عادة ما تقترن الثورات بإحداث تحولات في بنية الوعي الاجتماعي والسياسي، وتُفضي إلى حالة فرز تلقي بظلالها على أفراد المجتمع، وما الثورات إلا نتاج صراع طبقي بين قوى الهيمنة والاستغلال من جهة، والشرائح الشعبية المستضعفة في الجهة المقابلة. 
لقد مثلت الثورة الفرنسية صورة جلية للفرز الذي تُحدثه الثورات والتحولات الاجتماعية، بعد أن تأكد للثوار أن التسامح والتصالح مع أعداء الشعب غير ممكن، كونهم لا ينفكون عن التخطيط لإفشال الثورة والحيلولة دون اكتمال تحقيق أهدافها؛ حيث كانت الجماهير الثورية الفرنسية تُخرِج الفاسدين وتتحسس أيديهم، فيقطعون الأيادي إذا كانت ناعمة، لأنها تنعَّمت من نحول الشعب وجوعه.
على ذات المنوال مضت كل الثورات في العالم الحر، وكذلك الثورات اليمنية، إلا أن ثورة 21 أيلول الشعبية على عكس سابقاتها بدأت متصالحة إلى حدٍّ بعيد مع من في قلوبهم مرض وهجنت نفوسهم على الاستعباد والعمالة؛ إذ تركت فترة زمنية للتوبة الوطنية، وعملت على فرملة الفعل الثوري وتفتير أهداف الثورة، واكتفت فقط بإزاحة السلطة الكولونيالية، حتى جاء العدوان السعودي الأمريكي، فذهب البعض، وهم قلة ممن يرفضون الانعتاق من الهيمنة، لتأييد العدوان والتجند في صفوفه، مما أسفر عن حالة من الفرز الوطني والسياسي والاجتماعي على مختلف الأوساط الاجتماعية، وبات الموقف من العدوان هو المؤشر بين الوطنية والعمالة.. الحرية والعبودية، بل أصبح بوصلة العلاقات بين المواطنين، ومحدد الصديق من العدو. 
لقد تولدت الكثير من العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية بحسب الموقف من العدوان، نقلت المجتمع اليمني من حالة الفرز المناطقي والطائفي التي فاحت رائحتها مع تكريس مشروع تجزئة الوطن إلى ستة أقاليم يعيش اليمنيون في ظله حالة من الصراعات والتناحرات البينية، بيد أن شروع العدوان السعودي الأمريكي على الشعب اليمني، نقل المواطنين إلى مواجهة العدوان، مدشناً حالة فرز جديدة برز الموقف الوطني على المحك، على حساب تلاشي معايير الفرز الجغرافية أو العشائرية والطائفية. 
جملة من السياسيين والأكاديميين كانوا يحظون بشعبية واسعة، تراهن عليهم بأنهم حملة المشروع الوطني، ليتضح من خلال ارتمائهم بأحضان الرياض، أنهم حملة مباخر للملك، وأن القضية الوطنية غائبة عن ذهنياتهم، فسقطت سمعتهم إلى الوحل في نظر الشارع، وأصبح النظر إليهم أنهم لا يختلفون عن أساطين الحرب وتجّارها الذين يسفكون الدم اليمني. 
أيضاً على المستوى الفني خسرت بلقيس أحمد فتحي جماهيرية واسعة منذ أن أعلنت أنها ستغني لما سُمي (عاصفة الحزم)، بعد أن نال الظهور الفني الأول لها زخماً شعبياً، واعتبره البعض نقلة نوعية في الفن اليمني، لكن الموقف الوطني المناهض للعدوان يجعل الذائقة الفنية تواكب الموقف، بحيث ازدادت نسبة المتابعة والاستماع إلى زوامل عيسى الليث إلى أعلى المستويات في أوساط المواطنين، فيما تنخفض نسبة السماع إلى أغاني بلقيس أو أروى حتى تكاد تكون منعدمة، على خلفية موقفهما المؤيد للعدوان، حتى إن أول ما يتبادر إلى الذهن بمجرد السماع لصوت أي فنان، هو السؤال عن موقفه هل مع الوطن أم ضده؟! 
وفيما تتصاعد الأصوات الفنية التي تتغنى بانتصارات الجيش واللجان الشعبية في مواجهة قوى العدوان ومرتزقته، تسقط أخرى في ضحالة تمجيد أمراء الحرب الملطخة أيديهم بدماء أطفال ونساء وشيوخ الشعب اليمني، كما هو الحال بالنسبة لعبد الرب إدريس في الأغنية التي سجلها في الأشهر الأولى من العدوان، ممتدحاً سلمان. 
كما أن تلك العلاقات المستجدة بفعل العدوان تبرز بين المواطنين أكثر حميمية وارتباطاً بوجدان الفرد، كونها شخصية، كالصداقة أو العلاقات العاطفية والغرامية، وصارت القضية الوطنية والتخندق في مواجهة العدوان أمراً لا يقبل المساومة أو التداول، يُضحي المرء مقابل التمسك بالقضية الوطنية بأقارب وأصدقاء، في مقابل إقامة علاقات جيدة مبنية على الموقف الوطني ومجابهة العدوان السعودي الأمريكي، مع آخرين تجاوزت صلة القربى وحدود الجغرافيا. 
(مبردقون ـ قادمون من الكهوف) هذه بعض التصنيفات التي نُعتت بها الجموع الشعبية إبان ثورة 21 أيلول؛ حاول رموز العمالة والارتهان للخارج وأبناء المنظمات الغربية عبرها تشويه المسيرة الثورية بحملات إعلامية تهدف إلى كبح جماح الفعل الثوري، ذلك الفرز الذي اتسمت به مرحلة الثورة، غير أن الفرز القائم اليوم على الأساس الوطني، لا يعتبر انسياقاً وراء حملات إعلامية ودعايات ترويجية، بل أكثر صدقاً وانتماء للوطن؛ إذ أصبح تأييد العدوان خدشاً للانتماء إلى الوطن اليمني، وتعرية للمواقف المتسترة بالوطنية.
وفي ظل العدوان السعودي الأمريكي، ومع وجود ثلة نذروا أنفسهم للعدو، يبرز العدوان كبوصلة لتحديد علاقات الصداقة، بل يتجاوز ذلك إلى العلاقات الأسرية والعاطفية، فعندما توضع بين خيارين؛ إما التمسك بالروابط العاطفية والأسرية، أو الموقف الوطني المناهض للعدوان، يكون الموقف الوطني هو الأرجح.
يرى وجدي (25 عاماً) أن العدوان ينقلنا إلى مواجهة أكثر حدية تتجاوز المفاهيم السابقة التي كنا نفسر بها الخلافات بأنها حرية رأي واختلاف فكري، إلى طور أكثر حدة يفرض علينا اتخاذ قرارات حاسمة لأنها مصيرية، وقد تدفع ثمناً باهظاً مقابل التمسك بالموقف، لكن التخلي عنه يُفرغك من مضمونك الإنساني، ويجعلك متسكعاً بلا موقف أو مبدأ يحدد وجهتك.
ويضيف: لم أتخلَّ عن أحد، لكنني تركت مسألة التخلي والتمسك إلى الآخرين، وركزت جهدي على التمسك بالقضية الوطنية والمبادئ الثورية، فمن أراد أن يتخلى عني فذلك شأنه، ولا أعير ذلك اهتماماً، لكن الأهم هو موقفي، والتمسك به هو شيء أساسي. متابعاً: لقد وضعتني خطيبتي بين خيارين؛ إما التخلي عن موقفي وترك الكتابة والتعبير عن موقفي المناهض للعدوان السعودي الأمريكي، أو التخلي عنها، فكان مني أن تمسكت بموقفي، وتخليت عن العلاقة العاطفية التي كانت تربطني بها. 
من جانبه، يرى عدنان القاسم (53 عاماً) أن العدوان خدمنا في كشف حقيقة الأصدقاء الذين كنا مخدوعين بهم، حتى لا نتأثر بأفكارهم المريضة وسمومهم، وقد أقمت علاقات جديدة مع آخرين لهم مواقف وطنية. معتبراً أن (العدوان لم يبقِ للصداقة مجالاً، فقد اكتشفنا أن هناك أناساً كانت علاقتنا بهم جيدة، وكانوا أكثر من مجرد أصدقاء، لكن العدوان أظهر لنا حقيقتهم، وهذه ميزة، ولو أنها صعبة، لكن العميل والمرتزق لا يمكن أن نستمر بصداقتنا معه، لأنه خان الوطن الذي هو أهم من الصديق والابن والأخ، وقد تخليت عن الكثير من أولئك، وحتى عن البعض من الأقارب الذين وقفوا بصف العدوان، ولم أحزن عليهم، بل كشفناهم على حقيقتهم، ورب ضارة نافعة)، بحسب تعبيره.
إلى ذلك، تبرز الجامعات كبيئة مصغرة لواقع المجتمع؛ إذ لطالما ظلت المرحلة الجامعية فترة مائزة في حياة كل شخص بإقامة علاقات زمالة وصداقة بين الطلاب، تحدد في كثير من الأحيان ملامح الحياة المستقبلية بشكل عام، وقد ينبني عليها مستقبل ارتباط شخصين بحياة زوجية في ما يخص العلاقة بين الجنسين من الطلاب.
وانعكاساً للواقع الاجتماعي، والفترة الحالية التي تمر بها البلاد في ظل العدوان، وحالة الشرخ الاجتماعي التي تحاول قوى الهيمنة فرضها تبريراً للتدخل العدواني على الشعب اليمني، تبرز العديد من التناقضات بين الأصدقاء في الجامعة؛ حيث تظهر تلك التناقضات في مناهضة العدوان أو تأييده، على شكل خلافات تقوض العلاقات الحميمية بين الأصدقاء والزملاء.
ويرى بعض الطلاب أن العلاقات الاجتماعية إذا لم تكن تجسيداً لوحدة الصف الوطني في مواجهة العدوان الذي يستهدف الشعب اليمني ككل، ولا يفرق بين مؤيديه أو معارضيه، فلا قيمة لها، ويعمدون في ذلك إلى إلغاء صداقاتهم القديمة، ويكوّنون صداقات جديدة قائمة على الموقف ضد العدوان، ولا يختلف المتمترسون في صف العدوان عنهم في شيء، غير أن من بين هؤلاء من يحتفظ بعلاقات حميمية تتجاوز تلك المحددات.
أروى (22 عاماً) تعتبر العدوان مزيلاً للأقنعة والرتوش التي كانت على وجوه البعض، وأظهر الوجه الحقيقي، وأنه يؤثر على النسيج الاجتماعي بشكل عام، فقد أصبح التمترس للموقف بين الإخوة، فضلاً عن الأصدقاء والأقارب، وفي ظل العدوان الذي يريد سلب الوطن منَّا، صار خسران الأصدقاء أمراً طبيعياً. 
وتضيف: بالرغم من أن القضية الوطنية غير مطروحة للتداول، خصوصاً في ظل العدوان الذي يستهدف عموم الوطن بأفراده ومقدراته، لكننا نعول على أن يأتي يوم يراجع فيه مؤيدو العدوان مواقفهم، ويدركون عدم صوابية آرائهم، حرصاً على تماسك النسيج الاجتماعي، وعدم توسيع قاعدة الخلافات البينية.
ولا تستثني الخلافات المبنية على الموقف من العدوان، الواقع الافتراضي في صفحات التواصل الاجتماعي، بل تشهد صفحات (فيسبوك) و(تويتر) منذ بدء العدوان، معارك صراع محمومة تقوم على أساس أن المواقف الوطنية المناهضة للعدوان هي التي تحدد الأصدقاء والمعجبين، ويترتب عليها طلبات صداقة جديدة، في المقابل يكون الحظر وإلغاء الصداقة مع الذين يتبنون مواقف مؤيدة للعدوان.
لقد ظلت اليمن على مدى عقود مضت مسرحاً مفتوحاً أمام الدول الأجنبية، حتى بات تأييد العدوان رأياً لدى البعض من الذين يعانون فتوراً في الوطنية؛ ولم تدخر دول العدوان جهداً في فترة كانت تعتبر اليمن حديقة خلفية لها، لتفتيت النسيج الاجتماعي اليمني، وعملت عبر أدواتها في الداخل وإمكانياتها الإعلامية والتثقيفية، على بث الانقسامات في أوساط المواطنين، ولم يأتِ العدوان إلا محاولة لاستعادة السيطرة على اليمن بعد أن أحدثت ثورة 21 أيلول انقلاباً على شرعية الهيمنة الدولية والخضوع للدول الإمبريالية، وتجميع الأجناس الوطنية في موقف واحد قائم على الانتماء للوطن والاصطفاف للدفاع عنه ضد العدوان الغاشم.
فبالرغم من الدمار والقتل اللاحق باليمنيين بشكل يومي جراء العدوان، إلا أن صحوة اجتماعية تتشكل بفعل العدوان، الذي بات يمثل غربالاً يتميز فيه الوطني عن غيره، إذ لا يمكن أن تتكرر ظروف كهذه يمكن لأي شخص أن يثبت فيها انتماءه للوطن، وتجسيد ارتباطه به.