ترجمة خاصة - لا ميديا / نشوان دماج -

إريك مارجوليس
يقول فيكتور هوغو عن البلقان الذي أصبح بلقعاً في القرن التاسع عشر: لقد مر الأتراك من هنا، كل شيء إما في حالة خراب أو في حالة حداد.

مرحبا بكم في العراق الحديث!
كان البريطانيون على الدوام هم أرباب الإمبريالية الفعالة. تمكنوا في القرن التاسع عشر، وبجيش صغير نسبيا يدعمه أسطول كبير، من السيطرة على ربع مساحة الأرض.
كان الكثير من رعايا الإمبراطورية غارقين في بهاء وأوضاع الحكم البريطاني، لدرجة أنهم عملوا معهم في كثير من الأحيان عن طيب خاطر، أو على الأقل خضعوا لهم.
فلتسموها الكولونيالية رقم 101. كطلاب متعطشين للتاريخ الروماني، اعتمد البريطانيون في وقت مبكر على الاستراتيجية الرومانية «divide et impera» (فرق تسد). تطبيق هذه الاستراتيجية مكّنَ الإمبراطورية البريطانية من حكم عدد كبير من البشر بأقل عنف ممكن.
في كتابـي الأخير (American Raj) حاولتُ أن أوضح كيف استخدمت الإمبراطورية الأمريكية تقنيـات «Imperial Raj» البريطانية المستخدمة في الهند للسيطرة على الشرق الأوسط. الآن نرى نفس الاستراتيجية في العراق المنسي.
قلة هم الذين يتحدثون أو يفكرون في أمر العراق هذه الأيام؛ وسائل الإعلام تتجاهل هذه الأمة العريقة، إنما والمدمرة. فلنتذكر أن العراق كان هدفاً لعدوان غربي كبير، قام بالحشد له كلٌّ من جورج دبليو بوش وديك تشيني والبريطاني توني بلير، بتمويل وتشجيع من مشيخات النفط في الخليج والسعودية.
معظم الناس لا يدركون أن العراق ما يزال أمة محتلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. لا نسمع شيئاً عن مليارات الدولارات من النفط العراقي التي تطالب بها شركات النفط الأمريكية الكبرى منذ عام 2003. بالنسبة للولايات المتحدة، كان العراق مخزنا لكنوز النفط، بما نسبته 12٪ من الاحتياطي العالمي. وكان ثاني أكبر منتج في أوبك.
ولتتذكروا أحد المحافظين الجدد البارزين الذين رتبوا لغزو العراق، بول وولفويتز، الذي زعم أن الولايات المتحدة بوسعها أن تمول عملية غزوها للعراق بالكامل (مقدّرا التكلفة بحوالي 70 مليار دولار) فإذا بها تنهب نفط العراق. اليوم، بلغت تكلفة الاحتلال أكثر من 1 تريليون دولار. وولف لم يعد بالإمكان رؤيته في أي مكان. في الوقت نفسه، يقول الرئيس ترامب إن الولايات المتحدة ستضطلع بإدارة حقول النفط في سوريا. وحيث هو الأمر على الدوام، فإن النفط شأن أمريكي تماما مثل فطيرة التفاح.
وعليه، أين ذهبت كل تلك الأموال؟ جزء كبير منها لسياسيين عراقيين فاسدين، وجزء أكبر للقواعد الأمريكية العشر في العراق. وقد يتم دفع جزء متواضع لإيران ورجال الدين الشيعة العراقيين، أو للمساعدة في تمويل «داعش» في كل من العراق وسوريا. لكن هذا لا يزال يترك قدرا هائلا من الأموال غير المسجلة للنفط المنهوب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. قد نكتشف ذلك يوما ما.
في الأسابيع الأخيرة، خرج العراقيون شيعة وسنة للتظاهر، احتجاجا على الحكم القائم لنظام دمى نصبته واشنطن في بغداد، ويتمتع أيضا -ويا للغرابة- ببعض الدعم الإيراني. حتى الآن، سقط 120 قتيلا عراقيا وحوالي 6000 جريح، وذلك بالتزامن مع مقتل عدد من الفلسطينيين على يد «إسرائيل» في غزة.
ووفقاً لخطة تشيني وولفويتز، يجب أن يكون العراق بمثابة أهم قاعدة عسكرية أمريكية رئيسية للسيطرة على الشرق الأوسط بأكمله وعلى إيران وأفغانستان. لم يكن ذلك بسبب المقاومة العراقية العنيفة للحكم الأمريكي البريطاني. غير أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال لديها عدد من القواعد العسكرية والبحرية وكذلك الجوية في العراق. لا يُسمح للعراق، «المستقل» كما يُزعَم، بنشر أي قوات جوية أو دبابات حديثة، ويظل مجاله الجوي تحت سيطرة الولايات المتحدة. بالنسبة للقوات الأمريكية التي أرسلت مؤخراً إلى سوريا فإنها قدِمت من حامية العراق -وهي نسخة مصغرة من حلم ديك تشيني الإمبراطوري.
منذ غزو عام 2003، والعراق محكوم من قبل سلسلة من الشخصيات المعينة من قبل الولايات المتحدة، والتي أثبتت فسادها وعدم كفاءتها. خلال الحرب، دمرت الولايات المتحدة الأمريكية معظم شبكات المياه والصرف الصحي في العراق، ما تسبب في وفاة حوالي نصف مليون طفل جراء الأمراض التي تنقلها المياه، وفي تدمير الجزء الأكبر من مجالات الصناعة والتجارة، وترك ملايين الناس عاطلين عن العمل. لقد انهارت الخدمات العامة.
قبل غزو الولايات المتحدة، كان العراق يلعب دوراً ريادياً في العالم العربي في مجالات الصناعة والزراعة والطب والتعليم وحقوق المرأة. كل هذا تم تدميره على يد «التحرير».
في العامين 2001 و2003، كنت في العراق، وشاهدت مدى التطور الذي كان قد بلغه، رغم الحكم الصارم لصدام حسين. كنت واحداً من قلة قليلة من الصحفيين الذين يحاولون التشكيك في الأكاذيب الغربية حول العراق. هدد البوليس السري العراقي المهووس بتعليقي كجاسوس -بعد أن كشفت أن قاعدتها في سلمان باك لشن الحرب البيولوجية قد تم إعدادها وتشغيلها سرا بواسطة فنيين بريطانيين.
اليوم، يعيش العراق وضعا أسوأ بكثير مما كان عليه في عهد صدام حسين. العراق يُنهَب وينتهَك، فيما شعبه يعاني، ويلزمه الكثير من أجل «التحرير».


موقع: (مناهضة الحرب)