تشتهر اليمن بالأسواق الشعبية (الأسبوعية) على امتداد المساحة الجغرافية للبلد، وفي حين اختفت هذه العادة من بعض المحافظات، لازالت موجودة في محافظات أخرى. وما يميز الأسواق الشعبية عن الأسواق اليومية هو تخصيصها ليوم واحد في الأسبوع، ويجدُ فيها (المتسوّق) كل الذي يفتقده في الأسواق اليومية، ويوفر فيها الباعة الأشياء النادرة، ويطلقون عليها بأيام الأسبوع مثلا: (سوق الأحد)، و(سوق الاثنين)، و(سوق الثلوث)، و(سوق الربوع)، و(سوق الخميس)، و(سوق السبت)، وهكذا.. وخلال الحرب القذرة على اليمن لم تكن هذه الأسواق بمنأىً عن قصف طائرات العدوان واستهدافها مباشرةً، وفاقم المأساة أن القصف يأتي في يوم التسوّق الأسبوعي، فخلفت مجازر كارثية وأوجاعاً لا تمحوها السنون.
صحيفة (لا) سلطت الضوء على الموضوع، ووجدت أن أغلبَ القصف الذي طال الأسواق من قبل طائرات تحالف العدوان، كان في أيام تجمعات المواطنين الأسبوعية، مما أثار ردود فعل غاضبة، على المستوى المحلي والإقليمي، والدولي..
إحصاءات كارثية
وصل عدد الأسواق المستهدفة جوّاً إلى 211 سوقاً، ما أدى إلى مجازر على امتداد المحافظات اليمنية، وإلى جانب قتل الباعة والمتسوقين وشلّ الحركة الاقتصادية، بات الكثير يطرح تساؤلاتهم: ما الذي تريده طائرات تحالف العدوان من استهدافها للأسواق الشعبية؟ وما علاقتها بجبهات القتال؟ ولماذا التركيز على الأسواق التي كان آخرها (سوق الخميس) بمديرية مستبأ ـ محافظة حجة، والذي بلغ عدد ضحاياه أكثر من 107 شهداء، وأكثر من 40 جريحاً، ومن خلال المجزرة الأخيرة بقصف السوق ظهرت سوءات وأقنعة الزيف السعودي لدى الرأي العام العالمي للحرب التي كان ولا يزال وقودها البسطاء، والفقراء الذين فقدوا مصادر عيشهم بشل الحركة الاقتصادية والتجارية في اليمن.. وتعددت أنواع الأسواق المستهدفة، وتوزعت بين أسواق عامة وشعبية يومية وأسبوعية، وأخرى زراعية تجميعية مركزية وريفية، وبحسب التصنيف الأوّلي، احتلت أسواق محافظة صعدة المرتبة الأولى من إجمالي الأسواق المستهدفة، تليها أسواق محافظة حجة، ثم الجوف وعمران والحديدة ومأرب وشبوة والبيضاء وصنعاء ولحج، أما محافظة عدن، فنالت أسواقها الحديثة نصيبها من الغارات الجوية، حيثُ رأى متابعون أن ذلك جاء لتصفية حسابات مع مستثمرين ينحدرون من المحافظات الشمالية، فاستهدفت طائرات العدوان المجمع الاستهلاكي التابع لأحد أبناء المحافظات الشمالية، بعدد من الغارات، بذريعة وجود أسلحة تابعة للجيش واللجان بداخله، الأمر الذي أوصل خسائر المجمع إلى 20 مليون دولار، وللسبب ذاته استهدفت غارات العدوان الجوية مول (برج العرب) رغم نفي مالكه للشائعات التي طالته، ولكن هو الانتقام القذر للعدوان بقيادة السعودية والموالين لهما لكل ما له صلة بالتجار الشماليين.
من أوجاعهم
وكان لصحيفة (لا) مع من نجت أرواحهم، في حين فقدوا كل شيء، وخسروا مصدر عيشهم، وباتوا في العراء بعد أن كانوا أعزةً كراماً، ومن بقي على قيد الحياة يعيشُ (نصف إنسان). يقولُ حسن أحد أبناء مستبأ بمحافظة حجة، إن المجزرة المروّعة التي طالت السوق والمطعم، الذي كان يتوسط السوق، تسببت في سقوط العشرات من الضحايا نتيجة غارات العدوان، فقدتُ كل شيء دكاني الصغير الذي يعتبر (تحويشة العمر) كنتُ أقتاتُ منه وأطفالي، وها أنذا الآن معاق عن الحركة لا أستطيع أن أوفر لهم البديل، ولا أدري كيف سيكون مستقبل أطفالي تجاه أب عاجز تركته طائرات الحرب (نصف متحرك).
ولأن أسواق صعدة أخذت النصيب الأكبر من القصف تحكي (أم أمل) عن استشهاد عائلها واحتراق مزرعتهم المجاورة للسوق في قصف هستيري للعدوان بمديرية ساقين، فقد كنا نبيع ما تجود به مزرعتنا من رمان وتفاح وبعض الخضروات.  وتضيف بوجع وحُرقة: ولأن مزرعتنا تقع بالقرب من السوق، فقد أُحرقت بصواريخ العدوان، والآن أنا وأربعة من أطفالي نقتات الحسرة كنازحين هنا في العاصمة، نعيش على ما يجود به علينا فاعلي الخير، بعد أن كنا نحن من نُكرم القادمين إلينا.

ردود فعل متأخرة
ونتيجة للتعتيم الإعلامي الذي سعت إليه السعودية لترتكب جرائمها دون أن يراها أو يحاسبها العالم، فكل سوق كان يتم قصفه لا يصل للرأي العام العالمي، لأنها عمدت إلى حجب المواقع والقنوات وإغلاقها من الأقمار الاصطناعية، ورغم ذلك لم تستطع أن تخفي جرائمها لوقت طويل، فمجزرتها الأخيرة في سوق ومطعم مستبأ بمحافظة حجة، كشفت وجهها القبيح للعالم، وأماطت اللثام عن ادعاءاتها الكاذبة بقصف المواقع العسكرية، وأنها لا تستهدف المدنيين، فقد كانت ردود فعل غاضبة للرأي العام العالمي بعد أن وصلت تلك الجريمة للعالم عبر اليمنيين والوسائل التي حاولوا إيجادها، ومن تلك الإدانات للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي وصفها بأكثر دموية، فيما صوّت المشرعون الأوروبيون على فرض حظر بيع أسلحة للحكومة السعودية، وذلك رداً على الضربات الجوية التي تستهدف المدنيين في الأسواق والتجمعات السكانية. وإن كانت ردود الفعل تلك متأخرة، إلا أنها كشفت مجازرهم الوحشية بحق المدنيين للرأي العام العالمي.

آخر الأوراق
وهكذا يوماً بعد آخر تنكشفُ سوءة ودناءة العدوان السعودي القذر على اليمن، وتظهر حقيقته وحقيقتها للملأ أنها تهدف إلى قتل كل شيء له صلة باليمن أرضاً وإنساناً، لأنها لم تفرق بين مواقع عسكرية وأسواق يرتادها مدنيون لأغراضهم الحياتية، وخلفت طائراتهم أوجاعاً لن يمحوها الزمن، فكل شبر على امتداد الجغرافيا اليمنية شهد مذبحة مروّعة، وقصة مأساة ستظل وصمة عار في جبين الضمير العربي والعالمي.