بشرى الغيلي / لا ميديا -

يراها الكثير من ساكني صنعاء القديمة أنها أخطاء فادحة وأضرار بيئية كبيرة نجمت عن مشروع السائلة، حيث حرمهم من المياه الجوفية التي تغذي آبارها منذُ القدم. ففي الوقت الذي ينظر الكثير من الناس لمشروع السائلة كمشروع عملاق وتحفة هندسية ومعمارية رائعة، وتعتبره الحكومات المتعاقبة أبرز وأهم إنجازاتها في العاصمة صنعاء، تثبت الأيام أن هذا الإنجاز الذي بدأ صغيرا ومحدودا لحماية مدينة صنعاء القديمة، واتسع ليمتد من جنوب العاصمة إلى ما بعد المطار شمالا، لا يخلو من الأخطاء. وكون شوارع وأزقة صنعاء القديمة ضيقة ولا تتسع لدخول الوايتات، فقد تضاعفت معاناة السكان، ناهيك عن تصحر بساتينها الجميلة التي تعتبر متنفسا لهم. وهنا تناقش صحيفة "لا" هذه القضية مع مختصين من المجلس المحلي بمديرية صنعاء القديمة، لإيضاح الكثير من التفاصيل.

 الوقت فات
لما للسائلة من أهمية في تغذية آبار المزارعين وتزويد سكان صنعاء القديمة بالماء، تتحدث عن ذلك دعاء الواسعي ـ رئيس مؤسسة عرش بلقيس للتنمية والسياحة والتراث، وتقول: كانت السائلة تغذي آبار صنعاء لأنها من الطين، وأيضا سكان صنعاء القديمة اكتفوا بمشروع الماء الذي وصل لكل بيت، ودفنوا آبارهم بأيديهم قبل 25 عاما، فقد استغنوا ولم يعرفوا أنه سيأتي يوم ويحتاجون لهذه الآبار، وتستدرك: ولكن الوقت فات. مضيفة أن الصعوبات التي يواجهها سكان صنعاء القديمة، كصعوبة دخول وايتات الماء للحارات بسبب ضيق الشوارع، وارتفاع أسعار وايتات الماء، وعدم التأكد من نظافة الماء، وازدياد سكان المدينة، وانتهاء صلاحية المجاري، وحاليا مشكلة المياه، تعد من أكبر المشاكل التي تواجهها صنعاء القديمة.
أما من ناحية المعالجات، فترى الواسعي أن يتم عمل أحواض مياه (حواجز مائية) للاستفادة من مياه الآبار في مناطق قريبة من صنعاء القديمة لتغذية الآبار، وإعادة فتح الآبار التي تم دفنها سابقاً.

تعرّض الآبار اليدوية للجفاف
لأهمية الموضوع تواصلت "لا" مع عبدالحميد أحمد قعطاب ـ رئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي بمديرية صنعاء القديمة، الذي أكد أن مشروع السائلة يتسبب في جفاف آبار المياه في صنعاء القديمة، ونضوب المياه فيها مع مرور الزمن، حيث يستمر الهبوط في منسوب المياه للحوض الضحل الذي يغذي هذه الآبار بالمياه اللازمة لري البساتين وتزويد المساجد بمياه الوضوء منذ تشييدها وحتى الآن.
ويضيف قعطاب أن «دراسة الحوض الضحل في صنعاء القديمة» أكدت أن منسوب الماء كان قريباً من سطح الأرض بأمتار قليلة، وخلال 4 عقود تدهور معدل منسوب المياه الذي أصبح 57 متراً عام 2007، وكان 44 متراً عام 2002، وفي حدود 30 متراً عام 1990، و20 متراً عام 1980، و10 أمتار عام 1970، وأقل من 10 أمتار ما قبل عام 1970، حيث كانت المياه جارية، ونتيجة الزحف العمراني المتسارع في مدينة صنعاء القديمة ورصف مساحات شاسعة من الطرق والشوارع تقلصت مساحة منطقة التصريف، وبالتالي أثر ذلك على تغذية الحوض.

تغذية مباشرة للحوض المائي
ويشير قعطاب إلى وجود آثار سلبية لرصف السائلة والمدينة القديمة بالحجر وسفلتة أجزاء واسعة من مناطق تغذية الحوض الضحل حول مدينة صنعاء القديمة، تمثّلت في التقليل إلى حد كبير من التغذية المباشرة للحوض المائي الضحل، وتضاعف معدل الانخفاض لمنسوب المياه في الآبار الواقعة على ضفاف السائلة، وجفاف الآبار خاصةً الواقعة شرق المدينة.
أما عن اقتراحات الدراسة المشار إليها كما ذكرها قعطاب، فتتمثل في: إعادة تأهيل الآبار الجافة في صنعاء القديمة، والاستفادة من السيول والأمطار لتغذية المياه الضحلة بواسطة بناء السدود الأرضية والمستودعات المائية (الجابيونات) وآبار الحقن في الأراضي المتاحة داخل المدينة وخارجها وعلى طول وادي السائلة إن أمكن، وتعميق الآبار المتضررة بعمق لا يقل عن 80 متراً، خصوصاً الآبار التي تقع شرق السائلة، مع ضرورة تبطين الأجزاء المعمّقة، ومراعاة تغذية الحوض الضحل في أي مشاريع مستقبلية مثل بناء قنوات تصريف السيول والأمطار ورصف وسفلتة الشوارع في مدينة صنعاء وضواحيها.

بناء سدود أرضية
ومن المعالجات والحلول التي اقترحتها الدراسة: تغذية الآبار اليدوية لصنعاء القديمة، وتفادي نضوب الحوض الضحل، وبناء سدود تغذية على مواقع الفوالق والشقوق المخترقة للجبال المحيطة بالمدينة، وإنشاء سدود أرضية وتوجيه مياه السيول إليها، حيث يوجد موقعان متاحان الأول في بستان الهبل الواقع على السائلة جنوب المدينة القديمة، والثاني شرق المدينة خلف سور قصر السلاح، وحفر آبار حقن يدوية بعمق 30 متراً في المقاشم المتضررة، وتوجيه مياه السيول إليها من الشوارع المجاورة أو السائلة. فضلاً عما أقره المجلس المحلي في خطته وبرنامجه الاستثماري لتلك الأعمال ورفعها للجهات ذات العلاقة، إلى جانب إخطار الجهة المنفّذة لمشروع السائلة (المرحلتين الثالثة والرابعة) بعدم رصف قاع السائلة إلا بعد إنشاء «جابيونات» على طول وادي السائلة بعمق لا يقل عن 10 أمتار، وبمسافة فاصلة لا تقل عن 500 متر بين كرفان وآخر، لغرض تغذية المياه السطحية عملا بالتوصيات للدراسات المقدمة حول ذلك، حسب قعطاب.

كارثة الصرف الصحي 
يتحدث وليد يحيى عبدالله عنبة ـ عضو الهيئة الإدارية رئيس لجنة التخطيط والتنمية والمالية بمديرية صنعاء القديمة، عن المدينة التاريخية التي لا يخفى على أحد أهميتها التاريخية والحضارية والاقتصادية منذ قديم الزمان، كون هذه المدينة لها خصوصية تختلف عن باقي المديريات في أمانة العاصمة، لعدة اعتبارات، أهمها أنها مصنفة ضمن أهم المدن التاريخية والتراث العالمي لدى المنظمات الدولية، ويجب أن تكون لها الأولوية في خطط وموازنة الدولة. ويقول: منذ تولينا عضوية الهيئة الإدارية ورئاسة لجنة التخطيط والتنمية في المجلس المحلي لمديريه صنعاء القديمة، حرصنا على تحمل الأمانة الملقاة على عاتقنا لخدمة المجتمع وأبناء المديرية لتوفير أهم الخدمات والاحتياجات التي تفتقر إليها المديرية، ومن أجل ذلك عكفنا على تحقيق ذلك وفق أسس علمية بدءاً بجمع البيانات والمعلومات لكافة الاحتياجات التي تحتاجها مديرية صنعاء القديمة وأبناؤها، وعمل خطة تنموية شاملة لكافة الاحتياجات والمشاريع التنموية والخدمية بطرق علمية حديثة مبنية على الدراسات الميدانية، ومتضمنة الوضع الحالي للمدينة ورؤيتنا المستقبلية لكافة المشاريع والاحتياجات اللازمة في كافة المجالات.

خطة استراتيجية
وتتناول دراسة ميدانية قام بها عنبة، أهم البنى التحتية الأساسية لأهم المشاريع الخدمية، ومنها شبكات الصرف الصحي التي انتهى عمرها الافتراضي ومرشحة لإحداث كارثة في صنعاء القديمة لا تحمد عقباها.
ويناشد عنبة السلطة المحلية بالأمانة عمل حلول عاجلة وسريعة وضم هذا المشروع ضمن المساعدات الدولية العاجلة التي تتم في أمانة العاصمة، فهي أحق من إعادة رصف بعض الشوارع التي يتم رصفها حاليا، وذلك قد سبق وتضمنته الخطة آنفة الذكر.
ويشير إلى استنزاف آبار صنعاء القديمة بسبب رصف السائلة، وحرمان أهالي المدينة من ذلك المخزون من المياه الجوفية التي كانت تعتمد في تغذيتها على مياه الأمطار، وبالتالي يستفيد جميع أبناء المدينة ومساجدها وبساتينها من تلك المياه. ولحل هذه الإشكالية تضمنت الخطة الاستراتيجية التنموية الشاملة التي أعدها عنبة، العديد من الحلول والمقترحات لتدارك الوضع القائم والاستفادة بما أمكن من مياه الأمطار التي باتت تنهمر على صنعاء القديمة مرورا بالسائلة على شكل سيول مهولة، ورغم ذلك لا تستفيد منها مدينة صنعاء القديمة بقطرة واحدة، حد تعبيره.

آثار سلبية
رصف السائلة وصفه عنبة بأنه ذو أثر سلبي جدا على سكان صنعاء القديمة، وذلك لندرة وصول المياه إليهم، كونه أساس الحياة، كما تعاني المساجد والبساتين من ندرة المياه كما هو حال أبنائها الذين أرهق كاهلهم جلب المياه من الخزانات الخيرية المتواجدة في شوارعها، أو تكبد شراء وايتات ماء بمبالغ كبيرة لا طاقة لهم بدفعها أسبوعيا، فإذا تمكنوا من ذلك واجهتهم مشكلة صعوبة دخول وايتات الماء إلى أغلب المنازل، نظرا لضيق شوارع المدينة وترابطها مع بعضها، وأصبح همهم وشغلهم الشاغل الماء، وانتظار الكثير منهم لمشروع المياه ودورهم في جدول ضخ المياه حسب المخطط له من مؤسسة المياه، وغالبا ما يُظلم أبناء المديرية في توزيع الحصص، ولا يتم مراعاة وضع خصوصية المدينة وضيق شوارعها وصعوبة واستحالة وصول وايتات المياه إلى أغلب منازل الأهالي بعكس المديريات الأخرى المفتوحة شوارعها على كل الاتجاهات.

بساتين متصحرة
ولطالما تغنّى الشعراء ببساتين ومقاشم صنعاء القديمة وجماليتها التي تزيد هذه التحفة التاريخية سحرا، لكنها اليوم صارت متصحرة إلا ما ندر منها، وتدفع ثمن شحة المياه، كما أصبحت بساتينها عرضة للسطو والاعتداء عليها من بعض ضعاف النفوس، فصارت تشكو حالها لله وحده، إضافة إلى غياب الاهتمام بهذه البساتين التي تعتبر جزءاً هاماً من المدينة يعكس جمالها ومناظرها الخلابة، كما أنها تعتبر مصدر رزق للبعض من متعهدي تلك البساتين الذين أجبرهم شح المياه على تركها وإهمالها.

حضارة لا تُقدر بثمن
مساجد صنعاء القديمة هي الأخرى حُرمت من المياه التي كانت تأتيها من الآبار وتستخدم في الوضوء، ومن ثم يتم تصريفها إلى البساتين المجاورة في دورة ثلاثية رائعة للاستفادة الكاملة من المياه، كما يقول عنبة في الدراسة الشاملة التي أعدها عن صنعاء القديمة، ويضيف في جزئية المياه: طالبنا في حينه قيادة أمانة العاصمة بوضع مقترحاتنا ودراستنا قيد البحث والبدء في تنفيذها، كون مشروع السائلة تم مركزيا وليس للمديرية والمجلس المحلى أي دور أو علاقة بذلك، ولو تم الأخذ بما تم التخطيط له منذُ 2007 لكانت صنعاء القديمة ومساجدها وبساتينها وآبارها مثالا يحتذى به، لكن للأسف لا ندري أسباب عرقلة ذلك رغم وجود العديد من التوجيهات الصريحة من قبل قيادات الأمانة السابقة.
ويستطرد: تضمنت الخطة المذكورة حلولاً ممكنة للاستفادة ما أمكن من مياه الأمطار وإعادة الحياة لهذه المدينة وأهلها ولآبارها وبساتينها لتعود لرونقها وجمالها الخلاب.
ويختم عنبة: صنعاء القديمة أمانة في أعناق الجميع، لأنها تمثل كل يمني، وتعكس حضارة اليمن وأصالة أهلها، وبوابة اليمن الموحد، لا تقتصر أهميتها على أبنائها وساكنيها فحسب، بل هي حضارة لا تقدر بثمن تخص كل اليمنيين، ووجهة لكل الزائرين، ويجب أن يكون لها وضع خاص واستثنائي في كافة المجالات الخدمية والاجتماعية والاقتصادية، كونها مدينة مغلقة ومواردها نادرة وأهميتها كبيرة.
خلاصة ما تناولته ”لا” مع المختصين تتمثل في أنه إذا لم يتم تدارك أمر مشروع رصف السائلة وإيجاد حلول عاجلة، فإن مدينة صنعاء القديمة ستغرقها شبكات الصرف الصحي المنتهية صلاحيتها، وأنه يجب إعادة الآبار التي تغذيها أحواضها المائية وتخفيف معاناة قاطنيها. نأمل من الجهات المختصة مزيدا من الاهتمام والالتفاتة لدرة المدائن، وإعادة الجمال لبساتينها ومقاشمها الخضراء.