حماها الملكيون.. ونهبها الدواعش
جمهــورية تعــز


مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر، هذا الصرح الإعلامي الشامخ والبنيان الراسخ والمنبر الصحفي الحر الذي شق طريقه باحتراف بالغ ومهنية عالية نحو تحرير العقل وتحطيم صخور الجهل بمعاول الثقافة والمعرفة منذ النشأة الأولى مع بزوغ فجر ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة عام 1962م.
وعلى مدى ما يزيد عن نصف قرن، وبسخاء منقطع النظير، عملت صحيفة (الجمهورية) على إثراء القراء والمثقفين بموادها الصحفية المتنوعة والشاملة، منطلقة من مبدأ الممازجة بين السياسة والفكر والأدب، وشكلت قناة اتصال بين الباحث والمعرفة، حتى وضعت لها من عبق التاريخ شهرة عطرة تميزت بها عن نظيراتها من الصحف.
وتركت مساحات واسعة من صفحاتها وجعلتها متنفساً لكل الأقلام الحرة والمؤمنة بقضايا وهموم الوطن والمواطن، فاسحة بذلك المجال أمام الجميع لطرح أفكارهم وآرائهم كل حسب انتمائه وتوجهه، وفي ما يصب في المصلحة العامة.
ولكن، وللأسف، في لحظة عبث وحقد وجنون إرهابي، تم حكم الإعدام على هذه المنارة الإعلامية الشامخة، وصارت بين عشية وضحاها أثراً بعد عين، وتخلى الجميع عنها، متنكرين ومتجاهلين كل النداءات لإنقاذها من أيادي دواعش ومرتزقة العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا، والعابثين والظلاميين ممن تديرهم قيادة الشر والعدوان السعودية وأمريكا. حيث تركت يتيمة وفريسة سهلة لها ولجماعات أخرى تعددت مصادرها وتباينت في حدة قبحها، وانفجرت كالقنبلة الموقوتة بزمنها الذي حانت لحظته، في سابقة لم تشهدها محافظة تعز من عمليات فيد وسلب ونهب ممنهج لمكاتب ومؤسسات الدولة والمنشآت والبنوك، واستباحة منازل ومحلات المواطنين في وضح النهار، وأعمال قتل وسحل، في انتهاك صارخ لحرمة وكرامة الإنسان، وأساليب لا تدل ولا تتصل بديننا الحنيف بشيء.
ولكن مؤسسة الجمهورية للصحافة طالها نصيب وافر من هذا الفيد والتخريب، حيث نهبت محتويات المبنى بالكامل من أثاث المكاتب وأجهزة الكمبيوترات والآلات الطباعية ومخازن الأوراق والأحبار، والتي تقدر بأكثر من أربعة مليارات ريال، واحتراق أجزاء من المبنى والأرشيف المالي، والعبث في الأرشيف الصحفي الذي يعتبر كنزاً من كنوز المؤسسة وهويتها التاريخية ومعالمها التي تشكلت على مدى عقود من الزمن.
روايات شهود العيان ممن تواجدوا أثناء الواقعة، أفادت بأنه بعد انسحاب الجيش واللجان الشعبية، في أغسطس الماضي، من المناطق التي كانوا يتمركزون فيها والأماكن المحيطة بالصحيفة، أقبلت جماعات مسلحة ممن يسمون أنفسهم المقاومة بشكل فرادى، متسللة من عدة اتجاهات صوب بوابة المبنى حتى صاروا جموعاً، ومن ثم قاموا بالدخول إلى المؤسسة لاستكشافها والتأكد من خلوها.
وبعدها باشرت تلك الجماعات بكسر أبواب المكاتب وخلع المغالق كي تنهب ما تراه قيماً وما خف وزنه. واستمرت عمليات الفيد من الصباح الباكر إلى بعد العصر، ومن ثم فتحت البوابة الرئيسية للمبنى على مصراعيها، وأعطت الإشارة لضعفاء النفوس من العامة والمتفرجين، والذين بدورهم انقضوا على الصحيفة دون تريث أو هوادة بانقضاض قبيح، متجردين من كل القيم والمبادئ والأخلاق، وبانحراف تام عن كل تلك العناوين البارزة التي سُطرت في حق تعز وأبناء تعز، وسقوطهم أمام هذه العدوى التي ضربت أذهانهم وخلقت لهم تبريرات تعزز لديهم الثقة والقناعة التامة بأن ما يفعلونه من نهب وسلب هو في الطريق الصحيح.
ومن بعد ما استنفدوا نهب كافة أثاث المؤسسة وأخذوا أجهزة الكمبيوترات والمكاتب وقلعوا الأبواب في عمل تخريبي يندى له الجبين، قامت جماعات مسلحة مما يسمى المقاومة بإخراج الناهبين من المبنى في الساعة الـ11ليلاً، لا لحمايتها منهم، بل لتكمل عملية النهب، وقد اختصت لنفسها المخازن وهناجر الآلات الطباعية حيث تم إخراجها من المبنى وتحميلها فوق مركبات النقل في فترات وأيام متعاقبة، بعد أن قامت بتفكيك الآلة الطباعية التي تقدر بالمليارات من الريالات، إلى قطع وأجزاء، وحملها وإخراجها على ظهر مركبات إلى خارج المؤسسة.
وهنا السؤال الذي يجب أن يطرح: لماذا لم يتم اتخاذ كافة التدابير اللازمة والمعقولة، والتي كان لها متسع من الوقت للحيلولة دون وقوع ذلك، وتجنيب هذه الكارثة التي ضربت العمود الفقري لأبرز صرح إعلامي وثقافي في الدولة؟ ولماذا لم يتم التحرك من قبل المسؤولين أياً كانوا في لحظة التدمير لإنقاذ المؤسسة من التدمير والضياع، خصوصاً أن المؤسسة لم تكن طيلة فترة توقفها عن الإصدار في خطوط المواجهة أو في أماكن الاشتباكات، وكانت الطريق سالكة وآمنة وضمن المستطاع للتخفيف من حجم الخسائر المهولة التي لحقت بها، وكي ترى النور من جديد وتزاول أعمالها ونشاطها الصحفي بعد استقرار الأوضاع وانتهاء العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا؟!
ولكن للأسف وقع ما لا تحمد عقباه، وبات مصير أكثر من 400 موظف مع أسرهم الضياع والمجهول بفقدانهم أعمالهم وتركهم يكابدون مرارة العيش الصعب تارة، ومرارة النزوح والتهجير من منازلهم تارة أخرى، دون أن يلتفت إليهم أحد.