شعرها يولد وينمو ويترعرع كأزاهير الحقول في مواسم الربيع، وينأى عن كل أشواك الحياة المرة.
الوضوح يبدو للوهلة الأولى في شعر سمر مراد، ولمن لا يعرف إعجاز الخلق الفني كمن يلهو برمال الشاطئ ويزخرف فوقها من رسوم عبثية لا تتطلب أي جهد أو مهارة.
عندما قرأت بعض القصائد النثرية للشاعرة سمر مراد، بدأت أتوجس أن عاصفة حقيقية بدأت تهب على بحيرة الشعر الراكدة.
اتجهت من البداية نحو نسق شعري مكتنز بالوضوح، عامر بالأضواء الكاشفة لما حولها وتحتها من أسارير المعنى وتقاسيم الصورة.
قصائدها شفافة من رقة اللفظ ولطف المعنى، تكتبها وتسوقها إلى القارئ سطوراً ضوئية لا لبس فيها ولا التواء.. كما أن قصائدها تهمس في الأسماع همساً وتوقع إيقاعاً.
منحت قصيدة النثر نفحة جديدة زادتها غنى ورونقاً. مع الإشارة إلى أن بواكير الشعر لدى معظم شعراء القصيدة النثرية، تكتنفها التراكيب المتعلقة بالمعاني والرسوم المتداخلة، إلا أن قصائد الشاعرة سمر مراد تجاوزت حدود التصوير الشعري الجميل. تترجّح لغتها بين اللمح الخاطف والسرد التفصيلي الذي يكشف عن مزيد من المعاني والمشاعر.
أتقنت اللغة الواضحة، وبموهبتها وقدرتها تفوقت وتميزت بالصياغة المذهلة في كتابة القصة القصيرة.

إجادة العزف على الحروف
ـ كيف تحب الشاعرة سمر مراد أن تقدم نفسها لقراء صحيفة (لا)؟
سأفسح المجال قليلاً لكلماتي لتقدمني لقراء صحيفة (لا) الأعزاء، فالكاتبة سمر أتقنت العزف على الحروف، ومد جسور الأمنيات نحو السماء، تجيد الكتابة واختزال الكلمات وتنميقها، وملاحقة طيف الأمل في الزوايا، وما تناثر من عطر السعادة على معاطف الأماكن، والتسلق على جدران التمني في سبيل أن تعانق ملامح الفرح لبرهة..

نقيض الفصول الأربعة
ـ تزدحم مخيلتك برؤى متصارعة يموج بها خيال فنتازي وآخر واقعي، تتعدد بها الخيارات المتنوعة.. لو تحدثينا عن هذه المخيلة..
أنا نقيض الفصول الأربعة، تارة يغزو الشتاء ظاهري، فتراني أرتدي كنزة من الصوف، وأرتجف، في حين أن أعماقي تقيم احتفالاً على الرمال الحارة، والشمس بالقرب تستجم.
وتارة أخرى ترى الخريف قد حل فيَّ، وتساقطت أوراق عمري، وصوت مذياعي حزين، والضباب يملأ داري، وعيناي تمطران، ولون السماء كئيب.. بينما نقيضه في داخلي قد أورد منه خدا قلبي، وتفتحت أقداري، والشمس ترقص في البعيد، والطير يعلو والغناء، وأنا السعيد والليلة العيد.

موهبة نثرية
ـ هل اتجهتِ الى قصيدة النثـر لكي تتخلصي من قيود ونظام العروض في الشعر، والتحرر من الالتزام بالقواعد الموروثة من القصائد التقليدية؟
وجدت نفسي في القصيدة النثرية منذ أن بدأت الكتابة، فموهبتي بالفطرة، تطورت وتحسنت مع مرور الوقت، حتى أخذت الشكل اللائق، وكان ذلك نتاج الاطلاع والقراءة لكثير من كتاب القصيدة النثرية. كما أن لي محاولات في الشعر التقليدي (الشعر الشعبي)، وما زلت في طي تكرار المحاولات حتى أصل.

بصمة خاصة
ـ بمن تأثرت الشاعرة سمر مراد؟
لا أسميه تأثراً بقدر ما أسميه إعجاباً ببعض الأساليب في كتابة القصيدة النثرية، فلكل شاعر أسلوبه في الكتابة من خلاله يصنع بصمة خاصة تتحدث عن ذاته.

خلق حُر
ـ من خصائص قصيدة النثـر أنها قابلة للتعديل، ولذلك وصفت بإسفنجية البناء والتركيب.. لو تعطينا مزايا أكثـر عن هذه القصيدة؟ 
تتميز القصيدة النثرية بخلوها من الوزن والقافية، وتحررها من الأنماط التفكيرية، أي أنها تكتب وفقاً للفكر الخاص بالشاعر، وسكون نهاية الجمل والسطور والمقاطع، والغموض، موجزة بما فيه الكفاية، خلق حر، فن إيحائي..

بلا عيوب
ـ ما هي عيوب قصيدة النثـر؟
برأيي لا عيوب في القصيدة النثرية، إلا أن هناك قارئاً متوسط الثقافة قد يواجه صعوبة في فهم الغموض الحاصل في القصيدة النثرية، وتبدو له كطلاسم لا يستطيع فك رموزها أو فهمها، وكما قال أبو تمام الطائي عندما سئل: لماذا تقول ما لا يُفهم؟ فأجاب: ولماذا لا تفهم ما يُقال.

ـ متى تستفزك القصيدة؟
عندما تتحدث عني، وعما يخالج نفسي.

ـ المقطع الصغير الذي تكتبينه يشكل قصيدة مستقلة، هل توافقينني الرأي؟
نعم، هو كذلك.

ـ من الذي يكتب القصيدة الشاعر أم القصيدة التي تكتب الشاعر؟
برأيي القصيدة هي من تكتب الشاعر.

نفض الدستور القديم
ـ هل بالفعل مازلنا أسرى تسيرنا القواعد التي وضعها أسلافنا، وما زلنا نلهث في قصائدنا ونجر عواطفنا المقيدة في سلاسل الأوزان القديمة؟
لا أظن ذلك، فالقصيدة العربية تطورت ومرت بالعديد من التغيرات حتى وصلت إلى الشكل الحديث المتمثل بالقصيدة النثرية التي نفضت عن كاهلها الدستور القديم من عروض وأوزان وبحور شعرية.

ـ هل القافية الموحدة وراء الخسائر الفادحة في الشعر؟ وهل القافية أضفت على القصيدة لوناً رتيباً يمل منه السامع؟
برأيي لم تعد القصيدة التقليدية طاغية كما كانت، بل خرج عن قواعدها الشعراء المعاصرون، وثاروا على دستورها، وخرجوا عليه.

الحب والواقع والوطن
ـ لمن تكتب الشاعرة سمر مراد؟
أكتب عني.. عنها.. عنك.. عن الأرض.. عن الوطن.. عن الحُب.. عن الإنسانية والواقع.. عما يحدث.

ـ بماذا تحلم الشاعرة سمر؟
بالكثير.

أعيش لحظة انتظرتها طويلاً
ـ ما هو الشيء الذي تمنيته وتحقق؟
تفاصيله تتخلل هذا الحديث، وأنا الآن أعايش لحظات انتظرتها طويلاً.

ـ سؤال غفلت عنه ولم أسألك إياه..
ربما في فرصة أخرى.

ـ كلمة أخيرة..
أشكرك كثيراً، وأشكر صحيفة (لا) ممثلة برئيس التحرير الأستاذ صلاح الدكاك، وأشكر الشاعر أمجد الصانع الذي نسق هذا اللقاء، وممتنة لكل من رافقني في درب حلمي، وربت على كتفي وابتسم..!


أتمنى..
أتمنى..
أن أملك قصراً ورقياً..
يحمله بساط سحري..
تأخذه الريح نحو الشمس..
ويسافر بي للغد والأمس..
أتمنى..
أن الليل به مصباح..
والصمت مباح..
والكوكب أخضر..
بل أحمر أو أصفر..
..
أتمنى..
أن أتمنى..
ألا أتمنى..
ألا أدري ما ذاك
وما تلك وما المعنى..
..
أتمنى..
أن البحر رمال..
والحُب محال..
والقمر ينام ولا يصحو..
والعين أبداً لا تغفو..
..
أتمنى..
أن النار تلد الماء..
والشجرة تمشي في الأرجاء..
والصخرة تنطق تسمع..
والبشرية عمياء صماء..
أتمنى