حاوره: طلال سفيان / لا ميديا -

سنوات من المتعة والابداع والنجومية... سنوات استمتعت فيها الجماهير الرياضية بأرقى الإبداع الكروي... الهداف الماكر... مرحلة ذهبية لن تمحى من تاريخ كرة القدم اليمنية!
"الثعلب" لقبه الذي ظل معه حتى اليوم دون أن ينتزعه منه أحد. عزيز الكميم هو تجسيد لقانون أن كل إبداع يعشق، وأن كرة القدم، قطعة الجلد المنفوخة، قادرة على أسر الألباب، بمن يداعبها بفن.
لم يغيره مرور الزمن وتغير الأحوال. هو ذاك في السبعينيات أو في الوقت الحاضر، يعشق الشغف. في عمر الـ64 يسير متبخترا مزهوا بماضيه الناصع الذهبي. عبقرية المهارات، وعبقرية الابتسامة، عبقرية الأهداف الخالدة، والتساؤلات التي لا تعقبها إجابات، لأن عزيز الثعلب هو الإجابة العبقرية.

عاصرت تومباكو
 نريد أن ندلج في البداية مع بريق نجوميتك في أندية جنوب الوطن...؟
- بدأت بنادي الجزيرة الذي سمي بعد ذلك بنادي شمسان خلال دمج الأندية بعدن. طبعاً بدأت مع الجزيرة من سن 14 سنة وكنت صغيراً وذا بنية جسمانية ضعيفة. ومن حسن حظي وأيضاً أن القدر كان بجانبي أن كان حينها المدرب أحمد محسن المشدلي مدرب فريق تحت 16 سنة، وكان معهم بطولة الناشئين. وعلى ما أعتقد كانت أول بطولة تقام في عدن. وكان مع الجزيرة لاعبون من الدرجة الممتازة كجميل سيف واللاعب الذي لا يمكن أن يتكرر تومباكو والفقيد فضل عبدالفتاح، وهم من لاعبي الفريق الأول ويستطيعون اللعب أيضاً مع فريق 16 سنة وكانت عدن حينها تشهد 3 دوريات للكبار والشباب والناشئين، وعندما قيد الجزيرة أسماء فريقه المكون من 16 لاعباً في دوري الناشئين كان اسمي آخر اسم. كانوا يقولون عني: هذا لاعب صغير وقصير وضعيف!... لكن كان المشدلي مهتماً بي كثيراً. المهم، شاركت في البطولة (دوري الشهيد سالم عمر)، وجلست في جميع المباريات على مقعد الاحتياط، حتى كانت آخر مباراة مع الهلال والتي حضرها الشهيد علي عنتر، ولعبت فيها لمدة 5 دقائق فقط، بعد ذلك تدرجت لفريق شباب الجزيرة ومنها استطعت فرض نفسي للعب للفريق الأول وحجزت مكاناً لنفسي بعد مغادرة محمد علي الحبشي للعب لفريق الجيش ومغادرة النجم العظيم يحيى فارع سلام الذي غادر إلى تعز للعب لأهلي تعز ومن احترف مع الشباب السعودي.
 هل من هذا المنعطف ظهرت نجوميتك؟
- نعم، عندما كنت ألعب مع فريق الشباب والفريق الأول لنادي الجزيرة وتحديداً عام 1976 استطعت أن أصنع لي اسماً وكنت الهداف الأول لنادي الجزيرة (شمسان) خلال فترة لعبي له.

أشبه بالدوري الإنجليزي
 لكن سرعان ما اشتهرت كهداف لا نظير له حتى اليوم...؟
- أنا راوغت كل لاعبي خط الدفاع وكنت أسجل الأهداف وعام 1977 فرضت اسمي على الأسطورة علي محسن ولعبت لمنتخب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الذي كان يدربه الكابتن علي محسن بعد أن فرضني الاتحاد عليه بالذات بعدما سجلت هدفين في مرمى الجيش. كان عمري 21 سنة وكنت أملك الثقة بالنفس ونجومية كبيرة، حتى أن عزام خليفة النجم والمدرب الكبير قال في لقاء صحفي: "عزيز يذكرني بأسطورة الكرة الإنجليزية جورج بست"، وأنا كنت سعيداً بهذا اللقب، رغم أني لا أعرف من هو جورج بست، وكنت أمسك الصحيفة ولا أصدق أن الدكتور عزام قال عني هذا، وهو الكابتن السابق للمنتخب الوطني في الجنوب، وكنت أقول: طالما قال عني الدكتور عزام أنني جورج بست فأكيد أنا جورج بست. حتى الوقت الحالي كلما أزور عدن أذهب إلى عزام خليفة وأحضنه لأنه جعلني سعيداً وأنا أقرأ الجريدة في المنزل أو في الشارع. الدوري في عدن في السبعينيات كان أشبه بالدوري الإنجليزي، والفرق كانت قوية ولا يوجد فريق ضعيف. التلال أو الوحدة كانا يعتبران عملاقي الأندية اليمنية. كانا إذا فازا في الدور الأول يخسران في الدور الثاني حتى لو لعبا مع طليعة لحج والشرارة، بعكس دوري الشمال، هنا كان الدوري ضعيفاً، وشعب صنعاء يمكن أن يفوز خارج أرضه بالـ4 والـ5.

مهاترات التلال وشمسان
 كيف كانت تجرى المنافسات بينكم وبين التلال؟
- صحيح كنا نفوز على التلال مرة ويفوز علينا 7 مرات، لكن بين التلال وشمسان كان يوجد شيء فظيع، بسبب أن شمسان كان يضم كوكبة من النجوم منهم جميل سيف وعادل اسماعيل بالإضافة إلى تواجد اسمي بين هذين العملاقين. أنا لا أتكلم عن نفسي بل عن تاريخ. أنا قدت فريق شمسان وكنت هدافه. لم نكن نتفق مع التلال بسبب نجوميتنا الضاربة، وفي التلال كان يوجد أبوبكر الماس وهو كاريزما وحامل لواء التلال. وكانت المهاترات بين الماس وعادل اسماعيل في أوجها، كونهما الأقوى في المنتخب. نحن يا ابني كنا مفلسين و"حق مخبازة"، بينما كان أبوبكر الماس وعادل إسماعيل "حق دلع" من حيث الأناقة والمستوى المادي والشهرة.

حذاء ممزق
 لأول مرة نعرف أنك كنت تعاني ماديا مع بدايتك نجوميتك؟
- (ضحك) أنا كنت قبل أي مباراة مع فريقي أو المنتخب أبكر من صباح الجمعة إلى خياط الأحذية في حي المعلا ليخيط لي البوتي. كنت ألعب وتخرج أصابع قدمي من حذائي في المباريات وأطلب من الحكم أن أطلع خارج الخط لترقيع الحذاء. ومرة شاهدني رئيس اللجنة التنفيذية محمد سعيد عبدالله محسن (الشرجبي) الله يذكره بالخير، في إحدى المباريات التي جمعتنا مع الجيش، وقال: ما له هذا يطلع وينزل في المباراة؟! فقالوا له: المسكين الجزمة حقه اتقطعت!... فزعل وقام بتحويل 100 دينار لي، وبكرت من الصباح اتغسلت وخرجت لا أريد أن أتكلم مع أحد ولا أصاحب أحداً، لأنني امتلكت 100 دينار، أي 200 شلن.

ممنوع اللعب مع أكثر من نادٍ
 هل عرض عليك اللعب مع فرق أخرى في عدن؟
- نعم، طلب مني محسن الشرجبي هو وصالح الشمعلي اللعب لفريق الشرطة، لكن هذه قصة لم يقدر لها النجاح. الذي كان يلعب لشمسان لا يمكن له أن يذهب ليلعب للتلال، والذي في صيرة لا يقدر أن يلعب للوحدة في الشيخ عثمان، وكذا كل نادٍ، لو ذهبت لعدن (كريتر) الكل سيقول: ما معه بعدن؟! ممنوع حتى تفكر أن تنتقل من نادٍ إلى نادٍ آخر في عدن، ولو فكرت أو حتى تجرأت تنتقل ستصبح أنت وكل أسرتك منبوذين ولا أحد يتكلم معك و"قالبين صورة عليك" وقد تتعرض للضرب، تموت وتعيش وأنت في ناديك. هكذا كانت تجري معنا الأمور وقتها، وليس كما يحدث اليوم احتراف وتنقلات و... و... الخ.

جازم لم يتقبلني في الطليعة
 ماذا عن انتقالك لشمال الوطن؟
- كانت فترة صعبة، أن تترك ناديك وحيك وأهلك وأحبابك وتنتقل من نظام إلى نظام آخر. عام 1979 طلعت إلى تعز بحثاً عن صديقي الذي لعب معنا بفريق الجزيرة عبدالقادر القادري، وكان حينها في صنعاء لزيارة شقيقه فارع، الموظف بشركة إخوان ثابت. ولم يقبلني المرحوم عبدالجليل جازم للمشاركة مع الطليعة. ثم ذهب القادري إلى نادي شعب صنعاء ليقدم اسمي للعب معهم ولم يعرفوا أنني قد وصلت لصنعاء. وعندما ذهبت لنادي الشعب فوجئوا وقالوا لي: أنت عزيز؟! فقلت نعم، كيف عرفتم؟! فأخبروني أن القادري قد أتى إليهم وعرض عليهم أن ألعب لهم. وبعد أن وصلت صنعاء يوم الأحد الموافق 7 يونيو 1979 شاركت معهم في بطولة 13 يونيو وسجلت لهم هدفين على الوحدة والأهلي وتوجنا بهذه البطولة الخاصة بهذا اليوم الوطني.

الهرر لن يتكرر
 جمعتك صداقة مع نجوم اليمن العظماء، ممكن تحدثنا عنها؟
- كانت تجمعني صداقة قوية مع النجم والمدافع الأسطورة عبدالله الهرر منذ أيام عدن، وكان دائماً يأتي لزيارتي في المعلا، وعندما طلعت إلى شمال الوطن ذهبت لزيارته في تعز عندما كان يلعب مع الصقر، وزرته في الحديدة عندما كان يلعب في الجيل. الهرر نجم كبير ولاعب لا يمكن أن تنجب الكرة اليمنية مثله، لا تقدر على اختراقه نهائياً في الملعب، لاعب لديه إمكانيات وتكنيك ومهارات عالية، إضافة إلى طوله الفارع وامتلاكه لكاريزما واستايل مذهل، ليست مسألة أن المهاجم يستطيع المرور منه، لكنش ماذا بعد ذلك؟!...

فاكهة المنتخب
 كابتن كيف جرت معك الأمور في الشمال؟
- مثلت منتخب الجمهورية العربية اليمنية (الشمالي سابقا) ولا توجد بطولة إلا ولعبت كل المباريات أساسياً. وللأمانة، كان هناك نجوم من كل المحافظات. يا أخي هنا كنت تحس بأن هناك لاعبين وليس فقط لاعبين بشكل رئيسي؛ الإنسانية موجودة، والثقة والتحصيل العلمي والمسؤولية والحب... ومن الأمور التي لا يمكن أن أنساها عندما كان يدربنا البرازيلي أحمد لوسيانو، انضم للمنتخب الأول عبدالرحمن سعيد مدافع أهلي الحديدة، كان هذا اللاعب فاكهة وصنع لنفسه في تاريخ الكرة اليمنية. المنتخب كان كل موقع فيه محجوز ومليء بالنجوم: جمال حمدي وعزيز الكميم ولاعبين من تعز وإب والحديدة، ولاعبي أندية العاصمة. تخيل كان عبدالرحمن سعيد يومها صغيراً جداً، لكنه كان لديه مهارة القدم اليسرى والتكنيك العالي إلى جانب أنه لاعب موهوب وأنيق، كان الظهير الأيسر فيصل أسعد والأيمن خالد العرشي وفي الاحتياط طاهر محسن، لكن عبدالرحمن سعيد استطاع اختراق هذه القائمة وحجز لنفسه مركز اللاعب الأيسر في خط الدفاع.
عبدالرحمن سعيد أو كما يطلق عليه "الملك" كان ملك الأخلاق بكل ما تعني الكلمة. بآخر أيامي مع المنتخب لم أكن أستطيع الجري بسرعة 70 في المائة في التمارين، وكان عبدالرحمن سعيد لا يرضي أن يكون قبلي أثناء ركضنا في التدريب، يسرع يسرع ثم يلتفت إلى الخلف وعندما يراني يبطئ سرعته حتى أتقدم عليه، وعندما أصل أولاً إلى خط النهاية يصرخ لوسيانو: "ازييييز" ويشجعني لما قام به عبدالرحمن سعيد من مساعدة لي ويبدي لوسيانو لاحترامه لنظام اللعب الذي تغير على مستوى الكرة.
 ثعلب الملاعب، ما هي أروع لحظاتك التهديفية؟
- كل هدف أحرزته خالد في ذاكرتي، لكن يبقى الهدفان في مرمى الجيش في الجنوب وأهدافي في مرمى الوحدة السعودي ضمن تصفيات أبطال الدوري العرب في صنعاء هي الأكثر من رائعة، عندما تراوغ 4 أو 5 مدافعين دوليين وتسجل، عندما تنفرد بالحارس وقد سألته: في أي جهة تحب أن أسجل الكرة في مرماك؟! هذه هبة وفكر لا يمتلكها الكثيرون. أنت مهاجم وأنا مهاجم لكن من هو الهداف؟! أنت مدافع وأنا مهاجم لكن من سيسبق ويأخذ الكرة؟!
 ماذا عن الألقاب التي حققتها؟
- كنت هداف بطولة الدوري في الأعوام 80 و81 و82 وأحرزت مع شعب صنعاء بطولات دوري الأعوام 80 و81 و87 وكأس الجمهورية.
 وأخر مباراة ودعت فيها الملاعب؟
- لعبت آخر مباراة مع المنتخب عام 1990، وبعدها فضلت ترك اللعب، أولاً لعدم القدرة، وثانياً لأن الوضعية تغيرت وصار عليّ الابتعاد.

مستشار لا يُشار
 حالياَ كيف يعيش الكابتن عزيز؟
- مثل أي لاعب يمني، حالياً اعمل مستشاراً لوزارة الشباب والرياضة، "مستشار" صفة بدون قرار. الاسم جميل "مستشار" وهو مثل العاشق الكذاب يفرح بالتهم. أصغر موظف في الوزارة يستلم أكثر مني بكثير والله يفتح عليهم. أنا إلى اليوم أبحث عن الدرجة والتسوية إن كانت ستتحقق وإلا يا الله بحسن الختام!
عندما كان الدكتور الكباب وطيب الذكر عبدالوهاب راوح وعبدالرحمن الأكوع يتولون وزارة الشباب والرياضة كنت أحظى بتقديرهم، لنجوميتي. وكذلك لا أنسى انسانية وحب الدكتور يحيى الشعيبي تجاهي.
يحز في نفسي أن أرى وكلاء ليس لهم شأن بالرياضة يتولون هذه المناصب، وأنا الذي خدمت الرياضة لمدة 30 عاماً في الشارع.



يوم مفقود
عزيز ناجي صالح الكميم
مواليد 10 نوفمبر 1956 عدن  -  المعلا، لأسرة تعود أصولها إلى قبائل الحداء، التابعة لمحافظة ذمار.
عندما كان في السادسة من عمره استعد لأول مرة للاحتفال بعيد ميلاده، وكان بفرح شديد ينتظر وصول التورتة والشميز والحذاء الجديد. قامت ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن وخرجت أسرته للاحتفال مع الجماهير في شوارع عدن، وألغي حفل عيد ميلاده الذي كان بعدها بشهرين.
وعند بلوغه سن 11 سنة من عمره المديد استعد مجددا للاحتفال بعيد ميلاده ولأول مرة، فكان عيداً وطنياً آخر، بخروج آخر جندي بريطاني من أرض الجنوب... وهكذا مع كل احتفال أتى قحطان وذهب، وأتى وسالمين وذهب، وتأجلت المناسبة مع كل مناسبة وطنية أخرى.
نسي هذا اليوم (الميلاد)، وعاد اليوم أكثر ابتسامة وانتزع مع لحظة دخوله العقد السادس من سلسلة أيامه ليحتفل بعيد ميلاده وتحقيق حلمه الذي انتزع منه عنوة.



ثأرت من جازم برباعية في مرمى الطليعة
في آخر مباراة كان يلعبها أسطورة خط الثمانية عزيز الكميم أمام التلال في ملعب الحبيشي كان هذا الهداف يحرز هدفا في شباك العميد ويذهب للجماهير وهو يشير بيده ناحية الشمال.
عام 1979 رحل عزيز الكميم من دون حقيبة إلى مدينة تعز بحثاً عن صديقه ورفيقه القادري، لكن كان الحظ السيئ في ذلك اليوم.
شد عزمه وصعد إلى ملعب الشهداء حتى يقدم نفسه كلاعب فقط. هناك وصل مرتدياً "شميز وفوطة" وحذاء رثاً، طلب من مدرب الفريق الطلعاوي أن يتدرب معهم. هنا يقول ثعلب الملاعب اليمنية: "ربنا يرحم الأستاذ عبدالجليل جازم، كان مخطئاً بحقي. هذا تاريخ ولا بد أن يذكر. سخر مني وقال: من هذا الولد الذي يشبه فخذ الدجاجة؟! وقال لي: بانجربك وبانشوف! شعرت باحتقار الذات وركبت أول بيجوت وإلى صنعاء. وهناك انضممت لشعب صنعاء. وبعدها بأسبوع نزلنا للعب ضد الطليعة في تعز وسجلت 3 أهداف في الشوط الأول، وفي الاستراحة توجهت نحو عبدالجليل جازم وصافحته وقلت له: هل عرفت من أكون؟! فقال لي: لا. فقلت له: أنا الذي جئت إليك قبل أسبوع للانضمام للطليعة فرفضتني فأومأ جازم برأسه وقام لاعبو نادي الطليعة بمهاجمته وتوجيه العتاب واللوم له على تفريطه بي".