ليست الكارثة أن تولد جماعة إرهابية هنا أو هناك، وإنما الكارثة الحقيقية أن تتحول الدول والأنظمة الى أنظمة إرهابية تدعم وتتبنى الجماعات الإرهابية على مرى ومسمع العالم.. هذا ما كشفه الصراع القطري السعودي القائم، وبالعلن ذهبت أمريكا ومن خلفها السعودية وأخواتها لتوجيه الاتهامات المباشرة لقطر بدعم الإرهاب، ورفع قوائم بأسماء شخصيات ومنظمات تدعمها قطر، ووضعها تحت لائحة الإرهاب.. وبالرغم من أن حقيقة دعم قطر للإرهاب لم يكن أمراً مفاجئاً بحساب الكثير من الدلائل والشواهد، إلا أن كشف هذه الحقيقة من قبل أكثر الدول الصديقة والمتهمة أيضاً بدعمها للإرهاب (السعودية وأمريكا)، يثير الاستغراب والتساؤلات في الشارع العربي الذي أبدى سخريته من كيفية تلاعب هذه الدول بالإرهاب.
(لا) بدورها تأخذ القارئ العربي في جولة لمعرفة جملة من التناقضات والحقائق التاريخية التي تؤكد تورط هذه الدول بالإرهاب وتوظيفه لتدمير أحلام الشعوب.
نشوء فكرة الإرهاب
عقب انتهاء الحرب الباردة التي أفضت إلى إزاحة الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى من النفوذ العالمي، كانت الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة لصناعة حجة كبرى للتدخل في شؤون الدول، لذلك أنشأت الأجهزة الأمريكية فكرة الإرهاب التي تسببت لاحقاً في دمار عشرات البلدان وقتل ملايين الناس.
اليوم وبعد حوالي 3 عقود من ظهوره، لم تعد حقيقة الإرهاب ومن يقف وراءه خفية على أحد، وبالرغم من أن تعريف الإرهاب كان حكراً على الأمريكيين ضد خصومهم، إلا أن ورقة الإرهاب باتت ورقة فاشلة في ظل تصاعد الصمود العربي في سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي تسبب في تداعيات كثيرة في المنطقة، وخلق توتراً ملحوظاً بين الكيانات الوظيفية الأمريكية التي ذهبت برمي تهم الإرهاب في ما بينها.

قطر الإرهابية
بعيداً عن الأسباب التي أشعلت الأزمة بين قطر والسعودية، فإن اتهام الأخيرة لجارتها بدعم الإرهاب، ورفعها قائمة إرهابية تضم أكثر من 59 شخصية إخوانية و12 منظمة ترعاها قطر، يعد تطوراً ملحوظاً في علاقات الدول الخليجية الواقعة تحت عباءة أمريكية واحدة، في حين يعتبر الكثير من المحللين السياسيين أن الاتهام السعودي بحق قطر يثير السخرية أكثر من كونه فضيحة، فبحكم الدور الأمريكي الذي تتبناه الدولتان يشير المحللون الى أن معظم الأسماء التي أدرجتها السعودية بقائمة الإرهاب هي نفسها من دعمتها وتدعمها السعودية في سوريا والعراق واليمن، ولعل أشهر تلك الأسماء مستشار الفار هادي والمقيم في الرياض عبدالوهاب الحميقاني.
هذا التناقض الواضح يطرح الكثير من التساؤلات، فإذا كان اتهام قطر بدعم الإرهاب ناتجاً عن حرص السعودية على محاربة الإرهاب، فماذا عنها؟
إذا ما دققنا في الهجوم والتطور الملحوظ سنكتسف أن هناك الكثير من التداعيات حيال ذلك، والتي تتعلق بفشل المشروع الأمريكي بالمنطقة.

فشل الرهانات
بعد فشل الرهانات الأمريكية باستخدام ورقة الإرهاب لضرب الحركات والأنظمة الثورية المناهضة لها في المنطقة، يبدو أن أمريكا تسعى باللعب بورقة دعم السعودية وقطر للإرهاب في سوريا والعراق وغيرهما، لتمرير صفقاتها الاقتصادية والحفاظ على وصايتها لمنطقة الخليج.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد في مؤتمر صحفي الأسبوع قبل الماضي، أن قطر متورطة في دعم الجماعات الإرهابية في المنطقة.  
وبعيداً عن الحقائق التي تؤكد دعم قطر للإرهاب، فإن اتهام أمريكا قطر بدعم الإرهاب يثير السخرية إذا ما نظرنا للكثير من التناقضات الشائكة، حيث يؤكد الكثير من المراقبين الدوليين أن اتهام ترامب لقطر يكشف بالوقت ذاته عن تورط أمريكا بدعم الإرهاب، حيث العلاقة المتينة بين قطر وأمريكا، فالأخيرة تمتلك أكبر قاعدتين عسكريتين لها في قطر، كما أن قطر شكلت حسب اعترافات مسؤولين في البنتاجون الأمريكي إبان سقوط الاتحاد السوفيتي، محطة لنقل المتطرفين الى أفغانستان وباكستان.
بالإضافة إلى أنه لم تمر سوى 10 أيام فقط على اتهام ترامب لقطر بدعم الإرهاب، حتى وقعت الأخيرة صفقة أسلحة مع أمريكا بقيمة 13 مليار دولار.

اللعبة الأمريكية
اللعبة الأمريكية لم تكن مفاجئة من موقفها ضد قطر، بل تشمل كل كياناتها الوظيفية؛ فواشنطن أصدرت قانون (جاستا) الذي يتيح محاكمة قادة سعوديين في محاكم أمريكية محلية حال ثبوت تورطهم في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، كما أن ترامب وأثناء حملته الانتخابية الرئاسية اتهم أوباما وكلينتون والسعودية بدعم الإرهاب.
ويرى مراقبون أن الصفقات الاقتصادية التي أبرمتها الرياض مع واشنطن في قمة الرياض الشهر الماضي، التي قاربت سقف 500 مليار دولار، كانت من أحد العوامل التي دفعت أمريكا لغض الطرف عن ممارسات السعودية الداعمة للتنظيمات الإرهابية.

إسرائيل ليست بعيدة
بخلاف ضلوع أمريكا في الصراع الخليجي القائم، فإن إسرائيل لم تذهب بعيداً عما يجري. إذ ذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية أن (إسرائيل) وراء ما يجري بشأن قطر، مستندة بذلك إلى معلومات استخباراتية قدمتها (إسرائيل) للسعودية، تتضمن صوراً ووثائق عن تحويل قطر أموالاً لمنظمات (معادية) للسعودية، ما حرّض الجنون السعودي ودفعه نحو التصعيد واتخاذ إجراءات ضد الدوحة.
وبغض النظر عن تورط قطر والسعودية في دعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة، ودورهما الفاضح في محاولات تفتيت المنطقة العربية خدمة للمشروع الصهيو- أمريكي، فإن إسرائيل تستغل هذه الخلافات العربية، وتلعب دوراً كبيراً في تأجيجها واستثمارها خدمة لمصالحها، وتنفيذاً لمشروعها العدواني التوسعي.

لا شفاعة للعملاء
قطر هي أول من أقامت علاقات مع (إسرائيل) بداية تسعينيات القرن الماضي، بينما حافظت السعودية على اتصالات سرية ـ والتي أصبحت مؤخراً علنية ـ مع الكيان الإسرائيلي، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يترك أية فرصة لاستقرار هذه الأدوات التي تتهافت لإرضاء نزواته العدوانية ومخططاته التوسعية، فما يسعى له العدو هو تدمير المنطقة وقتل شعوبها، بما فيها بلدان العملاء، ومن ضمنها قطر والسعودية.

كذبة كبرى
وإذا ما تحدثنا عن الادعاءات الأمريكية بمحاربة الإرهاب، فسنجد أنها مجرد كذبة كبرى، فبجانب كل تلك التناقضات والحقائق نتطرق هنا سريعاً لحقائق أخرى كشفها مسؤولون أمريكيون عن الدعم الأمريكي للجماعات الإرهابية.
فقد جندت وكالة الاستخبارات المركزية مؤسِّس تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، عام 1979، كان عمره حينها 22 عامًا، وتلقى تدريبًا في مراكز تدريب حرب العصابات التابعة لـ(CIA).
كما نشرت جامعة نبراسكا الكتب الجهادية، و(أنفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات لتزويد أطفال المدارس الأفغانية بالكتب المدرسية المليئة بصور العنف، والتعاليم الإسلامية المتشددة).
وكشفت وكالة (ويكيليكس) عن وثائق سرية في سبتمر الماضي، تؤكد أن جماعة داعش الإرهابية هي إحدى الحركات الإرهابية التي جندتها الاستخبارات الأمريكية بدعم من المخابرات البريطانية (MI6)، والموساد الإسرائيلي، وجهاز الاستخبارات الباكستانية (ISI)، ورئاسة المخابرات العامة السعودية (GIP)، لإسقاط النظام السوري.
وذكرت الوكالة عن اجتماع سري بين السيناتور الأمريكي جون ماكين، وقادة الإرهاب في سوريا قبل إعلان ما يسمى (الدولة الإسلامية) بأشهر.
وكان حلف شمال الأطلسي (NATO) والقيادة العليا التركية مسؤولين عن تجنيد مرتزقة (داعش) و(النصرة) منذ بداية الأزمة السورية في مارس 2011. ووفقًا لمصادر استخباراتية إسرائيلية، تألفت هذه المبادرة من: (حملة لتجنيد آلاف المتطوعين المسلمين من دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي للقتال إلى جانب المتمردين السوريين)، وقد اعترفت وقتها قطر بدعمها لجبهة النصرة باعتبارها حركة ثورية، قبل أن يتم تصنيفها لاحقاً ضمن قائمة الإرهاب.

ثنائي الإجرام
وبين هذا وذاك يبدو واضحاً مفارقة عجيبة، وهي أن كل الجماعات الإرهابية التي ظهرت خلال 3 عقود، نشأت في الدول التي تعارض الهيمنة الأمريكية، مثل دول الاتحاد السوفيتي وأنظمة المقاومة في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وجميع هذه الجماعات تبنت الفكر الوهابي الذي لا مجال هنا لشرح العلاقة الوثيقة بين كهنة المعبد الأمريكي ومشعوذي الوهابية السعودية.
إذن، لا مجال للتكنهات حول صناعة أمريكا للإرهاب، فذلك أمر ثابت وجلي، وهناك شواهد كثيرة تسردها ذاكرة الشعوب في العصر الحديث، ويكفي إبادة أمريكا لأكثر من نصف مليون إنسان بلحظة واحدة في اليابان، فتلك من أعظم الجرائم الإرهابية في تاريخ البشرية التي تدل على وحشية النظام الدموي الأمريكي، في حين شكل العقل الأمريكي الخبيث مع الفكر الوهابي السعودي المتطرف ثنائية إجرامية عظيمة تسببت في قتل وتشريد ملايين الناس في كل أرجاء الأرض.