محمد أبو الكرم / لا ميديا

ليست سقطرى وحدها التي يسعى العدوان خلفها من أجل نهب ثرواتها والتحكم بحركة سير التجارة العالمية عبرها. 
وليست ميون فقط من شرد العدوان أهلها وحولها إلى قاعدة عسكرية يسعى من خلالها للسيطرة 
على المنفذ الأبرز في المنطقة (باب المندب)،  بل إن الأطماع التي حركت العدوان هذه المرة جاءت من أقصى الشمال، وفي صورة مكررة للحرب اليمنية السعودية 1998م، والتي انتهت باتفاقية أعادت لليمن السيادة 
على جزيرتي الدويمة وبكلان التابعتين لمثلث ميدي بمحافظة حجة. 

تحركات سعودية مشبوهة
ولمن لا يعرف الحرب اليمنية السعودية على جزيرتي الدويمة وبكلان، وسر الرغبة السعودية بالسيطرة على الجزيرتين مجدداً من خلال إقامة قواعد عسكرية وتحركات كثيفة للبحرية السعودية؛ فإن الجزيرة شهدت مواجهات بين البحرية اليمنية والسعودية في يوليو/ تموز 1998، حيث دخل جنود من البحرية السعودية إلى الجزيرتين وقاموا بنصب خيام فيهما؛ غير أن قوات خفر السواحل اليمنية حينها قامت بإحراق الخيام، ودارت مواجهات عنيفة أسفرت عن انسحاب القوات السعودية تحت مظلة اتفاقيات ترسيم الحدود.
يقول عبيد سلام، أحد مواطني جزيرة الدويمة، التي تبلغ مساحتها 9 كم، إن "الجزيرة كانت بمعزل تام عن الحرب منذ انطلاقها في العام 2015؛ غير أن القوات البحرية السعودية بدأت بالتحرك في الجزيرة بشكل مريب مع تحليق مكثف للطيران فوق الجزيرة". ويضيف أن الجزيرة خالية من السكان إلا في بعض أجزائها، مما يجعل أمر الاحتلال قائماً، كون الجزيرة بمعزل عن الحرب والمواجهات العسكرية. 
ويضيف محمد جابر (52 عاماً) أحد أبناء مديرية ميدي، شهادته حول التواجد السعودي على مقربة من ميدي وتحديداً على مجموعة جزر بكلان والدويمة، بقوله: "لا يوجد شيء مريب على الجزيرة يستلزم كل هذا التواجد العسكري فيها. نحن أمام احتلال كامل للمنافذ اليمنية، ويجب علينا الحفاظ عليها. ويبدو أن ما عجز عنه السعوديون في 98 سيحققونه بتواطؤ وارتزاق البعض من أبناء اليمن والجزيرة"، ودعا إلى رجوع من أسماهم بالمرتزقة عن البيع والرضوخ والانصياع لدول العدوان، التي وصفها بالمحتلة. 
مصدر خاص بمنطقة ميدي كشف أن البحرية السعودية تحتل حالياً جزيرتي بكلان والدويمة اليمنيتين، في ظل تكتم كبير على الأمر، وأن قوات سعودية وصلت إلى الجزيرتين بالتزامن مع الضجة الإعلامية التي أثيرت ضد الاحتلال الإماراتي لجزيرة سقطرى، مستغلة انصراف الرأي العام حينها إلى جزيرة سقطرى. 
وأضاف المصدر أن قوة مشتركة من البحرية السعودية وحرس الحدود السعودي شرعت في استحداث معسكر في جزيرة الدويمة. وقال إن الاحتلال السعودي استحدث أيضاً أماكن ومجمعات لتخزين الأسلحة والألغام البحرية، وأن قواته تقوم بتفجير بعض الألغام الناتجة عن المواجهات العسكرية عن طريق خبراء سعوديين مقيمين في الجزيرة. 
وتحدث المصدر عن منع القوات السعودية الصيادين وأبناء مديرية ميدي ومرتادي الجزيرتين منعاً باتاً من دخولها، معتبرة الجزيرتين مناطق عسكرية مغلقة. 
الاحتلال السعودي للجزيرتين ومحاولة السيطرة عليهما ليس وليد اللحظة، فالخارجية اليمنية أكدت في وثيقة رسمية لها في العام 2012 تعرض ما يقارب 50 جزيرة في البحر الأحمر لانتهاكات تمس السيادة اليمنية. 
الوثيقة الصادرة من دائرة الحدود في وزارة الخارجية حينها وصفت الانتهاكات السعودية للجزر اليمنية ببالغة الخطورة، وحذرت من أن السيطرة عليها قد يضعها تحت السيادة السعودية. 
وأشارت الوثيقة إلى تعرض عشرات الصيادين بشكل مستمر للمنع من قبل دوريات سعودية من الاصطياد داخل الحدود اليمنية. وأضافت أن حرس الحدود السعودي دخلوا هذه الجزر غير المحمية بقوات عسكرية عدة مرات. 
وحذرت من احتلال السعودية لهذه الجزر، بسب عدم الإشراف الكامل على هذه الجزر بشكل مباشر من قبل الجهات اليمنية، مشيرة إلى احتلال السعودية جزيرة "ذو حراب" عام 72 والدويمة عام 98. 
مخطط للسيطرة والاحتلال
المحاولات السعودية لاحتلال هذه الجزر قديم قدم النزاعات اليمنية السعودية، وما الحرب في اليمن لأسباب واهية إلا قناع لمخطط يهدف إلى السيطرة مرة أخرى على هذه الجزر، وانتهاك واستغلال ثرواتها. 
يقول الباحث السياسي الدكتور أحمد السامعي إن محاولة السعودية إعادة احتلال جزيرتي بكلان والدويمة بعد انتهاء حرب 98 ومحاولة ضمهما إلى أرخبيل جزر الفرسان السعودي أساسه الحقد الدفين على اليمن، ومحاولة ثانية لاحتلال أجزاء يمنية، في إعادة لسيناريو احتلال مناطق نجران وعسير. 
وعن الأسباب التي دفعت بالسعودية إلى احتلال الجزر يقول الدكتور السامعي إن الجزر تقابل منطقة ميدي غربا بـ100 كم، وهي مجموعة جزر قريبة من الممر الدولي للسفن، إضافة إلى مميزاتها السياحية ورمالها الدافئة وكونها حاضنة فريدة للطيور والأسماك النادرة، وبذلك فإنها بيئة مناسبة للاستثمار السياحي. 
ويضيف السامعي: "تعتبر الدويمة وبكلان بالإضافة إلى جزر الفشت وذو حراب والطواق والعاشق وبري ودافع وسانا، أبرز الجزر القريبة من ميدي، وتقع على المنطقة الحدودية مع السعودية وقريبة من الممر الدولي، وقد حاولت القوات السعودية في 98 احتلال جزيرة الدويمة والجزر الأخرى، وكان تركيزها آنذاك منصباً في احتلال جزيرة ذو حراب، وهي آخر الجزر اليمنية على الحدود البحرية مع السعودية، وتعتبر الأقرب غرباً من ممر اللؤلؤة الدولي". 
الباحث جمال أحسن هو الآخر قال إن نوايا العدوان للسيطرة على الممرات الدولية الخاضعة للسيادة اليمنية بانت عند احتلاله لجزر سقطرى وميون وأرخبيل حنيش ومنطقة ذوباب المطلة على مضيق باب المندب، وليس من المستغرب إقدام العدوان على احتلال جزيرتي الدويمة وبكلان ومجموعة الجزر الصغرى التابعة لهما، والتي تقع على طريق اللؤلؤة، الممر الملاحي الدولي الأبرز في البحر الأحمر. 
الإعلامية سندس الخلقي استغربت من عدم حصول هذه الجزر على حقها من التغطية الإعلامية، كتلك التي حصلت عليها جزيرة سقطرى. واستغربت من تسييس وتشتت الآراء واختلاف المبادئ حول احتلال أجزاء من اليمن وانتهاك السيادة اليمنية، داعية الإعلاميين ووسائل الإعلام إلى إعطاء هذه الجزر حقها من التغطية الإعلامية. 

سرقة الجزر اليمنية
موقع "النهضة العربي" تحدث عن أن سقطرى ليست الجزيرة اليمنية الوحيدة التي تعرضت للسرقة من قبل العدوان على اليمن، "ولكن هناك جزر يمنية أخرى تتعرض للسرقة من قبل السعودية في البحر الأحمر. فقد أفادت تقارير بأن السلطات السعودية فرضت سيطرتها على جزيرتي بكلان والدويمة القريبتين من شواطئ ميدي في البحر الأحمر، وأنه رغم وجود شكلي لقوات تابعة للرئيس المستقيل هادي إلا أن القوات السعودية أصبحت تتحكم فعلياً بالجزيرتين". 
وحسب الموقع فإن السعودية تعتزم البقاء طويلاً في الجزيرتين، وأن الحرب الحالية التي تخوضها ضد اليمن ليست سوى ذريعة لاحتلال بعض الجزر. وقد سبق للسعودية أن حاولت احتلال تلك الجزر قبل ثلاث سنوات، أي قبل انطلاق عمليات التحالف في اليمن، التي تتذرع بها اليوم.
وبحسب مراقبين فإن الجزر اليمنية تتعرض لهجوم خليجي، عسكري وسياسي وتسلطي، بهدف اقتطاع أجزاء من الجغرافيا اليمنية والسيطرة عليها ونهب ثرواتها واستثمار مواقعها الاستراتيجية المهمة. 
النائب أحمد سيف حاشد قال عبر مدونته الشخصية: "من أجل احتلال السعودية لجزيرتي بكلان والدويمة اليمنيتين، زعمت أنها عثرت على لغم بحري. وفي سقطرى قيل ستوكل للقوات السعودية عمليات تدريب وتأهيل القوات اليمنية في الجزيرة. هذه المبررات إنما تعكس مدى استسهال الاحتلال السعودي لليمن، وسماجته، واستسهال الاحتلال لوعي اليمني الذي سيمرر احتلاله بأعذار أقبح من الاحتلال ذاته". 
كل يوم تتبدد غيوم وأقنعة عمليات التحالف في اليمن. في الأمس بدأت أطماع الإمارات باحتلال جزيرة سقطرى، وبعدها تحالفت دول العدوان مع دول العدوان الكبرى لإقامة مناطق عسكرية ومطارات تطل على باب المندب في جزيرة ميون ومنطقة ذوباب، وهُجّر أهالي تلك المناطق على إثرها، واليوم أكثر من 20 جزيرة بالإضافة إلى الدويمة وبكلان يجري احتلالها، والأيام تبدي وتبدد أوهاماً عديدة انجر خلفها الآلاف ممن خدعوا باسم إعادة الشرعية والاستقرار لليمن.