ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

كيريل سيمينوف
تصعد روسيا جهودها على نحو تكتيكي للتعاقد مع الإمارات في اليمن، وتمد يدها للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتطلع إلى إعادة بناء جنوب اليمن المستقل. 
قام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بجولة إلى مصر والأردن، بدءاً من 5 أبريل حتى 7 أبريل. وقد أثار لافروف مع المصريين قضية الحرب في اليمن وعمليات التسوية فيها من بين قضايا أخرى. وفي مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري سامح شكري أكد لافروف مجدداً دعمه لاتفاق ستوكهولم في اليمن. 
قال لافروف: "عموماً، يتم مراقبة وقف إطلاق النار برغم أنه قد تم خرقه عدة مرات، وكل طرف يتهم الآخر بالبدء في العنف". علاوة على ذلك فشلت الأطراف في أن تفصل بين القوات في منطقة الحديدة، بينما يواصل مبعوث الأمم الخاص إلى اليمن مارتن غريفيت عمله. وكأي صراع آخر، فإن الحل الأمثل الوحيد لتحقيق السلام بالنسبة لليمنيين أنفسهم هو التوصل إلى اتفاق. وأي طرف خارجي قادر على التأثير في الجماعات المحلية المتعددة يجب أن يشجعهم على التفاوض بدلاً من إثارة العنف. 
ورغم أن الصراع في سوريا وليبيا يحتل مرتبة أعلى من الصراع في اليمن، بمقياس أولويات السياسة الخارجية الروسية؛ إلا أن موسكو أعربت مؤخراً عن رغباتها في تكثيف العمل في المسار اليمني لمساعدة أطراف الصراع في إيجاد حلول لإنهاء الحرب. وفي الوقت نفسه باستعراض تاريخ روسيا المديد في العلاقات مع اليمن، تبحث موسكو أيضاً عن مصالحها الخاصة في هذا البلد. لهذا السبب تحرص موسكو على إبقاء التواصلات الحالية مع الأطراف المتنازعة والعمل على تكوين أطراف أخرى جديدة. 
مؤخراً قام كلٌّ من عيدروس الزبيدي، رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وسعيد بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية في المجلس، برحلة إلى موسكو بدعوة من وزارة الخارجية الروسية. وكان قد تم تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن عام 2017 تحت رعاية دولة الإمارات، وهدفه الاستراتيجي هو إعادة بناء دولة الجنوب المستقلة وفق حدود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1990. ويعتمد هذا المجلس الانتقالي على ما يسمى بميلشيات المقاومة الجنوبية التي تدربت وأعدت على أيدي الإمارات. 
الجدير بالملاحظة أن رحلة الزبيدي إلى موسكو قد تزامنت مع رحلة السفير الروسي لدى اليمن فلاديمير ديدوشكين إلى عدن (وهي دولة مركزية في جنوب اليمن)، وهناك حيث يفترض أن يتم إعادة فتح القنصلية الروسية قريباً. يمكن للقنصلية أن تمثل روسيا أمام المؤسسات اليمنية الجنوبية، لاسيما المجلس الانتقالي، الذي يسيطر على أغلب وأكبر مناطق عدن، والذي يرفض الامتثال للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وكنتيجة لذلك أنشأت موسكو علاقات كاملة مع المجلس الانتقالي الذي بدأ يأخذ دور "قوة ثالثة" تدريجياً بدعم الإمارات له. 
بالإضافة إلى ذلك فإن العلاقات التاريخية لروسيا مع جنوب اليمن، التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، قد لعبت دوراً مهماً في التحاور مع المجلس الانتقالي الجنوبي. وكانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تأسست عام 1967 قائمة حتى عام 1990 عندما اتحدت مع الجمهورية العربية اليمنية. فأصبحت أول دولة ماركسية اشتراكية في العالم العربي بتوجه حصري نحو الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية. وقد تتلمذ عدد من المسؤولين الكبار والمكونات المتعددة في الاتحاد السوفييتي. 
وفي الوقت ذاته، تبقي روسيا على علاقات الثقة مع حكومة هادي، حيث إن زيارة عبد الملك المخلافي، وزير الخارجية اليمني السابق، لروسيا في يناير 2018 قد أطلقت مرحلة جديدة من الشراكة. وفي وقت سابق، كانت توقعات موسكو الأكثر تفاؤلاً بشأن اليمن تتعلق برئيس اليمن السابق علي عبد الله صالح، الذي كان ينظر إليه كشخصية يمكن أن تكون متفقاً عليها من قبل جميع الأطراف. إلا أن اغتياله في ديسمبر عام 2017 على أيدي حلفائه السابقين (الحركة الحوثية، وكما تعرف أيضاً بأنصار الله) قد أفسد خطط روسيا في إطار المسار اليمني. وبالرغم من أنها حافظت على التواصل والحوار مع الحوثيين، إلا أن موسكو أنهت مهمتها الدبلوماسية في صنعاء، نائية بنفسها عن الحوثيين، وبدأت بتعاون وثيق مع هادي ومواليه، أي التحالف الذي تقوده السعودية. 
وفي وقت متزامن مع ذلك، توصل صانعو القرار في موسكو لإدراك أن هادي لم يكن مؤثراً بما فيه الكفاية لإنجاح عملية الحسم في اليمن، في حين أن السعودية بدأت تخسر قيادتها تدريجياً في التحالف المناهض للحوثي، بسبب حلفائها الإماراتيين الذين يلعبون الآن دوراً كبيراً في الحملات العسكرية التي غالباً ما اعتمدت نتائجها على مشاركة أبو ظبي. 
في هذا السياق، فإن تواصل روسيا مع المجلس الانتقالي الجنوبي -باعتباره مكوناً له خلافات عنيفة مع هادي تصل أحياناً حد المواجهة المسلحة المباشرة- يثبت الدور القيادي للإمارات في الصراع، باعتبار أن أبوظبي على وجه الخصوص قد سمحت للمجلس الانتقالي الجنوبي بأن يتطور ويتحول إلى مكون سياسي حي، وأن يطور الخطط الطامحة لإعادة بناء دولة الجنوب. في الأساس كانت الجماعات المسلحة المرتبطة بالمجلس -جنباً إلى جنب مع القوات الإماراتية-هي الفصائل التي تشارك في معركة الساحل الغربي. علاوة على ذلك، تقدر موسكو الطبيعة العلمانية للفصائل اليمنية الجنوبية، التي أيضاً ناجمة عن ميل الإمارات نحو الجماعات العلمانية كحلفاء. وفي هذه الأثناء يتعين على السعودية والرئيس هادي وضع رهاناتهما على حركة الإخوان المسلمين اليمنية (الإصلاح) وكذلك الجماعات السلفية المتنوعة. 
يرتبط دعم روسيا للفصائل الجنوبية تحت رعاية أبوظبي أيضاً بالسياق العام للعلاقات الروسية الإماراتية. فقد أصبحت الإمارات تدريجياً الشريك الرئيسي لروسيا في الشرق الأوسط، وكثيراً ما يجد البلدان أنهما يتشاركان مواقف مماثلة في العديد من القضايا الإقليمية. على سبيل المثال: أعادت الدولة الخليجية فتح بعثتها الدبلوماسية في دمشق مؤخراً، وأثبتت استعدادها لاتخاذ خطوات لإعادة الشرعية إلى النظام السوري. من جانبها، تظهر روسيا جهودها لدعم حلفاء الإمارات بشكل مكثف، مثل الجنرال خليفة حفتر في ليبيا. ويعد استعداد روسيا للتعاون مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الحليف الآخر لدولة الإمارات، بمثابة مؤشر آخر إلى هذا التوجه الروسي. 
وفقاً لمصادر معينة، بدأت الشركات العسكرية الروسية الخاصة العمل في جنوب اليمن. ومن المحتمل تماماً أن تتم دعوتها من قبل دولة الإمارات، والتي يعرف عنها قيامها بتوظيف العديد من المرتزقة الأجانب للعمل في المناطق الجنوبية من اليمن، حيث لا تزال الجماعات الإرهابية مثل القاعدة والدولة الإسلامية تقاتل هناك. 
في الوقت نفسه، تفكر موسكو في الأرباح التي يمكن جنيها من تنفيذ إجراء ما في اليمن. في الوقت الحالي، تزود روسيا اليمن بكميات كبيرة من الحبوب. فاليمن تصنف من بين أكبر عشرة بلدان مستوردة للحبوب الروسية والمنتجات المشتقة من الحبوب. ومنذ 1 يوليو 2018 حتى 29 فبراير 2019 اشترى اليمن 953 ألف طن من الحبوب، بزيادة 19% عن الفترة نفسها من 2017-2018. 
لا تقتصر مصالح روسيا في اليمن على الجوانب الاقتصادية التي تتجاوز صادرات الحبوب، وتشمل التعاون العسكري التقني وإنتاج النفط وبناء السكك الحديدية. فقد تستفيد روسيا أيضاً من تفعيل خطة بناء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى، حيث إن السلطات العسكرية السوفييتية قد اقترحت هذه الخطة منذ عقود، ولكن لم تنفذها مطلقاً. 
حالياً تعد الإمارات هي الفاعل الأكثر نفوذاً في الجزيرة - وهي حقيقة تسببت بالفعل في جدال دبلوماسي بين الرئيس هادي وأبوظبي. 
كما يتحكم المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات في أماكن أخرى يمكن إنشاء قواعد عسكرية فيها، مثل الشواطئ ذات الأهمية الاستراتيجية في مضيق باب المندب وعدن. باب المندب هو ممر للملاحة العالمية وكذلك الموقع الشهير للقواعد البحرية. والولايات المتحدة وفرنسا والصين والإمارات وحتى اليابان جميعها لديها قواعد بحرية في جيبوتي المجاورة. وبالتالي فيما يتعلق بالمسار اليمني من الأهمية بمكان بالنسبة لروسيا تطوير والحفاظ على التواصل مع الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي. من المحتمل أن لا يكتفي هذا الأخير بإعادة سلطته في جنوب اليمن، بل سيضفي الشرعية عليها أيضاً. 


* "المونيتور" - 11 أبريل 2019