جيمس دورسي (موقع هافينغتون بوست الأمريكي)
ترجمة خاصه لـ(لا): محمد السالمي 
بلا شك أن العام المنصرم لم يكن جيداً بالنسبة للسعودية. فانخفاض أسعار النفط أثار بوضوح أزمة اقتصادية داخلية، الأمر الذي لا زال يجبرها على إعادة هيكلة الاقتصاد، بالإضافة إلى خوضها في شؤون بلدان أخرى بغرض الهيمنة الإقليمية ورطها في حروب وصراعات سياسية لم يكن بمقدورها الانتصار فيها والخروج منها بلا خيارات سوى الاعتراف بالفشل أو التسويات. إذا كان عام 2016 سيئاً بالنسبة للمملكة، فالعام 2017 سيكون أسوأ.
اختتمت السعودية 2016 بوقف إطلاق النار في سوريا، واحتمالات نجاح محادثات السلام التي نسقتها روسيا وتركيا، أضعفت بوضوح الجماعات المتمردة التي تدعمها السعودية وتقوية الرئيس الأسد حليف إيران الرئيس في الشرق الأوسط. ويبقى أمل السعودية الوحيد للتأثير على الأحداث في سوريا، هو تخريب الجماعات المتمردة لاتفاق وقف إطلاق النار، كونها ليست جزءاً منه. حتى ذلك الحين فسقوط حلب آخر معاقل المتمردين يهدد باختزال المقاومة ضد الأسد إلى تمرد ريفي.
ولزيادة الطين بلة، فعدم قدرة المملكة على منع المرشح اللبناني ميشيل عون ليصبح رئيس لبنان الذي يسانده حزب الله، والذي بدوره وقف إلى جانب الأسد وكسب الحرب، أجبر السعودية على إبرام تسوية وافقت عليها، ودعت ميشيل عون بسرعة لزيارة المملكة في أوائل هذا العام.
حساسية المملكة تجاه أي تحدٍّ لوصايتها على الأماكن الإسلامية المقدسة, مكة والمدينة, يضع هذا الدور تحت الأضواء، بينما تتفاوض مع ما يقارب 80 بلداً حول الحج في 2017م، وأخفقت بالتوصل مع إيران إلى اتفاق بخصوص الحج عام 2016م، تاركة الجمهورية الإسلامية بدون حصتها من الحجاج، وبذلك تزداد التحديات أمام إدارة المملكة للحج.
الحملة العسكرية على اليمن التي ظنت المملكة أنها مجرد نزهة، تحولت إلى مستنقع لها، وأصبحت تبحث الآن عن خطة للخروج بماء الوجه من جارتها اليمن التي دمرت بنيتها التحتية واقتصادها، لكنها لم تستطع إزاحة أنصار الله (الحوثيين) والرئيس السابق علي عبدالله صالح من السلطة في كثير من أنحاء البلد، بما في ذلك العاصمة صنعاء، لكنها نجحت في إثارة سخط الكثير من اليمنيين بشكل واسع.
هذه الحملة العسكرية كذلك سلطت الضوء وشككت بقدرات المملكة العسكرية، حيث تحتل المرتبة الثانية عالمياً في استيراد المعدات العسكرية والسلاح. ونتيجة ضعف هذه القدرات فقد أوقفت الولايات المتحدة مبيعاتها من الذخائر الموجهة بدقة حتى يتم تدريب القوات السعودية بشكل جيد على استخدام الأسلحة.. تكرار القوات الجوية السعودية استهدافها لأهداف مدنية بشكل متعمد، والتي قتل فيها عدد كبير من الناس الأبرياء، كشف عن تأكيدات ارتكابها جرائم حرب في اليمن.
عدم قدرة السعودية على تحقيق مكاسب عسكرية أو اقتصادية من حربها على اليمن يضع مصداقية ولي ولي العهد محمد بن سلمان على المحك، والذي يعد مسؤولاً عن تحويل مسار الاقتصاد نحو التدهور.. ويعتقد الكثيرون أن الملك سلمان يميل نحو تعيين نجله الأمير محمد خليفة له على الرغم من اعتراضات الفروع الأخرى في أوساط أسرة آل سعود. 
وبالمثل استخدمت السعودية عضلاتها السياسية والاقتصادية لإحضار الفريق عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في انقلاب عسكري في 2013م، والعمل على استقرار الاقتصاد المصري المتدهور أخفق في إنجاز أي شيء في المقابل. فالسعودية مقابل أكبر بلد عربي مزدحم بالسكان (مصر) في خلافات حول إيران وسوريا وقضايا أخرى متعددة. 
في أكتوبر الماضي، علّقت المملكة اتفاقية بـ23 مليار دولار لتزويد مصر بـ700 ألف طن من المنتجات البترولية كل شهر، بعد مساندة الأخيرة لقرار روسيا في مجلس الأمن حول سوريا. العقوبات وفتور العلاقات بين البلدين أثرت قليلاً، مما جعل السيسي أكثر تعاطفاً مع مخاوف السعودية.
وعلى الصعيدين الأمني والسياسة الخارجية، فإن تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب السلطة هذا الشهر قد يكون بمثابة نعمة ونقمة، لكنه قد يزيد من حدة المشكلات السعودية.. الرئيس ترمب لمح مسبقاً بأنه سيحد من دعم بلاده للمتمردين ضد الأسد، وسيركز على التعاون مع موسكو لمواجهة (داعش)، وذلك ما سيعزز من موقف الأسد وروسيا وإيران بشكل فعال في سوريا.
نوه الرئيس الأمريكي المنتخب كذلك إلى أنه ربما سيلغي اتفاقية المجتمع الدولي النووية مع إيران، الأمر الذي دفع السعودية لتناشد ترمب عدم إلغائه، لكن ما ترغب به هو الضغط على إيران بسبب دعمها لما تطلق عليه المملكة وكلاء إيران في الدول العربية، لأن إنهاء هذا الاتفاق سيجبر السعودية على سباق تسلح نووي مع إيران. أشار الرئيس ترمب أيضاً إلى أنه ربما سيتعاطف مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، ما ينذر بوضع وصمة عار على المملكة في الوقت الذي تجد فيه أرضية مشتركة مع إسرائيل للبحث في كيفية وقف التقدم الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تعهد ترمب بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، وتعيينه ديفيد فريدمان سفيراً لدى إسرائيل، والذي دائماً ما يصف القدس بالعاصمة الأبدية للدولة اليهودية، ربما سيوتر العلاقات المضطربة مع الولايات المتحدة. على إثر ذلك قد تشهد الدول العربية بما فيها السعودية تظاهرات واسعة ضد هذا القرار، مما سيؤدي إلى قطع العلاقات مع الولايات المتحدة أو اتخاذ خطوات ثأرية أخرى.
وبالرغم من تلميح ترمب بأنه سيوقف واردات البترول من المملكة إلى بلاده، في محاولة منه لتحقيق استقلال في قطاع الطاقة، واتهمها كذلك خلال حملته الانتخابية بالوقوف وراء أحداث الـ11 من سبتمبر، تراهن المملكة على أن السيد ترمب، الرئيس، سوف يعتمد على خبرة السيد ترمب، رجل الأعمال، أي سيعقد صفقات واتفاقيات.
الضبابية والشك في علاقتها بالولايات المتحدة لا يمكن أن تأتي في لحظة أسوأ بالنسبة للمملكة. علاوة على إخفاق السعودية في المجالين العسكري والسياسة الخارجية، فقد بدأت بشكل منفرد بإعادة كتابة العقد الاجتماعي الذي يتعهد بدعمها، حيث تشكل إعادة الصياغة هذه صفقة نهائية تنطوي على نظام الرعاية الاجتماعية من المهد إلى اللحد مقابل التنازل عن الحقوق السياسية والالتزام بالأعراف والتقاليد الاجتماعية الوهابية.
ما يزيد التحديات الاقتصادية هو انخفاض الدعم وارتفاع أسعار الخدمات وانخفاض الإنفاق على التعليم والخدمات الاجتماعية وتسهيل البيروقراطية في بلد ثلثا الموظفين فيه مزيفو الهوية. ويزداد الوضع صعوبة كون السلطة الأساسية في البلاد تتقاسمها عائلة آل سعود الحاكمة مع المؤسسة الدينية، الأمر الذي يواجه تحديات ومطالب بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي وزيادة ارتباط الإرهاب العالمي بالفكر الوهابي.
في العام 2017 سيكون لدى الملك سلمان والأمير محمد الكثير من الأمور المثيرة للقلق. فبالنسبة لهم وأسرة آل سعود ستصبح القضية الأساسية هي البقاء.. فمن المرجح ألا يثور السعوديون بسبب مواجهة الحكومة لهم بمزيد من القمع والاستبداد، بالإضافة الى تجربة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخيرة في الاحتجاجات الشعبية التي نتج عنها الحروب الأهلية والتخريب والقمع المتزايد، إلا أنهم سيطالبون بأكبر قدر من المحاسبة والمساءلة.