لم يكن غريباً البتة أن يحظى مؤتمر حكماء وعقلاء اليمن الذي عقد الاثنين الماضي، تلبية لدعوة السيد القائد عبدالملك الحوثي، بمشاركة واسعة من كافة محافظات الجمهورية ومن مختلف المكونات والتيارات المجتمعية. ومما لا شك فيه أن اجتماعاً شاركت فيه 4800 شخصية قيادية يمنية من المجلس السياسي الأعلى ووزراء وأعضاء لمجلسي النواب والشورى وشخصيات عسكرية وأمنية وعلماء ورؤساء وأمناء عموم الأحزاب والتنظيمات السياسية وقيادات المجتمع المدني, أنه سيكون محطة مفصلية في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي، وتعزيز وحدة وثبات الصف الداخلي.
وفي هذا التقرير اقتربنا كثيراً من المؤتمر، وحصلنا على تصريحات من بعض أبرز المشاركين فيه، تحدثوا بها لصحيفة (لا) عن أهمية انعقاد المؤتمر والمتغيرات المتوقع ترتبها عليه.
دوافع اللقاء
ذهب عقلاء وحكماء اليمن إلى لقاء الـ10 من رمضان الذي سبقته لقاءات تحضيرية في المحافظات، ضمت كافة شرائح المجتمع اليمني, لتدارس الأوضاع الراهنة التي يمر بها الوطن، آخذين العزم والإرادة من صمود ووحدة الشعب في وجه العدوان على بلادنا، ما نتج عنه تماسك للجبهة الداخلية، وهو الذي كلل أداء الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات بالنصر والظفر على جحافل العدوان ومرتزقته.
وأتى لقاء الوحدة والإخاء في إطار الخطوات العملية للشعب في تعزيز تماسك الصف, كي يقف الجميع على أرضية صلبة في مواجهة تحالف العدوان الهمجي الذي تقوده دول الظلم والاستكبار في العالم، مستخدمة كل ما تملكه من أسلحة ارتكبت بها أبشع المجازر بحق الأبرياء في كل مكان يذهبون إليه.. كما أن المعتدين لم يكتفوا بشن عدوان عسكري على البلد، حيث ذهبوا إلى شن عدوان اقتصادي بعدة وسائل من بينها فرض الحصار البري والبحري والجوي, كل هذا في ظل صمت المجتمع الدولي، بل وتواطؤ مفضوح من قبل الأمم المتحدة التي تساوم أبناء الشعب اليمني - وبعد عامين من القتل والتدمير - على كرامتهم وعزتهم وقوت أطفالهم وسيادة واستقلال بلدهم عبر مبعوثها, ولم يكن هذا الموقف غريباً عليها، فقد عملت خلال ما مضى من فترة العدوان كغطاء لجرائمه ومبرر لها كونها غير مكترثة بالقتل والتدمير والمعاناة التي يتعرض لها الشعب اليمني.

أهمية لقاء الـ10 من رمضان
لمؤتمر الـ10 من رمضان أهمية كبيرة ودلالات كثيرة، أبرزها أنه جمع معظم القوى السياسية المناهضة للعدوان, حيث أظهر قوة وتماسك المجتمع اليمني في مواجهته، ويرى الأستاذ محمد طاهر أن هذه من أهم رسائل لقاء الـ10 من رمضان.
وقال طاهر الذي شارك في المؤتمر لصحيفة (لا): إن الرسالة الثانية مفادها أن الشعب اليمني وقواه الحية ما تزال مستعدة للمواجهة والصمود والثبات والتحدي مادامت الجبهة الداخلية متماسكة, فالإرادة موجودة، وكذلك القدرة على الردع، فلم يضعف الشعب اليمني بعد، ولم تكسره ورقة الحصار الاقتصادي، وسيصمد لأطول فترة ممكنة حتى ينهار العدوان وينكسر.
وأضاف القيادي في حزب الرشاد السلفي محمد طاهر، أنه على اللجنة المشكلة في المؤتمر والموضحة في بيانه الختامي، متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من توصيات على أرض الواقع, ليتم تحريك كل قوى المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بشكل متماسك وقوي لتحقيق الهدف الرئيسي، وهو التصدي للعدوان حتى يتفكك صفه وينهزم.

اليمانيون يتفقون  وأعداؤهم يختلفون
لم تكن الصدفة هي التي جعلت اجتماع الوحدة والإخاء الهادف لتعزيز وحدة اليمنيين، يتزامن مع تفكك الدول المتحالفة في العدوان واضطراب علاقاتها, خصوصاً وأن أمريكا عقدت مع تلك الدول وغيرها قمة سمتها (العربية الإسلامية الأمريكية) في الرياض، قبل أيام من شهر رمضان.
وبسبب ما يعانيه المواطنون من العدوان ومرتزقته خصوصاً في المحافظات المحتلة من قبل الغزاة, وإدراك القوى الوطنية أن لليمن نصيباً من المؤامرة التي حاكتها تلك القمة من أجل تفكيكه وتمزيقه ليصبح لقمة سائغة لقوى الظلم والاستكبار، جاء عقد هذا اللقاء الذي يوحد المواطنين من مختلف المحافظات لمواجهة المحتل, وفي هذا قال الدكتور سامي عطاء (الأكاديمي في جامعة عدن) والمشارك في المؤتمر لصحيفة (لا): إن المؤتمر انعقد في ظل أوضاع غاية في التعقيد، حيث إن هناك مناطق عديدة ترزح تحت الاحتلال رغم جلاء الصورة، فوضع السكان في المناطق المحتلة في أسوأ حالاته، والخدمات معدومة فهم يعانون من عدم توفر الكهرباء والماء وأزمات في كافة جوانب الحياة.
وأضاف الدكتور سامي أن الناس في تلك المناطق يعانون من انعدام الأمان الذي أفضى إلى انتشار عمليات القتل والاغتيالات والاخفاء القسري وصراع المليشيات، وهذا دليل فاضح وواضح لأكذوبة عدوان التحالف الذي برر تدخله العسكري من أجل إعادة (الشرعية)، فما يجري في الأرض هو حرب ضد البلد من أجل تدميره, وعلى هذا الأساس جاء هذا المؤتمر من أجل تمتين وتقوية قوى الحق، وتعزيز صمود أبطال الجيش واللجان الشعبية في الجبهات، كما أن الهدف من المؤتمر هو توجيه رسالة لقوى تحالف العدوان مفادها أن الجبهة الداخلية متماسكة وقوية ولا تعاني مما تعاني منه فصائل مرتزقتهم من تفكك وخلافات بينية.. وتحدث الأكاديمي في جامعة عدن الدكتور سامي عطاء لأسبوعية (لا) عن أن اللقاء بعث رسالة لبعض القوى في الداخل يطالبها فيها بأن تكف عن فسادها وتدمير الجبهة الداخلية, وأن مجابهة العدو يجب أن تكون متكاملة، أي ليس بالسلاح فقط، ولكن أيضاً بالاقتصاد وحسن إدارة المعركة في مختلف الجبهات, سواء جبهة معركة الدفاع وإفشال خطط العدوان أو الجبهة الاقتصادية أو الجبهة السياسية.. وقال الدكتور عطاء إن مؤتمر حكماء وعقلاء اليمن وجه رسالة أيضاً للعالم أجمع يخبره فيها بأن الشعب اليمني صامد ولم ولن ينكسر، وأن أبناءه سائرون صوب كسر العدوان وتحرير أراضيهم من المحتلين مهما كانت التضحيات، ولن يتنازلوا عن حقهم في السيادة واستقلال القرار.
حضور قوي للجنوب
حضرت المحافظات الجنوبية بقوة في اجتماع حكماء وعقلاء اليمن، بقياداته الوطنية الرافضة لمشروع العدوان في احتلاله، ليبعث أبناؤه رسالة للغزاة مفادها أنهم لن يظلوا صامتين على احتلال أرضهم، وسيقاتلونهم كما فعل إخوانهم في المحافظات الشمالية.. فمحافظات حضرموت ولحج وشبوة وسقطرى والضالع حضرت بممثلين من وجاهاتها وقياداتها المحلية، أبرزهم الشيخ محمد بلعيد الكندي رئيس المجلس الوطني الأعلى لمواجهة العدوان، وأحد مشائخ حضرموت، والذي أكد للصحيفة أن القيادات الجنوبية الحرة تعمل بكل جدية وبالترتيب مع قيادات الدولة على إيجاد خطط استراتيجية لتحرير أراضي الجنوب من الاحتلال الغازي. مشيراً إلى أنه لا خيار لديهم من أجل تحقيق ذلك سوى المواجهة.

نتائج لقاء حكماء وعقلاء اليمن
خرج مؤتمر حكماء وعقلاء اليمن بوثيقة حملت 23 نقطة، أكد المشاركون فيها على سيادة واستقلال ووحدة اليمن, رافضين كل أشكال الوصاية الخارجية ومحاولات تجزئة وتقسيم البلد.. وأوضحت الوثيقة أن الخيار الوحيد هو الاستمرار في التصدي للعدوان كخيار استراتيجي لكافة أبناء الشعب من مختلف مكوناتهم وانتماءاتهم, وأن مواجهته تمثل أولوية مطلقة لجميع مؤسسات وأجهزة الدولة والقوى والأحزاب, وعدم السماح بأي عمل لأية جهة أو فئة من شأنه خلخلة الصف وإضعاف الجبهة الداخلية.
ودعت وثيقة اللقاء إلى تعزيز الشراكة الوطنية بين القوى السياسية المناهضة للعدوان, وضرورة تفعيل دور الجميع في مواجهة العدوان.. وتناولت نقاطاً أخرى ضرورة تفعيل القضاء وإصلاحه للقيام بمسؤولياته وواجباته الدستورية والقانونية تجاه أبناء الوطن, بالإضافة إلى أهمية التكافل الاجتماعي كونه أساساً متيناً للوحدة والإخاء بين جميع أبناء الشعب، وعاملاً أساسياً في تماسك الجبهة الداخلية.. وأشارت الوثيقة إلى أن المشاركين اتفقوا على ضرورة توحيد الخطاب الإعلامي الرسمي والحزبي والخاص وضبطه وتوجيهه ضمن أولوية مواجهة العدوان, وترك المناكفات والمهاترات الإعلامية التي تساعد العدو في خلخلة الجبهة الداخلية. مؤكدة أهمية الالتزام وتفعيل الاتفاقيات السياسية المشتركة بين القوى الوطنية بما يخدم الحفاظ على وحدة الصف وتعزيز عوامل الصمود.
كما لم يغفل حكماء وعقلاء اليمن الدعوة لتعزيز الجبهات سواء الداخلية أو جبهات الحدود ورفدها بالمال والسلاح والمقاتلين، باعتبار هذا الأمر واجباً دينياً ووطنياً ومسؤولية إلزامية على جميع القوى والمكونات, وكذلك الدعوة لتفعيل دور المرأة اليمنية، ودعم وتشجيع دور القبيلة في مواجهة العدوان.
ودعا بيان مؤتمر الوحدة والإخاء حكومة الإنقاذ إلى مكافحة الفساد بكافة أشكاله، ومعاقبة كل من يثبت تورطه بارتكاب أية جريمة من جرائم الفساد بحسب القانون, والعمل الجاد على رفع وتحسين وضبط الإيرادات بما يكفل تسليم المرتبات حسب الإمكانيات، وتحسين الوضع المعيشي لأبناء الوطن. معلناً رفضه لما تقوم به قوات الاحتلال في المحافظات الجنوبية والشرقية وتعز من تمزيق ونهب واستغلال للثروات، وقتل وتشريد وتدمير لأبناء تلك المحافظات، ورفض كل محاولات العدوان الهادفة إلى توطين العناصر والتنظيمات التكفيرية فيها.
وفي كلمته التي ألقاها في المؤتمر، لفت رئيس المجلس السياسي الأعلى الأخ صالح الصماد، إلى أن الأمل معقود في هذا اللقاء للخروج بآليات مشتركة بين مكونات اللقاء والمجلس السياسي لضبط إيقاع القوى السياسية وتحقيق الشفافية ومراقبة الأداء وتحقيق أولوية مواجهة العدوان والترفع عن المشكلات الداخلية ومن منطلق المعرفة التاريخية لوجود الفئات الداخلية المتآمرة التي تحاول الإيقاع بين القوى المدافعة عن الوطن وعزته.