تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -

أعلنت وزارة الصحة، الشهر الماضي، عن توجهها نحو وضع تسعيرة محددة للخدمات الطبية، وهو التوجه الذي يصعب تطبيقه على أرض الواقع، وخصوصاً في المستشفيات الخاصة، حسب عدد من العاملين في المجال الطبي.
ويندرج قرار التسعيرة الموحدة ضمن حزمة من الحلول التي تعتبرها وزارة الصحة مطلباً شعبياً للقضاء على العشوائية التي تسود تقديم الخدمات الطبية في اليمن في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.

800 خدمة
شملت التسعيرة 800 خدمة طبية، منها خدمات الاستشارات الطبية والكشافات والفحوصات المخبرية، والعمليات الجراحية بالنسبة للمستشفيات الخاصة.
صحيفة «لا» استطلعت آراء القطاعات المستهدفة بالتسعيرة، والذين يكادون يجمعون على أن الوزارة تنصلت عن معالجة المشاكل الأساسية المتعلقة بتقديم الخدمات الطبية، مؤكدين أن الوزارة تعالج العشوائية بأخرى وبتسعيرة ارتجالية لا تخلو من العشوائية الكارثية التي تضر بمصالح كثير من القطاعات الطبية كما يستحيل تطبيقها على القطاعات الأخرى.
البداية كانت مع شريحة الأطباء والذين تم تحديد أسعار خدماتهم وفقا لرسوم المعاينة على النحو التالي: الطبيب العام 1000 ريال، الأخصائي 2000 ريال، الاستشاري 3000 ريال.

في «الخاصة» عصية على التطبيق
يرى الدكتور عادل ياسين، أخصائي الجراحة العامة وعلاج وترميم القدم السكري، أن تسعيرة الاستشارات الطبية منصفة للطبيب والمريض، واصفاً قرار وزارة الصحة تحديد أسعار الخدمات عموماً، بالخطوة الجيدة، وخصوصا في الظروف الراهنة.
غير أن ياسين أكد أن من الصعب تطبيق تسعيرة الخدمات الطبية والعمليات الجراحية على المستشفيات الخاصة، والتي لديها أكثر من وسيلة للاحتيال على التسعيرة، مطالباً وزارة الصحة بتشديد رقابتها على عمل المستشفيات الخاصة وعدم الاكتفاء بتعميم تلك التسعيرة عليها دونما إلزامها بتطبيقها، خصوصا وأن تلك المستشفيات يغلب عليها الطابع التجاري الذي لا يراعي ظروف المريض.
وأضاف: «كثير من المستشفيات الخاصة من وقت إلى آخر تعلن عن تخفيضات وهمية لاستدراج المرضى، فمثلا عملية اللوزتين بـ20 ألف ريال، والزائدة الدودية بـ50 ألف ريال، ولكن حين يأتي المريض يقع في الفخ، ويجد نفسه مطالبا بدفع أكثر من ثلاثة أضعاف التسعيرة المعلنة، إذ يطلب منه شراء كذا وكذا وكذا، وقطع سندات كثيرة لطلبات لا تنتهي حتى مع آخر ريال يدخره».

ليس كل ما يلمع ذهبا
وأشار الدكتور عادل ياسين إلى أن بعض المستشفيات الخاصة متجردة من القيم الإنسانية في تعاملها مع المرضى، ولذلك فإنه كطبيب معالج يرفض التعامل معها، ولا يوافق على إجراء أي عمليات جراحية فيها. يقول: «أنا شخصيا وحتى الآن وضعت أكثر من سبعة مستشفيات في قائمتي السوداء، وأرفض التعامل معها أو الذهاب إليها في حالة استدعائي لإجراء عمليات جراحية فيها، وذلك لتجردها من القيم الإنسانية. هذه المستشفيات التي أتحفظ على ذكر أسمائها، ورغم أنها تحظى بصيت وشهرة في جودة خدماتها الطبية، لكن ليس كل ما يلمع ذهبا، فكثير من تلك المستشفيات ليست نموذجية كما تدعي، حتى شكلها الخارجي ومبانيها التي توحي بأنها صروح طبية عملاقة إنما هو شكل خادع يخفي حقيقتها كمسالخ تمارس جرائم النهب والاستغلال بحق المرضى دون رحمة».

وسائل احتيال متعددة
وتابع الدكتور ياسين قائلا: «في تلك المستشفيات الخاصة تتعدد وسائل الاحتيال على المرضى، فعلى سبيل المثال لا الحصر: يطلب من كل مريض شراء حقنة «إبرة» أو حقنتي تخدير قبل دخوله العملية، سعر الواحدة منها 7000 ريال، وفي الوقت الذي تكفي فيه الحقنة الواحدة لتخدير ثلاثة أشخاص إلا أنه يطلب أحيانا من المريض شراء حقنتين بـ14 ألف ريال، أي ما يكفي لتخدير أكثر من سبعة أشخاص، وبالتالي فإن غالبية حقن التخدير التي يشتريها المرضى لا يتم استخدامها لهم وإنما يتم ركنها في أحد الأدراج الممتلئة بتلك الحقن، ولا يعرف أين سيكون مصيرها. أما المريض فيتم تخديره مما اشتراه المريض الأول (الذي سبقه)، فالحقنة الواحدة يتم استخدامها لتخدير ثلاثة أشخاص».

حل أحادي الجانب
طبيب آخر كان له رأي مغاير، إذ يؤكد أن قرار التسعيرة الموحدة للخدمات الطبية جاء عشوائيا ولم يراعِ كثيراً من الجوانب.
واعتبر الطبيب الذي اشترط عدم ذكر اسمه أن وزارة الصحة عالجت العشوائية بعشوائية أخرى، وكان يفترض بها إصلاح الوضع من جميع النواحي، وأن التسعيرة أغفلت مسألة أن عدداً من الأطباء مستأجرون عياداتهم في أبراج طبية ويدفعون إيجاراتها بالدولار.
وأضاف: «كان يفترض بوزارة الصحة حماية الأطباء من جشع المؤجرين، كونهم مستأجرين عيادات ومن غير المنطقي أن نطالب الأطباء بتسعيرة محددة، بينما المؤجرون يرفعون أسعار إيجارات العيادات على الأطباء دون حسيب أو رقيب، أي أننا نصلحها من جهة ونخربها من الجهة الثانية! وحين يكون الإيجار مقبولاً يجب إلزامنا بتسعيرة. كيف نمنع الطبيب من رفع سعر المعاينة ونسمح لصاحب العقار أن يرفع سعر إيجار العيادة؟!».

تسعيرات تدفع ولا تكتب
يقول أحد المواطنين التقيناه ونحن بصدد كتابة هذه التقرير، إنه ليس متفائلا بقرار التسعيرة الموحدة، خاصة وأن المستشفيات الخاصة لديها طرقها وأساليبها للالتفاف على أي تسعيرة، وتحصيل ما تريده من رسوم من مرضاها مقابل خدماتها الطبية. يقول: «كثير من المستشفيات الخاصة سبق أن أصدرت تسعيرات وهمية لبعض الخدمات الطبية، قبل التسعيرة التي أصدرتها وزارة الصحة، بهدف الاحتيال والنصب على المرضى».
ويضيف: «مثلا: قرأت إعلاناً على أحد الباصات يخص أحد المستشفيات، يقول إن تسعيرة الولادة الطبيعة 50 ألف ريال، وكانت زوجتي حاملاً في الأشهر الأخيرة، ولما اقترب موعدها ذهبت إلى هذا المستشفى على أساس أن الولادة ستكلفني 50 ألف ريال فقط، بحسب ما ورد في الإعلان، لكن في المستشفى طلبوا مني أن أقطع ملفاً بـ10 آلاف ريال، وإجراء فحوصات بـ20 ألف ريال، إضافة إلى كشافة رنين ومقطعية بأسعار باهضة، وأقطع سنداً بـ10 آلاف ريال لغرفة الرقود في اليوم الواحد، و20 ألف ريال لشراء مستلزمات العملية من محاليل وغيرها، وأيضا علاجات أثناء العملية يتم شراؤها من الصيدلية الداخلية للمستشفى وبأسعار باهضة جدا، وفي المحصلة النهائية دفعت حوالي 350 ألف ريال، بينما الإعلان يقول إن تكاليف العملية 50 ألف ريال فقط، أي أن التسعيرة الحقيقية في هذه المشافي ليست تلك التي تكتب في الإعلان، وإنما ما تدفعه للصندوق».

قرار كارثي
يرى الدكتور فؤاد قايد عُبادي، أخصائي ميكروبيولوجي وصاحب أحد المختبرات، أن تسعيرة الفحوص الطبية بمثابة رصاصة رحمة أطلقتها وزارة الصحة على قطاع المختبرات، خاصة وأن المختبرات تضررت بشكل كبير وانخفض دخلها بنسبة 50٪ جراء الحصار والعدوان وما ترتب عليهما من تردي الحالة الاقتصادية للمواطنين والتي أدت إلى عزوف الكثيرين عن الذهاب إلى المختبرات لإجراء الفحوص الطبية إلا في حالات الضرورة القصوى.
واعتبر أن هذا القرار «مجحف بحق المختبرات الطبية، وكان يفترض أن يرافقه قرار آخر يحدد أسعار المحاليل المخبرية التي تستخدم في إجراء الفحوص وإلزام تجار الجملة بها».
وأكد الدكتور عُبادي أن أسعار المحاليل المخبرية تزداد يوما بعد آخر، وأن المختبرات هي المتضرر الوحيد من هذا الارتفاع، كونها ملتزمة بتسعيرة محددة، «كثير من المحاليل تسعيرتها بالدولار، وارتفاع الدولار يكبدنا خسائر كبيرة، وهذا ما لا يراعيه القرار، فمثلا المحلول الذي كنت أشتريه قبل العدوان بـ100 دولار، أي ما يعادل 35 ألف ريال يمني، الآن الـ100 دولار تعادل حوالي 60 ألف ريال يمني، وسعر المحلول حاليا 110 دولارات، أي ما يعادل حوالي 66 ألف ريال يمني، ونحن نتحمل هذا الفارق، وإذا استمر الدولار في الارتفاع فإن كثيراً من المختبرات ستغلق أبوابها».
وتابع قائلا: «نحن مع وضع تسعيرة موحدة لكافة الفحوص المخبرية، لكن يجب أن تراعي ظروف المريض والمخبري على حد سواء، وأن يتم تحديد أسعار الفحوص بناء على أسعار المحاليل المخبرية، كونها التي تتحكم بأسعار الفحوص المخبرية، ولسنا مع حل كارثي أحادي الجانب».
واختتم عبادي حديثه بتوجيه سؤالين إلى وزارة الصحة، حيث قال: «عبر منبر صحيفة «لا» أوجه هذين السؤالين إلى وزارة الصحة: كيف تسمحون لتاجر الجملة برفع أسعار المحاليل علينا وتفرضون علينا تسعيرة محددة ونحن نشتري المحاليل بأسعار غالية؟
والسؤال الثاني: لماذا لم تأخذ وزارة الصحة في الاعتبار أن كثيراً من المحاليل تشترى بالدولار؟ وهل تضمن الوزارة استقرار سعر الدولار؟!».

صدورنا مفتوحة
وبدورها طرحت صحيفة «لا» هذه التساؤلات وغيرها على المعنيين في وزارة الصحة. الدكتور علي جحاف، وكيل وزارة الصحة لقطاع الطب العلاجي، تحدث في البداية عن مسألة قيام الوزارة بتسعير خدمات الفحوص المخبرية دون مراعاة ظروف أصحاب المختبرات الذين يشكون من ارتفاع أسعار المحاليل المخبرية التي تستخدم في إجراء الفحوص، بينما الوزارة تقوم بإلزامهم بتسعيرة محددة دون حل المشكلة الأساسية وهي ارتفاع أسعار المحاليل المخبرية، مؤكداً أن هذه الموضوع سيتم طرحه على طاولة وزير الصحة لتحديد أسعار المحاليل المخبرية، لضمان استقرار أسعار الفحوص. 
وبشأن الشكوى الأخرى من أن كثيراً من المحاليل المخبرية يتم شراؤها بالدولار الذي لا يستقر عند سعر ثابت، بل إن ارتفاعه سيغلق كثيراً من المختبرات، كونهم ملزمين بتسعيرة محددة، يقول الدكتور جحاف: «صحيح أن كثيراً من المحاليل المخبرية تباع بالدولار، ولكن في حال ارتفع سعر الدولار نحن مستعدون لتعديل التسعيرة».
وتابع قائلا: «نحن لا ندعي الكمال. إذا كان هناك متضررون من هذه التسعيرة فصدورنا مفتوحة، وتسعيرة الخدمات الطبية جاءت تلبية لمطلب شعبي، للقضاء على العشوائية في القطاع الصحي، إضافة إلى أن الاستثمار في القطاع الطبي ليس وسيلة للإثراء على حساب المواطنين، وإنما تحكمه ضوابط كثيرة، والوزارة قامت حتى الآن بتسعير 800 خدمة طبية من أصل 4600 خدمة تعتزم الوزارة تطبيقها قريبا».
ولفت إلى أن الوزارة بدأت بتطبيق التسعيرة على ثلاثة قطاعات، هي: المختبرات والكشافة والاستشارات الطبية.

كل قرار له معارضون
وحين طرحنا عليه معارضة كثير من الأطباء لقرار تسعيرة الاستشارات الطبية، والتي تم تحديدها بـ1000 للطبيب العام، 2000 ريال للأخصائي، و3000 ريال للاستشاري، أوضح قائلا: «أي قرار مهما كان لا بد أن يكون له معارضون. أطباء يقولون: ظلمونا بهذه التسعيرة! وأيضا سيقول مواطنون: نحن كنا ندخل عند الاستشاري بـ2000 ريال، وذلحين تشتونا ندفع 3000 ريال!... نحن لا ندعي المثالية، واتخذنا قرار التسعيرة وفق مرجعيات ودراسات واستشارات العديد من الأطباء العاملين في الميدان ومراعاة لكثير من الجوانب».

التصنيف أولاً
وعن تسعيرة العمليات الجراحية في المستشفيات الخاصة، خصوصاً أن كثيرين يرون أن من الصعب تطبيقها على أرض الواقع، لأن تلك المستشفيات لديها أكثر من حيلة ووسيلة لاستغلال المرضى، يقول مسؤول الخدمات بوزارة الصحة: «تلك التسعيرة لم يتم إلزام المستشفيات الخاصة بها بعد، والتسعيرة حتى الآن مجرد أفكار وحسابات افتراضية، وسنعمل أولاً على تقييم وتصنيف هذه المستشفيات لتحديد مستوياتها، ثم سنقوم بتحديد تسعيرة العمليات الجراحية بحسب تصنيف المستشفى، ولا يزال هناك 3600 خدمة نعتزم تسعيرها».
وحول ابتزاز المستشفيات الخاصة للمرضى، ونهب أموالهم بطرق غير مشروعة مقابل خدمات وهمية أو غير ضرورية، يؤكد جحاف أن هناك ضوابط كثيرة سيعلن عنها بعد تصنيف المستشفيات الخاصة للحد من هذه التصرفات.