محمد أبو الكرم / لا ميديا

تتعارك اليوم دول العدوان في اقتسام (التورتة) التي وإن بدت للوهلة الأولى أنها استحكمت السيطرة عليها، بفعل ارتزاق البعض من أبناء اليمن مع مخططاتها، إلا أن الأقنعة باتت اليوم مكشوفة أمام الجميع، بعد أن انكشفت النوايا وبانت المخططات التي قدم من أجلها العدوان إلى اليمن. ملفات عديدة كان المواطن اليمني هو الأقرب إلى استكشافها وتوضيح حقيقتها، فبعد السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية، ومحاولة إحكام السيطرة عليها وتسخيرها في سبيل مصالحها الاقتصادية، وإحكام السيطرة على المنافذ البرية والبحرية واستغلالها في سبيل مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية، كشفت السعودية مؤخراً عن ملفها الجديد في المهرة، وشرعت في تنفيذ أنبوب النفط الدولي الذي يتوسط المحافظة، ويصل بين حقول النفط خاصتها وبحر العرب عبر الأراضي اليمنية، وتحديداً في ميناء نشطون على سواحل المحافظة. وبحسب مصادر إعلامية فإن السعودية بدأت بتنفيذ مشروع الأنبوب النفطي في منطقة الخراخير الحدودية، والذي يمتد إلى ميناء نشطون القريب من سلطنة عُمان. 

الفار في خدمة الاحتلال
السعودية تسعى، ومن خلال مد أنبوب النفط، لإيجاد البديل الأمثل لمضيق هرمز، والذي يضمن تصدير السعودية للنفط الخليجي، ويشكل بوابة جديدة للتجارة الخليجية العابرة مسبقاً عبر مضيق هرمز الإيراني. 
الفار هادي سعى إلى تثبيت أركان هذا الارتزاق والاستغلال من خلال إقالة كافة قيادات المحافظة المناهضة للعدوان، وقمع حراك المحافظة الرافض لتواجد العدوان في المحافظة، وعمل على تثبيت أركان التواجد العسكري السعودي في المحافظة من خلال زيارته الأخيرة لها. يقول المحلل السياسي عبدالرحمن مرجان إن (تصريحات الرئيس هادي تصب في مصلحة السعودية وقواتها المتواجدة في المهرة، ويبدو أن الرئيس هادي يسعى إلى تعويض السعودية بالأراضي والثروات المهرية، خاصة بعد سيطرة الإمارات على ميناءي ومطاري عدن والمكلا وجزيرة ميون).
محمد سالم (صياد مهري) تحدث لـ(لا) أن القوات السعودية أحكمت سيطرتها على ميناء نشطون، وأقفلت الميناء والمطار، ومنعت الصيادين من الصيد، وكثفت من تواجدها العسكري في الميناء خاصة والمحافظة عامة، بالرغم من بُعد المحافظة عن المواجهات العسكرية الدائرة في اليمن. 
وكانت مجاميع كبيرة من أبناء محافظة المهرة خرجت في مظاهرات حاشدة تنديداً بالتواجد السعودي الإماراتي في المحافظة، ووصفت التواجد بالاحتلال، ودعت إلى خروج تلك القوات وعدم تحويل المحافظة إلى منطقة صراع. 
ويرى سويلم رعفيت، أحد المشاركين في المظاهرات، أن حكومة الفار هادي تعاونت مع السعودية والإمارات لاستباحة ثروات المحافظة ومنافذها، وعملت على إزاحة المشاركين في المظاهرات والمنددين بتواجد قوات الاحتلال من الصورة، وأن حكومة الفار هادي قامت بالالتفاف على قرارات اتفاق انسحاب القوات السعودية الإماراتية من المحافظة، وإعادة فتح المنافذ الجوية والبحرية، من خلال حزمة تعيينات أقصت كل من وقف ضدهم، واستبدلتهم بقيادات موالية للعدوان. 
وكان الفار هادي قام بتعيين العميد مفتي بن سهيل بن صمودة الذي يحمل الجنسية السعودية، مديراً لأمن محافظة المهرة، ومسلم سالم بن حزحيز زعبنوت وكيلاً لمحافظة المهرة لشؤون الصحراء بدلاً من الشيخ علي سالم الحريزي أحد أبرز المناهضين لتواجد قوات العدوان في المحافظة، ومن أوائل من طالبوا بانسحاب قوات العدوان من المحافظة.

حلم المملكة القديم
الصحفية أحلام بازرعة قالت إن القوات السعودية والإماراتية رضخت بشكل صوري أمام المظاهرات والاعتصامات التي دعت إلى إحقاق السيادة اليمنية في المهرة عوضاً عن النوايا الإماراتية السعودية لإحكام القبضة العسكرية على الحدود مع سلطنة عُمان.
وأضافت أن التواجد السعودي يسعى إلى استخدام المحافظة كخط دولي لتصدير النفط عبر بحر العرب، خصوصاً في ظل النزاع السعودي الإيراني، وسيطرة الأخيرة على مضيق هرمز الذي يشكل حلقة الربط بين العالم والنفط الخليجي.
وتحدثت بازرعة أن المملكة تسعى ومنذ العام 2009 إلى مد الأنبوب النفطي في المحافظة، غير أن الحكومة اليمنية وقتها وضعت شروطاً عجزت المملكة عن تنفيذها، مما حد من طموح الرياض حينها، لتقدم لها الفرصة على طبق من ذهب خلال فترة عدوانها على اليمن.
ويرى الدكتور جبر الفقيه (باحث سياسي) أن العدوان اليوم، ومع سيطرته شبه الكاملة على أغلب المناطق الجنوبية، بات أقرب إلى اتخاذ جملة من الخطوات التي تهدف إلى استغلال الأراضي والثروات اليمنية، ومن ضمنها استغلال محافظة المهرة، في خطوات قد تحول المحافظة إلى منطقة نزاع. 
ويضيف: تهدف السعودية والإمارات إلى تكوين ضغط عسكري على سلطنة عُمان من خلال التواجد العسكري المكثف على الحدود مع السلطنة، بالإضافة إلى جعل المحافظة نقطة عبور لمنتجاتها عبر بحر العرب. 
ويرى الصحفي ياسين التميمي أن العدوان يحمل أجندة عديدة تهدف إلى بسط طرفي العدوان نفوذهما على سلطنة عُمان، وإثارة حلم المملكة القديم في السيطرة على النفط عبر البحر العربي عبر بوابة المهرة، ويقول في أحد مقالاته: (ليس من المصادفة أن يتفجر حراكٌ شعبي واسعٌ في محافظة المهرة اليمنية، الحدودية مع سلطنة عُمان، محركه الأساس شعور أبناء هذه المحافظة بأن محافظتهم تعيش في ظل وضع يشبه الاحتلال بمظاهره العسكرية والأمنية، وبالمصادرة شبه الكاملة للصلاحيات السيادية للدولة اليمنية وللاختصاصات الأصيلة للأجهزة التنفيذية المحلية). 
ويضيف التميمي: تتقاطع على خلفية هذا الحراك أجنداتٌ عديدة، لبعضها علاقة بالتنازع على النفوذ في محافظة المهرة بين كل من سلطنة عُمان من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، مع الأخذ في الاعتبار المكانة التي أسستها عُمان لنفسها بين سكان المهرة طيلة العقود الأربعة الماضية، وللرياض أجندتها الخاصة التي ترتبط برغبتها في وضع اليد على هذه المحافظة؛ بغية إحياء مشروع قديم لإيجاد مرفأ نفطي تابع لها على بحر العرب، يحررها من المخاوف الأمنية التي تتكرر باستمرار نتيجة سياسات إيران في المنطقة وسيطرتها الأمنية على مضيق هرمز، وهو مشروع يشترط على ما يبدو تفكيك اليمن أو بقاءه ضعيفاً بالقدر الكافي.

أهداف الاحتلال لتقسيم الجنوب
وضمن مسلسل العدوان في إحكام السيطرة على مقدرات المحافظات الواقعة تحت سيطرته وخصوصاً تلك التي تمتلك إما ثروات أو منافذ، أثار العدوان قضايا هدف من خلالها إلى افتعال حروب وتعقيدات تسعى إلى الإخلال بأمن المحافظات الجنوبية، وعمل على خلق جماعات مسلحة تحت مسميات الحزام الأمني وقوات النخبة، الهدف منها تقسيم الجنوب إلى دويلات أضعف مما هو عليه، مما يسهل لدول العدوان إحكام السيطرة على المنافذ والثروات والمقدرات بما يتواءم مع مصالحها التي أتت من أجلها.
مجلس الحراك الثوري الجنوبي، في بيان له أواخر ديسمبر الماضي، حذر دول العدوان، وخص بالذكر دولة الإمارات، من المساس بأرض الجنوب وثرواتها، واتهم البيان أبوظبي بأنها قوى احتلال تسعى لتغييب إرادة المواطن ومصادرة سيادة اليمنيين على أراضيهم. 
واتهم البيان قوى العدوان بافتعال الحرب في اليمن، وإضافة مشكلات وتعقيدات على الوضع الميداني في اليمن، وافتعال المشاكل الاقتصادية للمواطنين، وأن الإمارات أصبحت تمتلك أذرعاً عسكرية مسلحة قسمت الجنوب إلى دويلات هدفها الاستيلاء على أراضي الجنوب وثرواته ومنافذه البحرية والبرية، وأنها تهدف إلى إدخال الجنوب في دوامة الصراعات لتمرير مشاريعها، وأن هدف العمليات العسكرية هو الاستيلاء على جزر البلاد ومواقعها الاستراتيجية، ووصف البيان قوات السعودية والإمارات بأنها قوات احتلال. 

أنبوب نفطي بعيداً عن هرمز
للرياض أجندتها الخاصة التي ترتبط برغبتها في وضع اليد على هذه المحافظة؛ بغية إحياء مشروع قديم لإيجاد مرفأ نفطي تابع لها على بحر العرب.
إنه الإمعان الوقح في النيل من السيادة اليمنية، من قبل تحالف يدعي أنه جاء لدعم السلطة الشرعية وطرد الانقلابيين، وبناء شراكة متكافئة مع الدولة اليمنية التي لطالما تلقت طعنات دامية من هذا التحالف طيلة العقود الماضية من تاريخها.
وكالة أنباء (ديبريفر) الأمريكية أوضحت وفقاً لمصادر خاصة بها أن (السعودية شرعت في إنشاء خط أنبوب نفطي دولي إلى بحر العرب)، ويأتي ذلك وفقاً للوكالة (ضمن مساعي السعودية لامتلاك خط نقل بديل يكون تحت سيطرتها بعيداً عن التهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاق مضيق هرمز الذي تتحكم به إيران).
ويمر ما يزيد عن 30 ناقلة نفط يومياً تحمل ما يزيد عن 15 مليون برميل من خام النفط، عبر مضيق هرمز الإيراني. وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن السعودية التي تُعد أكبر منتج للنفط في العالم بـ10 ملايين برميل يومياً، تصدر معظم نفطها في ناقلات تمرّ في مضيق هرمز.
وترتبط محافظة المهرة بسلطنة عُمان بمنفذين بريين، ويصل طول شريطها الساحلي إلى 560 كم، وتتحكم بثلاثة ممرات هي ميناء نشطون ومنفذا صرفيت وشحن، ويقع الأول على مقربة من الخط البحري للملاحة الدولية في المحيط الهندي.