غلين كاري: مجلة (بلومبيرغ) الأمريكية  -- ترجمة خاصه لـ(لا): محمد السالمي 

ليس من المفاجأة أن تمتلك السعودية أسلحة أفضل من خصومها في اليمن في حرب يخوضها أغنى بلد عربي ضد أفقر بلد عربي آخر. وبالرغم من ذلك ماتزال السعودية غير قادرة على فرض وصايتها على اليمن.
بعد عدة أشهر من إعلان الزعماء السياسيين للعقيد مسعود علي الشواف، المسؤول عن عمليات الحدود في نجران، عن قرب انتهاء الحملة العسكرية على اليمن، يتعرض حرس الحدود السعودي للهجمات بشكل متكرر. حيث تشكل امتدادات الصحراء والوديان الجبلية تحدياً حتى في الظروف العادية لوقف عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود، يواجه الآن صواريخ وهجمات المقاتلين اليمنيين التي تنطلق من قاذفات محمولة يتم دفنها تحت الصخور لتفادي ضربات الطيران السعودي.
وقال العقيد الشواف في قاعدة بير عسكر: هنالك اشتباكات دائماً على بعد 10 أميال من الحدود. وأضاف أن قواته تصدت لهجوم على طول الحدود في يوم سابق. وقال: (لقد تغير التهديد نحونا وتصاعد منذ بداية الحرب، ولدينا الضحايا لإثبات ذلك).
إن التحدي الأكبر للسعودية يكمن في ترجمتها للثروة النفطية إلى نفوذ إقليمي أكبر، وهو ما تعهدت به القيادة السعودية الشابة، ولكن كان هناك مؤشرات نجاح قليلة العام الماضي، فمازالت تدور رحى الحرب في اليمن، وفي سوريا تم طرد الجماعات المسلحة التي تدعمها السعودية من آخر معاقلها في حلب، وكذلك مصر التي تبقيها دولارات السعودية مستقرة تبدو أحياناً مترددة في التوافق مع سياسة السعودية الخارجية.

حروب مكلفة
عندما تفرض المملكة التقشف الداخلي، بينما تسعى لإعادة توازن اقتصادها الذي يعتمد على الطاقة بعد تراجع أسعار النفط، فهذه سياسة مكلفة كذلك. فالحكومة لم تكشف عن فاتورة الحرب على اليمن، أو مقدار الأموال التي قدمتها لمقاتلي الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا. لكن هذه الصراعات تعد عبئاً متزايداً، في الوقت الذي أدى تراجع عائدات أسعار النفط إلى عجز بمقدار 200 مليار دولار من إجمالي أصول المملكة من النقد الأجنبي، خلال العامين الماضيين. ولم تتم الإجابة على الطلبات التي تلقتها وزارة الخارجية السعودية للتعليق بشكل مباشر.
وقال جيمس دورسي، المختص بالشأن السعودي، إن (الحرب تكلف السعودية اقتصادياً، في الوقت الذي تحتاج فيه للتركيز على تنويع وإعادة بناء اقتصادها). لم يكن متوقعاً أن تطول الحرب في اليمن إلى هذا الحد.. الجدير بالذكر أن السعودية تدخلت في مارس 2015، وقادت التحالف الذي ينفذ غارات كثيفة على اليمن، ونشرت عدداً محدوداً من القوات البرية، بينما تحاول إعادة الحكومة اليمنية التي فقدت السيطرة على الكثير من مساحات البلد.

خسائر فادحة
وقال ستيفن سيش، سفير أمريكي سابق لدى اليمن: (من الصعب وصف التدخل السعودي بالأمر الناجح).. (فالحملة العسكرية السعودية لم تستطيع هزيمة الحوثيين، ولكنها ألحقت خسائر فادحة في البنية التحتية لليمن، وتسببت في معاناة فادحة بالنسبة للمواطنين).
وطبقاً للأمم المتحدة، فإن أكثر من 10 آلاف يمني قتلوا أو جرحوا، وذكرت اليونيسف، الشهر الماضي، أن 2.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.
ويمكن ملاحظة تأثير الحرب على المملكة، حيث يظل مطار نجران مغلقاً، وصواريخ أنصار الله (الحوثيين) تضرب بشكل متكرر في عمق المدينة. 

النظرة العامة للحرب
لقد تغيرت الصورة العامة للحرب أيضاً.. عندما بدأت الحرب كان يظهر الأمير محمد كأقوى شخصية في العائلة الملكية، وحاز على مساندة شعبية في أوساط السعوديين، وهم يشاهدون بلادهم تلعب دوراً حازماً. الحكومة لعبت دوراً في صنع هذه الدعاية، حيث كانت اللوحات الإعلانية في العاصمة تظهر الطائرات الحربية المقاتلة وإلى جانبها صورة الأمير ذي الـ31 عاماً، بينما يعرض التلفزيون الرسمي مناورات عسكرية. صور كهذه نادراً جداً ما توجد الآن.

مقاتلو جبال بارعون
ليس الحوثيون فقط في اليمن من يقفون ضد القوات السعودية، فإلى جانبهم يقف بعض من وحدات الجيش اليمني الذي يتلقى أوامره من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي شكل تحالفاً مع الحوثيين بدلاً عن التحالف مع خلفه الذي تدعمه السعودية. بعض من هذه الكتائب العسكرية تم تدريبها من قبل الولايات المتحدة لمحاربة القاعدة، تستخدم لتنفيذ مهمات خاصة ضد السعودية. وقال العقيد الشواف: (الحوثيون خصم قوي كذلك: فهم محاربون بارعون، ويجيدون الحرب في الجبال).. يذكر أن الأجزاء الواقعة تحت سيطرة القوات اليمنية الموالية للسعودية، تشكل فيها عناصر تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية خطراً متزايداً، حيث قتل تنظيم داعش في تفجير انتحاري أكثر من 50 جندياً في مدينة عدن، في الـ18 من ديسمبر الماضي.. ونتيجة لسقوط الكثير من الضحايا المدنيين، فقد أعرب حلفاء السعودية عن استيائهم تجاه مسار ومآلات الحرب. فبعد أن حث صناع القرار في بريطانيا على إعادة النظر في تجارة الأسلحة مع السعوديين، أعلنت السعودية في الـ19 من ديسمبر أنها ستتوقف عن استخدام القنابل العنقودية بريطانية الصنع. وفي الشهر الماضي أيضاً، توقفت الولايات المتحدة عن بيع بعض الأسلحة للسعودية، وبدلاً من بيع منظومة الصواريخ الموجهة التي تنتجها شركة (راثيون)، قال الأمريكيون إنهم سيركزون على تحسين القدرات السعودية في إصابة الأهداف. بالإضافة إلى كندا، حيث يستمر الضغط على رئيس الوزراء للمطالبة بإلغاء صفقة أسلحة قيمتها 11 مليار دولار لشراء عربات قتالية.. وقال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، أثناء زيارة الشهر الماضي للمملكة، إن هناك ضرورة ملحة لإنهاء الحرب في اليمن. ومع ذلك فهناك جهد دولي ضئيل نسبياً نحو هذا التوجه، مقارنة بالجهود الدولية المضاعفة التي فشلت بشكل كبير في سوريا، وهذا ما يعري ويظهر جرائم المملكة.
وقال باول سوليفان، أستاذ مساعد الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون بواشنطن: (أنا متأكد أن العديد من القيادة السعودية تسهر الليالي حول ما يجري في اليمن). وأضاف أن (أسوأ الحالات هي تلك التي تستمر لوقت أطول، وتكاليفها باهظة، وليس لها حل أو نهاية واضحة. الحرب هي جحيم، واليمن جحيم من نوع خاص).