برغم العدوان الأمريكي السعودي الذي دخل عامه الثالث، إلا أن اليمنيين يستقبلون أعيادهم بشموخٍ وبهاء، ويمارسون طقوسهم غير مبالين بالــ F16 التي تنتهك قدسية المناسبة الدينية، وطالت طائراتهم الحمقى أطفالاً ونساء، وعكرت صباحات الأعياد الفائتة للعامين الماضيين، ورغم العدوان الوحشي الذي اغتال أسراً وعوائل بملابسهم العيدية في أكثر من منطقة يمنية، إلا أنهم مايزالون يعيشونها غير آبهين بجرائم بدو الصحراء، وعبدة البترودولار.
وللأعياد الدينية طقوسها المتميزة على مستوى كل قرية ومدينة من المهرة حتى صعدة، حيث تُشكِّل لوحة بانورامية جميلة تحمل كل ألوان الطيف اليمني الأصيل، وتحدث عنها لـ(لا) مواطنون ينتمون لمختلف المناطق اليمنية.

ما قبل الطقوس
تبدأ استعدادات استقبال عيد الفطر في العشر الأواخر من رمضان، والبعض قبل ذلك، كشراء ملابس الأطفال، وجعالة العيد من مكسرات ولوز وزبيب وغيرها، إضافة إلى أن معظم الأمهات تصنع كعك العيد الذي لا تخلو المناسبة من أطباقه الشهية، وتضفي عليه لمساتها الخاصة، كذلك تستعد كل ربة بيت لتهيئة المنزل من إعادةِ ترتيبه وتنظيفه للزوار لتكتمل بهجة العيد برؤيته بهياً وجميلاً، وعشية العيد تشترك معظم المناطق اليمنية في عادةٍ متوارثة منذ قديم الزمن، كإشعال الشوارع وأسطح المنازل بمادةِ الرماد والكيروسين، وحرق الإطارات في مداخل القرى وشوارعها ابتهاجاً بليلةِ العيد.

شعبٌ أسطوري
يرى مراقبون لحركةِ المجتمع اليمني الصامد تحت الحصار والعدوان للعام الثالث على التوالي، أنه يعيش حياته الطبيعية في كل المناسبات سواءً الدينية أو الوطنية، بصمودٍ أزعج الـ F16،  هازئاً من أقبحِ عدوانٍ كوني على شعبٍ أعزل أثبت للعالم أن لديه القدرة على الصمود لعشراتِ السنين، حيث يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويمارسون حياتهم دون أن يتأثروا بقصف طائراتهم الأرعن الذي لا يفرق بين مدني وعسكري، أو بالحصار الاقتصادي لكل المنافذِ البرية والبحرية والجوية، ومع ذلك الحياة مستمرة رغم أنف العدوان، تثبتها سلوكيات المواطن اليومية، وتجسّدها رغبته القوية في مقاومةِ القبح العالمي على وطنه.

مهرجان للمصافحة
يمثل العيد فرصة لطي أي خلاف، حيث يتحول إلى مهرجانٍ للمصافحة، الجميع يتبادلون فيه التهاني، ويسلمون على بعضهم البعض، يتصافحون ويتعانقون وينسون خلافاتهم, وعلى الرغم من تبدل ظروف الحياة، وتجدد ثقافة العصر، إلا أن عادة (العسب) ظلت واحدة من المواريث الراسخة في اليمن، التي لازال معظمهم يجدون متعة كبيرة فى إحيائها دونما حرج من بذل أو تلقي العسب، وهي الهبة النقدية التي يمنحها الكبير للصغير، والرجل للمرأة من أهله وأقاربه وأنسابه، وذلك لدى زيارتهم في منازلهم لتقديم التهاني والتبريكات بحلول عيد الفطر المبارك. فيجوز أن يقدم العسب الشخص البالغ العاقل الميسور لأقاربه من النساء، وإن كن أكبر منه سناً، وكذلك لأطفالهن. والعادة هنا تقديم العسب قبيل مغادرة المنزل بعد أداء مراسم السلام والتهاني والتبريكات التي يتخللها تقديم القهوة اليمنية الشهيرة، أو العصائر، إلى جانب أصناف متنوعة من المكسرات والحلويات والزبيب، الذي تشتهر اليمن بأنواع مختلفة منه.

أهازيج عيدية
تكاد تكون معظم العادات والتقاليد متشابهة في كل أنحاء اليمن، لكن هناك مناطق ماتزال تحيي ثقافة الأهازيج الخاصة بليالي العيد، حيث لا تذكر الأعياد في اليمن، إلا وتذكر معها تلك الرقصات والأهازيج الشعبية التي يتسابق الرجال المعمرون والشباب على تأديتها في الساحات على أصوات دق الطبول أو ما يُسمى في بعض المناطق (الطاسة)، حيث يكسب المعمرون الجولة تلو الأخرى. فتشاهد حلقات الرقص الشعبي في أكثر من مكان. فيما تنشط فرق الرقص الشعبي الجوالة عادة في مثل هذه المناسبات، وتعزف ألحاناً شعبية يرقص على أنغامها المواطنون الذين يحرصون على منح العازفين نقوداً مقابل عزفهم.. كذلك تنتشر حلقات رقص ما يُسمى (البرع) بالجنابي في محافظات صنعاء وذمار ومأرب وحجة وصعدة.. وكذلك في يافع، مع إضافة البندقية التي توضع على الكتف، والتي أصبحت جزءاً من التراث الشعبي اليافعي في أداء الزامل اليافعي والدبكة اليافعية التي اشتهرت بها يافع.
تقول افتكار الأشول (ماستر مناهج علوم)، عن منطقتها مديرية بلاد الروس: في ليلةِ العيد يتم إشعال النيران وإطلاق الألعاب، ويتجمع الأطفال ليرددوا عبارات مثل: (يا عيداه حرق المشعيل بقناديله... واحنا جهّال ما درينا به)... ويلبس الجميع ملابس العيد الجديدة، ويتوجهون إلى (الجبّانات) مصلى العيد.
وتشاركها في الرأي هاجر علي (ماستر جامعة صنعاء) وتقول إن الشعلة هذه مشتركة في جميع المناطق، ولكن المختلف في منطقتهم وادي الأجبار ـ سنحان، أنه من بعد الساعة الثالثة فجراً يتجمّع الشباب والأطفال وبأيديهم (المشعل)، ويرددون: يا رب عوّدهم من السلامة.. إلخ الكلمات)، وبمجرد أن يسمعهم أصحاب البيوت يخرجون لاستقبالهم وإعطائهم من حلويات وجعالة العيد.
أما نجاح الزيدي (إعلامية) فتضيف على ما سبق أن الأطفال بمنطقتهم (كهال) بمحافظة عمران، يتفاخر كل منهم أن شعلته هي الأكبر والأقوى.

زيارات القرى والمعالم الأثرية
يحرص معظم المواطنين على زيارةِ الأهل والأرحام طوال أيام العيد، ويأتي إلى القرى القاطنون بالمدن لجعل العيد مميزاً بأجواء القرى المعلقة على قممِ الجبال للاستمتاع بالمشاهد الجميلة التي عادةً ما تكون بعد هطولِ الأمطار.. وتمتزج ما بين زيارات الأهل والأقارب والجيران وإقامة الولائم والرحلات الترفيهية للقلاع والحصون الأثرية ذات الطابع الفني والمعماري القديم، بالإضافة إلى زيارات مناطق مجاورة للتعرف على عاداتها وتقاليدها العيدية، فضلاً عن جلسات السمر الليلية والاجتماعات وغيرها، بينما سكان المدن يذهبون إلى الحدائق العامة والمتنزهات، وتمضي سويعات العيد بفرحٍ غامرٍ، وسط ضحكاتِ الأطفال، وابتساماتهم البريئة.  
شاطئ العيد
إذن، العيد فرحة تعم الجميع بعد شهرٍ من التبتلِ والخضوع بين يدي الخالق عز وجل، وتكاد تكون العادات نفسها في معظم مناطق الوطن الحبيب، مع اختلافاتٍ بسيطة تجعل موروثاتنا ثرية وغنية بالتنوع الجميل... فقناني العِطر ذاتها، وخضابُ الصبايا والآنسات ذاته، وكعك العيد الذي تصنعه أنامل الأمهات عينه أيضاً.
المختلف والمتميز أن هذا الشعب العظيم أسطوري بمعنى الكلمة، حيّر العالم بصموده، يفرح رغم قصف الـــ F16، والحصار الاقتصادي الأحمق، يصنعون البسمة والفرحة رغم كل شيء، ولا ينسون دعاءهم للمرابطين في جبهاتِ الصمود والشرف الذين هم سبب تلك الفرحة على الشفاه.