حدث سياسي مفتوح أمام المسلمين وغيرهم يقام سنوياً في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، ويشهد مظاهرات مناهضة لاحتلال الكيان الصهيوني أرض فلسطين (تحديداً مدينة القدس)، في دول إسلامية وعربية وغيرها، يطلق على هذا الحدث الذي سنشهده بعد أيام اسم (يوم القدس)، وتحديداً في آخر جمعة رمضانية.. ويسعى هذا الحدث لإبراز حجم اهتمام العرب والمسلمين بقضيتهم الأم وإيجاد حل لها، وهي القضية الفلسطينية، إلا أن هذا الاهتمام في تراجع كبير بسبب هرولة معظم الأنظمة العربية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل، كمصر والأردن والسعودية ومعها دول الخليج وغيرها، لينحصر هذا الاهتمام في دول رفضت التطبيع والخضوع للهيمنة الأمريكية.
أول يوم للقدس في طهران
ظهر أول يوم للقدس في جمهورية إيران الإسلامية بعد انتصار الثورة عام 1979, حيث اقترح مرشد الثورة ومؤسس الجمهورية روح الله الخميني، في أغسطس من ذلك العام، أن يكرس يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان ليكون يوم القدس، خصوصاً وأن القضية الفلسطينية كانت من ضمن أهم محاور الثورة, وأعلن في العام نفسه رسمياً عدم اعتراف جمهوريته بدولة إسرائيل، وحوّل سفارتها في إيران إلى مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وجاء تكريس هذا اليوم لإبداء التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين والمغتصبة من قبل الاحتلال الصهيوني منذ 1948م، وهو العام الذي احتُلت فيه فلسطين.
وقد انتشرت هذه المناسبة بين المسلمين والبلدان غير الإسلامية حتى في الولايات المتحدة، استجابة لمرشد الثورة في إيران، كون الأمة الإسلامية بحاجة ماسة للتمسك بهذه المناسبة إذا ما أرادت الحفاظ على هوية القدس الإسلامية, ولم تقتصر على العرب والمسلمين، ولكن بعض غير المسلمين أيضاً يشاركون فيها كاليهود الأرثوذكس المعادين للصهيونية.
وقد كان العرب قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران ـ وخصوصاً منظمة التحرير الفلسطينية ـ يحتفلون سنوياً في شهر أكتوبر بانتصارهم على إسرائيل في ما عُرف آنذاك بحرب الكرامة، في يوم سُمّي (يوم الكرامة) وعُرف أيضاً بـ(يوم فلسطين)، وقد بقي الاحتفال به إلى وقت قريب بعد انتصار الثورة، إلا أنه نُسي في ما بعد، وغلب عليه يوم القدس.

أهمية يوم القدس العالمي
يعكس (يوم القدس) حقيقة جوهرية مفادها أن الكيان الإسرائيلي هو كيان لقيط وغير مشروع ويجب استئصاله من جسد الأمة الإسلامية, كما يعكس الاحتفاء به رفض المسلمين في كافة أقطار الأرض للتواجد الصهيوني في القدس المحتلة, ويؤكد ضرورة التلاحم في ما بينهم لمواجهة مخططات ودسائس القوى الاستكبارية التي تسعى لمحو القضية الجوهرية في منطقة الشرق الأوسط من أذهان أصحابها بطرق مختلفة.
ويحاول الكيان الصهيوني منذ احتلاله أرض فلسطين أن يجعلها موطناً له، ويقنع الجميع بذلك، تدعمه قوى الظلم والاستكبار, ولا سبيل له إلى ذلك سوى شراء ولاء الأنظمة العربية التي تعد صاحبة الكلمة في هذه القضية، وإسكات شعوبها، وكذلك إبعادها عن محور المقاومة, لهذا يأتي يوم القدس ليذكر تلك الشعوب بأهم قضاياها التي حاول العدو الصهيوني التشويش عليها وإلهاءها بمشاكلها الداخلية, ونجح في خفض مستوى الاهتمام بها لدى شعوب الأنظمة العميلة.

القضية الفلسطينية تتراجع عربياً
رأى الكيان الصهيوني أن الضمان الأهم لاستمرار وجوده هو أن يكون مقبولاً من قبل العرب والمسلمين كجزء لا يتجزأ من المنطقة، وأن يتم التعامل معه كدولة لها الحق في الوجود والعيش بسلام وفي علاقات اعتيادية مع الآخرين كأية دولة أخرى. ولهذا عمل منذ قيامه على إيجاد وسائل انفراج مع العرب، وأقام علاقات غير عدائية بل اعتيادية مع بعضهم.
ولهذا تراجعت مركزية القضية الفلسطينية بين القضايا العربية بشكل كبير، أكدته مؤخراً قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت قبل شهر رمضان، بحضور ترامب وعدد من رؤساء الدول العربية والإسلامية, فقد كشف إعلان القمة، أن فلسطين لم تعد قضية العرب المركزية، على الأقل كشعار، بحيث غابت تماماً ولم يتم ذكرها، كما غابت أية إشارة للصراع مع إسرائيل، كونها العدو الأول للأمتين العربية والإسلامية, وبدلاً من ذلك أصبح الصراع مع إيران على رأس أولويات القمة، بوصفها العدو الأول للعرب والمسلمين.
وإعلان الرياض لم يكن غريباً صدوره منها، خصوصاً وأنها عملت جنباً إلى جنب مع أمريكا وإسرائيل في إشعال الصراعات داخل الدول العربية المتمسكة بالقضية الفلسطينية كسوريا وليبيا واليمن، لتجعلها تنشغل عن القضية المركزية التي تمسكت بها طيلة عقود.
إلا أنها فشلت في هذا خصوصاً في سوريا واليمن مع انشغالهما بخوض حرب ضد تحالف قوى الشر والاستكبار بقيادة أمريكا وإسرائيل, فخطابات زعماء القوى الوطنية المناهضة للعدوان لا تخلو من الإشارة إلى فلسطين على أنها القضية المركزية، وإلى الكيان الصهيوني على أنه العدو الأول.
أما الدول العميلة وغير المتحررة فقد ذهبت إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبنت معه علاقات رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية، وسلموا بحقه في الأرض العربية وفي بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين وتدمير القرى والمدن، وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام والرضا بأبشع مراتب المذلة والهوان والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق, ليس هذا فقط، بل ذهبت تلك الدول إلى اتخاذ إيران الإسلامية وأبرز الدول الداعمة للحركات المقاومة للاحتلال في فلسطين ولبنان عدواً لدوداً من أجل إرضاء أرباب الظلم. وتحدثت وسائل إعلامها عن أن دعوة إيران للاحتفال بيوم القدس لم تلقَ قبولاً كبيراً لدى الشعوب العربية، كونها دعوة شيعية, لتتعمد تهميش القضية الفلسطينية خدمة للمشروع الصهيوني.
ولهذا فإن إحياء يوم القدس الذي يصادف آخر جمعة من رمضان، ضرورة وواجب إسلامي وعربي إذا ما أردنا الاحتفاظ بفلسطين عربية وعدم التنازل بها للصهاينة, خصوصاً وأن كثيراً من الدول العربية في الخليج والشرق الأوسط والمغرب العربي لم تعد مهتمة بالقضية الفلسطينية, وبقي الاهتمام في الدول الإسلامية أبرزها جمهورية إيران أول من أحيت هذا اليوم بعد انتصار ثورتها.