بن كونابل - صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية -

 دون أن تطلق رصاصة واحدة، يبدو أن إيران نفذت هجوما انتقاميا مدمرا لمقتل الجنرال «قاسم سليماني» 
ضد الولايات المتحدة، عبر العملية الديمقراطية في العراق؛ إذ صوت أعضاء برلمان الأخير، الأحد الماضي، لصالح طرد الجنود الأمريكيين؛ وبهذه الطريقة قد تكون إيران فازت في معركة التأثير في العراق.
لم تُطلق رصاصة الرحمة الاستراتيجية هذه بالصواريخ أو الأحزمة الناسفة، وإنما عبر التصويت الشرعي
 في ديمقراطية بنتها الولايات المتحدة.

ما معنى ذلك؟
إذا افترضنا أن رئيس الوزراء العراقي سيوقع على مشروع القانون غير الملزم هذا ليصبح قانونا (هناك فرص بألا يقوم بذلك)، فإنه يجب على القوات الأمريكية الخروج، وتنص «اتفاقية الإطار الاستراتيجي» التي أرست أساس الوجود العسكري الأمريكي في العراق، بشكل واضح لا لبس فيه؛ على أن «وجود القوات الأمريكية المؤقت في العراق جاء بناء على دعوة من حكومة العراق السيادية مع احترام سيادته الكاملة»، ومن المرجح أن يرى العراقيون أن الولايات المتحدة انتهكت السيادة العراقية في هجوم الطائرات المسيرة في بغداد التي قتلت سليماني وعددا آخر، بينهم مواطنون عراقيون، مهما كانت خطورتهم.
قد تكون التأثيرات بعيدة المدى، ولها أبعاد خطيرة على المصالح الأمريكية الاستراتيجية. ودون قوات على الأرض، ولا طائرات تحوم جوا، سيعني أن القوات الأمريكية ستفقد قدرتها على رؤية وضرب مواقع تنظيم «الدولة» في العراق. وربما اضطرت قيادة قوات المهام المشتركة المدمجة بأكملها التي تقود حاليا الحرب ضد «الدولة»، للانتقال من العاصمة العراقية بغداد. وستتعرض العمليات في سوريا التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الدعم من العراق، للضعف. وربما تم إغلاق القواعد العسكرية للتحالف، تاركة الدول الأوروبية الحليفة والمتعهدين الأمنيين بلا أي خيار سوى مغادرة العراق.
ما لم يرفض العراقيون الوجود الإيراني بشكل كامل، وهو سيناريو غير متوقع؛ فإنه يجب على الولايات المتحدة اعتبار أنها خسرت العراق فعليا لصالح إيران. ومن هنا فإن ما يطلق عليه الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران عبر العراق إلى بلاد الشام، أصبح أقرب إلى الواقع. إذا تمكنت إيران من الحفاظ على موطئ قدم لها في العراق، فقد فازت الآن بجسرها البري عبر الهلال.
إذا تم إخراج الجنود الأمريكيين فإن الجنود العراقيين سيخسرون حليفهم الأكثر قدرة والأكثر فعالية، وستجد القوات العراقية، التي تخوض الحرب ضد تنظيم الدولة، نفسها في وضع صعب، وسيختفي المستشارون الأمريكيون الذين يقدمون الدعم اللوجيستي والاستشارة، ولن تجد قوات مكافحة الإرهاب العراقية التي تعتمد على الأمريكيين الدعم الذي تريده.
كما سيتعطل على الأرجح «صندوق التدريب والتجهيز»، وهو برنامج دعم العمليات ضد تنظيم الدولة، المعروف باسم درّب وسلّح وموّل، والذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات، وهو المصدر الرئيسي لتمويل قوات الأمن العراقية، وقد تنضب المساعدات الأمريكية للمدنيين العراقيين الذين عانوا من الحرب الأخيرة.

هل هو فخ إيراني؟
ربما، لكن إذا كان الأمر كذلك، فذلك يرجع جزئيا إلى أن الولايات المتحدة كانت بدون استراتيجية مركزة طويلة الأجل في العراق منذ سنوات، فإطار التعاون الاستراتيجي الأمريكي الذي تم تأسيسه عام 2008، كان مهتزا منذ البداية.
الولايات المتحدة ستجد نفسها أمام خيارين عمليين في العراق، الأول هو قيام الرئيس ترامب بانتهاز فرصة الطرد وتخفيض عدد القوات والحد من تورط أمريكا في النزاعات الخارجية، ما يعني إلقاء العراق في أحضان إيران، على أمل أن يشرعوا في إحداث الفوضى فيه، ما يدفع العراقيين إلى طردها، وقد تبدو هذه استراتيجية قائمة على الأمل، والأمل ليس استراتيجية.
أما الخيار الثاني فهو إعادة التفاوض بسرعة للاتفاق على معاهدة جديدة للوجود العسكري الأمريكي في العراق. إذا تمكنت الولايات المتحدة من الحفاظ على منصب استشاري، فقد تكون قادرة على الحفاظ على مواقعها لمواصلة العمليات ضد تنظيم الدولة، ومواصلة تمويل التدريب والمعدات. كل هذه الأمور في مصلحة العراق، ويمكن التفاوض عليها لو منح الدبلوماسيون الأمريكيون الفرصة للتفاوض.
إن الحاجة لإعادة النظر في العلاقات الأمريكية العراقية وإعادة التفاوض حول اتفاقية الإطار الاستراتيجي، كانت ضرورية قبل بداية الأزمة الحالية، وإذا تمكن صناع السياسة والدبلوماسيون الأمريكيون من التوصل إلى اتفاق يحدد العلاقة بين البلدين، فقد تتحقق صفقة يمكن أن تعود بالنفع على كلا الجانبين. هذا من شأنه أن يساعد على تخفيف فوز إيران، وتعزيز السيادة العراقية، وتطبيع العلاقات التي لم تكن طبيعية ولفترة طويلة جدا.

الاثنين 6 يناير 2020
«عربي21»