يسرية الشرقي / لا ميديا -

«محمد» شاب ثلاثيني أنهى دراسته الجامعية منذ أكثر من خمس سنوات. أما «راوية» فهي فتاة متمكنة في مجال الهندسة الزراعية وقد أنهت الماجستير منذ زمن بعيد. وكذلك «أسعد» الذي ترك قريته وأرض أجداده بعد أن أنهكته صعوبة العيش في الريف، تعلم ودرس في أماكن عديدة وتعلم العديد من الحرف. «أسرار» شابة قادمة من مدينة تعز الحالمة أتت إلى العاصمة لتنهي دراستها في التربية البدنية فكان لها ذلك بكل تميز ونجاح.

عبء على أنفسهم
كل هؤلاء الشباب هم جزء لا يتجزأ من وطن يحلمون بأن يغدو بهم عزيزاً، وطن حبه مغروس في نفوسهم على الرغم من تخليه عنهم في أحلك الظروف، حسب تعبيرهم.
محمد، راوية، أسعد، وكذلك أسرار، وغيرهم الكثير من أقرانهم، يبحثون عن فرص عمل يقتاتون منها. هم الآن ليسوا عبئاً على أسرهم فقط بل صاروا عبئاً على أنفسهم، فلا أحلام يمكن تحقيقها، ولا مستقبل واضح المعالم، يعيشون وسط ظروف حياتية قاسية بين فكي كماشة الفقر والبطالة.

بنية صناعية مدمرة وعمال بلا وظائف
أكد تقرير للأمم المتحدة أنه تم تسريح 70 % من العمالة لدى شركات القطاع الخاص. وبحسب البنك الدولي فقد بلغت نسبة البطالة عام 2016 نحو 60%، وأن الناتج المحلي الإجمالي لليمن انكمش بمقدار الثلث، بسبب العدوان الذي أدى إلى تدمير واسع للقطاع الصناعي في اليمن، طبقاً لما أوردته التقارير.
أكثر من نصف المنشآت الصناعية تم تدميرها أو توقفت عن العمل، إضافة إلى تسريح أغلب العاملين في منشآت القطاع الخاص من أعمالهم، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوياته، وخصوصاً بين الشباب الذين يمثلون نحو ثلث السكان.

تزايد الأعباء المعيشية
آلاف الشركات والمصانع أغلقت أبوابها في العديد من المدن اليمنية منذ بدء العدوان، ليفقد جراء ذلك عدد كبير من الشباب وظائفهم، وهم الذين بحسب إحصائيات رسمية للعام 2014 يقدر عددهم بحوالي ثمانية ملايين وثمانمائة ألف شاب، وهو ما يجعلهم الفئة الأكثر تضرراً من العدوان الذي يتعرض له البلد، خاصة بعد أن انعدمت أمامهم فرص العمل في الوقت الراهن.
كما تضاعفت معاناة المواطن اليمني جراء انهيار سعر صرف العملة اليمنية، حيث وصل الدولار الواحد إلى أكثر من 600 ريال، ما أثار مخاوف الشارع اليمني من حدوث كارثة اقتصادية، خاصة وأن الاقتصاد الوطني على حافة الإنهيار نتيجة عدة عوامل، أبرزها توقف الصادرات، وازدياد الواردات من الخارج، والحصار الجائر براً وبحراً وجواً، إضافة إلى طباعة عملة محلية دون غطاء قانوني، وكل هذه العوامل أدت إلى تزايد الأعباء المعيشية على الجميع خاصة من يبحثون عن أبسط سبل العيش.

لا استسلام للظروف القاسية
في ظل هكذا أوضاع تتسم بندرة الوظائف والأعمال فإن العديد من الشباب رفعوا راية الاستسلام ورضوا بأن يكونوا في خانة "عاطلين عن العمل". إلا أن البعض الآخر رفضوا الاستسلام وظلوا يصارعون ظروف الحياة القاسية، مستمرين في رحلة البحث عن عمل ولو ليوم واحد لسد الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية.
أثبت المواطن اليمني خلال سنوات العدوان الأربع أنه يتمتع بإرادة قوية وعزيمة جبارة لقهر كافة الظروف المعيشية القاسية، ولم ولن يتوقف عن تطويع كل ما هو متاح أمامه من أجل توفير ما يحتاجه من ضرورات العيش.
منال حسين، شابة في مقتبل العمر، أنهت دراستها الجامعية في كلية الهندسة بجامعة صنعاء (هندسة اتصالات). كانت متميزة في كليتها، وروحها مفعمة بالحب والتفاؤل بأن الحياة ستغدو وردية حين تخرج من أبواب الجامعة حاملة معها تقديرها المتميز في كلية الهندسة. ورغم فشلها في الحصول على وظيفة تناسب تخصصها إلا أنها لم تقف مكتوفة اليدين.  

أفضل من البطالة
تحكي لنا منال عن بحثها الحثيث عن فرصة عمل لدى شركات الاتصالات والجهات التي تهتم بتخصصها، لكن كل محاولاتها بأن تجد فرصة عمل ذهبت عبثاً، وسط كل الوساطات والمحسوبيات التي تتحكم بما تبقى من سوق العمل. 
إلا أن "منال" لم تستسلم للظروف وقررت أن تتحدى كل العراقيل والصعاب التي أعاقت الكثيرين غيرها، وبدأت في مشروعها الخاص بدعم من إحدى المؤسسات الشبابية.
مهندسة الاتصالات الشابة تسعى اليوم إلى افتتاح كافتيريا خاصة بها في جامعة صنعاء لبيع الفلافل والعصائر الطازجة، سمتها الأفضل (THE BEST)، لأنها تعتبرها أفضل من البطالة. ولم تكترث منال لنظرة المجتمع الذي يعتبر أن عمل الفتاة في أماكن عامة عيب وعار كبير، فهي ترى أن العيب والعار هو أن تستلم للموت جوعاً أو أن تمد يدها للآخرين، أما العمل فليس عيباً ولا عاراً.
وتؤكد منال أن اللوم الحقيقي يقع على أصحاب الوساطات والمحسوبيات الذين سلبوا حقها في الحصول على وظيفة، بالرغم من كفاءتها وقدرتها على العمل.
ما تتمناه منال هو أن يحالفها النجاح في عملها وتتمكن من إعالة أسرتها بهذا العمل البسيط، كي لا تسحقهم مطرقة الفقر كما سحقت الكثيرين من أبناء هذا الشعب الرازح تحت عدوان غاشم.

منظمات تتاجر بمعاناتنا
"لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف اصطاد". وفق هذا المبدأ نأمل أن نعيش، فالمواطن اليمني عُرف منذ القدم بالكرم ودماثة الأخلاق وعزة النفس والكرامة، وحين جار عليه الزمان وتكالبت عليه دول العدوان، تُرك وحيداً، فيما تتاجر دول العدوان والمنظمات الدولية بالمعاناة التي صنعتها بعدوانها عليه في المحافل الدولية، والتي أصبحت مصدر دخل لهذه الدول والمنظمات.
ففي السنوات الأخيرة ورغم تزايد أعداد المنظمات الدولية والمحلية العاملة في اليمن، إلا أنها لم تلتفت إلى الملايين من العاطلين عن العمل من أبناء هذا الشعب، فهذه المنظمات ورغم انتشار نشاطها وتزايد عدد موظفيها، إلا أنها لم تسهم في التخفيف من أعداد العاطلين عن العمل، بسبب عدم تكافؤ الفرص الناتج عن نظام التوظيف الانتقائي الذي تنتهجه هذه المنظمات.

شفافية زائفة
نظام التوظيف الخاص بهذه المنظمات يؤدي إلى إحباط الشباب الراغبين في إيجاد فرص عمل، بحسب تعبير الشابة فايزة، التي تضيف: "أنا خريجة من قسم اللغة الإنجليزية منذ أكثر من أربع سنوات، حاولت كثيراً البحث عن عمل، إلا أن كل محاولاتي بأت بالفشل".
وتستطرد: المنظمات العاملة في اليمن، سواءً المحلية أو الدولية، تقول إن مبدأ الشفافية هو المعيار للتوظيف فيها، بينما في الحقيقة هذه الشفافية مجرد واجهة زائفة، لأن الوساطات والمحسوبيات تحتل أعلى اعتبارات هذه المنظمات للتوظيف، ولكن إلى أين نذهب وسط كل ما يحدث.
لا شك أن استمرار مشكلة البطالة، خاصة في أوساط الشباب، لها انعكاسات سلبية كثيرة وخطيرة، سواء على البلد أو على أفراد المجتمع، فالبلد يخسر قدرات جيل الشباب المعول عليهم بناء الوطن وصناعة مستقبله المنشود، كما أن البطالة تجعل من الشباب العاطل قنبلة موقوتة تهدد أمن وسلامة المجتمع، حيث يقع الشباب فريسة سهلة أمام الجماعات الإرهابية التي دائماً ما تجد في ظروف الفقر بيئة خصبة للترويج لأفكارها التدميرية واستقطاب العديد منهم لصالح مشروعها الدموي المقيت.