أقالته الرياض.. بينما يصف 2216 حكومته بالشرعية
خالد بحاح.. بين بلاطين وطاولة

برزت تساؤلات عدة وجدل واسع على خلفية إقالة خالد بحاح واستبداله بعلي محسن وأحمد عبيد بن دغر، لا سيما في خضم التحضيرات لمفاوضات الكويت المرتقبة، وأولها أن قرار الإقالة جاء خلافاً لما تقضي البروتوكولات المعترف بها في كل العالم بأن رئيس الحكومة هو من يختار طاقم الحكومة، وفي حال استقالته أو إقالته يشمل ذلك حكومته؛ إلا أن الفار هادي أقال بحاح وأبقى على حكومته، على الرغم من أنه أورد في ديباجة قراراته مبرر الإقالة فشل حكومة بحاح في مهام اقتصادية وأمنية وإدارية...، ولكن حقيقة أمر الإقالة لا تكمن في ما أذيع وتدوول من أعذار، وإنما في عمق الاشتباك الدائر داخل معسكر حلفاء الحرب على اليمن. ويبدو أن القوى التي تقدمت موكب الحرب على اليمن مجتمعة، نافخة صدورها ومكشرة عن أنيابها العدوانية، لم تخرج على قلب رجل واحد، وشرعت تأكل بعضها... فلماذا إذن أقيل بحاح، وفي هذا التوقيت؟ وما الأثر المترتب على ذلك؟ وهل هناك مناورة لإعادة بحاح لليمن من بوابة المفاوضات كورقة التفافية يمسكها العدو للمدى البعيد؟

قبيل الشروع في صلب المادة، يجب القول للقارئ من الآن، إنه أياً كانت النتيجة المنتظرة في تسلسل القراءة هنا، فلا يجب أن ننسى أن ما يحدث الآن، وما يتخلق من مشهد سياسي محلي وإقليمي في ما يخص اليمن، هو نتيجة الاستراتيجية الوطنية اليمنية في إدارة الصراع، التي نجحت ببراعة وتمكن عبقري في توحيد الصف الوطني، على الرغم من الإشكاليات الداخلية ونخر الطابور الخامس والجيل الرابع من المخابرات والحروب الدعائية، مقابل ما نراه اليوم في صفوف الأعداء، إلا أن الرهان كان على شعبنا الباسل وأبطالنا المحاربين واستراتيجيتنا الوطنية في إدارة الصراع، التي أثبتت ديناميكيتها براعة هائلة، على عكس ما راهن عليه الأعداء والمتفرجون ومتسللو الظل.

التصاعد الهرمي للمُسرَّح من الخدمة
يبدو بحاح (51 عاماً، الآتي من حضرموت) حديثاً على الملعب السياسي وأحابيله، بدأ مشواره السياسي من داخل كواليس ابن محافظته رجل الأعمال اليمني عبد الله بقشان، حيث كان مسؤولاً مالياً لديه، قادماً من مكاتب نكسن الكندية البترولية، التي انضم إليها عقب حصوله على الماجستير عام 92م من الهند. ومن هذه البوابة تم تعيينه -بترشيح من بقشان- بوزارة النفط اليمنية، في ضوء تقاربات اتجهت السلطة إليها عام 2006م، مع الوسط السياسي والمالي الجنوبي/الحضرمي، ثم بعدها بفترة وجيزة تم تعيينه وزيراً للنفط حتى العام 2008م، وتمت إقالته آنذاك على خلفية صراعات نشبت بسبب صفقات نفط فاسدة عقدت مع توتال الفرنسية وغيرها، حينها نقل بحاح من مجال الثروات والمال إلى السلك الدبلوماسي أولاً كسفير لليمن لدى كندا، ثم مندوباً دائماً لليمن لدى الأمم المتحدة. وكان بحاح انضم لحزب المؤتمر أثناء دخوله الوزارة، واستقال من الحزب وهو في كندا مع أحداث 2011م.
بين منصبي السفير والمندوب، عاد بحاح إلى اليمن عام 2014م، وتولى مجدداً وزارة النفط والمعادن من 7 مارس ذلك العام حتى 11 يونيو من نفس العام، وسريعاً تم تكليفه بمهام المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة بدلاً عن سفير لدى واشنطن، وأُشيع تلك الفترة أن السبب هو صراع دار بين نجل هادي وبحاح، حول ملفات نفطية طرفها الآخر توتال الفرنسية.. ظاهرياً تبدو التنحية الأخيرة لبحاح ليست الأولى، إذ يحفل الرجل بسجل يعج بالتنحيات من مناصبه، أو لنقل تتخطفه الأيدي أنى شاءت.
عاد بحاح مرة أخرى لصفوف الوزارة في أكتوبر 2014م، بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة القاضي بجملة اتفاقات، منها تغيير حكومة باسندوة بحكومة جديدة تنال توافقاً وطنياً بين القوى السياسية، وتم التوافق على بحاح رئيساً للحكومة آنذاك، لكنه سرعان ما أعلن عن استقالته وحكومته مباشرة بعد إعلان هادي استقالته في يناير 2015م، وظل في منزله رافضاً العدول عن الاستقالة، ليغادر، في 19 مارس، العاصمة صنعاء، متجهاً لحضرموت التي استقبل فيها بحشد جماهيري ترأسه محافظ حضرموت وعدة شخصيات تجارية وسياسية واجتماعية، وكان خروجه من صنعاء بعد وساطة تصدرها جمال بن عمر، ووجد بقشان طرفاً فيها، جاء ذلك في تسريب لموقع (أمناء) بتاريخ 17 مارس 2015.
مع هروب هادي إلى عدن، في 21 فبراير، أعلن تنصله عن اتفاق السلم والشراكة الذي بموجبه تم تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة بحاح؛ لكنه بعد بدء العدوان، في 11 أبريل، أعلن تعيينه بحاح نائباً بجانب بقائه رئيساً لحكومته، مع استمراره وقادته في الوقت ذاته بتجاهل وإنكار اتفاق السلم والشراكة! ولا يختلف اثنان أن اختيار بحاح تم لكونه جنوبياً ومن حضرموت تحديداً، علاوة على كونه يحوز ثقة أمريكية وإماراتية، وثقلاً في الوسط الاجتماعي الحضرمي، خاصة مع بقشان الذي أقام له حفلاً ترحيبياً ثانياً بعد خروجه من صنعاء، ونظم له لقاءات عدة مع أبناء حضرموت. ويعرف بحاح كذلك بميله الكبير لاستقلال حضرموت عن باقي اليمن.

الصراع داخل معسكر الحلفاء والإطاحة ببحاح
جاءت إقالة بحاح في الـ3 من أبريل الجاري، مسدلة الستار على صراع متواصل منذ أكثر من عام داخل معسكر حلفاء الحرب على اليمن، وظهرت أكثر من مرة أوجه الصراع مع الاعتراضات التي كان يقدمها بحاح علناً على تعيينات هادي في حكومته، وتدخله المتكرر في شؤونها، وأبرزها تعيين رياض ياسين وزيراً للخارجية، ثم عبد الملك المخلافي الذي سلم له هادي ملف مفاوضات الكويت تقليصاً لدور نائبه المقال، وعرقلة هادي لقرار بحاح بزيارة وفد حكومي لتعز ومأرب. كما كانت التصريحات للطرفين تتعارض أكثر من مرة، خاصة بشأن الحرب على اليمن، ففي اللحظة التي كان هادي يظهر بها مسعراً لنار الحرب، يظهر بحاح مطفئاً لها، وداعياً إلى (السلام). ليس هذا فقط، فمحاولة اغتيال بحاح في أكتوبر، داخل مقر إقامته بعدن، يشار بها إلى العدوان نفسه ضمن تصفية حسابات بينهم، وكان واضحاً الارتباك الذي أصيبوا به جراء معرفة أن بحاح لم يقتل، فكان البعض منهم يعلن أنه تفجير إرهابي لانتحاريين، والبعض الآخر يعلن أنها صواريخ، لينتهي اضطراب التصريحات التفسيرية بتوحيد رواية أن الجيش واللجان هم الذين استهدفوا بحاح.
في تلك الأثناء كانت العلاقة تتوطد بين بحاح والإمارات، وتكللت بزيارات متعددة لأبوظبي، وذهابه لسقطرى لاستقبال وفد إماراتي هناك في ما تناقلته وسائل إعلام أنه لغرض إعطاء الإماراتيين تسهيلات لاستغلال مواقع في الجزيرة لصالحهم، إضافة لما يوصف بـ(العلاقات الوثيقة) بينه وبين مبعوث الإمارات إلى عدن. وسبق قرار الإقالة طلب بحاح في الـ19 من يناير، في زيارة لأبوظبي، استضافة حكومته بدلاً عن السعودية لمدة 6 أشهر، حسب ما حملته تسريبات صحفية بررت أن طلبه جاء في خضم الصراع مع هادي، علاوة على نقل سكن أسرته من السعودية إلى الإمارات قبل إقالته. وفي المقابل لم تكن العلاقات بين الإمارات وهادي جيدة، إذ نشرت مواقع إعلامية مقربة من هادي أن الإمارات لم تكن ترحب بزيارته، وسبق لهذه المواقع أن هاجمت الإمارات منذ ما قبل العدوان على اليمن، ففي فبراير العام المنصرم، قبيل فرار هادي بيومين، خاضت مجموعة من المواقع الإعلامية التابعة لنجل هادي والإصلاح -منها (يمن فويس)- حملة تقول إن الإمارات متورطة في سقوط هادي الذي لم يلق ترحاباً لدى أمرائها أصحاب العلاقة السيئة بهادي، على عكس بحاح، بحسب ما تم تداوله آنذاك. وتواصلت هذه الدعاية بعد ذلك.
الصراع بين هادي وبحاح، هو انعكاس لصراع أوسع لحلفاء العدوان على اليمن بين الداخل والخارج، فهناك الصراع الدائر بين الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) حلفاء السعودية الجدد وهادي وبين الإمارات وبحاح. وتقول مواقع الإخوان وهادي منذ أشهر طويلة إن الإمارات رفضت تقدم قواتها نحو تعز التي يقود جبهتها رجل الإخوان حمود المخلافي، وتفجرت الاتهامات العلنية بينهم، خاصة في سبتمبر وأكتوبر، بعد إعلان مسؤولين إماراتيين أن الإخوان لصوص ينهبون المساعدات التي تقدمها الإمارات، ويرتزقون من أطراف متعددة، وبالمقابل ردت الجماعة وحلفاؤها باتهامات للإمارات بتآمرها على الوحدة اليمنية، ودعمها للقاعدة، والأمر ذاته مع خالد بحاح المتهم بالانفصالية والكراهية لتعز، حد تعبيراتهم، إضافة للاتهامات الموجهة للإمارات وبحاح بعد إعلان الإقالة بعرقلتها (تحرير تعز) و(تآمرها مع الحوثي وعفاش) وشق صف (الشرعية) كما ورد في بيان هادي. علاوة على الانقسام الدائر داخل تعز بين العملاء، جماعات أبو العباس المدعومة إماراتياً، والمخلافي المدعوم سعودياً. وكان هادي قال في مقابلة لـ(عكاظ) إن الإمارات رفضت أكثر من مرة طلبه بناء معسكرات داخل تعز لمجندين، لكنه ظل في الوقت ذاته يمدح السعودية بشكل خاص، بصورة وصفت بالمبالغة، في أكثر من خطاب له، وهو ما يعبر عن انقسامات العملاء بين دول المعسكر المتشظي، وتأكد هذا أخيراً في القرارات التي عزلت رجل الإمارات، وقدمت رجالات السعودية المخلصين كعلي محسن؛ الرجل الذي قدم هادي قبل حرب 94م للسلطة المعد بامتياز نافذة للتبديلات السياسية لا أكثر.
وفي السياق ذاته، تناقلت وسائل إعلام مختلفة، أن الرجل كان طموحاً ليكون رئيساً للجمهورية، وظل يقدم نفسه بديلاً لهادي أثناء لقاءات متعددة له مع وزراء أو شخصيات أجنبية، وهو ما جعل هادي يقلص من دوره في الحكومة ومهامه كنائب.
داخل معسكر حلفاء الحرب على اليمن كان الصراع واضحاً، إذ إن الانقسام الحاصل داخل العائلة الحاكمة السعودية تمدد خارج المجال السعودي، ليشمل حلفاء الإقليم والعالم، فمع محمد بن نايف الذي يعتبر اتصالاً لخط الملك عبد الله المنقلب على سياسته بصعود سلمان وخط والده نايف، تقف الإمارات على ذات الخط الأمريكي الأوروبي الداعم لصعود بن نايف المعتدل سياسياً والأكثر حنكة، على حساب الخط اليميني المتطرف الذي يمثله سلمان وولده المهفوف، لا سيما وأن السياسة الأمريكية مؤخراً اتجهت للحلول الوسط والمقايضات والتفاهمات الودية داخل المنطقة كأمر واقع فرضته المعادلة الإقليمية والدولية الجديدة لروسيا والصين وإيران وسوريا وحزب الله. وبقاء سلمان لا يلبي أهداف السياسة الجديدة التي تقدم الديمقراطيين، وتتخذ من الاعتدال مجالها في ظل المتغيرات العالمية المفروضة، وظروف الواقع الأمريكي نفسه.
وقد سبق للإمارات أن أدرجت التجمع اليمني للإصلاح على قائمة المنظمات الإرهابية، العام 2014م، وشنت حملة اعتقالات واسعة في أراضيها ضد المنتمين للحزب (الإخوان المسلمين في اليمن)، على خلفية نشاطهم الذي قالت إنه يرتب لتغيير نظام الحكم في الإمارات والسعودية إبان حكم الملك عبدالله صاحب المبادرة ضد الإخوان، لكن هذه السياسة تغيرت بصعود سلمان، الملك الأكثر تطرفاً ويمينية منذ حكم والده. فيما الإمارات لم تغير من سياستها تجاههم، وظلت على نهج عبد الله، وانعكس هذا التباين على الأرض، فكان من البارز أن الإمارات دخلت بقواتها المناطق التي لا يسيطر فيها الإخوان، فاختارت عدن، وكانت وراء تغيير البكري والإتيان بحلفاء من داخل الحراك الجنوبي، وكذا اختيار الذهاب لمأرب المحافظة التي أعلن انتماءه لها المؤسس زايد بن سلطان، وأقام علاقات واسعة بين أعيان ومشائخ مأرب، واحتفظ فيها بعلاقات ودية عميقة بالأموال والإمكانيات.

الصراع على تقطيع الجنوب الشريد
من جملة صراعات الحلفاء، هو الصراع على الجنوب بين الإمارات والسعودية، فالأخيرة من جانبها تؤجل مشروع تقسيم الجنوب قبل ضمان حماية حدودها، على عكس الإمارات التي لا حدود لها مع اليمن، وتبدو أكثر عجالة في جني الثمار. ولا خلاف أن مشروع تقسيم اليمن وتمزيقه أحد أهم أهداف العدوان، لكن الخلاف يظهر في توقيت التنفيذ، فالإمارات ترى في الكويت حسماً للاشتباك، وتريد الدخول في المفاوضات كطرف يمثلها بحاح، أما السعودية فلاقت نفسها أمام خسارة فادحة، حيث لم تضمن حدودها ولا وجودها في الجنوب، خاصة وأن اتفاقاً روسياً أمريكياً قضى بضرب معاقل القاعدة في الجنوب، وبدأت فيه روسيا الأيام الأخيرة، بحسب ما كشفته قيادات جنوبية منها حسين زيد.
في هذا السياق كان هادي نوه في مقابلته لـ(عكاظ) إلى أن على الجنوبيين التريث لتحقيق الانفصال، موضحاً أنه سيتحقق عبر إنجاز دولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم، على العكس من بحاح الذي تحدث البعض عن أنه فضل التوجه بالقوات نحو حضرموت بدلاً من تعز، لولا إعاقة السعودية وهادي له.
ويؤكد هذا الطرح، اللقاء الذي جمع علي سالم البيض في الرياض، الفترة الأولى للعدوان، بعدة شخصيات جنوبية، على رأسها بحاح، فيما لم يقبل اللقاء بهادي. كما يمتاز البيض بعلاقات جيدة ووطيدة مع الإمارات التي يبدو أنها وعدت بتحقيق مطالب الانفصال للجنوبيين، وقدمت ضمانات لهم.
وتشابه السياسة الإماراتية السياسة الأمريكية، حيث إدارة وتبني عدة ملفات وخطوط متناقضة في آن، وتفتح الاتصالات مع كل الأطراف، وهو ما فعلته بفتح الاتصالات مع جماعات الحراك الجنوبي، وكانت التقت مؤخراً بعدة شخصيات انفصالية في أبوظبي.
وبحسب ما نشرته الصحافة الأوروبية، منها (الغارديان) البريطانية، فإن ذهاب الإمارات إلى عدن كان لبسط نفوذ هناك وضمان مصالح لا أكثر، وهو ما يفسر التمدد الإماراتي ببناء العلاقات داخل الجنوب دوناً عن غيرها، وخلافاً لسعي السعودية وهادي إلى تصفية الحراك وإخلاء الساحة لجماعات الإرهاب والجريمة وعصاباتها الارتزاقية.
لقد عرف عن بحاح أنه رجل الإمارات وممثل مصالحها، وتقول التقارير إن اختياره جاء لضمان مشاركة الإمارات في الحملة العسكرية البرية مقابل وعود مستقبلية بمصالح في اليمن، مما يعني أن الانقلاب على الرجل هو انقلاب على من يقف خلفه. كما أن اختيار بحاح نائباً لهادي جاء برغبة دولية من شركاء الحرب، كتهيئة للاستغناء عن هادي الذي أصبح ورقة محروقة، وتوجب تقديم وجه جديد بدلاً عنه في تسوية قادمة كضمانة على عدم الخسارة الكاملة للعدوان.
ورأى مراقبون أن إرسال بحاح كمندوب دائم لليمن في الأمم المتحدة وتركه لمنصب وزيراً للنفط من حكومة باسندوة، قبل تغييرها بشهرين، وفي خضم الاحتجاجات المتأججة ضدها في الشارع اليمني، هو عملية تمهيدية لظهوره بدور جديد كشخصية سياسية لا تزال غير مستهلكة، لاحقاً رئيساً للحكومة ونائباً لهادي، ثم بمنصب الرئيس.
كتب الأكاديمي السعودي (علي التواتي)، معلقاً على إقالة بحاح، بالقول: (اليوم أنا مطمئن لوحدة اليمن.. فقد غردت قبل عدة أشهر بخشيتي من انقسام الحكومة اليمنية الشرعية إلى اثنتين إحداهما مقرها الرياض والأخرى أبوظبي)، والتي تأتي كمعرفة مسبقة بتحضير بحاح للوصول لسدة الرئاسة ممثلاً عن المصالح الإماراتية الأمريكية.

صراعات الأجنحة السعودية
بمرور الأشهر دون إنجاز عسكري يذكر، بدأ الحلفاء ينفضون عن بعضهم، ويلقون على عاتق بعضهم المسؤولية، وداخل السعودية كان الجناح المعارض والمنافس لحكم سلمان وولده، يزداد قلقه مما سيترتب على العدوان، خاصة مع مشاهدته عمقهم الجنوبي يتكسر بيد القوات اليمنية، ما يجعل مستقبل العائلة بأكمها في الرياض مهدداً وجودياً. لذا بدأ الضغط لوقف الحرب على اليمن، والجنوح لتسوية سياسية تضمن ولو ماء الوجه فقط، وهنا ظهر بحاح من خلال تصريحاته المتعددة عن الذهاب للمفاوضات والسلام ووقف الحرب، انحيازاً لموقف الجناح المعارض الذي يتزعمه محمد بن نايف. وفسر هذا المنحى الذي يسلكه بحاح بالطريقة التي يراها سلماً لوصوله للرئاسة وليس الحسم العسكري.
تأكيداً لهذا الطرح، ظهرت الصحافة الأمريكية، خاصة المقربة من إدارة البيت الأبيض، في الأشهر الأخيرة، تكتب عن تسويات قادمة واتفاقات لا موضع فيها لهادي، وهو ما سارعت السعودية لاستباقه بإخراج جنودها الأصليين من الكواليس، وتصعيدهم لمواقع عالية في هرم عملائها، واستبعاد من لا يمثلونها، وكله تحسباً لسقوط هادي.
مؤخراً كشفت المعلومات أن الولايات المتحدة في سياق التحضير لمفاوضات الكويت تجري ترتيبات لتغيير المعادلة ووقف الحرب ضمن صفقة دولية مع الروس والإمارات والكويت وغيرها، بالتأكيد لن تعجب ملك الزهايمر الذي تمادى مؤخراً بالخروج عن الإرادة الأمريكية وينازع الرمق الأخير للسقوط، إذ آمنت الإدارة الأمريكية أن استمرار الحرب لن يغير من معادلة القوة والثبات التي فرضتها القوى الوطنية اليمنية بقيادة أنصار الله والمؤتمر، ولذا توجب وقف الحرب والتوصل لتسوية قبل أن يتمدد التوغل اليمني داخل المجال الأمريكي السعودي، ويخسر الحلفاء أكثر مما خسروه حتى اللحظة على مستوى اليمن والإقليم. غير أن هذه القناعة الأمريكية والاستسلام لها ثمنها على الوكيل الذي بدلاً من الالتزام بدوره والنجاح في تأديته، لم يستطع الحفاظ على ما تحت اليد، وهذا ما لا يطيقه الشاب المتهور محمد سلمان.
وذكرت المعلومات أن من ضمن الترتيب الأمريكي في المنطقة الذي ستحاول المقايضة به في الكويت، هو عودة بحاح لمربع السلطة في العاصمة صنعاء.
هنا انفلتت السعودية وهادي عن العقال، واعتبروا أنها تضحية مشينة بهم، لذا سارعت السعودية قبل الشروع في المفاوضات إلى الإطاحة بالرجل الذي أعدوه (الخاوزق)، والذهاب إلى تطويل الحرب تجنباً لسيناريو الخذلان الأمريكي الذي حدث في سوريا، ريثما تجد لنفسها تسوية مناسبة.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تريد الخروج من الحرب على اليمن بأقل التكاليف خسارة، فيما السعودية تريدها الأكثر تكلفة بمراهقة وعجز حكامها المذعورين الفاقدي الحيلة.. 
لكن، مع ذلك، يجب التساؤل: هل تفاجأ الأمريكيون بقرار الإقالة والتغييرات الأخيرة؟ فالصحف الأمريكية المقربة من الإدارة الأمريكية كـ(واشنطن بوست) وغيرها، تناولت أكثر من مرة خلال الشهرين الأخيرين، أن هناك صفقات تدور في الكواليس، لا تتضمن وجود هادي، لكن العكس ما حدث، إذ كان الأضحية هو رأس بحاح الذي أحرق نفسه سريعاً بذهابه للرياض التي خلعته اليوم كجورب ملبوس حديثاً تتطلب الرفاهية النفطية استبداله من لبسة واحدة. وما يعزز التساؤل هنا، ما يروجه بعض المحللين والمتابعين للشأن اليمني، من أن إقالة بحاح هي افتعال كي تقبل القوى الوطنية به للعودة إلى السلطة من بوابة المفاوضات، إذ من المعلوم أنه لا قبول لهادي ولا محسن في أية معادلة قادمة، وبالتالي تقديم شخصية تجنح للتسويات والتفاهمات بعيداً عن العنف.

من تداعيات القرارات 
يومان لزم خلالها بحاح الصمت، ثم خرج مفاجئاً ببيان يعلن رفضه فيه لقرارات هادي بتغييره، ليبدو الانقسام واضحاً وعميقاً في صفوف العدوان، وقرئت هذه الخطوة بكونها رفضاً يتجاوز بحاح إلى مستوى شركاء في الحرب على اليمن، وبالمقدمة دولة الإمارات.
وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، اعتبر قرار إقالة بحاح قراراً انفرادياً وقاصراً في إدراك ما وصفها بـ(فرصة تاريخية) تتيحها مفاوضات الكويت. وكان السفير الإماراتي لليمن أبلغ مسؤولين يمنيين أن بلاده تفاجأت بقرار إقالة بحاح في خطوة انفرادية قال إنها لا تخدم العمل المشترك مع التحالف. وهو ما أكده المغرد الشهير (مجتهد) بأن الإمارات تفاجأت بالقرار، موضحاً أنها خطوة جاءت لإزاحة الإمارات من تقاسم حصة الثمار، ومؤكداً أن الإمارات أبلغت هادي بشكل غير رسمي اعتراضها على تنحية بحاح.
وتوقع (مجتهد) تداعياً من جملة تداعيات ستنجم عن القرار، وهو أن الإمارات لن تقبل أن تزيحها السعودية، لذا ستلجأ لقسم التحالف، وستسعى لعقد ترتيبات مع صنعاء ستوجع السعودية.
جون كيري من البحرين صرح أن القرارات الانفرادية لهادي قد تؤثر على مجرى المفاوضات المرتقبة، فيما قال النائب السابق بمجلس الأمة الكويتي ناصر الدويلة، إن (مؤتمر المصالحة اليمنية المنعقد في الكويت مهدد بالفشل، بسبب عزل بحاح وتعيين الأحمر)، إذ فسر الخطوة بأنها تعقيد أكثر للمشهد السياسي اليمني.
ميدانياً، ذكرت قناة (سكاي نيوز) الإماراتية أن أبوظبي في سياق رفضها للقرار، أعطت الأوامر لقواتها المتواجدة في معسكر (تداوين) بمأرب، للاستعداد للانسحاب، بينما أكدت وسائل إعلام أخرى أن عملية سحب القوات بدأت فعلاً الأيام الماضية.
القناة الإماراتية تداولت أكثر من مرة على شاشتها وموقعها هجوماً لاذعاً ضد علي محسن النائب الجديد لهادي، واستمرت تكرر أن الرجل مجرم ويقود تنظيمات إرهابية، فيما ضاحي خلفان وجه بدوره تحذيراً من حسابه على (تويتر)، لعلي محسن، بأن من اغتال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي في السابق، سيقوم باغتياله، مشيراً إلى السعودية، الطرف الأول والرئيس في اغتيال الرئيس الحمدي أواخر سبعينيات القرن الماضي.
القوى الأخرى التي لعبت في الهامش السعودي، الاشتراكي والناصري، بديا مشدوهين بالتغييرات المفاجئة، وخلافاً للمعتاد في التأييد المباشر لما يعلنه هادي من قرارات، ظلت هذه القوى لأكثر من أسبوع بلا تحديد موقف، فهي رأت في بحاح ودعمه ضماناً لبقائها في المعادلة، المعادلة التي نسفها هادي والسعودية بتصعيد محسن، الرجل الذي سبق وأعلن أثناء العدوان أنه سيقوم بتطهير البلاد من الحوثيين، كما فعل مع اليساريين والشيوعيين من قبل، برغم أن القوى التي تحدث عنها تقف في صفوفهم، ليوضح الرجل المشروع الذي يسير به العدوان مع هذه القوى التي استخدمها كقفازات لفترة وجيزة وقارب على رميها.
تبدو مفاوضات الكويت، مفترقاً في مسار حلفاء العدوان على اليمن، إذ تظهر ترتيبات عدة لأطراف عدة، وتباينات بين الحلفاء بالمصالح والأهداف، ودور (الشقيقة الكبرى) الذي ظلت السعودية تزاوله طيلة عقود على خليجيات المنطقة، انفرط عقده اليوم، فالإمارات قريباً قد تفجر المفاجأة، وتخرج عن الخط السعودي بشكل حاد، خلافاً لعمان والكويت.
ومؤخراً، عادت الكويت في إطار إعادة ترتيب أدوار القوى داخل المنطقة، للدور القديم الذي كان قد اختلف بعد اجتياح العراق للكويت في 91م، وتدخل القوات الأمريكية والبريطانية والسعودية لإخراج العراق من الكويت. وظهرت هي الأخرى متاجرة بأزمة السعودية الكارثية، وبدأت بمقايضتها بآبار نفط الخفجي التي كانت السعودية أوقفت إنتاج الكويت بحصة 300 ألف برميل في 2014م.
ويحلل خبراء سياسيون، أن السعودية (جناح سلمان) وجدت نفسها قبيل الذهاب للكويت، في مخنق لا يسهل الخروج منه، فالحلفاء ذاهبون في مفاوضات مع اليمن لوقف العدوان والحفاظ على ماء الوجه، ووقف التداعيات في المنطقة التي تسبب بها تهور الشاب محمد بن سلمان، دون أن تحقق هي شيئاً، بل عالقة الآن كيف تخرج القوات اليمنية من عمقها والمنكشفين على عاصمتها استراتيجياً بسيطرتهم على الربوعة وتوغلهم في جبال السرات.
كل هذه الانقلابات داخل معسكر تحالف العدوان على اليمن، والتغيرات التي تشهدها المنطقة في معادلاتها السياسية والعسكرية، هي ناجمة بشكل مباشرة عن الانتصارات اليمنية المتتالية والثبات الوطني الذي لم يمنح العدوان التقدم في تحقيق أهدافه، ونجاح الاستراتيجية الوطنية اليمنية في إدارة الصراع مع العدو وتعزيز الثبات الوطني بالمقابل، ودراسة المسافة التي يجب الوقوف فيها من كل طرف، وفهم تناقضات العدو وصراعاته وأولوياته ومخاوفه، علاوة على فهم قدراتهم العسكرية والتغيرات العالمية بين القوى الكبرى.