علي نعمان المقطري / لا ميديا -

كان العام الأول من العدوان هو عام صعود المد العدواني الهجومي على الوطن إلى أعلى منسوباته ومستوياته، عام معارك عدن والجنوب واحتلاله من قبل العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي، وبلوغه الأوج الاستراتيجي في اندفاعته إلى الساحل اليمني الجنوبي الشرقي وسيطرته على مساحات واسعة من الصحاري اليمنية، مراكز النفط والغاز والثـروات الأخرى وموانئها وجزرها وممراتها باعتبارها مناط رجاء الاحتلال وغايته الكبرى وساحته النموذجية المفترضة للاشتباك مع قوات الجيش واللجان الشعبية بعيدا عن معاقلها وعرائنها المركزية الكبرى، وبعيدا عن الجبال والمرتفعات وعن الحواضن الشعبية الوطنية قوية البأس، وجعلها في موقف المكشوف تحت رحمة طيران العدوان وبوارجه الحربية وجحافل مرتزقته ومدافعها وصواريخها ومكائدها.

اتجه العدوان السعودي خلال الأعوام الأربعة الأخيرة للعدوان (2016 ـ 2017 ـ 2018 ـ 2019)، إلى إشعال جبهات عديدة كبرى على الأرض، وهي:
ـ جبهة الجنوب نحو الشمال تعز.
ـ جبهة الساحل نحو الحديدة.
ـ جبهة مأرب ـ نهم نحو العاصمة.
ـ جبهة نجران نحو الجوف للالتفاف على صعدة من الشرق.
ـ جبهة عسير ـ علب ـ مجازة للالتفاف على صعدة من الغرب.
ـ جبهة جيزان ـ ميدي ـ الملاحيظ للالتفاف على صعدة من الجنوب الغربي.
ـ جبهة جيزان ـ حرض ـ حيران نحو حجة.
انتهت كل معارك هذه الجبهات، خلال الأعوام الأربعة، إلى انكسارات وهزائم كارثية مرعبة للعدوان السعودي الإماراتي ومن خلفهما، مخلفة آلاف الدبابات والمدرعات والآليات والمدافع المدمرة والمحترقة، وآلاف القتلى والجرحى والجثث المتفحمة من المرتزقة المحليين والأجانب والسعوديين والسوادنيين والأوروبيين والأمريكيين، وآلاف الأسرى والمفقودين.

المراحل والمراجل
مرت المعارك الكبرى للعدوان خلال السنوات السابقة بثلاث مراحل، المرحلة الأولى:
تتضمن المرحلة الأولى معارك الأعوام الأولى للعدوان بين عامي 2015 و2016م، ونسميها الطور الأول من العدوان، ولها خصوصيتها وسماتها التي ميزتها عن غيرها من المراحل وأبرزها هي:
1 ـ استكمال احتلال الجنوب من قبل الاحتلال الإماراتي والسعودي وقواتهما من المرتزقة الانفصاليين، والسيطرة على مناطق النفط والغاز والمرافئ والموانئ والجزر اليمنية. 
2 ـ إطلاق مئات الطائرات السعودية والأمريكية والإماراتية والصهيونية فوق سماء وأراضي اليمن تدك وتدمر البنية التحتية اليمنية من مصانع ومزارع وطرقات وجسور ومشافٍ وأسواق ومساجد ومدارس، وقتل آلاف المدنيين اليمنيين وبالجملة.
3 ـ تميزت مواقف الجيش واللجان الشعبية وسياساته بامتصاص الضربات والدفاع المتحرك والإيجابي، فقد جرت معارك في أكثر من 70 جبهة حربية حاول العدوان فيه أن يخترق ويتقدم ويستنزف.
4 ـ شدد العدوان هجماته التي وصلت إلى أطراف العاصمة في مأرب ونهم وأرحب والجوف، واحتلال غرب مدينة تعز بمساعدة عفاش وقواته التابعة للحرس الجمهوري هناك، وارتكاب الفظائع الإرهابية البشعة بحق المواطنين الشرفاء والوطنيين من اغتيالات وقتل وسحل واعتدات بالجملة على الناس العزل.
5 ـ توسع العدوان في عدد من المديريات غرب مدينة تعز وجنوبها الساحلي.
6 ـ تمدد العدوان في محافظتي الضالع والبيضاء، ومحاولات التمدد إلى محافظتي ريمة وإب.
7 ـ جمع العدو بين الهجوم العسكري والمناورات السياسية والتفاوضية بغرض شراء الوقت لإعادة رص صفوف قواته ومرتزقته.
8 ـ تحقيق اختراقات أمنية محدودة في العاصمة وبعض المحافظات.
9 ـ مخطط لاستدراج الجيش واللجان إلى الجنوب وإغراقه هناك وتطويقه وخيانته من قبل عفاش وقواته وحلفائه ومحاولة إيقاعه بين فكي العدوان والخونة، وسحبه إلى السواحل المكشوفة بعيدا عن عرائنه ومعاقله. وكان خطأ التفاعل مع الدعوات للذهاب إلى الجنوب يعود إلى الحماس الوطني الثوري لتخليص قوات الجيش المحاصرة هناك، والتجاوب مع تلك الدعوات وتصديقها قبل فحصها جيدا وفهم جوهره وما ينطوي عليه من تشويش وتزوير وأكاذيب وأوهام مخططة تم تدبيرها مع العدو من جانب عفاش وعملائه، ولم تكن القيادة الثورية العليا مع هذا الاتجاه، بل حذرت من نتائجه سلفا ومن مخاطرة الخيانية الممكنة، لكن الحماس الوطني طغى على العقل والمنطق وكان ما كان.

في تكتيكات العدو
تميزت أساليب العدو في هجماته الحربية بالاعتماد على الطيران وسلاح الجو الصاروخي بشكل رئيسي، وعلى استخدام المرتزقة المحليين جسورا بشرية أمام تقدمه وكثافة استخدام المدرعات السريعة الحركة المدولبة الحديثة ذات المدافع الكبيرة والآليات والعربات والأطقم والرشاشات مختلفة الأنواع ومحدودية استخدام الدبابات الثقيلة بأعداد أقل من المدرعات، بتزامن كل هذا مع تحرك الأباتشيات والمروحيات القتالية التي دفعت بأعداد كبيرة إلى الميادين، وأيضاً الدفع بأعداد كبيرة من المرتزقة الأجانب.
كما تميزت أساليب العدو بالزحوفات المستمرة والهجمات اليومية المتواصلة دون توقف، رغم الانكسارات الدائمة التي تواجهها تلك الزحوف والخسائر التي تنزل بها. 

في تكتيكات الجيش واللجان 
كانت تكتيكات قوات الجيش واللجان في معارك المرحلة الأولى من مراحل العدوان تتميز بالعديد من النقاط، منها:
ـ قوة الدفاع والهجوم معا بمرونة، والجمع بينهما بشكل ممتاز.
ـ التضليل الاستراتيجي للعدو، واختراق قواعده وقياداته والاطلاع على مجريات عمليات العدو وخططه ونواياه.
ـ كسر شفرات العدو، وكسر دوائره الإلكترونية الحدودية واختراقها وتدمير شبكاتها بالكامل.
ـ تحييد الطيران العدواني وتضليله عن أهدافه ومنعه من تحقيق أهدافه، وتطوير تكتيكات حرب مضادة للطيران ولضرباتها ضد الأفراد والمعدات.
ـ حرب استخبارات وتشويش على العدو وتحركاته واتصالاته وملاحقة عملائه في الداخل. 
ـ عدالة القضية والمصداقية مكنتها من خلق تعبئة معنوية هائلة القوة، حيث تم تعبئة الشعب للقتال ضد العدوان. 
ـ حضور دائم وطاغ لقوة القيادة وعظمتها وسعة حيلتها وقدراتها التخطيطية والتنفيذية والحربية والاستراتيجية والتكتيكية والتحامها بالمقاتلين في الميادين والمعارك، وارتباطها بمجريات أوضاع الشعب وطاقاته ومشاركته في حياته وظروفه المعيشية والثقة المطلقة بها وبقدراتها الخارقة على رسم أساليب وطرق الفوز والنصر الصحيحة في المواجهات والحروب.
ـ قوة الإيمان بالعقيدة القتالية الوطنية التحررية اليمنية وتوحد الشعب والقيادة والجيش واللجان حولها.
ـ اتباع أساليب قتالية متنوعة غير تقليدية، وابتداع الأساليب المنهجية الحربية الجديدة المختلفة عما في جميع مناهج الحرب والقتال الأكاديمية المعروفة. 
ـ استخدام الأرض جيداً، واعتماد تشكيلات القتال بأعداد قليلة خفيفة الحركة والتسليح، والاعتماد على الحركة الراجلة عندما تعز إمكانات الاستخدام الميكانيكية.
ـ امتصاص الهجمات والالتفاف عليها والقدرة على الاصطبار على الضربات وتحملها بمرونة وحزم وجلد.
ـ بناء الفرد المقاتل الشامل، وبناء القوات الخاصة ضد الدروع والمفخخات والألغام والصناعة المحلية.
ـ استنزاف العدو، واستدراجه وتطويقه وتحطيمه.
ـ القدرة على القتال بالوسائل البسيطة والمتواضعة، والاقتصاد الشديد في وسائل العيش والقتال والتكيف مع أشد الظروف.
ـ تأمين بالغ للجبهة الداخلية أمنيا ومعيشيا وإداريا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وتعليميا وعقيديا وإعلاميا.
ـ التصرف الجاد كدولة مستقلة حقيقية أجبرت الأعداء والأصدقاء على الإقرار بهذه الحقيقة الناصعة والتعامل معها.

المرحلة الثانية
الأهداف الاستراتيجية المعدلة
معارك العدوان بين عامي 2017 و2018م، هي المرحلة الثانية من العدوان، وتتضمن هذه المرحلة أهداف العدوان الاستراتيجية المعدلة، والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
1 ـ تفجير الفتنة المسلحة من الداخل بواسطة عفاش وقواته وقطع الطريق والإمدادات على الجبهات من الخلف لتسهيل سقوطها واجتياحها من قبل العدوان الأجنبي.
2 ـ احتلال الساحل التهامي والحديدة ومواصلة تطويق العاصمة.
3 ـ استعادة المناطق الحدودية التي سقطت بأيدي قوات الجيش واللجان والتوغل نحو صعدة.

معارك الصعود العدواني الأخيرة
المرحلة الثانية من العدوان لها خصوصيتها وسماتها التي ميزتها عن غيرها من المراحل وأبرزها هي:
ـ مجيء ترامب حاكما أمريكيا بدعم مالي خليجي، وتبعاً لذلك اتسع الدور الأمريكي في قيادة المعارك العدوانية في الساحل الغربي والحديدة، والتحضير لمعارك الشمال الحدودي الكبيرة الجديدة، وهي أهم المحطات وأخطرها من حيث مضاعفة الدور التدخلي الأمريكي البريطاني الغربي بشكل مباشر وميداني لم يحدث من قبل.
ـ كثافة التسليح الأمريكي للسعودية وحلفائها بشكل لم يسبق له مثيل، حيث صعدت السعودية إلى المرتبة الأولى في العالم من حيث نسبة الإنفاق العسكري بالنسبة لميزانيتها، وتعتبر ثاني دولة في العالم في استيراد الأسلحة.
ـ في هذ المرحلة وصل العدوان إلى أعلى مستوياته، وتعد المحطة الأهم والأخطر والأكثر عدوانية والتي وصل إليها العدوان، حيث حقق أكبر الإنجازات منذ بدايته، فحقق تقدمات مشهودة في الجبهات الساحلية ومحاصرة الحديدة، كما حقق اختراقا داخل الشريط الحدودي الشمالي الشرقي، وتوغل مسافة كيلومترات في كل من الجوف وصعدة وحجة. 
ـ استطاع العدوان في هذه المرحلة حشد أكبر قوة من المرتزقة الأجانب والمحليين وصلت إلى حوالي مليون مرتزق، منها على الحدود الشمالية والشرقية احتفظ بنصفها تقريبا موزعة بين نجران وعسير وجيزان ومأرب والجوف وحضرموت وشبوة والمهرة والخراخير والوديعة وشرورة.
ـ نفذ العدوان في هذه المرحلة أكبر الضربات الأمنية، وتمثل ذلك بنجاحه في اغتيال الشهيد الرئيس الصماد، وتفجير فتنة ديسمبر في محاولة لاحتلال العاصمة والسيطرة عليها وقطع خطوط الجبهات من الداخل وفتح الطريق امام زحف العدوان في 3 دسمبر 2017م، وافتعال فتنة حجور حجة والتوغل نحو مناطق في صعدة وحجة والجوف.
 ـ تسليم عفاش مناطق الساحل الغربي للعدوان والانضمام إلى قواتهم بألويته من الحرس الجمهوري التي كانت تسيطر على الساحل والغربي وتدعي حمايتها وأنها ضد العدوان زورا.
ـ حقق العدو في هذه المرحلة تخريبا اقتصايا كبيرا وتدمير قيمة العملة الوطنية بطبع كميات كبيرة من العملة المحلية اليمنية دون غطاء، ومواصلة المضاربات الطفيلية المرتبطة بالعدوان وحلفائه في الداخل والخارج.

المرحلة الثالثة من العدوان
تبدأ المرحلة الثالثة من نهاية العام 2018م على الساحل، ومطلع العام 2019م على الحدود الشمالية، وقد شهدت هذه المرحلة بداية انكسارات العدو الكبرى غير القابلة للتراجع أو التعويض كما كان يحصل في المراحل السابقة، فقد وصلت موازين القوى في اختلالاتها إلى المستوى الذي لا يسمح للعدو بعدها بإعادة الزحوف والسيطرة مجددا على المناطق التي خسرها الآن، لأنه كان قد استنزف أغلب طاقاته المادية والبشرية والمعنوية.
وقد تميزت المرحلة الثالثة بتراجع العدوان وبداية انحسار سيطرته وانكساره أمام الحديدة وفي الساحل الغربي والضالع (قعطبة والحُشا والعود)، وانكسار هجوماته في نجران وجيزان وعسير، وانتقال قوات الجيش واللجان فيها إلى الهجوم على الجبهات الرئيسية الحدودية الشمالية والساحلية وبداية طور جديد من الانكسارات الكبرى للعدوان تشير إلى اقتراب نهايته، كما تشير أيضاً إلى صعود القوى الوطنية التحررية وتحقيق انتصارات كبرى ستغير وجه المنطقة.
8 نوفمبر