعلامية والدبلوماسية الأولى بجانب تحالف العدوان. 
التبخيس من قيمة اليمني لا تعكس فقط لامبالاة وعدمية في التعامل مع قضايا الحاضر، إنما تعكس في الوقت ذاته جهل في معرفة الماضي الثوري الكفاحي المجيد للشعب اليمني، وتتحمل سلطة الوصاية والتبعية السابقة مسؤولية طمر هذا التاريخ المجيد الذي يتناقض مع خيانتهم وتبعيتهم للأجنبي سواء الغربي الأمريكي البريطاني أو السعودي الإماراتي القطري التركي.
التاريخ اليمني المجيد ينقض هذه المقولة، فصفحاته تشهد بأن اليمن كانت على الدوام لأهميتها الاستراتيجية مطمعاً للإمبراطوريات الاحتلالية التوسعية القديمة والجديدة الرومانية والبرتغالية والبريطانية والعثمانية والأمريكية الراهنة، والتاريخ اليمني لا يعكس هذه الحقيقة فقط، أي لا يثبت أهمية موقع اليمن الجغرافي وثرواتها الباطنية والظاهرية، بل يثبت في الوقت ذاته أن الشعب اليمني شعب ناهض تحرري مقاوم للغزو والاستعمار يحسب له الأعداء ألف حساب، فصفحات التاريخ اليمني مليئة بالبطولات الذي اجترحها اليمنيون وهم يدفنون الغزاة ويقهرون الإمبراطوريات ومنها الإمبراطوريات الاستعمارية في القرن العشرين، الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية والحملات التوسعية السعودية الوهابية، وهذه الأحداث الأخيرة موثقة بدقة من مصادر موثوقة على رأسها وثائق السفارات والقنصليات الأمريكية والبريطانية والعثمانية والسوفياتية. 
الفيديوهات التي توثق تعامل رموز النظام السابق مع الولايات المتحدة الأمريكية لتدمير القدرات الجوية اليمنية، وأيضا بشاعة العدوان والحصار الحالي، وحجم التحالف الدولي والمحلي، وتسابق دول العدوان على الاحتلال والسيطرة وصدامات مرتزقتها في دفاع كل طرف عن أطماع الدول الممولة له، كل هذه الحقائق الملموسة اليوم تسقط هذه المقولة، وتثبت قيمة اليمن وشعبها، الذي قال عنه البردوني: «شعب على سحق الطغاة معودُ».