ترجمة وتحليل مضمون: زينب صلاح الدين -

تداولت الصحف الأمريكية والبريطانية صور ومقاطع الفيديو التي بثها الإعلام الحربي، لعملية «نصر من الله»، بصورة واسعة وتناقلت بعضها أخبار العملية بصيغ موجزة في تقارير قصيرة ومتوسطة، والبعض على نحو مفصل في مقالات مطولة، إلا أن جميعها لم تخلُ من صور العملية الكبرى وسطوة مشاهد العملية الأسطورية الصادمة للمألوف العالمي العسكري التقليدي.

وككل المرات تتعامل الصحف مع الطرف الوطني من منطلق التشكيك، وهي لغة وأسلوب يبدو أنها مقسورة على الالتزام به قسراً وبشكل دائم، فهي تستخدم المصطلحات ذاتها التي تستخدمها بلدانها في الخطابات الرسمية، ولا يستطيع أحد الخروج على هذه المسميات أو السيناريوهات، من قبيل مصطلح «سيناريو الحرب الأهلية» و«تدخل السعودية في اليمن من أجل إعادة الشرعية»... إلخ. بمنأى عن الوقوف عند الاصطلاحات المكرورة لوسائل الإعلام هذه في توصيف مشهد الصراع في اليمن على غير ما هو عليه في الواقع فإن قراءة وتحليل مضمون تناولاتها لخبر عملية «نصر من الله» الكبرى تبرهن على أن ثمة إقراراً ضمنياً بنوعية العملية، لكن في صيغة جحود.

التحليل تناول كل التقارير والمقالات المتعلقة بهذا الإنجاز البطولي الوطني العظيم في مرحلته الأولى في وسائل الإعلام الغربية الشهيرة مثل «ذا صن، ذا درايف، داون، واشنطن بوست، ميش توك، فايننشال تايمز، ستريت تايمز»، وقناتي «بي بي سي» و«سي إن إن»، وإذاعة «دبليو إتش بي إل».
صحيفة «ذا صن» البريطانية عنونت خبرها عن العملية بـ«صور دراماتيكية لمدرعات تحترق والحوثيون يدعون قتل 500 من الجنود السعوديين والقبض على أكثر من 2000»، حيث خصصت الصحيفة مقالاً مطولاً تتخلل فقراته صور الإعلام الحربي للعملية، وجاء فيه: «إن ادعاءات الحوثي لم يتم التحقق منها بعد ولم يتم تأكيدها من قبل السعودية، وهذه الأخيرة لم تتحدث بعد عن حقيقة العملية المزعومة أو عن خسائرها». وتطرقت الصحيفة في خلفية خبرها إلى ما تسميه «الحرب الأهلية والضربة الإيرانية على أرامكو وتصاعد القتال وموجات العنف».

أما قناة «بي بي سي» فقد تناولت خبر العملية مشفوعاً بمشاهد لها، جاء فيه: «الحوثيون ينشرون فيديو لما يقولون إنه أحدث وأكبر ضربة عبر الحدود على الأراضي السعودية». ما يثير الانتباه هنا هو لؤمهم الإعلامي المتمثل باستخدام الجملة السياسية الإنكارية ذاتها بغية التشكيك في هذا انتصار صادم لا يروق لطرفهم الاستعماري المشارك في الحرب حيث أوردت القناة خبرها على هذا النحو: «إلا أن ما ظهر في الفيديو من مشاهد يسقط قليلاً ما جاء في ادعائهم ـ أي الحوثيين ـ أنهم قد قبضوا على عدد ضخم من القوات».

كذلك كان عنوان صحيفة «فايننشال تايمز» يطعن في صدق الخبر الصادر عن الناطق الرسمي لقواتنا المسلحة: «الحوثيون يزعمون القبض على الآلاف في هجوم يمني». بينما ورد في قناة «سي إن إن» خبر العملية مع مقاطع الفيديو، وتضمن ما يلي: «هجوم مزعوم على القوات اليمنية والسعودية، حيث نشر الحوثيون فيديو يدعون فيه مسؤوليتهم عن هجوم دام لـ72 ساعة على القوات السعودية واليمنية وخلف وراءه مئات القتلى».
وتتبع صحيفة «ذا إنسايدر» الأمريكية الأسلوب ذاته في التكذيب والتقليل من قيمة الخبر القادم من اليمن، فتضيف: «في حال تأكد أن منفذ هذا الهجوم هم الحوثيون لا غير، فإنه سيمثل انتصاراً عظيماً بالنسبة للمتمردين». وتنوه الصحيفة إلى أن «السعودية لم تعلق بعد على الخبر، وأنه إذا تأكد فإنه سيضيف حرجاً آخر للسعودية بعد حرج الهجوم السابق على «أرامكو»، حيث لم تكن قادرة على الدفاع عن نفسها وهي ثالث أكبر دولة من حيث ميزانية الدفاع».
بالطريقة نفسها تشكك صحيفة «ذا جارديان» في حقيقة منفذ الهجوم، معتبرة أن الصور الفوتوغرافية والفيديوهات التي وصفتها بـ»غير الحاسمة» قد لا تكون مسنودة وأنه لا يوجد أي تأكيد مستقل بخصوص ذلك، وأضافت الصحيفة أن السعودية لم تعلق بعد على هذا الهجوم الأخير، وفي فقرة أخرى تؤكد أنه إذا صح هذا الزعم فسيكون استعراضاً مذهلاً للقوة داخل السعودية، وسيسجل حرجاً آخر للمملكة بعد أن فشلت بمعية منظومة الدفاع الجوي الأمريكي «باتريوت» في حماية موقعي النفط التابعين لشركة أرامكو من ضربات طائرات مسيرة، وتوضح بجملة إضافية: «وهو الهجوم الذي تبناه الحوثيون أيضاً وقوبل ادعاؤهم هذا بمعارضة بعض الدول الغربية». 

وتشارك صحيفة «واشنطن بوست» بقية الصحف في عرض الخبر بأسلوب التشكيك، فتقول إنه إذا صح فسيكون أحد أهم الانتصارات «للحوثيين خلال الحرب الأهلية» التي دامت قرابة 5 أعوام، ولكن ما يميزها عن غيرها من الصحف وصفها لطابور الأسرى «الممتد كخيط ثعباني»، كما أنها أسهبت في وصف الملابس التي يرتديها الأسرى في الفيديو ووصف المدرعات المحترقة التي تحمل علامات سعودية والضربات التي خلفت «ما يبدو أنهم قتلى في زي رسمي»، مشككةً في واقعية الصور بالقول: إن «واشنطن بوست لا تؤكد بشكل مستقل أياً من هذه الصور». وتضيف: «إذا وجد أن الهجوم كان صحيحاً فهذا سيثير المزيد من القلق في واشنطن والرياض من أن إيران هي سبب تزايد وتعاظم قدرات الحوثيين، كما وسيدعم ذلك الادعاء الحوثي بتنفيذ أكبر هجمة على حقلي النفط».

أما صحيفة «ذا درايف» الأمريكية فقد تفردت بمقالة مطولة عن العملية تناولت فيها بصيغة استفهامية حقيقة كفاءة وقدرة جيش المملكة تحت عنوان: «المتمردون الحوثيون يقضون على قوة سعودية وسط مخاوف من حقيقة كفاءة جيش المملكة». «ذا درايف» كغيرها من الصحف لا تريد تصديق الخبر كلياً، إلا أنها تحاول ذلك ربما من باب الأمانة المهنية، فقدمت معلومات تقول إن نشر مقاطع الفيديو هذه أتى بعد عامين من إلقاء الضوء على كيفية وظروف تدريب الحرس الملكي من قبل جنرال أمريكي رفيع يدعى فرانك ماث، وكما تكذب «ادعاءات الحوثي» من جهة تصدقها من جهة أخرى فتقول: «ومع ذلك يوجد في الوقت نفسه العديد من التفاصيل التي تعطي الادعاءات قيمة متعلقة بالقتال في نجران أو محيطها حتى إذا بقي إصرار الحوثي على العدد الكلي للأسرى مشكوكا فيه». وتستدل على مشاركة قوات الحرس الوطني في تلك المعركة الخاسرة بوجود مدرعات «لاف 25» (مركبة مصفحة خفيفة برمائية): «الأمر الذي يشير بقوة إلى أن الحرس الوطني السعودي كان في المنطقة، حيث وقع الهجوم»، بحسب تغطية الصحيفة التي أكدت أن السعودية هي الوحيدة بين دول التحالف التي تمتلك مثل تلك المدرعات باستثناء قطر التي انسحبت منه في وقت مبكر. كما تذكر أن «قوات الحرس الوطني تقوم بتجنيد العديد من المجموعات القبلية داخل السعودية، وهذا ما يفسر وجود قسم كبير من هؤلاء الأفراد الذين تم القبض عليهم بزي غير رسمي». وتكرر ما تقوله الصحف الأخرى من أنه «إذا ثبتت صحة كل ذلك فسيكون حلقة محرجة للسعوديين»؛ إلا أنها تضفي على الاستنتاج المعتاد معلومة قيمة هي أنه لن يكون أداء قوات الحرس الوطني والقوات غير النظامية التي تقاتل تحت قيادتها، مفاجئاً، لاسيما بعد تقديم الجنرال الأمريكي «ماث» شرحاً مفصلاً عن قدراتهم وكفاءاتهم المحدودة، وتختم بأنه «سواء صح الخبر أم لا، فإن السعودية ستجد نفسها يوماً ما وسط خطر إقليمي غير مستعدة له، ويظهر الهجوم داخل نجران أو محيطها أنها غير قادرة على ضمان أمن جنوبها من مجموعة معارضة محدودة بعد أكثر من 4 أعوام من القتال العنيف».

كانت صحيفة «مورنينغ ستار» البريطانية هي الوحيدة التي اعتمدت تصريحات ناطق القوات المسلحة عن الهجوم، وتوسعت دون الصحف الأخرى بذكر استهداف الطيران السعودي لمرتزقته أثناء عملية أسرهم على أيدي أبطال الجيش واللجان الشعبية، بعشرات الغارات.. ما يثير الانتباه في تغطية الصحيفة البريطانية هو تأكيدها أن حملات القصف الجوية التي تشنها السعودية على اليمن «مدعومة من بريطانيا وأمريكا». وينبغي التنويه أيضاً إلى أن «مورنينغ ستار» تسمي الأشياء بمسمياتها أو بالأحرى تتبنى مسميات الواقع الحقيقي غير الزائف في اليمن كـ»الجيش واللجان الشعبية».

أما صحيفة «ذا ستريتس تايمز» اليومية ـ مقرها في سنغافورة وتصدر بالإنجليزية ـ فقد أوردت خبر العملية نقلاً عمن تسميهم «الحوثيين»، مع استخدام كلمتي «يدّعون» و«يزعمون»، واختتمت تقريرها بالقول: «إن السعودية تخشى أن يعطي الحوثي إيران موطئ قدم استراتيجياً في شبه الجزيرة العربية».
وجاء في مدونة الاقتصاد العالمي لشركة مايك «ميش توك» مقالة صغيرة بعنوان ساخر: «اليمن تغزو السعودية وتأسر آلاف الجنود»، واصفة كل الأخبار المتعلقة بالعملية بأنها عبارة عن قصص وروايات متضاربة، كما تضمنت المقالة استخفافاً بتصريحات حركة أنصار الله وناطق القوات المسلحة وباليمن عموماً، واصفة إياها بأنها عبارة عن حفرة سوداء تحوي كل أنواع الادعاءات التي تنتهي إلى كلام فارغ، كما نوهت المقالة إلى صمت السعودية وامتناعها عن التعليق على العملية الكبرى. وكغيرها من وسائل الإعلام الغربي تخلص إلى القول: إذا صح الخبر جزئياً فإنه في واقع الأمر يضع خطاً تحت ضعف أمن السعودية، غير أن المدونة، بخلاف بقية الصحف، تقول: إن الضربة على «أرامكو» أتت من داخل المملكة، معتبرة ذلك تطوراً كبيراً في الحرب وضربة كبيرة لأمن السعودية، وتخلص في النهاية إلى أن القصة يمكن أن تؤول إلى الحقيقة الكاملة أو المبالغة أو الكذبة الصارخة.

وتناولت إذاعة «دبليو إتش بي إل» المحلية الأمريكية وصحيفة «داون» الباكستانية الخبر نقلاً عن وكالة الأنباء العالمية «رويترز»، حيث ورد فيه أن من تسميهم الجماعة الحوثية الموالية لإيران «قد نشروا مشاهد لما يقولون إنه ضربة كبرى قرب الحدود مع المنطقة الجنوبية من السعودية (نجران)، مضيفين أنهم قبضوا على قوات كبيرة، وسيطروا على مدرعات وعربات». وأضافت الصحيفتان أن: «السعودية لم تعلق بعد على إعلان الحوثي المتعلق بالعملية». وذكرتا أن «قوات الحكومة» بمساندة الغارات الجوية التابعة للتحالف كانت تقاتل الحوثي في الأشهر الماضية في منطقة كتاف في محافظة صعدة شمال اليمن.

خلاصة القول هو أن وسائل الإعلام هذه وإن كانت تقلل من شأن تصريحات القوى الوطنية، لكن هذا التقليل لا يعدو كونه سياسة درجت عليها منذ بدء العدوان تبعاً لمواقف حكوماتها المؤيدة والمتواطئة مع التحالف؛ متبعة نوعاً واحداً من الخطابات واللغة في تناولاتها للأخبار والوقائع المتعلقة بالعدوان على اليمن، وإن بدت مستقلة صورياً.. هذا الأمر ليس بالجديد، فليس من المفيد الوقوف عنده، حيث إنه يجدر بنا الالتفات إلى المحتوى المتغير في المقالة الغربية، لا في الثابت كحديثها عن حقيقة ضعف القدرات الدفاعية للسعودية وخسائر المملكة ومآزقها؛ فجميع الصحف ووسائل الإعلام التي استعرضناها أجمعت على ضعف الجيش السعودي أمام قوة أبطال جيشنا ولجاننا، مع التأكيد على هشاشة المملكة وعجزها أمام الهجمتين القاضيتين على حقلي النفط التابعين لشركة أرامكو، مؤكدة أن المملكة لن تطيق مستقبلاً ضربات تباغتها من اليمن (مقبرة الغزاة) التي قوضت سمعتها وأراقت ماء وجهها بلا رجعة.