دافيد هيرست
 "ميدل إيست آي" 7 سبتمبر 2020 
ترجمة خاصة زينب صلاح الـدين / لا ميديا -

إن إقالة فهد بن تركي هي علامة على انعدام الأمن الدائم على أعلى مستويات العائلة المالكة. 
كانت إقالة القائد العسكري الأمير فهد بن تركي هي الأحدث في سلسلة التصفيات التي نفذها ولي العهد المصاب بجنون العظمة. 
ومنذ أن صعد محمد بن سلمان إلى السلطة كولي للعهد تمت 5 عمليات تطهير كبرى على الأقل، وإعدام جماعي واحد في السعودية: نفذت اعتقالات لعلماء المسلمين؛ واحتجز أكثر من 300 من رجال الأعمال والعائلة المالكة في فندق ريتز كارلتون؛ ونُفذت حملة على ناشطات ومحاميات في حقوق الإنسان؛ وتم اعتقال قيادات هيئة البيعة و300 موظف حكومي؛ وفي الأسبوع الماضي تم عزل الأمير فهد بن تركي، القائد العام للقوات السعودية المشتركة، ونجله. 
أصبحت عمليات التصفية هذه سمة دائمة تميز حكم الأمير المصاب بجنون العظمة. 
بالطبع لديه كل الأسباب التي تجعله مصاباً بهذا المرض، لكونه خلق لنفسه أعداء من عدد من أعمامه وأبناء عمومته ممن هم أصحاب النفوذ. بالإضافة إلى أنه اقترف أيضاً عدداً من الأخطاء في الإدارة، لدرجة أن المملكة اليوم أصبحت أضعف على المستوى العسكري والاقتصادي أكثر من أي وقت مضى في تاريخها الحديث، واهتزت مكانتها الإقليمية. 
صناعة السياسة تعني خلق الفوضى والخراب. ألقى عبد الرحمن السديس، إمام المسجد الحرام في مكة، خطبة في يوم الجمعة فُسِّرت بشكل واسع على أنها مقدمة للتطبيع مع "إسرائيل". وبحلول يوم الأحد أخبر الملك سلمان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه لا يوجد تطبيع بدون وجود دولة فلسطينية مستقلة. 
قد يكون لولي العهد سبب للاعتقاد بأن سكاكين الأعداء تحيط به. ولكن كان هناك منهج متعمد وواضح في جنون القرارات التي كان يصدرها في سكون الليل. 

الأبناء والأشقاء
لقد أولى محمد بن سلمان اهتماماً خاصاً لخطوط الخلافة المنافسة له، التي تملك حقاً شرعياً في العرش، تحسباً لمواجهة انقلاب من داخل القصر. 
إن فرعي العائلة المالكة الأكثر إقلاقاً له هما أبناء السديري السبعة والأشقاء لوالده الملك سلمان (أبناء الملك عبد العزيز من حصة السديري)، وأبناء الملك الراحل عبدالله ثلاثةٌ منهم معتقلون حالياً. 
كان فهد بن تركي في مرمى محمد بن سلمان في كلتا الحالتين. ابن تركي هو الابن السديري السابع (الأخير) ذو المكانة العسكرية المهمة الذي طرد من منصبه. والعضوان الآخران من هذا الخط هما شقيق سلمان، الأمير أحمد، وابن أخيه محمد بن نايف، وكلاهما معتقل، وقد كانا هدفاً لعملية تطهير سابقة. 
ولكن إذا لم يكن هذا كافياً, فإن عبير، زوجة ابن تركي، هي الأخرى ابنة الملك الراحل عبد الله. وعبير هي أم الأمير عبد العزيز بن فهد بن تركي، الذي تم إعفاؤه من وظيفته كنائب لأمير منطقة الجوف. كانت عبير نشطة في مواقع التواصل الاجتماعي في حد ذاتها. ترأست "المنظمة العربية لسلامة المرور"، وأطلقت جائزة الشراكة المجتمعية باسمها. 
تم الإبقاء على بعض أبناء السديري: عبد العزيز بن سعود بن نايف، حفيد الأمير نايف، الذي تم تعيينه وزيراً للداخلية. ووفقاً لبعض التقارير قيل إن من المحتمل أن يكون قد تم اعتقاله خلال عمليات التطهير. 
 كما احتفظ أبناء وأحفاد شقيق سلمان، الأمير سلطان، ببعض النفوذ. بقي كلٌّ من فيصل بن خالد بن سلطان وفهد بن سلطان في منصبيهما كحاكمين، بينما حصلت ريما، ابنة بندر بن سلطان، على وظيفة في واشنطن، وحصل شقيقها خالد بن بندر بن سلطان على أخرى في لندن. 
لكن بشكل عام تعتبر عشيرة السديري ظلاً لما كانت عليه في السابق، حيث في ظل حكم الملك فهد سيطر هذا الخط من العائلة على المراكز المخابراتية والعسكرية. 
أما عن عشيرة عبدالله فليست أفضل حالاً. تركي بن عبد الله هو الضحية الوحيدة الكبرى في اعتقالات ريتز كارلتون الذي لا يزال رهن الاعتقال منذ ما يقارب ثلاث سنوات. وقد تم اعتقال شقيقيه فيصل ومشعل مرة أخرى بحسب بعض التقارير. ولا يزال تركي بن عبد الله يتمتع ببعض النفوذ، وكانت هناك مناشدات في مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق سراحه. 

تداعيات اليمن 
كان لدى محمد بن سلمان أسباب أخرى للخوف من فهد بن تركي. كان فهد جندياً محترفاً وقائداً شعبياً للقوات البرية. كان معروفاً بتواضعه. وعلى هذا النحو كان سيعكس ازدراء الجيش للطريقة التي أدار بها وزير دفاعهم -ولي العهد- الحملة العسكرية في اليمن. 
بدأت الحملة التي تم شنها لطرد الحوثيين من صنعاء بعد فترة وجيزة من تولي الملك سلمان العرش في يناير 2015. كان يفترض أن تشير الضربة الخاطفة إلى بدء سياسة خارجية أكثر نشاطاً من قبل المملكة. 
وبعد مرور أكثر من 5 أعوام فشل المشروع المحبب لدى ولي العهد السعودي، الذي يكلفه ملياراً في كل شهر. ولا يزال الحوثيون في صنعاء قادرين على إطلاق صواريخ تصل إلى الرياض وأجزاء واسعة من الأراضي السعودية. وقد تم تقسيم جنوب اليمن بشكل فعلي من قبل القوات المأجورة والموالية لأبوظبي. 
من المعروف أن فهد قد دخل في صدام مع محمد بن سلمان بشأن استيلاء الإمارات على الجزيرة الاستراتيجية سقطرى، وسقوط كامل عدن في أيدي الجماعات التابعة لها. وفي المقابل يتجه محمد بن سلمان وشقيقه خالد نحو مخرج دبلوماسي، ولكن دون الحاجة إلى الإقرار بالهزيمة. بيد أن الوجود الحوثي في العاصمة ومقر الحكومة في اليمن يقول غير ذلك. 
إذا تطلب الأمر مزيداً من الأدلة على أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد له نفوذ أكبر على وزير الدفاع السعودي من كبار جنرالاته فلا يمكن أن يكون هناك مؤشر أقوى من إقالة فهد. 
وكما أكدت لي مصادر سعودية فإن فهد كان قد بدأ أيضاً التحدث إلى الجنرالات المتقاعدين حول عدم رضاه. من المستحيل معرفة المدى الذي وصل إليه هذا الأمر أو ما إذا كانت شبكة مراقبة بن سلمان الشاملة قد التقطت هذا النشاط. 

الإشارة الخاطئة
الرسالة التي ترسلها هذه التصفيات المستمرة إلى المنطقة هي الرسالة الخاطئة. يحتاج ولي العهد إلى تقديم صورة مملكة مستقرة تحت سيطرته الكاملة، لاسيما في وقت تواجه فيه السعودية ضغوط مساهميها الكبار: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره المستشار الخاص جاريد كوشنر، لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل". 
يريد محمد بن سلمان أن يتفادى إظهار إشارات الضعف. إذا سادت الفوضى فإن عقد صفقة مع "إسرائيل" بمفرده (التقى رئيس الوزراء "الإسرائيلي" شخصياً عدة مرات) لا تستحق الورقة التي تكتب عليها، لأنه لن يتم شراؤها من قبل بقية العشيرة الملكية. 
يجب أن يعرف نتنياهو على وجه التأكيد أنه في حال أطيح بمحمد بن سلمان ستذهب كل جهود "إسرائيل" لجعل المملكة تتماشى مع السياسة "الإسرائيلية" سدى، وستعود السياسة السعودية تجاه "إسرائيل" إلى حالة مبادرة السلام العربية القديمة في العام 2002، التي كانت نتيجة جهود سعودية وإنجازاً فريداً في السياسة الخارجية للملك عبد الله، التي بدأت منذ أن كان ولي عهد. 
مهما كان فهد يمثل تهديداً حقيقياً أو ما إذا كان الجنرال ضحية لنوبة أخرى من جنون الشك الذي يصيب الأمير محمد بن سلمان ما بعد المنتصف لا يصنع ذلك إلا فارقاً صغيراً. فالرسالة التي يرسلها هي انعدام الأمان الدائم على أعلى مستويات العائلة المالكة. 
يتجسد انعدام الأمان في محمد بن سلمان نفسه، بسبب عمله أثناء الليل وتخطيطه وتآمره وتشكيكه وجلده للآخرين دون التفكير في العواقب. 
لا تزال عملية التطهير المعلن عنها مؤخراً مستمرة. تم اعتقال المزيد من علماء المسلمين، بمن فيهم الشيخ الدكتور عبدالله بصفر، وهو داعية مشهور بتلاوته الجميلة للقرآن، والذي لم يكن له علاقة بالسياسة. 
لا يستطيع محمد بن سلمان النوم بسلام أبداً، وهذه هي مشكلته. ومشكلة المملكة هي أنها لن تنعم بالاستقرار أبداً ما دامت تحت حكمه.