ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين 

كاثرين فورنييه وفينسنت ماتالون *

تعد السعودية العميل الثاني لفرنسا بعد الهند في استيراد السلاح.
(ليس الأمر أنه لمجرد أن يقول زعيم شيئاً ما يفترض بي أن أستجيب، لهذا لن أجيب عليكم). في زيارة لقاعة أورنوفال في الثالث والعشرين من أكتوبر رفض إيمانويل ماكرون الإجابة على الأسئلة المتعلقة بوقف محتمل لبيع الأسلحة الفرنسية للسعودية كما طلبت ذلك ألمانيا بعد جريمة خاشقجي. ماذا يعني هذا السوق بالنسبة لـ(السداسي) (اسم يطلق على فرنسا)؟ وأي مرتبة تحتلها فرنسا في مشتريات الرياض؟ وأي الأسلحة التي قد تم بيعها؟ وفيما تستخدم؟ قامت شبكة (فرانس إنفو) الإذاعية بجولة أسئلة تطرح نفسها.

 ما القيمة التي تمثلها السعودية في صادرات الأسلحة الفرنسية؟
تعد السعودية ثاني أكبر عميل بعد الهند في استيراد السلاح الفرنسي؛ حيث تفيد قناة (فرانس كالتشر) الإذاعية بأن معدات عسكرية تقدر قيمتها بأكثر من مليار ونصف مليار يورو قد تم تسليمها للمملكة الوهابية في السنة الماضية، وقد كان من المفترض ألا ترتفع قائمة الطلبيات السعودية منذ عشرة أعوام مع عقود بقيمة أكثر من 11 مليار يورو خلال الفترة بين 2008 و2017 بحسب تقرير برلماني حول صادرات أسلحة فرنسا كان قد نشر في شهر يونيو.

 هل تمثل فرنسا أكبر مزود أسلحة للسعودية؟
أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أنه منذ 6 أعوام اختيرت السعودية كعميل مهووس حقيقي بشراء الأسلحة، وبين العامين 2013 و2017 ارتفعت وارداتها من السلاح بنسبة 225% مقارنة بالخمس السنوات الماضية. هنا يكمن سبب كون المملكة المستورد الثاني للأسلحة في العالم بعد الهند بنسبة 10% من المشتريات. وبحسب المعطيات التي قدمها هذا المعهد الشهير مثلت فرنسا ثالث أكبر مزودي السعودية بالأسلحة بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تتبعها إسبانيا وسويسرا وألمانيا وإيطاليا.

 ما  هي الأسلحة التي تبيعها فرنسا؟
وفقاً لإحصائية أنجزتها صحيفة (لو باريزيان) بمساعدة تقرير برلماني نشر عام 2018 فإن 30% من مشتريات السعودية من الأسلحة الفرنسية هي عبارة عن قنابل وطوربيدات (صواريخ مضادة للسفن تعمل تحت الماء) وصواريخ موجهة تقليدية وصواريخ باليستية، و30% من المشتريات يتعلق بمعدات مكافحة الحريق ومعدات الإنذار، وتمثل السفن الحربية والغواصات نسبة 12% من طلبيات الرياض، والذخائر وأجهزة ضبط حركة الصواريخ 9%، وأخيراً 1% من مشتريات المملكة تخصص للبرامج أو برامج التزويد بالمعلومات.
وأشارت المنظمات غير الحكومية إلى غموض ما، حيث لم ترد سابقاً نوعية محددة لهذه الأسلحة في التقرير. وفي صحيفة (ليبراسيون) وضع الباحث في منظمة العفو الدولية إيميريك إيلويان قائمة عملية أكثر من سابقاتها: (391 مدرعة ومدافع قيصر ومزود وقود جوي وبندقيات قناصة وأجهزة تحديد هوية وتمييز الأهداف الخاصة بالطائرات المقاتلة ومعترضات بحرية وحتى قذائف ودبابات لوكلير التي أكدت فرنسا على صيانتها وأسلحة من ذات العيارات الخفيفة...).

 كيف تستخدم السعودية هذه الأسلحة؟
هل قتلت الأسلحة الفرنسية مدنيين في اليمن؛ حيث تسببت الحرب القائمة هناك منذ 3 سنوات والتي تقودها السعودية وحلفاؤها في قتل 9200 شخص وجرح 53000 آخرين؟! منظمة العفو الدولية، ومنظمة أكات، وهي منظمة غير حكومية مناهضة للتعذيب، في تقرير سبق نشره في شهر مارس، تجيب على هذا السؤال بالإيجاب، مستندة إلى دراسة دقيقة خبيرة للأمم المتحدة: (ربما تستخدم هذه الأسلحة في الصراع القائم في اليمن، والأرجح أنها قد استخدمت في ارتكاب جرائم حرب).
وأمام لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة في يوليو الفائت، كانت وزيرة الدفاع، فلورنس بارلي، قد تحدثت عن الاستخدام الدفاعي وغير الهجومي لهذه الأسلحة؛ حيث قالت: (بحسب معرفتي لم تستخدم المعدات العسكرية التي بيعت للسعودية لأهداف هجومية، بل لأهداف دفاعية على الحدود بين اليمن والمملكة).

 كيف تبرر فرنسا هذه الصادرات؟
أوضح ممثل (كي دورسي) في يوم الاثنين: (وبصفتها مدعوة للتعليق على قرار برلين لإيقاف بيع الأسلحة للرياض، جادلت فرنسا بأن سياسة رقابة الأسلحة لديها صارمة وتعتمد على تحليل كل حالة على حدة كجزء من اللجنة المشتركة بين الوزارات لتصدير المواد الحربية، ويتم دراسة مبيعات الأسلحة للسعودية في هذا السياق).
وكان الخطاب واضحاً ومحدداً في شهر يوليو الماضي -من جهة فلورنس بارلي- أمام لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة: (أود أن أستغل هذه المناسبة اليوم لوضع حد للتصورات لمن يظنون أننا  نقوم ببيع الأسلحة للمملكة كما نبيع شرائح الخبز).
وأضافت أن (عملية اتخاذ القرار تحتاج إلى تدقيق شديد وتسمح لنا بالتصرف حسب كل مرحلة وكل لحظة على ضوء الموقف الدولي).
نبرة الوزيرة هذه كانت أقل ثقة منذ بضعة شهور، وحين تم دعوتها في فبراير على (فرانس إنتر) أشارت إلى أنها ليست متأكدة تماماً من الطريقة التي قد استخدمت بها الأسلحة الفرنسية في اليمن: (لقد تم بشكل معتاد وضع شروط لاستخدام الأسلحة التي تم تسليمها، إلا أنه يمكن للصراعات أن تتطور، من كان يستطيع توقع مباغتة هذا الصراع في اليمن؟ وكثير من البلدان تواجه هذه الحالة عند الضرورة، من خلال تسليمها لدول أخرى أسلحة بينما يفترض ألا تكون هذه الأسلحة قد استخدمت).
مع ذلك تذكر منظمة العفو الدولية ومنظمة أكات (منظمة مسيحية لمناهضة التعذيب)، لصحيفة (ليبراسيون)، أن اتفاقية تجارة السلاح تطالب بـ(إعادة النظر في الإذن إذا حصلت الدولة المصدرة على معلومات جديدة ذات صلة)، على سبيل المثال حول الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدولي من جهة الدولة المستوردة، ما يحاولون التبرير به لتعليق بيع الأسلحة للسعودية.

 إذن هل نحن ذاهبون نحو مقاطعة للسعودية؟
ليس فعلاً، فبرلين ترقص وحيدة حتى اللحظة في عملها على هذا الملف. وزير الاقتصاد الألماني دعا الأوروبيين إلى وقف تصدير الأسلحة إلى السعودية بما أنها لم توضح بعد حقيقة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، علماً بأن نسبة مبيعات الأسلحة الألمانية صغيرة مقارنة بشركائها الأوروبيين، حيث تأتي المملكة المتحدة وفرنسا في القمة.
وعلى غرار فرنسا أشارت لندن إلى أنها لا تريد مراجعة سياستها في هذا المجال، معتبرة أنها صارمة بما فيه الكفاية. وبالنسبة للجانب الإسباني دافع رئيس الحكومة الاشتراكية الإسبانية بيدرو سانشيز عن بيع الأسلحة للرياض، معطياً الأولوية لمكافحة البطالة في المناطق التي تتواجد فيها ورش بناء السفن (نافانتيا) التي تلقت من السعودية طلبية بـ5 سفن حربية بقيمة 1.8 مليار يورو.. وبالنسبة لما وراء المحيط الأطلسي اعتبر رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، أن من (الصعب جداً) إلغاء عقد هام لبيع مدرعات خفيفة، بسبب (عقوبة الدفع الباهظة). وبالنسبة لدونالد ترامب فقد اعتبر أن وقف بيع الأسلحة سيشكل ضرراً أكبر على الاقتصاد الأمريكي من الضرر على الرياض، وقد أوضح ذلك للصحفيين: (أعتقد أن ذلك يمثل مليون وظيفة، لذا أعتقد أن من المبالغة توقع إلغاء طلبية كتلك).

 هل تجازف فرنسا بتعليق بيع الأسلحة للسعودية؟
في مقدمة التقرير البرلماني لعام 2018، أخذت وزيرة الدفاع بعين الاعتبار التذكير بتأثير صادرات السلاح الفرنسي (طلبيات بما يقارب 7 مليار يورو في التصنيف العالمي) على الوظيفة والاقتصاد الفرنسي.
تقول فلورنس بارلي في تقرير برلماني: (كل يوم يعمل 200.000 شخص ممن يعملون في المجموعات الكبيرة كالشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم على تصور وإنتاج أفضل المعدات والتقنيات الأكثر تطوراً).
وكما تذكر صحيفة (ليبراسيون) فإن جزءاً من الوظائف الجديدة المتوقعة في قانون البرمجة العسكرية للفترة 2019-2025 سوف تساعد على (تعزيز القدرة على دعم الصادرات).
وبما أن السعودية هي ثاني أكبر مستورد للسلاح من فرنسا، حتماً سوف تنعكس عواقب وقف بيع الأسلحة لهذا البلد الشرق أوسطي على المالية العامة للدولة، لاسيما أن فرنسا لا تصدر سوى نسبة قليلة من أسلحتها لشركائها الأوروبيين، وهنا يتصرف الجيران الإنجليز والألمان والإيطاليون بصناعاتهم الخاصة.
في مناسبة أخرى كان الموفد العام أمام لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة قد أوضح: (يمثل التصدير ثلث الأموال التي تعود على صناعة الدفاع لدينا، وهذا ما نحن بحاجة إليه، كما أننا بحاجة إلى أن نضمن -على سبيل المثال- خطوط إنتاج موادنا).

 ما هي العواقب الدبلوماسية التي ستنتج عن قرار مثل هذا؟
من الصعب الاستباق دائماً والتوقع. في مقدمة تقرير صادر في شهر يونيو ذكرت وزيرة الدفاع أن صادرات الأسلحة تشمل (بعداً استراتيجياً مركزياً)، بحسب فلورنس بارلي (فإنها تساهم في نسج العلاقات مع شركائنا المرتبطين مثلنا في مكافحة الإرهاب وكل التهديدات التي تواجهها فرنسا).
وتقول فلورنس بارلي في تقرير برلماني: (وإنشاء علاقة أسلحة مع دولة ما ليس فقط من أجل إيجاد عملاء جدد، وإنما لبناء شراكة مرتكزة على ضرورات استراتيجية مشتركة وعلى الدفاع عن مصالحنا الأمنية).
لذا فالاستجابة للموقف الألماني بقطع أو وقف تسليم المبيعات للرياض -يخمن عضو في الحكومة الفرنسية لـ(رويترز) اشترط عدم ذكر اسمه- يعني (فقدان نفوذنا في المنطقة، وهذا سيكلفنا ثمناً باهظاً أكبر من غياب مبيعات الأسلحة). بحسب هذا المصدر يتمثل هدف فرنسا الأول في ألا تخسر محمد بن سلمان، حتى إذا لم يكن بالطبع مجرد جوقة. ويختم هذا الوزير: (إذا حدث اضطراب في السعودية سنواجه المشاكل من أوسع أبوابها).