حاوره: مارش الحسام / لا ميديا -

ما يتعرض له إرث اليمن التاريخي من تدمير ممنهج من قبل العدوان لم يحرك مشاعر المنظمات الخارجية ووسائل الإعلام الغربية التي نجدها اليوم تتباكى على ما خلفته الأمطار من أضرار على المنازل الأثرية والمدن التاريخية في اليمن، مع أن الأمطار لم تكن سوى عامل ثانوي او نتيجة طبيعية لعامل رئيسي سابق سببه العدوان.
هذا الموضوع وموضوعات أخرى نطرحها على طاولة وزير الثقافة الأستاذ عبدالله الكبسي في هذا الحوار.

العدوان سبب رئيسي
 ما خلفته الأمطار من أضرار في المدن التاريخية والمنازل الأثرية كان له صدى عالمي واهتمام غير طبيعي من المنظمات ووسائل الإعلام الغربية. برأيك لماذا الاهتمام بالأضرار الناتجة عن الأمطار والصمت عما دمره العدوان؟ وأيهما أشد خطرا؟
- في البداية أرحب بصحيفة "لا" في وزارة الثقافة، وأرحب بالعاملين في هذه الصحيفة التي أعتبرها أنا شخصيا منبر الإعلام المجاهد المقاوم للعدوان.
وبالنسبة لموضوع سؤالك، لدينا المدن التاريخية والمصنفة ضمن التراث العالمي الإنساني، وهي صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت. طبعاً ما نشاهده اليوم من أضرار ظهرت مع العوامل الطبيعية كالأمطار، هي نتيجة طبيعية لعوامل متعددة وكثيرة، منها ما هو رئيسي وما هو فرعي، أوصلت صنعاء إلى ما وصلت إليه اليوم. ونحن سنتكلم عن صنعاء باعتبارها تحت المجهر ونلاحظ ما يجري فيها عن قرب.
طبعا صنعاء تعرضت إلى غارات جوية ممنهجة استخدمت فيها قنابل وصواريخ ذات مفعول تدميري شديد من شأنه إخراج صنعاء من قائمة التراث العالمي والإنساني، لأن من أقدموا على ذلك الاستهداف التدميري لا يمتلكون تاريخاً ولا حضارة.
والمنظمات التي تزعجنا حاليا بشأن الأمطار وما خلفته الأمطار من أضرار، وما الذي ستقوم به الدولة اليمنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كان يفترض بها أولاً أن تتحمل مسؤوليتها تجاه العدوان وما يقوم به من ممارسات ممنهجة لتدمير الإرث الحضاري اليمني في محاولة لطمس التاريخ اليمني.
والحقيقة أن الأمطار ليست سبباً رئيسياً على الإطلاق لما حدث، وإنما هي عامل ثانوي أو نتيجة طبيعية لعوامل سابقة، فالعامل أو السبب الأساسي هو العدوان، فمدينة صنعاء القديمة تعرضت للضرب المدمر من قبل طائرات العدوان وفي مواقع حساسة، وقد تضررت الكثير من المنازل عندما تم استهداف وزارة الدفاع ومقر الشرطة الراجلة، كما كان هناك استهداف مباشر من غارات العدوان لبعض أحياء صنعاء القديمة، مثل أحياء: القاسمي، الفليحي، وحارة الأمن القومي، بالإضافة إلى الأضرار الناجمة عن القنبلتين اللتين استهدف بهما طيران العدوان نقم وعطان، فهاتان الضربتان كان لهما آثار تدميرية طالت الكثير من منازل صنعاء القديمة ومحيطها.
وهناك عوامل أخرى ظهرت مع الأمطار، وهي الإهمال من قبل ساكني صنعاء القديمة، فبعض المنازل تهدمت بسبب اختلاف الورثة عليها، بعد أن ظلت مهجورة وغابت عنها الصيانة والإشراف المباشر.
هناك مشكلة أخرى تهدد صنعاء القديمة تتمثل في مسألة الصرف الصحي، فأساسات هذه البيوت لا تتعدى الـ50 سم، وأي تسرب أو سيول تهددها بشكل مباشر، كونها مبنية من الطين واللبن. 
ومواجهة هذه العوامل بحاجة إلى أموال ضخمة. وكما تقع مسؤولية المحافظة على صنعاء القديمة على الدولة اليمنية، فإنها تقع أيضاً على منظمة اليونسكو، باعتبار أن هذه المدينة ضمن قائمة التراث العالمي، وعلى اليونسكو أن تقوم بواجبها تجاه هذه المدينة التاريخية.

"عاصفة على التاريخ"
 هل لديكم إحصائيات عما خلفته غارات العدوان وكذا الأمطار من أضرار فيها؟
- لدينا إحصائية حتى 2018. الوزارة أصدرت كتاباً بعنوان "عاصفة على التاريخ"، وباللغتين العربية والإنجليزية، ومحدد فيه كل تفاصيل استهداف المعالم الأثرية والمتاحف والقلاع والحصون، ومن ضمن الإحصائيات 64 معلما أثريا تعرضت للقصف المباشر من قبل طيران العدوان، وحاليا نحن بصدد إصدار الجزء الثاني من إحصائية ما دمره العدوان، خلال الفترة من العام 2019 وحتى العام 2020. 
أما بخصوص الأضرار الناتجة عن الأمطار، فلدينا إحصائية فيما يخص مدينة زبيد، حيث دمرت الأمطار 40 منزلاً. 
أما فيما يخص صنعاء القديمة فإن الأضرار كالتالي:
7 منازل: انهياراً كاملاً.
28 منزلاً: انهياراً جزئياً.
49 منزلاً: آيلة للسقوط.
204 منازل: سقطت سقوفها.
152 منزلاً: تضررت وبحاجة إلى معالجة بسيطة أو متوسطة.

توجيهات رئاسية بإعادة بناء ما دمرته السيول
 يقال إن وزارة الثقافة تعول على المنظمات الخارجية ترميم ما دمرته السيول من المنازل الأثرية والمدن التاريخية، فهل هذا يعني أن الوزارة تقف موقف المتفرج؟ 
- طبعاً أنت تعرف الوضع الاقتصادي لليمن نتيجة العدوان والذي أثر على أداء الدولة بشكل عام، ووزارة الثقافة جزء من هذه الدولة، والتي لا شك أنها تأثرت بهذه العوامل. ولكن الوزارة ورغم شحة الإمكانيات وأحياناً انعدامها تقوم بواجبها على أكمل وجه من خلال الهيئات التابعة لها، كهيئة المدن التاريخية، وكانت الوزارة سباقة في كثير من المبادرات رغم أن هناك جهات أخرى مسؤولة في هذا الجانب، منها أمانة العاصمة ووزارة الأوقاف ومنظمة اليونيسكو، لكن وزارة الثقافة هي الوحيدة التي بادرت بإزالة الخطر الذي يهدد سكان هذه البيوت والمارة، وقمنا بمعالجة هذه الإشكاليات بشكل كامل، وبإمكانك زيارة تلك الأماكن في صنعاء القديمة، كما قمنا بتنفيذ معالجات إسعافية أثناء المطر، حيث وزعنا الطرابيل على البيوت لحمايتها من المياه والأمطار، والعمل مستمر.
ومن خلال صحيفة "لا" أريد أن أزف هذه البشرى: قبل ساعات صدرت توجيهات من الرئيس المشاط بإعادة بناء كل ما دمرته السيول، سواءً تدميراً كلياً أو جزئياً، وهذه خطوة ممتازة، ففي ظل هذه الظروف العصيبة بسبب العدوان والحصار فهي تعتبر خطوة كبيرة وتدل على حرص القيادة السياسية في صنعاء الحضارة والتاريخ، وهي خطوة لم يسبق إليها أي نظام حكم يمني منذ ميلاد الجمهورية.

"الورثة" سبب انهيار منزل البردوني
 كانت هناك تحذيرات سابقة وربما منذ سنوات من انهيار منزل البردوني. لماذا لم تتحرك الوزارة ساعتها كأقل واجب تجاه هذه الشخصية الوطنية؟ وحاليا ما هي توجهاتكم لرد الاعتبار للبردوني؟
- البردوني هامة كبيرة ومن أهم رموز البلد ويستحق أن يحظى -ليس فقط من وزارة الثقافة وإنما من الدولة بشكل عام- بالاهتمام والرعاية والحفاظ على هذه المكانة التاريخية وعلى ما خلفه البردوني من كتابات وأفكار وطنية.
والحقيقة أن منزل البردوني كان محط اهتمام وزارة الثقافة من السابق، وكذا من سبقوني من الإخوة الوزراء كانوا يعطون اهتماماً، لكن اهتمامنا واهتماماتهم اصطدمت بمشكلة الورثة، الذين لا قاموا بواجبهم إزاء أخيهم وقريبهم البردوني وحافظوا على بيته وممتلكاته، ولا تركوا الجهات المعنية ممثلة بوزارة الثقافة تقوم بواجبها وطموحاتها. وقبل أربعة أشهر زارنا الأخ أبو أحمد الحوثي، عضو المجلس السياسي، وطرحنا عليه هذه المسألة، ووجه مشكورا بشراء المنزل من الورثة وتحويله إلى متحف، وبقينا نحن والورثة في أخذ ورد حول المبلغ، وكانت وجهه نظرنا مثلا لو كانت القيمة كبيرة أو المبلغ الذي طلبه الورثة كبيراً فهو ليس خسارة، وإنما إرث البردوني، وبالتالي العوامل الطبيعية سبقتنا في هذا المضمار وتعرض المنزل للخراب بشكل كلي، ومع ذلك الوازرة مازالت حريصة، وتوصلت خلال هذا الشهر إلى اتفاق مبدئي وإقناع الورثة بشراء المكان، وأيضاً ما تبقى من إرث البردوني، سواءً أشعار أو كتابات أخرى لم ترَ النور.
واتفقنا معهم من حيث المبدأ على كل ما سبق وتسليم ما تبقى من البيت أو الأرض وإعادة بنائه بالشكل الذي يتم التوافق عليه، وربما إعادة بنائه بالنمط السابق نفسه، وبالتالي تحويله إلى متحف ومعلم ثقافي باسم البردوني.

أقل من طموحاتنا
 يقال إن وزارة الثقافة غائبة أو مغيبة عن دورها كجبهة في مواجهة العدوان باستثناء بعض الأنشطة الموسمية في الأعياد والمناسبات الوطنية. ما تعليقك؟
- الشخص غير المتابع لا يشاهد شيئاً ويحكم على ما يجهله. وربما لكونك غير متابع فلا تلاحظ أي شيء. والوزارة كما قلت لك سابقا رغم ظروفها المادية إلا أنها تقدم الشيء المرضي بالنسبة لنا. وكما يقال المشاهد لبيب، وغير المشا هد يبدي ملاحظات. الوزارة تعطي المناسبات الوطنية اهتماما كبيراً، وحالياً المناسبات صارت كثيرة ونوليها اهتماما يليق بها، إضافة إلى اهتمامنا بالقضايا الأساسية والرؤية الوطنية والهوية الإيمانية وكذا مواكبة الأحداث العربية والإسلامية من خلال إقامة الندوات والفعاليات. نعم ما نقوم به ليس في مستوى الطموح، لكن أي عمل بحاجة إلى موارد مالية، وهو الشيء الذي يكاد يكون معدوماً هذه الأيام.

حصالة لا تفي بالغرض
 بالتأكيد العدوان والحصار أثر بشكل مباشر على أداء كل مؤسسات الدولة، ولكن هناك من يقول إن وزارة الثقافة مازال لديها صندوق التراث والتنمية الثقافية، ومن الممكن أن يساهم ولو بشكل بسيط في تسيير بعض الأنشطة...؟ 
- لدينا صندوق بالاسم، نعم، لكنه شبه مشلول، ومحدود الإمكانيات، ومصادره شحيحة جداً. في السابق كان يسمى صندوق الريال فقد كان يحصل على نسبة ريال من واحد من بعض السلع والخدمات، مثلاً ريال واحد من "العروسة" السيجارة وريال من كل كيس أسمنت وريال من الكرتون الماء والكرتون العصير ريال، وريال من البرميل النفط...
حاليا نسبة كبيرة من هذه المصادر جفت أو صارت مع الطرف الآخر، فمثلا مصانع الأسمنت متوقفة باستثناء مصنع عمران وبدأ الإنتاج فيه من العام الماضي، ومصافي البترول ليست تحت سيطرتنا وصارت الريالات تذهب للصندوق في عدن الواقع تحت سيطرة قوى الاحتلال ومرتزقتهم.
والمصانع الواقعة تحت سيطرتنا كثير منها متوقف وتعرض للقصف، وما كان يحصل عليه الصندوق من الريالات تقلص بشكل كبير، وحالياً يمكن تسميته بالحصالة بدلا من الصندوق.
والريال الذي يدخل الحصالة لا يفي بالغرض، فلدينا مسؤوليات كبيرة، كرعاية الفنانين والأدباء وطباعة الكتب وشراء المطبوعات وشراء القطع الأثرية ومسؤوليات أخرى كثيرة، ومع ذلك نتعامل مع ما يحافظ على هذه المؤسسات واستمراريتها حتى يخرج البلد من هذه المحنة الكبيرة.

رؤى مختلفة بشأن السينما والمسرح
 كيف تصف واقع السينما والمسرح حاليا في اليمن؟ وهل هناك بصيص أمل في إعادة الروح إلى هذه القطاعات؟
- أولاً يجب أن نفهم أننا كيمنيين لدينا ثقافتنا وسلوكياتنا الخاصة، وهناك من يعتبر السينما حالة من الفساد والانحراف، وتعدد الرؤى حد كثيراً من النشاط في هذا المجال. وفي فترة من الفترات كان هناك رأيان متناقضان، في الجنوب قبل الوحدة كان ينظر للسينما على أنها شيء أساسي وثقافة وعلم وتطور، بينما في الشمال كانت النظرة على العكس من ذلك، ولا شك أنها تعرضت في كثير من الأحيان للحرب، ولكن كان عندنا مؤسسات أهلية خاصة تشغل هذا الجانب ولو بشكل خفيف، وطبعاً صارت هناك رؤى مختلفة بشأن السينما والمسرح.
وأنا أعتبر المسرح هو أساس العمل الفني الصحيح، والسينما في المرتبة الثانية. المسرح يعبر عن ثقافة وقومية البلد وحضارته وتاريخه، وما تأتي اهتمامات السينما إلا نتيجة للأعمال الفنية الكبيرة في المسرح.
وحالياً نحن نحافظ على الإرث والمسرح وما نمتلكه من وثائق وأفلام، فبعد العدوان قلت الأفكار، وبعض المهتمين والكوادر والخبراء ذهبوا إلى الرياض أو عدن أو القاهرة، واضطررنا إلى إعادة هيكلة السينما والمسرح، وقمنا بتعيين كادر فني مؤهل برئاسة الأستاذ محمود خليل على أساس إحياء هذه القطاعات في إطار النمط المسموح به من الناحية الفكرية. 

حفظها أفضل من عرضها
 برأيك إلى متى ستظل أبواب المتاحف مغلقة أمام زوارها، وخصوصا أن هناك من يرى أن الإغلاق له نتائج سلبية، وبالذات في المحافظات المحتلة، إذ تكررت حوادث سرقة واختفاء عدد من القطع الأثرية واستغلال إغلاق المتاحف كفرصة لنهب محتوياتها؟
- أحييك على هذا السؤال الذي يكاد يكون لسان حال فئة واسعة من المجتمع، من صحفيين ومهتمين بالتاريخ اليمني. تعرف أن البلد يتعرض لعدوان أحد أهدافه طمس الحضارة اليمنية، وهناك حقد ولا يزال على هذا الإرث التاريخي. وبالنسبة لنا في صنعاء فقد كانت أنسب طريقة لحماية تراثنا الحضاري الموجود في المتاحف هو حفظها أفضل من عرضها، وبالتالي جنبنا متاحفنا وقطعنا الأثرية النهب والتدمير.
حالياً لو قمنا بفتح المتاحف سيتطلب ميزانية ضخمة، فنحن بحاجة إلى تركيب أجهزة حماية إلكترونية على كل قطعة، ويتطلب منا أسراباً من البشر لحمايتها وللحفاظ عليها، وتناوب ليلياً، وكذا نخشى من ضربها وتدميرها بالطيران، نحن نحتفظ بها في أماكن مأمونة.
وأؤكد لك أن ما تمتلكه المتاحف شيء كبير لا يمكن تصوره، فمثلاً المتحف الوطني بصنعاء يمتلك حوالى 140 ألف قطعة من النوادر، وهذه القطع مطمع النهابين وتجار الآثار. أؤكد لك وعلى مسؤوليتي أنها لم تتسرب، ولم يتم نهب ولو قطعة واحدة، كبيرة أو صغيرة، من المتاحف في حكومة صنعاء.

مؤامرة على التاريخ اليمني
 عفواً أنا قصدت بالنهب المتاحف الواقعة في المناطق المحتلة، إلى ذلك كيف تصف وضع الآثار والمعالم التاريخية في الجنوب المحتل؟
- المتاحف هناك تحكمها الإمارات والسعودية، وكل محافظة لها آثارها، متحف عدن يتبع عدن ومتحف حضرموت يتبع حضرموت، ونحن ليس لدينا سلطة هناك. وللإنصاف بعض المناطق مازالت تحافظ على آثارها. والغريب أن ما تسرب منها وكحالة إعلامية الهدف منه استهداف التأريخ اليمني، ولكن في المحافظات الجنوبية الشرقية تعرضت للسطو والنهب ونالها نصيبها من حقد طيران دول الاحتلال التي لا تملك تاريخاً، كما تم تفجير كثير من المقامات والمزارات الدينية من قبل الجماعات الإرهابية التي يتبناها الاحتلال الذي ساهم في إدخال كثير من المذاهب المتطرفة التي تنظر إلى المزارات الأثرية كأوثان وزيارتها شرك، والأفكار والرؤى الدخيلة كانت ضحيتها هي الآثار اليمنية، كجزء من المؤامرة على التاريخ اليمني.
 كلمة أخيرة معالي الوزير...؟
- مثلما بدأت كلامي بالترحيب بصحيفة "لا" أختتمه بالشكر لهذه الصحيفة المميزة، ومن خلالك سأبعث بتحياتي للأستاذ المجاهد والأديب والشاعر ورئيس تحرير صحيفة "لا" صلاح الدكاك.