حاوره/ نشوان دماج - مرافىء

الفنان التشكيلي عدنان جُمَّنْ، يمتلك قدرة تفوق الكاميرا من حيث الدقة والجمال في رسم الوجوه والأماكن. ينتمي إلى المدرسة الواقعية التأثيرية التي تأثر بها من أساتذته الروس بعدن في السبعينيات. فنان مرهف، اضطرته الحرب الظالمة إلى فتح مطعم هو وزوجته لإعالة أسرتهم، ثم إلى إغلاقه بعد أن تراكمت الديون.. هو من مواليد كريتر - عدن 1960. حاصل على دبلوم فنون من عدن. يعمل كمصمم جرافيك. شارك في معارض داخل اليمن وخارجها. من الأعضاء المؤسسين لجماعة الفن الحديث. له الكثير من الرسوم التوضيحية لقصص الأطفال، والرسومات الكاريكاتيرية خصوصاً في صحيفة «14 أكتوبر». كما أنه عمل كمخرج لبعض المجلات، مثل مجلة لدى وزارة الإعلام.
مرافئ «لا» التقى الفنان عدنان جمن في حوار حول تجربته في الفن التشكيلي وفن الكاريكاتير، فإلى الحوار: 
 ما الأثر الذي تركه عشقك للبيئة اليمنية على لوحاتك؟ وكيف استطعت إعادة تشكيلها في لوحات فنية؟
يظل الفنان ابن بيئته، يتأثر بها ويتأثر بالتالي نتاجه الفني، أنا أرسم بهذا الإحساس في كل لوحاتي، وأعيد صياغته بالتعامل مع نوعية الخامة وفق أقصى قدراتها.

محاكاة الروح
 برأيك.. البورتريه أين مكانه في الفن التشكيلي بشكل عام؟ 
 البورتريه فن عالمي وإنساني منذ قديم الزمن، ويحظى بإعجاب الناس بمختلف شرائح المجتمع. البورتريه هو حالة إنسانية ذات بعد نفسي، وليس مجرد نقل صورة، إنه محاكاة للروح!
  رسم الوجوه هل يعتمد عليها كحقيقة أم كخيال؟ بمعنى: هل هناك وجوه متخيلة في رسومات فنان البورتريه؟ أم يلعب الفوتوغراف دورا كبيرا فيها؟
قديما كان يضطر الموديل لقضاء ساعات طويلة أمام الرسام في مرسمه، وهذا كان شيئا مجهدا لكليهما. اليوم، الكاميرا وفرت الكثير من ذلك العناء بهذا الشأن. لكن بالطبع يلعب الخيال في رسم الوجوه دورا كبيرا في ما يتعلق بالرسم التعبيري في مجالات الفن التشكيلي الأخرى.

الواقعية التأثيرية
 المعروف عن عدنان جمّن أنه يمتلك قدرة تفوق الكاميرا من حيث الدقة والجمال في رسم الوجوه والأماكن، فأين بالضبط تكمن تلك الدقة وذلك الجمال؟ 
أنا أزعم أنني أرسم الواقعية التأثيرية التي تأثرت بها من أساتذتي الروس في فترة دراستي المبكرة في عدن، ربما يكون التزامك الصارم بالقواعد الأكاديمية هو الذي يعطي انطباعا صادم الواقعية، لكنني أرحل مع كل لوحة في تحد جديد مع الصورة الفوتوغرافية وأضيف إليها من ألواني وروحي ولا أحاكيها بالضرورة. 
  هناك في المقابل من يقول بأن البورتريه مهما كانت دقته وجماليته، فهو في النهاية احتراف وليس فنا، لأنه يعتمد على الفوتوغراف، والخيال فيه يكاد ينعدم.. كيف تنظر إلى الأمر؟
الاحتراف هو مرحلة ينشدها أي فنان بورتريه، وهو مدرسة صعبة، وتحتاج عوامل كثيرة للتمكن منه، وأهمها الموهبة. أنا أرسم المناظر الطبيعية وتجمعات الناس في الأسواق القديمة، وكل هذا يندرج تحت مسمى المدرسة الواقعية. أما الخيال فهو كلمة مطاطة، ولكنه في رأيي قد يتناسب أكثر مع المدارس التعبيرية والتجريدية والتي قد تحمل رسائل خاصة يريد الرسام إيصالها للمتلقي، وأنا لدي محاولات بهذا الصدد تحت التجريب.
 
قضيت طفولتي مع الرسم
 ما الشيء الذي أثرى الفنان عدنان جمن في مجال الرسم.. هل كان الدراسة أم الموهبة؟
الموهبة ولدت معي منذ نعومة أظافري، كان المدرسون يظنون أن أخي المرحوم شكيب جمن هو من يرسم لي لوحاتي في المعارض، حيث كان عمري لا يتجاوز الـ12.
قاتلت كثيرا لتعلم فن الرسم، وكنت أقضي أوقات فراغي كلها بالرسم، وأكاد لا أذهب للعب مع بقية أصدقائي. وفي مرحلة لاحقة صرت ألاحق الأساتذة الروس في كل مكان لأتعلم منهم شيئا. لأسباب أسرية قاهرة لم أذهب لتلقي الدراسة الأكاديمية التي حلمت بها، ولكني جعلت من ذلك حافزا لجلد الذات وبذل الجهد والوقت للمزيد من التعلم والكثير الكثير من الممارسة، ومازلت أتعلم من كل لوحة أرسمها حتى الآن! 
 دراستك لأصول التصوير الزيتي على يد أساتذة روس في عدن.. حدثنا عن تلك التجربة؟
في نهاية السبعينيات، غصّت عدن بنخبة من مصوري البورتريه الروس على مستوى العالم. وكصبي متعطش للتعلم، التحقت في دراسة أصول التصوير الزيتي بشكل متقطع في معهد الفنون الجميلة بعدن، لأنني كنت أدرس في الصباح بدار المعلمين والمعلمات في قسم الفنون التشكيلية التي تخرجت منها بوسام التفوق الدراسي.
أنا أزعم أن تلك الفترة القصيرة كانت هي اللبنة الأساسية في مسيرة حياتي الفنية، ومازالت تؤثر على ريشتي بشكل دراماتيكي! 
 
معلمي وبوصلتي الفنية
 كونك نشأت في بيئة رسم ومنزل يعج بالفن.. هل حدد ذلك وجهتك الفنية مستقبلا؟
شكيب جمن هو مدرستي الأولى في عالم الفن التشكيلي، وقد كان رجلا موهوبا بشكل عجيب.
شكيب علم نفسه بشكل عصامي العزف على جميع الآلات الموسيقية والرسم والخط العربي، وقد تفرغ طوال حياته منخرطا في ما يحب، وصار من أهم عازفي الكمان في عدن آنذاك. شكيب كان بوصلتي كفنان، وهو من أشار علي بدخول معهد المعلمين في تخصص الفنون التشكيلية بدلا من الذهاب للثانوية العامة، لكي أختصر السنين وأبدأ مبكرا في تعلم أصول الفن التشكيلي، وهذا قرار اتخذته منذ وقت مبكر، وكذلك فعل أخي عارف الذي صار من أهم عازفي العود والكمان في الوطن العربي! 
 
شغف الوجوه
 ما هي الزاوية التي تتناول من خلالها لوحاتك؟ 
تجذبني وجوه الناس، لكل وجه قصة يحكيها، وأنا ألاحق تلك القصص بشغف وحب كبيرين!
 
أكثر ألماً وتأثيراً
 الحرب وتداعياتها كيف أثرت فيك كمواطن وكفنان تشكيلي؟
الحرب دمار وألم وحزن! فقدت مصادر عيشي بسبب هروب الأجانب من اليمن، وهم من كنا تحديدا نسوق لهم لوحاتنا، ولم يعد هناك الكثير من الأعمال مع المنظمات الدولية التي كنت أقدم لهم خدماتي كرسام توعوي، واضطررت لفتح مطعم أنا وزوجتي لكي نصرف على أطفالنا، ولكنه لم يصمد لأسباب كثيرة، ومازلت حتى اليوم مديونا بسببه! 
  ما الأثر الذي تتركه مشاهد القصف والدمار عند الفنان؟
الحرب بشكل عام ظالمة، وتؤثر سلبا على كل الناس، والفنان أكثر البشر ألما وتأثرا.
  وهل حاولت أن تقارب تلك المشاهد في لوحات فنية؟
أنتجت بعض الأعمال الفنية التوعوية لمنظمات دولية لها علاقة بتداعيات الحرب النفسية على الأطفال، وهو تواجد أعتز به كرسام توعوي. 

أفتقد الكاريكاتير
 تجربتك في فن الكاريكاتير.. أيهما أقرب إلى عدنان جمن.. الكاريكاتير أم التشكيل؟
بدأت أرسم الكاريكاتير وأنا في الصف الأول إعدادي لصحيفة «14 أكتوبر»، وصرت في وقت قياسي أهم رسام كاريكاتير في عدن، ولكن الكاريكاتير يحتاج لمساحة أكبر من الديمقراطية وحرية التعبير، وبالتالي عودة الصحافة المستقلة إلى الواجهة مجددا، وهذا أمر مرتبط بالحل السياسي ووقف الحرب.
لحسن الحظ أنني أرسم في اتجاهات مختلفة، ولكنني بالطبع مازلت أفتقد الكاريكاتير رغم أنني رسمت بعضها في بعض المواقع الإلكترونية، ولكنني توقفت لأن الاستحقاقات ليست مشجعة للاستمرار. 
  كلمة أخيرة تود قولها عبر مرافئ «لا»؟
شكرا لمرافئ «لا» على استضافتي، وبالفعل كانت الأسئلة مغايرة وخارجة عما تعودت عليه، أرجو لكم التوفيق والنجاح في عملكم.