لكل هذه الأسباب يرى فيه الصهاينة وأدواتهم من عُربان النفط تهديداً جدياً
(حزب الله).. ذلك (الإرهابي)

نشأت المقاومة الإسلامية في لبنان كتنظيم عسكري لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح جنوب لبنان ووصل إلى قلب العاصمة بيروت عام 1982، ليبرز معها حزب الله (المقاومة الإسلامية) كقوة مسلحة أدت دوراً مهماً في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي..قبل ذلك التاريخ كانت أنشطة (المقاومة الإسلامية) جزءاً مما كان يطلق عليه (جبهة المقاومة اللبنانية) التي اختفت تقريبا بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من معظم المناطق التي احتلها عام 1986م، لتصبح المقاومة الإسلامية، منذ ذلك الوقت، وإلى يومنا هذا، الأكثر فاعلية وإيذاءً للمحتل، والمقاومة الوحيدة تقريبًا التي تخوض مواجهات يومية، عبر عمليات متنوعة، ضد التحالف العالمي القذر الذي تقوده الصهيونية\الإمبريالية.
ولد لينتصر
يتميز حزب الله في التاريخ العربي الإسلامي بأنه ظاهرة تنظيمية سياسية جهادية فريدة ومتميزة، وتقدم نموذجا استثنائيا في المنطقة العربية الإسلامية، ومثالا نوعيا لحركات المقاومة والتحرر عالمياً.
سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان عام 1982، وجود فكري وعقائدي يسبق هذا التاريخ، هذه البيئة الفكرية كان لمحمد حسين فضل الله دور في تكوينها من خلال نشاطه العلمي في الجنوب، وكان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بقيادة الخميني، دافعا قويا لنمو حزب الله.
تشكل الحزب في ظروف يغلب عليها طابع (المقاومة العسكرية) للاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح لبنان عام 1982، ولذلك فالحزب بنى أيديولوجيته السياسية على أساس مقاومة الاحتلال. وكانت العمليات العسكرية المتعددة التي قام بها الحزب قد أكسبته شهرة مبكرة في العالم.
وكان العام 1982 عاما مفصليا في حياة المقاومة الإسلامية، ففي هذا العام وقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وبوقوعه حصلت أزمة في صفوف (حركة أمل) بين تيارين متقابلين، تيار يقوده نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني، وكان يطالب بالانضمام إلى (جبهة الإنقاذ الوطني)، وتيار آخر يذهب لفكرة المقاومة بعيداً عن الأيدي المشوهة، كان حسن نصر الله وعباس الموسوي أبرز وجوه التيار الأخير. وبتفاقم النزاع انشق التيار المتدين عن تيار نبيه بري، لكونهم قد سجلوا عليه مآخذ كثيرة بسبب وجود بشير الجميل ضمن (جبهة الإنقاذ الوطني)، وكانوا يعتبرونها تهدف إلى إيصال هذا الأخير إلى رئاسة الجمهورية. والجميل هذا كان خطا أحمر لدى تيار المقاومة والممانعة بسبب موالاته لإسرائيل. وهنا كانت البداية الأولى لظهور حزب الله اللبناني، حيث بدأ هؤلاء الشباب بالاتصال برفقائهم الحركيين في مختلف المناطق اللبنانية، بهدف تحريضهم على ترك تيار برّي والانضمام إلى حزب الله.
اكتسب حزب الله (المقاومة الإسلامية) على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وجوده على الساحة اللبنانية عن طريق المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو 2000، وتصدّى له في حرب تموز 2006 وألحق في صفوفه خسائر كبيرة اعتبرت في إسرائيل إخفاقات خطيرة وتهديداً وجودياً للكيان الصهيوني كدولة.
يعد حزب الله مؤسسة سياسية وعسكرية واجتماعية، وله وجود قوي في البرلمان اللبناني ووزراء في الحكومة، وعلى الرغم من وجود كيانات وأطياف متنوعة في لبنان، إلا أن حزب الله برز على الساحة كقوة كبيرة خلال العقدين الآخرين، بعد انسحاب جحافل القوات الإسرائيلية من جنوبي لبنان عام 2000، تحت ضغط عمليات (المقاومة الإسلامية) وانتصاراتها المذهلة، والتي وصفها الكثيرون بأن حزب الله سجل اسمه ككيان عربي وحيد تمكن من الانتصار في تاريخ الصراع والحروب العربية أمام الآلة الصهيونية الغاشمة.
وجاء الاختبار الأكبر للحزب باندلاع الحرب بينه وبين إسرائيل في 12 يوليو 2006، إثر اشتباكات بينهما عبر الحدود، وتمكنت المقاومة من اختطاف جنديين إسرائيلين وقتل آخرين.
وخلال الحرب التي دامت 34 يوما لم تتمكن إسرائيل من كسر شوكة الحزب، وانتهت بوقف لإطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة، أصبح ساري المفعول في 14 أغسطس، ورفعت إسرائيل حصارها البحري عن لبنان.
يرفع حزب الله دائما شعارات الالتزام بوحدة لبنان، وكثيرا ما ردد أمينه العام حسن نصر الله، في عدد من القضايا، أن الحزب يدافع عن مصالح الشيعة والسنة والمسيحيين في العالم العربي.
يميز حزب الله في تحركاته السياسية على الساحة اللبنانية بين الفكر والبرنامج السياسي، فيرى أن الفكرة السياسية لا تسقط إذا كان الواقع السياسي غير موات لتطبيقها، ويهتم حزب الله بمصير ومستقبل لبنان، ويساهم مع بقية القوى السياسية اللبنانية في إقامة مجتمع أكثر عدالة وحرية. كما يرفع الحزب شعارات الالتزام بالوحدة الوطنية في لبنان، والدعوة إلى رفض الوجود الأجنبي فيه. ويهتم بالقضايا العربية والإسلامية، وبخاصة القضية الفلسطينية، حيث ينادي حزب الله بالقضاء على إسرائيل (معتبراً إياها كياناً غير مشروع)، كما يعتبر الأراضي الفلسطينية كلها أرضا محتلة من البحر إلى النهر.
ويسعى الحزب عبر أدائه السياسي إلى (تطبيق الإسلام) عن طريق الحوار والإقناع، ويرفض أسلوب العنف وسيلة للوصول إلى السلطة، ويدعو كذلك إلى التواصل بين الحضارات، ويرفض الصدام الحتمي بينها، كما ينشط في التنسيق مع التيارات اليسارية والقومية، ولا يمانع الحزب في المشاركة بالحكومة، بالإضافة إلى استطاعته نسج علاقات طيبة مع عدة دول في محيطه الإقليمي وحتى خارجه، وشكل حزب الله حضوراً بارزاً في الحياة السياسية اللبنانية.
تمتلك حركة (المفاومة الإسلامية) من العمل السياسي والاجتماعي ما يفوق العمل العسكري، حيث يضم الحزب عددا من المؤسسات الخيرية التي تعمل في مجال الصحة وحفر الآبار والزراعة والبيطرة والهندسة، وللحزب هيئة مالية لتقديم القروض ومساعدة الأيتام والأرامل والعجزة، كما يلعب دورا أساسيا في رعاية أسر المقاتلين الذين يموتون في عملياته العسكرية.

ملحمة الوعد الصادق
تميز حزب الله عن غيره من الأحزاب السياسية في الساحة اللبنانية بعملياته المسلحة ضد إسرائيل، والتي جعلته يخرج بمنطلقاته السياسية إلى حيز التطبيق العملي، وأكسبته شرعية وشعبية لدى الشارع اللبناني، بل حتى لدى العرب والمسلمين أيضاً.
مثلت العمليات العسكرية الناجحة لحزب الله أبرز عامل قلق أمني للعدو الصهيوني، وكبدت الجيش الإسرائيلي خسائر سنوية بلغت ما بين 22 و23 قتيلاً، وعددا كبيرا من الجرحى والأسرى. وتشير مصادر حزب الله إلى أن متوسط العمليات العسكرية التي شنها في الفترة من 1989 وحتى 1991، بلغ 292 عملية، وفي الفترة بين عامي 1992 و1994 بلغت 465 عملية، أما في الفترة بين 1995 و1997 فقد بلغت تلك العمليات 936، وكان نصيب المقاومة الإسلامية - الجناح العسكري لحزب الله - 736 عملية.
أما المصادر الإسرائيلية فتشير إلى أن إسرائيل فقدت عام 1988 وحده 36 جندياً، وجرح لها 64 آخرون، وخطف منها جنديان. وفي الإجمال كانت حصيلة القتلى الإسرائيليين على مدى 18 عاماً حوالي 1200 قتيل.
بعد هجمات حدودية عديدة قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلية على جنوب لبنان، غزا جيش الاحتلال الإسرائيلي لبنان للمرة الثانية في 1982، بادئاً حرب لبنان عام 1982، وبعد ثلاثة شهور احتل الجيش الإسرائيلي العاصمة اللبنانية بيروت، ثم انسحب جزئياً على مدى ثلاثة أعوام حتى أسس في 1985 ما أطلق عليه اسم (منطقة عازلة أمنية) في جنوب لبنان.. ولم تتوقف عمليات المقاومة المسلحة منذ ذلك الوقت، وفي 1993 ردّت إسرائيل بهجوم ضخم ضد لبنان (عملية المسؤولية) لعرقَلَة أعمالِ حزب الله، قوة المقاومة الرئيسية. ولم تنجح الحملة العسكرية تماماً، حيث استمر حزب الله في مهاجمة الأهداف في كل من لبنان وشمال إسرائيل، بما في ذلك القوات الإسرائيلية وعملاؤها المعروفون بجيشِ جنوب لبنان.
ليبدأ بعده الاحتلال الإسرائيلي أولى الخطوات باتجاه الانسحاب نتيجة لهذه العمليات الفدائية، فكان الانسحاب الأول الكبير عام 1985، ثم تلاه انسحابات أخرى لاحقة، كان أبرزها كذلك الانسحاب من منطقة (جزين) اللبنانية، وخلقت داخل المجتمع الإسرائيلي تياراً شعبياً قوياً يطالب بالانسحاب من (المستنقع اللبناني)، وكان من أشهر الحركات المطالبة بالانسحاب (الأمهات الأربع).
استخدم حزب الله في عملياته العسكرية ضد إسرائيل أسلوب حرب العصابات والعمليات الفدائية، والتي في الأغلب تستعمل الكمائن والعبوات الناسفة والمدافع، بالإضافة إلى صواريخ الكاتيوشا التي اشتهر الحزب باستعمالها ضد المستوطنات الإسرائيلية.
وتميزت أعمال المقاومة العسكرية لحزب الله بالدقة في تحديد الأهداف، والمفاجأة، وتأمين خطوط الانسحاب، وساعدهم في كل ذلك جهاز استخباراتي مدرب؛ وكانت أشهر عمليات الحزب وأنجحها هي معركة (أنصارية) عام 1997، عندما استدرجت طائرة هليكوبتر على متنها 16 مقاتلاً من القوات الإسرائيلية الخاصة، وأبادتهم جميعاً.
في أبريل 1996، قام الجيش الإسرائيلي بهجوم عسكري خاطف ضد لبنان لمدة 16 يوماً، في محاولة لإخضاع المقاومة وإنْهاء قصف حزب الله للكانتونات العسكرية في شمال فلسطين المحتلة.
قامت عناقيد غضب إسرائيل بأكثر من 1100 غارة جوية وقصف شامل (حوالي 25132 قذيفةَ). وقد قُصف موقع للأمم المتحدة أثناء ذلك، مما أدى إلى مقتل 118 مدنياً لبنانياً، فيما استهدفت 639 هجمة صاروخية لحزب الله شمال إسرائيل، خصوصاً بلدة كريات شمونة.
كان الصراع شديداً بين الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي من ناحية وحزب الله والحركات الأخرى (مثل أمل) من ناحية أخرى، ولكنه كان محدداً في الأهداف العسكرية والمنطقة التي تحتلها إسرائيل في جنوب لبنان.
في 9 أبريل قام الحزب بإطلاق 30 صاروخاً على شمال الأراضي المحتلة، انتقاماً للمواطنين اللبنانيين الذين قضوا على يد الجيش الإسرائيلي، وفي 11 أبريل أعلن المسؤولون الإسرائيليون عملية (عناقيد الغضب) انتقاماً لقصف حزب الله، الذي أرعب المحتلين اليهود، وحاصرت إسرائيل موانئ بيروت وصيدا وصور، ودمرت محطات الكهرباء اللبنانية.
كَانت الهجمات مصحوبة بفزع شديد انتاب الصهاينة المحتلين للأرض، وتسبب بهروب 300.000 من المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة.
في هذه الحرب ارتكب الجيش الصهيوني مجزرة قانا الأولى في 18 أبريل 1996، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف مركز قيادة فيجي التابع ليونيفل في قرية قانا جنوب لبنان، بعد لجوء المدنيين إليه هربا من عملية (عناقيد الغضب) التي شنتها إسرائيل على لبنان. أدى قصف المقر إلى استشهاد أكثر من 100 من المدنيين، وإصابة الكثير.
وفي خضم الصراع العربي الإسرائيلي، ومن حرب إلى حرب للعدوان الصهيوني، وإصرار إسرائيل على إبقاء مختطفين لديها، وإصرار حزب الله اللبناني على تبني تحريرهم، وبعد مرور حوالي 30 عاماً على سجن بعض اللبنانيين، وبالذات المناضل العظيم (سمير القنطار)، وبعد يأس المفاوضات غير المباشرة لإطلاق سراحه، قرر حزب الله أسر جنود إسرائيليين لتحرير بقية اللبنانيين وغيرهم من المعتقلات الإسرائيلية، وفي 12 يوليو 2006 شن حزب الله عملية (الوعد الصادق)، أدت إلى أسر جنود إسرائيليين، فبادرت مباشرة القوات الإسرائيلية، واقتحمت الجدار الحدودي، ودخلت إلى الأراضي اللبنانية، فكان حزب الله مترصداً للإسرائيليين، وقصف الدبابتين، فقتل 8 جنود إسرائيليين.. وعلى إثر هذه العملية، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً جوياً على جنوب لبنان، مستهدفاً محطات الكهرباء ومطار بيروت وشبكة من الجسور والطرق، مما أدى إلى مقتل العشرات، كما انضمت قوات بحرية إسرائيلية للهجوم، واستدعى الجيش الإسرائيلي فرقة احتياط مؤلفة من ستة آلاف جندي لنشرها سريعا شمال إسرائيل، وبعدها فرضت إسرائيل حصارا بحريا وجويا على لبنان. من أهم أهدافها ما سمته (سحق حزب الله)، والقضاء على ترسانة الحزب العسكرية، وخاصة الصاروخية منها (والتي كانت ولا تزال تشكل تهديداً أمنياً لأراضيها المحتلة من جهة الشمال)، واستعادة جندييها الأسيرين بالقوة العسكرية، إلا أنها فشلت في تحقيق أي من تلك الأهداف على وقع صواريخ المقاومة الإسلامية (رعد وفجر وزلزال).
مع اندلاع حرب تموز انضمت بعض القوى التحررية إلى جانب المقاومة الإسلامية، كـ(حركة أمل والحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وقوات الفجر)، في هذه الملحمة الأسطورية التي استمرت 34 يوما في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وامتدت ساحتها إلى مناطق مختلفة من لبنان، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية وفي العاصمة بيروت، وفي شمالي إسرائيل، في مناطق الجليل، الكرمل ومرج ابن عامر، ووصلت آثارها إلى هضبة الجولان المحتل.
أثناء الحرب قال السيد حسن نصر الله: (أردتموها حرباً مفتوحة، ونحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة، ومستعدون لها.. نحن مغامرون.. لكننا مغامرون من العام 1982 ولم نجلب لبلدنا سوى النصر والتحرير... هذه هي مغامرتنا).
وأضاف: (نحن أمام خيارين، إما أن نخضع للشروط التي يريد العدو إملاءها علينا بدعم دولي وأميركي وللأسف عربي، وتعني إدخال لبنان في العصر الإسرائيلي... وإما أن نصمد ونواجه الصهاينة... وأعدكم بالنصر مجدداً).
لقد كانت حرباً شاملة شنها الصهانية لتصفية حساب كامل مع لبنان وجيش لبنان، انتقاما وثأراً لما تم إنجازه في 25 مايو 2000 (تاريخ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان).
في هذه الحرب، اختلفت أهداف إسرائيل من العملية، منها إعادة الأسيرين، ومنها ضرب بنى حزب الله، وتحطيمه، ومنها الوصول إلى الليطاني لمنع صواريخ المقاومة الإسلامية من الوصول كل يوم إلى هدف جديد بالعمق الإسرائيلي. وبالرغم من تعدد الأهداف، إلا أن الحرب انتهت بهزيمة الآلة الحربية الأسطورية للصهاينة، ووصلت صواريخ المقاومة الإسلامية إلى: كريات شمونة وشلومي ونهاريا وعكا وحيفا وصفد وكرمئيل وسخنين والمغار وطبرية والناصرة والعفولة ورامات ديفد وبيسان والخضيرة.
مع اقتراب نهاية الحرب، وقبل صدور القرار 1701 الذي ينص على (وقف الحرب) ودخوله حيز التنفيذ بساعات، نفذ الحزب أكبر عملية إبادة لدبابات الميركافا الصهيونية المتطورة في الجنوب اللبناني، في كمين محكم في (وادي الحجير) في القطاع الأوسط للجنوب اللبناني، بما سمي عملية (مقبرة الميركافا)، حيث تمت أكبر عملية إنزال صهيونية لدبابات ميركافا في آخر لحظات الحرب لمحاولة الخروج على الأقل بإنجاز صهيوني من هذه الحرب، ولكن المقاومة فاجأتهم بكمين محكم نتج عنه تدمير أكثر من 35 دبابة صهيونية تدميرا شبه كامل بصواريخ موجهة ومتطورة نسبياً، ومقتل العشرات من الجنود.
في ملحمة تموز أذهلت المقاومة الإسلامية العالم بفدائيتها التي نكلت بقوى تحالف الشيطان المكون من: الصهيونية والإمبريالية والوهابية، وأفشل حزب الله خطط الولايات المتحدة للسيطرة على الشرق الأوسط، وسطر مقاتلو الحزب نصراً تاريخياً ليس للبنان فقط، بل لكل الأمة.

سـيـد الـمـقاومة
حسن نصر الله.. أيقونة نضالية فذة، ورجل مرحلة تحول بفعل الهجوم الإسرائيلي على بلاده (من مجرد الزعيم الأكثر أهمية في الطائفة الشيعية في لبنان، إلى القائد الذي نجا من كل المحاولات الإسرائيلية لقتله واستئصال حزبه، فغدا بطلاً في طول العالم وعرضه). رجل اللحظة الذي صعد نجمه على أنقاض الأبنية التي دمرتها القنابل الإسرائيلية الغبية وحطامها.. بعمامته وطلعته، يطل نصر الله كخازن أسرار حزب الله على الإطلاق، وكاريزما لشخصية جهادية عظيمة، تشخص لها أبصار العالم، بدرجة تفوق أي زعيم آخر.. إنه الرجل الذي سجن نصف سكان إسرائيل في الملاجئ.
فمع كل مرحلة وحدث، يطلق السيد حسن نصر الله انقلاباً استراتيجياً في المنطقة، ويؤسس وضعاً جديداً.. اليوم زالت معه قواعد الاشتباك، وتلاشت حدود الساحات والميادين في حركة المقاومة واشتباكها المفتوح مع العدو الصهيوني، بعد أن أسس قائد المقاومة بذلك لمشهد جديد (خيار المعركة المفتوحة مع العدو).
في 31 أغسطس 1960 وُلد حسن نصر الله في بلدة (البازورية) الجنوبية القريبة من مدينة صور، وبسبب ضيق حال العائلة وانعدام فرص العمل في بلدته الجنوبية التي كانت تشكو كغيرها من قرى وبلدات المنطقة من الفقر والإهمال والحرمان، اضطر للنزوح مع عائلته إلى مدينة بيروت، وهناك أقامت العائلة في منطقة الكرنتينا.. أحد الأحياء الفقيرة في الضاحية الشرقية لبيروت، ساعد في أول أيام حياته والده عبد الكريم نصر الله في بيع الخضار والفاكهة.
أتم دراسته الابتدائية في مدرسة حي (النجاح)، ثم درس في مدرسة (سن الفيل) الرسمية، وبعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، رجع مع عائلته إلى بلدته البازورية، وهناك تابع دراسته الثانوية في مدرسة صور الرسمية للبنين، وخلال وجوده في البازورية التحق حسن نصر الله بحركة (أفواج المقاومة اللبنانية)، المعروفة اختصاراً بحركة (أمل)، التي أسسها موسى الصدر، وعيِّن وهو طالب في المرحلة الثانوية، مسؤولاً تنظيمياً لبلدة البازورية.
وفي 1976 غادر إلى النجف بالعراق للالتحاق بحوزتها العلمية، وهناك التقى بالقيادي عباس الموسوي، ابن منطقة البقاع اللبنانية، الذي أصبح أستاذه وملهمه.. بعد أن عاد نصر الله إلى لبنان التحق بالحوزة الدينية التي أسسها الموسوي في بعلبك.. وهناك تابع حياته العلمية، إضافة إلى ممارسته العمل السياسي والمقاوم ضمن صفوف تنظيم حركة أمل التي كانت قد بلغت أوجها في ذلك الحين. وبفضل قوة شخصيته ومتانة عقيدته وصدق التزامه وإخلاصه، استطاع هذا الشاب الذي لم يبلغ الـ20 من عمره، أن يصل عام 1979 لمنصب المسؤول السياسي وعضوية المكتب السياسي للحركة في البقاع.
عام 1982 انشق عن حركة أمل مع عدد من القيادات والكوادر، بسبب الخلافات حول التوجهات السياسية مع قيادة الحركة، ممثلة برئيسها نبيه بري، ليتأسس إثرها (حزب الله).
وبعد أن تولى مسؤولية حزب الله في منطقة البقاع حتى عام 1985، انتقل نصر الله إلى منطقة بيروت ليتولى فيها مسؤوليات تنظيمية عديدة، منها منصب المسؤول التنفيذي العام لحزب الله (عام 1987)، إلى جانب عضويته في مجلس الشورى، الذي يعد أعلى هيئة قيادية في الحزب.
وفي 1989 غادر إلى مدينة (قم) بإيران، لإكمال دراسته الدينية، لكنه اضطر إلى العودة إلى لبنان بعد عام واحد بسبب التطورات على الساحة اللبنانية.
عام 1992 اغتالت إسرائيل أمين عام حزب الله عباس الموسوي، فتم الاتجاه إلى انتخاب حسن نصر الله وبالإجماع أمينًا عامًا للحزب.. رغم أن نصر الله كان أصغر أعضاء مجلس الشورى سناً. لقد لعبت يومها صفاته القيادية وتأثيره الكبير في صفوف وأوساط قواعد حزب الله، دوراً كبيراً في هذا الاتجاه، وبالفعل فإن انتخابه لتقلد هذا المنصب أثبت أنه كان له الأثر الأبرز في تثبيت وحدة الحزب بقوة بعد الضربة القاسية التي تلقاها لتوّه باغتيال الصهاينة لأحد أبرز رموزه. ‏وفي ذلك العام، وبعد أشهر قليلة من اغتيال الأمين العام السابق الموسوي، اختار حزب الله الدخول إلى قلب المعترك السياسي اللبناني، فشارك في الانتخابات النيابية التي جرت في ذلك العام، وحصد عدداً من المقاعد النيابية عن محافظتي الجنوب والبقاع، وهذه الكتلة (كتلة الوفاء للمقاومة) كبرت وازدادت عدداً في الانتخابات النيابية اللاحقة أعوام 1996 و2000 و2005.
وفي عهده أيضاً، خاضت قوات حزب الله (المقاومة الإسلامية)، وهي الذراع العسكرية للحزب، مواجهات مع القوات الإسرائيلية، التي كانت تحتل جنوب لبنان، أبرزها تلك التي جرت خلال عملية (عناقيد الغضب) في أبريل 1996، والتي تمخصت عن توقيع (تفاهم نيسان)، الذي اعترف بحق المقاومة اللبنانية (ممثلة بحزب الله) في الرد على الاعتداءات الإسرائيلية.
أما الإنجاز الأبرز في عهد قيادة نصر الله للحزب، فكان دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، كما أشرف نصر الله شخصياً على صفقة تبادل الأسرى والجثامين بين حزب الله وإسرائيل، والتي قادت إلى الإفراج عام 2004 عن 24 أسيراً لبنانياً وعربياً، و400 أسير فلسطيني.
لم يألُ أعداء البشرية يوماً من استهدافه شخصياً.. ففي ظلال التصعيدات العسكرية التي تشهدها الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، منذ قيام مقاتلي حزب الله بعملية (الوعد الصادق) ضد موقع لجنود الاحتلال، في 12 يوليو 2006، قصفت إسرائيل مواقع في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، ومن بينها منزل حسن نصر الله، ومكتبه، ممثلاً بمقر الأمانة العامة للحزب، في إشارة إلى جدية التهديد الذي وجهه المسؤولون الإسرائيليون باستهداف شخص نصر الله.
يوصف نصر الله بأنه شخصية كاريزمية، حيث يعتبره الكثير من المحللين والمراقبين سياسياً محنكاً، فضلاً عن أنه يحظى باحترام وتقدير قطاع واسع من اللبنانيين والعرب وأحرار العالم، وينظرون إليه بوصفه رمزاً للمقاومة والنصر والهيبة بعد عقود من الهزيمة والانكسار والاستسلام.
تاريخ يتجلل يوماً بعد يوم لسيد المقاومة ونصير المظلومين في كل الأصقاع.. لقد أعاد سماحة السيد بوصلة الخطاب العربي إلى مكانها الطبيعي، وهو يصف بأن (أشرف وأعظم ما فعله في حياته وكل جهاده هو خطابه في ثاني أيام العدوان السعودي على اليمن).
إنه عِز العرب والمسلمين وعنوان النصر والانتصار الذي سقى أعداءه كأس الموت مراً علقماً، وأذاقهم طعم الذل والهزيمة والهوان.
إكليل ناصع من النضال لمحارب أصيل لايكل ولا يفل.. ومجاهد قدم التضحيات الجسام في سبيل القضية العادلة، ففي 1997 فقد نصر الله ابنه البكر محمد الهادي في مواجهات دارت بين مقاتلي الحزب وجيش العدو الإسرائيلي في منطقة الجبل الرفيع جنوب لبنان، لكن ذلك لم يؤثر عليه حتى نجحت المقاومة اللبنانية في تحرير معظم جنوب لبنان عام 2000، ولا تزال المواجهة مستمرة.
إنها التضحية والصلابة لسيد المقاومة في سبيل القضية.. وليس هناك أصدق من كلمات الراحل العظيم محمد حسنين هيكل، التي تعكس توصيف الموقف النضالي القوي، حينما كتب إليه معزياً باستشهاد نجله (هادي) قائلا: (لقد رأينا الأبوّة تُمتحن بالجهاد إلى درجة الشهادة، ورأينا الجهاد يُمتحن بالأبوّة إلى درجة البطولة. إنني لا أعرف ماذا أقول لك؟ فلا أنا راضٍ عن كلمة عزاء أواسيك بها، فأيّ كلمة عاجزة، ولا أنا قادر على الصلاة من أجلك، فصلاتك أقرب إلى عرش الله من أيّ قول أو همس يصدر عنّي أو عن غيري).

معركة الأرض المفتوحة
على الرغم من استمرار حزب الله بمنح الأولوية للمقاومة، إلا أن مشاركته في التصدّي للعديد من التهديدات العسكرية في المنطقة تشير إلى أن الحزب تجاوز حدود مهمته الأصلية والوحيدة، ألا وهي مقاومة إسرائيل؛ فمواجهة إسرائيل باتت اليوم دوراً من عدّة أدوار يؤديها الحزب في النظام الإقليمي الذي تلى الانتفاضات في الدول العربية، التي أسهمت في صعود التيارات (التكفيرية - الجهادية)، إلى جانب المقاومة، يتولّى حزب الله اليوم مهمّة حماية حدود لبنان، والأمن الداخلي، ومواجهة الإرهاب.
سنة 2013، تبدّل دور حزب الله بنحو دراماتيكي، وتحوّلت مهمته الاستشارية الصغيرة إلى دور قتالي مباشر يشارك فيه عدد كبير من العناصر. بدءاً من القصير، ساعد الوجود العسكري الواسع لحزب الله، الحكومة السورية على استعادة زمام المبادرة العسكرية في مناطق كانت قد فقدت السيطرة عليها لمصلحة العصابات الإرهابية.
لتميل بعدها الأجواء أكثر فأكثر لمصلحة محور الجيش العربي السوري وحزب الله المستمر صوب حلب وإدلب وغيرهما. لقد كان حزب الله القائد الأساسي في عمليات القصير والقلمون وجرود عرسال، كما شارك عناصر حزب الله في القتال المباشر إلى جانب القوات السورية في أجزاء من دمشق والغوطة الشرقية وكسب، ما حسّن الأداء القتالي لتلك الأخيرة. أمّا في حمص وحلب والجولان، فقد أرسل حزب الله قوات عمليات خاصة لمساعدة القوات النظامية السورية وقوات الدفاع الوطني في استرداد المثلث الذي يربط درعا بالقنيطرة.
هذا الأمر الذي أزعج كثيراً أمريكا وإسرائيل وحلفاءهما من الدور الذي تقدمه المقاومة الإسلامية اللبنانية على صعيد القضايا العربية، وربطهم لوصف الإرهاب أمام مسيرتها العادلة.
لقد سبق أن صنفت أمريكا حزب الله كمنظمة إرهابية بعد أن اتهمته بتفجير مقر القوات الأمريكية والفرنسية في بيروت في أكتوبر 1983، الذي أسفر عن مقتل نحو 241 من جنود مشاة البحرية الأمريكيين، وكان سبباً رئيسياً لسحب الولايات المتحدة لقواتها من لبنان.
وبتجنٍّ سافر كذلك فعلت مع حزب الله الذي خاض مقاومة طويلة ضد الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، وواجهت عدواناً صهيونياً عسكرياً عام 2006. وما زالت مقاومة مستمرة في مواجهة أي عدوان صهيوني متوقع في أيّة لحظة ضدّ لبنان.
لكن أكثر العلامات للاستفهام والمسخرة معاً، تتبلور حول نوايا دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما المملكة العربية السعودية، من وراء قرارها الأخير بشأن توصيف حزب الله كمنظمة إرهابية.
جاء القرار الخليجي بصورة (تتوافق تماماً مع توصيف العدو الإسرائيلي، في دليل واضح على الترابط الوثيق بينهما كطرفين معاديين للدول والشعوب، يغذيان الإرهاب العالمي، ومن شأنهما إلصاق تهمة الإرهاب بمن يناهض ويجابه دورهما الوظيفي في تدمير المنطقة وتغيير معالمها).
إنه النموذج لواقع (العلاقة الوثيقة) بين السعودية وإسرائيل، فـ(المملكة الوهابية) موّلت الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، في محاولة للقضاء على حزب الله، وحركت إعلامها وفتاواها ضد المقاومة الإسلامية منذ حرب تموز 2006 وحتى اليوم.. لم يكن وضع دول الخليج (حزب الله) على لائحة الإرهاب، أمراً عابراً أو مجرد ردة فعل، بل هو تطور لافت في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، والتمهيد للحرب المقبلة مع الحزب.
جاء القرار الصهيو\خليجي فيما ترتفع نسبة المقاطعة الغربية للمستوطنات الإسرائيلية، وتأييد الغرب لإقامة الدولة الفلسطينية، كما جاء أيضاً في ظل فشل إسرائيل في تسويق صورتها العربية.
هذه هي السياسة التي اعتمدها بنو سعود تجاه دول المقاومة.. المساهمة في تسليط الأنظمة العميلة التابعة على رقاب الشعوب العربية وتجويع هذه الشعوب قدر المستطاع حتى لاتتمكن من النهوض ضد الواقع المرير.. مع صرف الملايين من الدولارات لنشر الفكر التكفيري الوهابي، ليس بدافع الدين، بل بدافع تفريغ الأوطان العربية من المقاومة والعيش بكرامة.
يخطئ قادة الرجعية والمهانة العربية بتحميل اللبنانيين تبعات صراعهم مع إيران والحزب، ويخطئون أكثر إذا ما صدّقوا في لحظة المواجهة مع طهران، أن إسرائيل ضرورية. إن وضع الحزب على لائحة الإرهاب قد خدم الحزب وليس العكس، فالجزء الأكبر من الشارع العربي لا يزال مؤمناً بالمقاومة وفلسطين.. لقد أسقطت المقاومة جميع الحسابات الافتراضية للصهيونية والإمبريالية الغربية وخدامي هاتين الحركتين من عبيد دول الخليج، وقدمت التضحيات بأجيال من الشهداء، ووقفت اليوم كطليعة قومية مناضلة ضد الهيمنة الاستعمارية والغطرسة الصهيونية، وترجمت على الأرض شعار التحرر من الاستعمار والتبعية، وسارت على الخط الصادق لتحرير فلسطين، ونادت بالوحدة القومية، ونادت بمقاومة عصابات التكفير الإرهابية والتخلص من تهديدها الوجودي. 
كما تجاوزت المقاومة الإسلامية كل حواجز الحدود، وأقامت مع شركائها قواعد الكفاح في مواجهة العربدة الصهيونية الأمريكية التي صاحبت ما سمي الربيع العربي، والتي انطلقت من وهم إسرائيلي كبير.. بدأت بشائره اليوم تتضح في الزلزال المدمر الذي اجتاح بجنونه وهوسه على دول المنطقة العربية المقاومة والممانعة لسلام المسوخ.. إن كل ما تشهده المنطقة من مؤامرات امبريالية وصهيونية واستعمارية ورجعية، هدفه الأساسي توفير حماية كيان الاحتلال ولمصلحته قبل أي شيء آخر، بل هو صراع على أرض العرب بدماء العرب، لكن لازال الأعراب هم أنفسهم لم يتغير منهم منذ 15 قرناً سوى شماغ بروجيه، ويبدو أن العقلية لم تبتعد عن البداوة شبراً واحداً.