محمد طاهر أنعم / لا ميديا

بداية لا أريد أن أظهر بمظهر الذي يزكي السلفية بالمطلق، وأنها المنهج الحق والقويم كما يظن كثير من السلفيين بناء على ترسبات تاريخية ودينية كثيرة متعصبة ومنحرفة.
السلفية شكل متشدد من أشكال التدين، وتطبيق التعاليم الدينية بمفهوم خاص، وهي بهذا الشكل لا تختلف كثيراً عن كل أشكال التدين المذهبي والطرقي، بكل تنوعاته الإسلامية وغير الإسلامية.
فبشكل عام، إذا رأيت متديناً ينتسب لمذهب عقائدي أو فقهي أو فكري أكثر من انتسابه للإسلام فعليك أن تعرف مباشرة أنه متشدد بمقدار تعصبه لذلك الانتماء وتمسكه به، سواء كان صوفياً أو زيدياً أو سلفيا أولأي مذهب كان، وحتى المنتمين للجماعات الدينية المعاصرة مثل الإخوان والتبليغ والسرورية وأنصار الله وغيرهم.
من كان انتماؤه للإسلام بشكل عام، ويتعامل مع جميع المسلمين بمحبة وأخوة، فهو الذي يمثل روح الإسلام الحقيقي والطريقة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن يتعامل في إطار جماعته ومذهبه أكثر من الإسلام ويتعامل بإقصاء ونفور عن الآخرين فهو متشدد متعصب مهما كان مسماه، والسلفيون جزء من هذا الإشكال.
ورغم كل هذا فإنه يجب الفهم أن السلفية تختلف في عدة نواح ومجالات عن الوهابية، وليس كما يظن بعض الناس والكُتَّاب أنهما شيء واحد، رغم اشتراكهما في عدة نواح.
فالسلفية ظاهرة فكرية قديمة جداً، يمكن اعتبارها امتدادا للتيار المتشدد لمدرسة أهل الحديث السنية، والتي رفضت التمذهب منذ وقت مبكر من القرن الهجري الرابع وما بعده، وتشكلت بشكل أوضح في عصر العلامة أحمد بن تيمية في القرنين السابع والثامن الهجريين، وتميزت باللامذهبية، والتشدد في التمسك بالفكر العقائدي الحنبلي (وليس المذهب الفقهي الحنبلي، وبينهما فرق).
أما الوهابية فدعوة تكفيرية متطرفة، أقرب إلى فكر الخوارج، استخدمت أسلوب التكفير والقتل والحكم بالشرك والردة على جمهور المسلمين من السنة والشيعة تحت أسباب وشعارات تافهة وغير صحيحة، مثل عبادة القبور والاعتقاد الفاسد في الأولياء وموالاة المشركين.
بدأت الوهابية مع حركة الشيخ المتطرف محمد بن عبدالوهاب التميمي النجدي قبل قرنين ونصف القرن، والذي توفي سنة 1206هـ في القرن الثامن عشر الميلادي.
وقد أنشأ حركة بالغة التطرف، كفرت الحنابلة أولاً في نجد، وقاتلتهم، وحكمت كثيراً من أراضيهم بالحديد والنار، ثم انتقلت لتكفير الشيعة الجعفرية في الأحساء، ثم السنة الشافعية في الحجاز، ثم الشيعة الإسماعيلية في نجران، ثم السنة المالكية في بعض مناطق الخليج، ثم الزيدية في اليمن، ثم الإباضية في عمان، ثم الحنفية في العراق، وما تركت أحداً لم تكفره، بحجة عبادة القبور والاعتقاد في الموتى وموالاة المشركين!!
وقد أقامت الدعوة الوهابية تحالفاً مع دولة بني سعود، ونشأت الدولة على الأفكار الوهابية في نجد، ثم توسعت لتشمل كثيرا من مناطق الجزيرة العربية، وتطورت في مرحلتها الثالثة إلى ما تسمى حاليا المملكة العربية السعودية التي أعلنت سنة 1932، وقد دعمت الفكر الوهابي منذ ذلك الحين بشكل كبير.
وكان الدعم بوسائل متعددة، من أبرزها نشر الكتب والكتيبات والمجلدات بمئات ملايين النسخ وتوزيعها للعالم كله، والتي تحمل الفكر الوهابي المتشدد، وذلك عن طريق الحجاج والمعتمرين والزوار، وعن طريق البعثات التعليمية والجمعيات الخيرية المرتبطة بالنظام السعودي في كثير من البلاد العربية والإسلامية وغير الإسلامية.
وكذلك عن طريق تأسيس جامعتين إسلاميتين تستقطبان الطلبة مجاناً من العالم كأنه لتدريسهم الفكر الوهابي وإرسالهم لبلادهم دعاة وخطباء وعلماء، وهما جامعتا الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
وكذلك بفتح مئات المعاهد الدينية في دول كثيرة تتبع تلك الجامعات السعودية وتمول منها، وإرسال دعاة سعوديين لعمل لقاءات ومحاضرات ودورات دينية في مختلف دول العالم على مدى أكثر من خمسين عاماً، ومنها اليمن.
يضاف إلى كل ذلك المبالغ المالية التي تصرفها السفارات السعودية والجمعيات الخيرية السعودية وبعض الأشخاص كرواتب وهبات ومساعدات لكثير من العلماء والدعاة والخطباء في الدول الأخرى، وكذلك الفيز المجانية للحج والعمرة التي يقدمها النظام السعودي سنوياً لشراء الولاءات.
كل هذه الأمور أثرت على السلفية في اليمن، وجعلت الفكر الوهابي يتغلغل فيها بشكل كبير، ويفسد الكثير من دعاتها ومنتسبيها.
كان المال السعودي هو عامل التغلغل الوهابي في التجمعات السلفية في جميع الدول العربية وفي مقدمتها اليمن، إضافة إلى مصر والسودان والشام والعراق وشمال أفريقيا والهند وباكستان وإندونيسيا وماليزيا ونيجيريا وأفريقيا، بل والتجمعات السلفية في الجاليات الإسلامية في أوروبا وأميركا.
ولا نستبعد أبداً تدخل الأجهزة الاستخباراتية السعودية كذلك وبشكل قوي في اختراق التجمعات السلفية في جميع الدول ومنها اليمن خلال العقود الماضية.
وظهر هذا الاختراق في أن معظم التيارات السلفية تدين بالولاء السياسي للنظام السعودي في جميع الدول، وخاصة التيار الجامي المتشدد (الذي يسمى في اليمن الحجوري، مثل تيار جماعة أبو العباس في تعز وجماعة هاني بن بريك في عدن)، فهذا التيار يعتبر النظام السعودي هو النظام الذي يحكم بالإسلام بشكل صحيح، وينبغي موالاته والانسياق معه في جميع المواقف السياسية والاجتماعية والمذهبية، وهذا نتيجة اختراق وتوجيه فكري طويل ومنظم ومرتب.