ما بين وقف إطلاق النار وطاولة المفاوضات
الكويت..  من يعيد عقارب الساعة إلى الخلف؟


أكد المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، في 21 مارس الفائت، أن جولة مفاوضات جديدة ستنطلق بالكويت في 18 أبريل، لغرض إنهاء الحرب المستمرة في اليمن.
بعد زيارة لصنعاء في 19 مارس، عاد المبعوث الأممي إلى نيويورك، وعقد في مقر الأمم المتحدة مؤتمراً صحفياً أعلن فيه أن أطراف النزاع في اليمن اتفقت على وقف لإطلاق النار يبدأ في منتصف ليلة 10 أبريل (اليوم الأحد)، مشدداً على أن هذه الهدنة ستساعد على إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
خلال مغادرته لصنعاء, رفض مبعوث الأمم المتحدة, الإدلاء بأي تصريحات حول المفاوضات التي أجراها منذ السبت قبل الماضي، مع المكونات السياسية اليمنية، بهدف التوصل إلى هدنة دائمة.
إلى هنا دار حديث وكثير من اللغط حول جدل قانوني وسياسي يتعلق بهوية المعنيين بالطرف الحكومي في ظل ما استجد من متغيرات عقب إطاحة بحاح وتنصيب بديلين من نزلاء الرياض، وانقسام يدور في أوساط حلفاء السعودية أنفسهم، فضلاً عن مأزق قانوني تجد نفسها فيه الأمم المتحدة أمام ثقب أسود, ويفـترض أن يفصل فيه الرأي خبراء القانون الدستوري والقانون الدولي بالمنظمة الدولية، وهو ما لم يحدث، وتتحاشى التعاطي معه الأمم المتحدة ومن يمثلها.
على صعيد الردود الدولية, قال ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إن موسكو تعول على نجاح المفاوضات بين طرفي النزاع في اليمن، المقرر إجراؤها في الكويت. 
وتابع بوغدانوف للصحفيين في أعقاب مشاورات أجراها في الكويت، الثلاثاء الفائت، مع ممثلين عن القيادة الكويتية: (إننا نأمل في ذلك، وهناك فرص واقعية لإنجاح هذه المفاوضات).
واعتبر الدبلوماسي الروسي أن اختيار الكويت لاستضافة الجولة الجديدة من الحوار اليمني-اليمني، يدل على الثقة التي يوليها الشعب اليمني للكويت.
بدوره، قال خالد الجار الله، نائب وزير الخارجية الكويتي، إن الجانب الروسي أعرب خلال المشاورات عن دعمه الكامل للّقاء المرتقب في الكويت.
كما أشاد الجار الله بالدور الذي تلعبه روسيا في المنقطة، معتبراً أن الخطوات التي تقدم عليها موسكو ترمي إلى استعادة استقرار الوضع في الشرق الأوسط.
وعن بعض التفاصيل الخاصة بالمفاوضات المقبلة, أكد ولد الشيخ أحمد أن المحادثات المقبلة في الكويت تهدف إلى التوصل لاتفاق شامل ينهي العدوان على اليمن.
وقال ولد الشيخ في اللقاء الذي جمعه مع المسؤولة العليا للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي فردريكا مورغيني، الثلاثاء الماضي، في بروكسل (إن الوضع في اليمن يزداد صعوبة، وأعداد الضحايا أمر يصعب وصفه).
من جانبها، أكدت مورغيني أن الحل السلمي في اليمن يصب في مصلحة منطقة الشرق الأوسط بكاملها.
ودعت المسؤولة الأوروبية جميع الأطراف السياسية في اليمن إلى الالتزام بالحوار وفتح صفحة جديدة. مؤكدة دعم الاتحاد الأوروبي لوقف إطلاق النار والحوار.
فيما دعا الاتحاد الأوروبي كافة الأطراف إلى التعامل بحسن النية في تنفيذ وقف إطلاق النار المرتقب، وفي المحادثات القادمة التي تقودها الأمم المتحدة.
وفيما يبدو موقف مصر والجامعة العربية أسيراً لقرارات الرياض, قال المتحدث باسم الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد، إن مصر تتابع جولة المفاوضات الجديدة بين العناصر اليمنية المختلفة، والمقرر إقامتها في الكويت، لإنهاء الحرب في اليمن.
وأضاف أبو زيد في تصريحات صحفية لعدد محدود من المحررين الدبلوماسيين، أن (هناك اتصالات قائمة مع الجانب اليمني من خلال سفير مصر في اليمن يوسف الشرقاوي، والمتواجد في مقر الحكومة اليمنية المؤقتة في الرياض)، موضحاً أن الشرقاوي يلتقي كافة المسؤولين اليمنيين من وقت لآخر للتنسيق للتعاون المشترك.
وأشار أبو زيد إلى أن السفير المصري في اليمن ينسق الجهود مع المبعوث الأممي في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مشدداً على أن مصر جزء من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ومستمرة في دعمه تماماً، حسب تعبيره.
من جانب آخر, توجه وفد من العسكريين الذين يمثلون الجيش واللجان الشعبية، في (لجنة التهدئة ووقف إطلاق النار) المشرفة على التهدئة، إلى الكويت، قبل يومين، لإجراء التحضيرات لخطوات تثبيت التهدئة، والإشراف على الوقف الشامل لإطلاق النار، تحت إشراف الأمم المتحدة، كما يتواجد في الكويت بالوقت ذاته وفد من الرياض، لذات المهمة.
كما وصل خبراء سياسيون من الأمم المتحدة, إلى صنعاء والرياض، من أجل العمل مع وفود استئناف المحادثات، بينما فريق آخر في طريقه إلى الكويت لوضع اللمسات الأخيرة، ولجان مشتركة سيعمل من خلالها خبراء عسكريون من الأطراف المتحاربة في اليمن، تحت إشراف الأمم المتحدة، على مراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار.
وبدأت الأمم المتحدة في العاصمة العمانية (مسقط)، الأسبوع الماضي, بتدريب الفرق الخاصة بوقف إطلاق النار في اليمن، تمهيداً لنشرها ابتداء من اليوم الأحد.
ومن المقرر أن يتم نشر تلك الفرق، في مناطق الصراع، وفي مقدمتها تعز، ومأرب، والجوف... وغيرها، قبيل الموعد الذي أعلنته الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار ابتداء من الساعة الـ12 مساء اليوم الأحد بالتوقيت المحلي لليمن، يشمل جميع المناطق.
ثمة مخاوف مشروعة من أن تكون مسودة المباحثات السياسية صناعة سعودية تهدف إلى توظيف مفاوضات الكويت لتحقيق ما عجز عنه (العدوان) خلال ما يزيد عن عام.
وإشارة لمسودة اتفاق وقف إطلاق النار بأنها لا تضمن (اتفاقاً).. وتؤشر على صيغة (مفخخة) تفرض سلاماً بمعطيات استسلام، اشترط المؤتمر وأنصار الله (وقف العدوان ورفع الحصار) قبل إجراء جولة جديدة من المفاوضات مع الطرف الآخر.
حيث أكد أحمد الحبيشي، الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الشعبي، استمرار الخلافات وعمقها، وحرص هادي والتحالف على إحراز انتصارات سياسية بعد أن تعذر ذلك في الجانب العسكري, موضحاً أنه تم إبلاغ الأمم المتحدة باعتراض فريقه على مشروع اتفاق وقف إطلاق النار، لأن المشروع لا ينص على وقف غارات طائرات التحالف، بل يتحدث عن وقف القتال على الأرض، ولأنه يطلب أيضاً تسليم الأسلحة إلى رئاسة أركان الجيش التابعة لحكومة هادي.
ومن بين الأسباب التي أوردها في سياق تبرير الاعتراض على مشروع الهدنة، ذكر الحبيشي أن المشروع لا يتحدث عن مواجهة الجماعات الإرهابية، التي تسيطر على عدة مناطق في اليمن، وقال (إنهم أجلوا الموافقة أو عدم الموافقة على المشروع حتى معرفة رد الأمم المتحدة على الملاحظات المقدمة منهم، وأنه في حالة التعاطي الإيجابي مع الملاحظات، سينتظرون مسودة المباحثات السياسية لدراستها وتقديم الملاحظات عليها).
وحذر المتحدث باسم المؤتمر من أنه في حال إصرار المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد على ضرورة وقف العمليات العسكرية في الأرض، واستمرار القصف الجوي بذرائع مختلفة، وتسليم المعسكرات والأسلحة إلى هيئة أركان الجيش التابعة لحكومة بن دغر، فإنه بتلك المسودة يدق أول مسمار في نعش مفاوضات الكويت.
وكان الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام صرح بأنهم سلموا اعتراضهم على المسودة إلى المبعوث الدولي، ولم يوافقوا عليها حتى الآن. وهو أمر يشير بوضوح إلى أن البدء بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في الموعد المتفق عليه من قبل، قد لا يكون ممكناً نظراً للمدة الزمنية القصيرة المتبقية.
وأكدت حركة أنصار الله، أن الحوار بلا شروط مسبقة أو بمحددات متفق عليها وبعد تثبيت وقف إطلاق النار في الموعد المتفق عليه، أمر مقبول من الجميع.
وقال الناطق الرسمي لأنصار الله، في منشور على صفحته في (فيسبوك)، الثلاثاء الماضي، إنه (تم التوافق على استمرار التهدئة على طول الشريط الحدودي بما في ذلك جبهة ميدي الحدودية، ووقف الأعمال العسكرية في عدد من المحافظات اليمنية، كخطوة أولى، ووقف التصعيد العسكري في بقية محاور القتال، وصولاً الى الوقف الكلي للحرب).
وأضاف أن (ذلك يأتي في سياق التفاهمات الأولية التي تؤدي الى وقف شامل للأعمال العسكرية في البلاد، وفتح آفاق واضحة للدخول في الحوار السياسي اليمني اليمني المزمع عقده الأحد القادم برعاية الأمم المتحدة).
وكل ذلك يجري في الوقت الذي تواصل فيه قوات التحالف بقيادة المملكة السعودية على رأس ائتلاف من تسع دول عربية، منذ عام، عملية إبادة وتدمير قذر لكل شيء في اليمن تحت اسم (إعادة الأمل)، والتي كانت تهدف ـ بحسب الرياض ـ إلى إعادة ما يسمى (شرعية) عبدربه منصور هادي، الذي أطاحت به انتفاضة شعبية بعد انتهاء ولاية حكمه.
وأيضاً بعد أن رعت الأمم المتحدة مؤتمري مفاوضات في سويسرا - الأول في جنيف منتصف يونيو والثاني في بال منتصف ديسمبر 2015- بين الحكومة اليمنية من جهة، والمؤتمر الشعبي وأنصار الله من جهة ثانية، دون التوصل إلى أي اتفاق يحل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ حوالي عام.
إذا كان مطلوباً اختصار الوضع اليمني بعبارة واحدة، فكلّ ما يمكن قوله أن مفاوضات الكويت تشكّل فرصة لوضع الأسس لتسوية تأخذ في الاعتبار الحاجة الى صيغة جديدة لليمن يتمثل في تسوية سياسية تتمحور على تغليب المصلحة الوطنية, بشرط أن يمتلك الطرف اليمني المقيم في الرياض الإرادة السياسية الحرة للوصول إلى تسوية سلمية للصراع بوسائل دبلوماسية.
لا بدّ أن تعاد البوصلة إلى مكانها الصحيح من فوق طاولة الكويت, ولابد من تذكّر هذه المشيخة الخليجية المستضيفة لبصيص من أمل لسلام وأمن اليمن, لم تكن الكويت يوماً بعيدة عن اليمن أو غريبة عنه.. حتّى عندما كان اليمن يمنين، كانت الكويت على علاقة باليمن الجنوبي, تجاوزت كل الاعتبارات التي تدعو الى مقاطعة هذا البلد، وحاولت مساعدته قدر المستطاع, كانت الكويت وراء معظم المشاريع ذات الطابع المفيد في اليمن الجنوبي قبل الوحدة, بنت الكويت طرقات وأنفاقاً وجسوراً ومدارس ومستشفيات، حتّى عندما كانت معظم دول الخليج تقاطع الدولة الماركسية الوحيدة في العالم العربي.
في العام 1979، أي مباشرة بعد تولي علي عبدالله صالح السلطة في الشمال، استضافت الكويت، إبان الحرب الباردة، مفاوضات بين الشمال والجنوب، إثر اشتباكات حدودية بين بلدين مستقلين كادت أن تتحوّل الى حرب شاملة بينهما. نجحت وقتذاك في منع اندلاع حريق كبير في اليمن.
في الواقع، نجحت الكويت وقتذاك، بدعم عربي، وعلى وجه الخصوص سوري، في استيعاب الأزمة الخطيرة بين عدن وصنعاء، في وقت كان الجنوب يعتقد أن علي عبدالله صالح سيكون لقمة سائغة، خصوصاً أنّه لم تمضِ سوى أشهر قليلة على وصوله الى الرئاسة.
تمتلك الكويت خبرة طويلة في اليمن، لكن هناك تبدلاً عميقاً في المعادلة القائمة اليوم.. لم تعد كويت اليوم كما كانت بالأمس.. تشارك الكويت اليوم بالعدوان على الشعب اليمني، وتمول من صناديقها ملايين الدنانير للإنفاق على شراء أسلحة الموت والدمار المنصبة على اليمن, تدعم الكويت بمبالغ طائلة الخونة والعملاء والمرتزقة والإرهابيين الذين يستميتون بقتال كل ما هو أصيل وجميل في اليمن.
من يعيد عقارب الساعة إلى الخلف..؟ بكل بساطة أصبحت المعادلة مختلفة في اليمن, ليس من الصدفة انتقال الأطراف المعنية الى الكويت بدل العودة الى جنيف في ظل توازن جديد استطاعت أن تفرضه إرادة الصمود والدفاع عن الأرض.. إنّه توازن عسكري وسياسي في آن واحد، قد تكون الأطراف المعنية أخذت علماً به بعد ما تبيّن أن المملكة العربية السعودية التي لم تحصل على انتصار كبير على الأرض بضرباتها الجوية القاتلة والعشوائية، جعلت اليمن أرضاً خصبة للتنظيمات الإرهابية.
يدرك المجتمع الدولي خطورة تصعيد الرياض وحلفائها، وانعكاسات ذلك على الصراع في الشرق الأوسط، ولهذا اتجه نحو المطالبة بالتهدئة ودعم خيارات السلام. وتتحرك عواصم الدول الكبرى لاحتواء هذا التصعيد والضغط نحو استكمال مسيرة السلام في اليمن، لأنها تدرك أن التحالف الذي تقوده السعودية مع أمريكا وإسرائيل، لم يمتلك القدرة على الحسم العسكري، ويعي جيداً حجم المأساة الإنسانية التي أنتجتها الحرب، وخطورة استمرارها.
عام مضى وساعة العدوان لما تنتهِ بعد ليُعلن وقف العدوان. لم تتمكن جيوش تحالف العدوان من دخول صنعاء، ولا هي أعادت الفار (عبد ربه منصور هادي) إلى العاصمة.. فماذا حققت المملكة؟ بعد عام ارتدت العاصفة على السعودية.
اليمنيون الذين دخلوا العام الجديد على أمل أن يكون مختلفاً عن سابقه، لكن بعد الدمار الذي طال كل شيء، تراجعت أحلامهم في قرب إحلال السلام على وقع الانفجارات الضخمة والجنائز المتواصلة للضحايا الذين يسقطون نتيجة الغارات.
في الحقيقة أصبحت اليمن (ثقباً أسود) مقابل صمت وتواطؤ عالمي على ما يجري في اليمن، وما تتعرض له من عدوان راح ضحيته الآلاف من المدنيين، وكل ذلك بسبب أن اليمن لا تُعرف بشكل جيد على عكس سوريا أو العراق.