صلاح الدكاك / لا ميديا

دم لأحمر الشفاه
لا شيء يلدغ في سقطرى سوى عيون النساء، حتى الثعابين والعقارب وأمهات الأربعة وأربعين مسالمة ووديعة وغير سامة و... وحدها تلك العيون الإغريقية الزرقاء والمائلة للزرقة والرمادية تلدغ القلوب قبل الجلود.
إنها حكاية يطول سردها ويرهق تقصي حقيقتها: هل استوطن الأغريقيون أو الرومانيون سقطرى حقاً؟!
من أي نبع بيولوجي سحيق تنسكب هذه الزرقة في العيون؟ وكيف احتفظت بهذه الزرقة إلى اللحظة؟! حتى البحار هناك احتمال ـ دائماًـ لأن تفقد زرقتها!
في "معجم البلدان" لياقوت الحموي، يشير المؤرخ إلى حملة وجهها "الإسكندر المقدوني" للاستيطان في الجزيرة الفواحة بالأريج والبخور والغنية بالصبر بناء على رغبة "أرسطاطاليس" في بث السلالة الإغريقية على هذه الأرض المقدسة والأثيرة لديه، وضمت الحملة جماعة من اليونانيين بذراريهم ونسائهم، نجحوا -بعد ذلك- في قهر مجاميع السكان الهنود الذين سبقوهم إليها واستوطنوا في الجزيرة، وحرصوا على بقاء سلالتهم نقية من التهجين واختلاط الدم، أما مجاميع الهنود تلك فكانوا يمتهنون القرصنة، ويتخذون من الجزيرة موقعاً ينطلقون من خلاله لمهاجمة السفن والمراكب المحملة بالسلع.
غير أن الكاتب الروسي فيتالي ناؤومكين يتحدث في كتابه "سقطرى ـ حيث بعثت العنقاء"، عن عينات من دم السكان أخذتها بعثة أكسفورد التي زارت الجزيرة عام 1956، بغرض تحليلها، أسفرت عن نتيجة واحدة هي نقاء الدم العربي في سقطرى.
ويتحدث المؤرخ اليمني الحسن الهمداني، عن حملة للروم استوطنت سقطرى ـ بدورهاـ وعاشت فيها، بينما تبدو السلالة الأفريقية بمعزل عن جدل ما إذا كانت قد استوطنت هنا أم لا؟! فالأنوف المفلطحة والشفاه الغليظة والبشرة الشديدة السواد، علاوة على القامات المديدة التي يتميز بها الكثيرون من سكان حديبو والقرى الساحلية مثل "سوق"، تقطع بانحدار أصحابها من سلالة أفريقية، وتغني عن الجدل.
إن حوالي 100 إلى 160 ألف نسمة يعيشون في بوادي وقرى وسواحل سقطرى، اليوم، يجمعهم الانتماء للمكان ولغة خاصة تميزهم عن سواهم، هي اللغة السقطرية.
أمور تجعل النبش في سلالاتهم ضرباً من السفسطة ذات المغزى السياسي أكثر من المعرفي.
لقد شذبت الجزيرة أظافر وأذيال الغزاة والقراصنة والمحاربين، وأنسنت مشاعر الوحوش فيهم على مدى قرون الصراع الطويلة، واليوم تسكن الجزيرة سلالة أخرى خالصة من البشر.. يولد إنسانها عارياً من الشر، كما تولد الشجرة السقطرية عارية من الشوك.. سلالة فيها ندرة وتنوع الحياة البيئية في سقطرى، ومفارقات مناخها، وديمقراطية الرياح فيها دون تضاد واحتراب.. بسيطة وعميقة، ساذجة ومدهشة، ولا تنتمي لسوى المكان.
تقول الأسطورة إن دم هابيل القتيل الأول اختلط بدم أخيه قابيل القاتل الأول هنا على تراب سقطرى مسرح الجريمة الأولى، فأزهرت على الأثر شجرة دم الأخوين، هذه الشجرة التي يستخدم مسحوق فصوصها -اليوم- في وقف نزيف الجروح ونزيف المرأة النفساء، كما تستخدمه النساء كـ"أحمر شفاه"، ويخضبن أظافرهن بمسحوقه بعد رشحه بالماء..
لقد اتحد القاتل بالقتيل في هيئة شجرة، وتحولت أداة الجريمة إلى "روج" في يد الصبايا، والدم المسفوك إلى مستحضر للتجميل ومادة لتجليط الدماء النازفة، وأمست الجريمة أسطورة شيقة ترويها الجدات للصغار..
وبالطريقة نفسها انصهر القرصان في البحار في الإنسان في الوحش، والحميري في الأفريقي في الإغريقي في الهندي، والضفائر الطويلة في الأظافر النامية، واندلق الأسود على الأزرق على الرمادي في محيط العيون، كما يندلق المحيط الهندي الآن على البحر العربي عن يمين وشمال سقطرى، غارقين في عشقها دون ادعاء ملكيتها، بل دون قدرة على ادعاء ذلك.
إن هذه التوليفة الاجتماعية الثقافية الخاصة تقتضي خصوصية في التعامل معها.. إنها بحاجة إلى الحفاظ على خصوصيتها كما هي بطبيعة الحال، لا كما نحب أن تكون، بحاجة إلى حماية وتنمية لا إلى خرز، وهذا ما يرغب السقطريون في إبدائه، ويترددون عن ذلك بدافع الخوف من احتمال التشكيك في هويتهم، وإلى أن تتحول الرغبة إلى تصريح ومطالب واضحة، من المؤكد أن مظاهر كثيرة للفرادة في حياتهم ستكون قد انقرضت ومن الصعب استرجاعها. ويأتي الخوف من انقراض اللغة السقطرية في صدارة هواجس الأهالي والمهتمين، في الوقت الذي تبدو الجهات الرسمية فيه غير راغبة في مناقشة القضية، عوضاً عن أخذها على محمل الجد..
إن إذاعة محلية تبث باللغة السقطرية هي مطلب يتردد الأهالي في الإفصاح عنه، وقد لمست خلال أيام إقامتي في الجزيرة، كم الحاجة ملحة إلى خلق تواصل بين أبنائها المنتشرين على شكل مجاميع معزولة من جهة، وبينهم وبين بقية أبناء الوطن على اتساعه من جهة أخرى..
إن أعداداً كبيرة من النساء والأطفال والقاطنين في البوادي البعيدة يجدون صعوبة في التحدث بالعربية وفهمها، لذا فإن استهدافهم باللغة المحلية سيكون بمثابة ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.. إذ يمكن ـ حينها ـ تعليمهم العربية والحفاظ على لغتهم الخاصة حية في الوقت ذاته، كما سيسهم تدشين إذاعة باللغة المحلية في الدفع بالأهالي إلى شراكة حقيقية وفاعلة في عملية التنمية المراد تحقيقها، لا سيما وأن المذياع هو القناة الوحيدة الممكنة ـ ربما ـ للتواصل في ظل انعدام شبكة كهرباء تغطي كافة أرجاء الجزيرة، وفي ظل انتشار الأمية بنسبة كبيرة بين السكان، ما يجعلهم أميل إلى السماع.
أما في ما يتعلق ببعض مناهج التعليم الحالي، وما إذا كان يضع في الاعتبار خصوصية البيئة والمجتمع السقطري أم لا؟! فأكتفي بسرد قصة طريفة سأل فيها التلاميذ أستاذ العربية.. تفاصيل أكثر عن حيوانات ترد صورها في المنهج لم يسبق لأحدهم أن شاهدها.. طلب الأستاذ منهم أن يرددوا خلفه "أرنب أمي يجري يجري"، وطلبوا منه أن يشرح لهم معنى "أرنب" سألهم "ما هي الشجرة التي تسلقها القرد؟!"، وسألوه بحيرة وضياع "ما هو القرد يا أستاذ؟!"، فالقرود والأرانب كائنات لا وجود لها في سقطرى، ولا تنتمي إلى بيئتهم، وعليه فليس من العدل أن يصف أحدكم أسئلتهم تلك بالساذجة، الأحرى أن يصف معدي المنهج بالسذج.. ذلك هو العدل.
ويواجه التعليم في سقطرى ـ عموماً ـ إشكالية أخرى تتعلق بتأهيل مدرسين في مختلف التخصصات، إذ إن أغلب إن لم يكن جميع العاملين في التدريس هم من حملة الإعدادية والثانوية في أحسن الأحوال، وحتى عندما قررت جامعة حضرموت إنشاء كلية للتربية في سقطرى، فإنها قصرتها على تخصصين وحيدين (الدراسات العربية والإسلامية)، ويقوم بالتدريس فيها متخرجون جدد من حملة البكالوريوس، وعلى الطلبة الذين يرغبون في الالتحاق بتخصصات أخرى شد الرحال إلى المحافظات المجاورة، بمن فيهم أولئك الذين يرغبون في الالتحاق بالقسم العلمي الذي لا وجود له في جميع ثانويات الجزيرة.
وتمنح التربية بسقطرى منتسبيها شهادة الدبلوم، ولا تحظى بالدعم اللائق بها ككلية في منطقة نائية ومعزولة، وحالياً فإن مركبها يسير بفضل جهد مضاعف يبذله عميد الكلية د. عبدالملك السودي، وبعض العاملين المخلصين فيها. إنهم أشبه بمحاربين يرابطون بانتظار مدد لا يأتي.
وليس الوضع الصحي بسقطرى أحسن حالاً من الوضع التعليمي فيها، لعله الأسوأ، فالكثيرون يجبرون -في الغالب- على الانتقال بمرضاهم إلى محافظة حضرموت، حيث يحصلون على رعاية نسبية لا يحصلون عليها في مستشفى حديبو الوحيد ذي الإمكانات الشحيحة والطاقم القليل الخبرة. ويعتمد معظم مناطق الجزيرة على خدمات العيادة المتنقلة خلال زياراتها الأسبوعية للقرى والبوادي النائية التي يقطنونها.. وصادف تواجدي هناك تدشين حملة مكافحة مرض الفيلاريا أو داء الفيل، وكنت قد سمعت من بعض الأهالي أن أعراض هذا المرض "تضخم مفرط في الأطراف وأجزاء أخرى في الجسم"، بدأت بالظهور عند العديد من السكان في السنوات الأخيرة، وفي ما بعد تأكدت من مصدر محلي مسؤول أن 40% من السكان مصابون بفيروس المرض، أي ما يقارب الـ40 ألف شخص، البعض ظهرت أعراضه عليهم.. 
إن حملة المكافحة تبدو للبعض مضيعة للوقت، وقال فهد سليم (مدير مدرسة وأحد أبناء الجزيرة) "إنها كارثة صحية. هكذا ينبغي أن ينظر إلى القضية!".. لماذا لا يكون محقاً؟! أم الأمر له علاقة بالسمعة السياحية للمكان؟!

إمبابة في سقطرى
"من هي العروس بيننا؟!"، يدور هذا السؤال في أذهان الفتيات اللواتي يجلسن الآن في منزل إحدى سيدات الحي، على أحر من الجمر.. بعد أن حضرن بدعوة منها تخبرهن فيها بأن إحداهن (ولا تسميها) ستزف اليوم عروساً إلى "فلان من الناس" تذكره بالاسم. وبناءً على وجهة نظرهن في هذا العريس يحبسن الزغاريد في حلوقهن أو يحبسن الآهات بانتظار تقرير مصير لا يملكن الحق في تقريره.. يقرع أحدهم الباب مع غروب الشمس، وتشير السيدة إلى إحدى الفتيات بأن تقوم بفتحه، وعند هذه النقطة ينهار هرم الحيرة والترقب في نفوس الجميع، فهذا الزائر هو عريس الغفلة الذي ينتظرن قدومه، وعليه فإن التي قامت باستقباله هي عروسه كما تقضي الأعراف السقطرية.. قد يكون عجوزاً أو شاباً، حسن الصورة أو دميماً، لكن هذا لا يعطي عروسه الحق في الاعتراض، لذا فإنه يتحتم عليها الآن أن تستسلم لمصيرها ولأيادي الفتيات اللاتي بدأن في تزيينها للاحتفال بها. وإلى أن ينشف ريق الحناجر المزغردة، وينهك الرقص خصور المحتفلات، يكون العريس قد عاد من تسكعه، ليدخل بالعروس في منزلها الذي تستمر إقامته فيه عاماً أو عامين -في الغالب- قبل أن يقرر الانتقال بشريكته إلى عش زوجية جديد خاص بهما.
إنها أعراف فقدت قدسيتها في نفوس السقطريين، ولم يعد يُعمل بها اليوم.. لم تعد الفتاة تساق إلى عريس تجهل عنه الكثير ولا تستفتى في القبول أو عدم القبول به. والمستغرب -في السياق نفسه- أن عرفاً اجتماعياً آخر يمنح الزوجة حق خلع زوجها وفك الارتباط به دون اللجوء إلى القضاء، هو عرف لا يزال معمولاً به إلى اليوم هناك، وبإمكان الزوجة التي لا ترغب في الاستمرار مع زوجها لأسباب خاصة ـ لا ترغم على شرحها ـ أن تقف في وجهه باعتداد لتقول له "ألعِك" -أي لا أريدك- وعلى الزوج حينها أن يتقبل الأمر بروح رياضية، أو يبحث عن حائط صلب يخبط دماغه فيه.. ويمكن تفسير تفشي حالات الطلاق في المجتمع السقطري في ضوء هذا العرف نفسه، فقبل أشهر ـ فقط ـ توفي ذلك العجوز الذي حطم رقماً قياسياً في مضمار الزواج والطلاق في حديبو، مخلفاً وراءه طابوراً طويلاً من النساء قوامه 36 امرأة بين زوجة وطليقة.. ولعله يلهث الآن حائراً بين 72 امرأة من الحور العين، فرجلٌ أبلى هذا البلاء في دنياه هو في الآخرة من الشهداء ولا ريب.
وفي سقطرى المزيد من العادات والتقاليد الغريبة والمثيرة، تبدأ بطريقة مصافحة الرجال للرجال عبر لصق الأنوف بالأنوف والتقبيل في الفراغ بين شفاه المتصافحين، ولا تنتهي بطقوس ختان الذكور، ففي هذه الأخيرة -على سبيل المثال- يجلب الشاب البالغ للتو إلى حلقة واسعة من الرجل والنساء، ويجري ختانه باستخدام حجر حاد، ويتحتم عليه أن يبتلع لسانه أثناء ذلك، وإلا فإنه سيفقد دعم وتشجيع الحناجر التي تطلق الأهازيج في سبيل تثبيته، كما سيخسر -وهذا هو الأهم- ثقة الصبايا في أهليته، ولن يعوضه عنها أن يشعرن بالكثير من الشفقة حياله.
وترد هذه العادة ضمن عادات كثيرة في كتاب الروسي ناؤومكين السابق الذكر، الذي يتهمه العديد من السقطريين بأنه كان مجافياً للحقيقة في الكثير مما كتبه عنهم، ونسبه إلى مجتمعهم من عادات وتقاليد من الصعب أن تستدل اليوم على أثر يشير إلى أنها كانت قائمة ذات أمس بعيد أو قريب..
لقد تحدث بإسهاب تحت عنوان "أفضل سحرة في العالم" عن السحر كظاهرة مهيمنة في المجتمع السقطري، فأخذ يضرب أمثلة كثيرة منها أولئك "الحسناوات السقطريات" اللواتي يملكن قدرة عجيبة على التحول إلى وحوش بحرية تتعقب الرجال تحت جنح الظلام لافتراسهم. وإذا سلمنا بأن السحر كان ظاهرة نشطة ذات يوم ـ بفعل الاختلاط بالسلالة الهندية ـ فكيف يمكن تفسير موات هذه الظاهرة كلياً دون أن تخلف خيوطاً تقود إليها في المجتمع اليوم؟!
إن الحقيقة الوحيدة التي تظهر جلية في سقطرى وتستطيع لمسها في المكان، هي هذا النشاط المتصل والزخم الذي لا يتوقف للطبيعة في مقابل سكون الإنسان.. وفي الوقت الذي تشاهد فيه أشجاراً تنتمي ـ تجاوزاً ـ للحقبة التي عاش خلالها "آدم"، فإن من الصعب في المقابل أن تعثر على أثر لحضارة إنسانية أو نشاط إنساني شهده المكان بالأمس البعيد أو القريب.
في حديبو مررت إلى جوار مسجد بقبتين، بدا لي عتيقاً من تصدع جدرانه ومسحة الوقار البادية على مرافقه.. إنه المسجد أو الجامع العدني كما أخبرني بعض المارة.. لا أحد يعرف عنه أكثر من ذلك، ويتوارث أغلب الأهالي اعتقاداً يقول بأن هذا المسجد قد ظهر إلى الوجود فجأة، واستيقظ أجدادهم عليه صباح يوم مجهول.. 
وعدا نقش عثر عليه في منطقة "إرشو" واستدل به على صلة اللغة السقطرية باللغة الحميرية، يصعب الحديث عن لقى أثرية في الجزيرة. وكانت هيئة الآثار قد شكلت فريقاً من الباحثين اليمنيين للقيام بمسح آثاري للمكان، عام 1999، إلا أن هذا المسح توقف عند مرحلته الأولى، على حد ما ذكره رئيس الفريق د. عبدالرزاق المعمري. أما حصيلة هذه المرحلة اليتيمة من المسح فظلت مغيبة في بطون الباحثين.
وحسب ناؤومكين، فإن كنائس كثيرة كانت منتشرة في الجزيرة، إلا أنها دمرت بالكامل في الحملة التي شنها الوهابيون عليها بدعوى الخوف على عقيدة الناس من التنصير، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
إن حجة الخوف من التنصير هي دعوى تطلقها مجموعة من المتزمتين الوافدين على الجزيرة ـ اليوم ـ وتتسلل تحتها طمعاً في موطئ قدم سياسي في مجتمع يسوده الجهل ويتفشى المرض والفقر، وكما جعلت الحملة الوهابية من الكنائس هدفاً في 1985م، فإن الحملة اليوم تستهدف -أبعد من ذلك- مستقبل السياحة ومستقبل التنمية في سقطرى عبر النفخ في كير معاداة النصارى، وتحريض الأهالي على نبذهم والعنف في التعامل معهم، وهو ما سمعته في خطبة جمعة بحديبو حمل فيها الخطيب بشدة على أولئك الأجانب "المنصرين" كما سماهم، والذين "يحملون حبوب الفيلاريا في جيب والإنجيل في الجيب الآخر"، ويجيئون "لتنصير المسلمين بحجة حماية السلاحف.. ألا نستطيع نحن حماية هذه السلاحف؟!"، على حد ما قاله الخطيب.
في ما بعد سألت أحد أقاربي الذين يعملون في سقطرى -ناصحاً- لماذا لا تلتحق بالدراسة في المدرسة الإنجليزية؟! كنت قد عرفت -من خلال البعض- عن الطرائق الحديثة التي تتبعها في تدريس اللغة، ولمست جدوى ذلك في بعض طلبتها الذين يتحدثون الإنجليزية بطلاقة نسبية، ولم يمض عام على التحاقهم بالمدرسة.. رد قريبي: "إنهم يقومون بتنصير الطلبة".. 
لقد بدأت الحملة الوهابية الثانية تؤتي ثمارها حتى في عقول الشباب من غير السقطريين إذن. شخصياً أعتقد بأن سرقة عقائد البشر وتجريدهم من ميولهم الروحية مستحيلة، وعليه فإن الخوف من "هؤلاء النصارى" على عقيدة المسلمين في سقطرى يبدو مضحكاً في مقابل الخوف من سرقة الأنواع الحيوية النادرة في الجزيرة واستزراعها في "الحديقة الملكية البريطانية" كما حدث في حالة "ميراندا موريس" الباحثة الإنجليزية التي دخلت الجزيرة عام 78-79م، وأتقنت لغة الأهالي، وألفت معجماً لغوياً فيها، ونجحت في تهريب بعض الأنواع، وضبطت متلبسة بتهريب بعضها مؤخراً.
وبما أنني أحمل مثل هذه الآراء البدعية الضالة، وأقوم بمناقشتها على متن طائرة "البوينج 707" مع أحد "الدعاة" القادمين إلى الجزيرة بهدف جهاد النصارى بمطويات وكتب خليجية ملونة، فقد كانت عاقبة ذلك خطبتي جمعة كرستا لتكفير "الصحفي الممسوخ" الذي يقلل من خطر الأجانب على العقيدة، والذي هو "أنا" بالطبع.. 
في الحقيقة، لم أشعر بالأسى لذلك، ما شعرت بالأسى له -حقاً- هو موقف عميد كلية التربية الذي وصفه "الدعاة" بالمجرم، لأنه يقوم بإيواء ملاحدة من مثلي في سكن الكلية.. يا له من مسكين وقد بدا عاجزاً عن الرد في جزيرة توشك أن تتحول إلى "إمبابة" يمنية أخرى.