كتب: طلال سفيان / لا ميديا -

في يوم مناسباتي كان الجميع يحتفل داخل مقر نادي شعب إب وفي المساحات المتاخمة والملعب، إداريين ومشائخ وعسكريين وضيوفاً ولاعبين، قدموا من كل مكان، وصرفيات بالملايين، ابتهاجاً بلقب النادي اليمني الأكثر شعبية حسب استفتاء اتحاد كرة القارة الصفراء... فرحة أولئك الطيبين الأوفياء من جمهور وعشاق ولاعبين مروا ذات يوم من هناك.
وفي شمال المدينة كان حافظ عبده ناجي، عنكبوت شباك العنيد السابق، يكد ويكافح بحثا عن تأمين لقمة عيش لا تكاد تكفي يوماً واحداً! في إحدى البنايات يجر عربة "جاري" عليها مخلفات الأحجار، غير آبه لما يجري في مدينته من أفراح داخل ملعبه الأول.
يقول حافظ: "لم يستدعني أحد، ولم يتذكروني، ليس أنا فقط، بل الكثير من اللاعبين السابقين! ولذلك أيهما أحسن، أروح الحفل حقهم بدون دعوة من أحد، أو أروح أشقي على جهالي بعمل الصبة (خرسانة البناء) أو بأي عمل أحصل عليه؟!". هكذا تحدث حافظ بنبرة حزينة، منهياً حديثه بالقول: "تصدق إنك أول صحفي يتواصل معي منذ العام 2000؟!".

بداية القصة.. معاناة
معظم الأيام تمر على حافظ دون أن يجد فرصة عمل. يقوم هذا الرجل، البالغ من العمر 34 عاماً، والذي تبدو على وجهه مسحة العقد الخامس، برعي الأغنام (15 رأس من الماشية تملكها والدته) مارا في الذهاب والإياب من أمام بوابة نادي الشعب، ومن أمام زملائه وإداريي الفريق، ولا أحد يأبه لمروره الكريم. ليس حافظ فقط، فعلى بعد أمتار من مقر العنيد يعمل أسطورة دفاع الشعب الإبي محمد الحمامي كمليف في حمام بخار جوار "السوق المركزي"، ولا من يذكره! كما أن الكثير من الرياضيين اليمنيين عاشوا ويعيشون في الهامش (فقراً مدقعاً ومرضاً وإهمالاً وغياباً من الذاكرة الجمعية)! قد تكون حالة مترسخة في الوجدان الرياضي اليمني، لكن دعونا نترك كل ذلك خلف ظهورنا ونعود لطي شريط الزمن إلى الخلف.
بدأ حافظ ممارسة الكرة منذ نعومة أظافره. عندما كان في الـ13 من عمره التحق بأشبال شعب إب، متدرجا في صفوفه حتى الفريق الأول في الموسم 2000/2001، وشارك مع الفريق الأخضر مواكبا ثلاثة أجيال، ومحرزا معهم 3 بطولات، وذهب معهم للمشاركة الخارجية لمواجهة الطلبة العراقي والاتحاد السعودي في البطولتين العربية والآسيوية. لعب مع 5 أندية، هي اليرموك والسبعين ووحدة صنعاء وأهلي تعز وآخرها طليعة تعز عام 2014 العام الذي توقف فيه عن اللعب.
منذ البداية كان ركيزة أساسية في حراسة مرمى المنتخب الوطني للناشئين، إلى جانب إبراهيم عياش وأنور العوج. شارك في تصفيات صنعاء، ومنها الصعود إلى النهائيات الآسيوية في الإمارات والتتويج بمركز الوصيف، قبل أن تطاله عقوبة القارة الصفراء مع زملائه رياض النزيلي وهيثم الأصبحي وجمال العولقي باعتبارهم متجاوزين السن القانونية، فحرموا من اللعب في نهائيات مونديال الناشئين في فنلندا عام 2003.
يتذكر حافظ أياماً ولت: "توقفت عن الدراسة بعد صف ثالث إعدادي، بسبب حبي لكرة القدم والرياضة. كنت أشارك مع منتخبات المدارس، وكانوا يستدعونني للعب مع منتخب جامعة إب وأنا في الصف السادس الابتدائي، وأخدنا مرة بطولة الجامعات في صنعاء متفوقين على منتخبات جامعات عدن والحديدة وتعز، وحزت على لقب أفضل حارس مرمى في تلك البطولة. وكنت أشارك في ألعاب القوى وكرة اليد... حياتي مرت بمنعطفات كثيرة. كنت في اليرموك أساسياً، وكان سعود السوادي احتياطياً، وفي المنتخب كنت احتياطياً لمحمد إبراهيم عياش، وفرج بايعشوت كان احتياطياً لي وجاءت أيام ورجعت أنا احتياطياً له، وكذلك الأمر مع زميليَّ فيصل الحاج وأحمد رامي في الشعب".
ويكمل: "أكن للمدرب العراقي فيصل عزيز كل حب وتقدير، فهو من أظهرني على سطح الشعب، وبعده الكابتن مؤمن سليمان، المدرب المصري. يا عزيزي عاصرت مع شعب إب 3 أجيال، كنت قبل صديقي العزيز نجيب الحداد وصلاح الحبيشي ومحمد فؤاد، ومع دفعتي الأولى ياسر البعداني ونشوان الهجام وفكري الحبيشي وهشام وأكرم الورافي ومحمد مصلح، كما زاملت في الفريق من كانوا في الملاعب قبلي مثل: وليد وإيهاب النزيلي وعبدالسلام الغرباني ووفي عبدالله وفيصل الحاج وأحمد رامي".

آمال في مهب الريح
خلال فترة لعب حافظ مع ناديه الأول تلقى وعوداً بتوظيفه في القطاع الحكومي، أسوة بالكثير من زملائه، لكن كانت الوعود هباءً منثوراً ولم تطرق على بابه.
"في إحدى المرات جاءني الكابتن وليد النزيلي وقال لي: ستكون لك هذه المرة أولوية التوظيف، فين تحب نوظفك؟ هل تريد بالصحة أو بالنفط أو... أو...؟! أيش تشتي؟ فأجبت: يا ريت حتى تسجلونا في الأمن المركزي، أشتي أوقع حتى عسكري وكثر الله خيركم!".
ثم يستطرد: "تصدق يا كابتن، خلال مشواري مع شعب إب في الفريق الأول وتحديدا من عام 2000 حتى 2013 لم أحصل من النادي سوى مبلغ 100 ألف ريال باسم مساعدات وحق علاج، وغيري يحصل الملايين!".
فسألته: هل توقفت آمالك هنا بعد هذا الوقت؟!
فجاء رده: "قبل فترة، وفي عهد الإدارة السابقة، رحت للنادي وطلبت من الشيخ رشاد العواضي والكابتن عادل عبدالجبار يخلوني أدرب فريق ناشئين أو حتى فريق براعم في النادي، وقلت لهم: شوفوا خبرتي معهم بالتدريب وإذا لم يعجبكم قولوا لي الله معك وأنا شاجزع لي! كنت أكلمهم والله وأنا مستحي منهم، مش كتكريم أو صدقة، بل كان مطلبي كعمل، فردوا ليَّ: تمام ولا يهمك بانشوف لك فريق من الصغار تدربهم... لكن وحتى اليوم ولا حصلت أي رد، ولم يعملوا لي أي اعتبار".
ويضيف: "النادي حقنا كله مجاملات. تصدق لو مات والد أو والدة لاعب مخضرم ما يعلموا إلا بعد شهر، ولو مات واحد من أقارب الإداريين أو اللاعبين القريبين منهم أو حتى فراش النادي تنهال المساعدات والتعازي! كنت أشوف النادي يجيبوا مدربين لفرق البراعم والناشئين والشباب من خارج النادي، يعني يجيبوا ناس عمرهم ما مسكوا كرة، إلا الآن بدؤوا يجيبوا لاعبين يدربوا الفرق العمرية داخل النادي مثل ياسر البعداني وأكرم الورافي ورياض النزيلي!".
يعمل حافظ بالأجر اليومي وبشكل متقطع، يوماً في أعمال البناء ويوماً سباكاً ويوم في الحفر... ويقول: "أكثر الأوقات أعمل حمالاً في تفريغ القاطرات من أكياس الإسمنت أو القمح والسكر وغيرها. أنا مستعد أن أعمل في المجاري، لا توجد عندي مشكلة ولن أخجل من أي عمل شريف، هذا رزق وأنا عندي كومة لحم أشتي أعيشهم".
اليوم يعيش حافظ مع زوجته وابنتيه (جنة وجنات) وابنيه (زكريا ومحمد) وإخوانه (الأول متزوج وله 3 أبناء والثاني متزوج وله 4 أبناء وواحد تزوج قبل أشهر وآخر عازب) و4 أخوات ووالده ووالدته، في بيت شعبي مكون من 6 غرف صغيرة وسط مدينة إب اشتراه حافظ عام 2003 من مكافآت تحصل عليها مع منتخب يستهوينا أن نطلق عليه اسم "منتخب الأمل".