حاوره/ نشوان دماج / لا ميديا -

بعد انقطاع اضطراري بسبب رحيل حائكها الاستثنائي، الزميل الصحفي والشاعر عبدالرقيب المجيدي (رحمة الله تغشاه)، تعاود «سجادة حمراء» الصدور مجدداً واستئناف عامها الجديد بلقاء مع الشاعر صعفق النشلي، يتحدث فيه عن تجربته الشعرية وكيف أن العدوان على اليمن عَكَس مسار الخيال الشعري وجعل منه صرخة غاضبة تجافي كل غرض من أغراض الشعر، ما لم يكن ضد العدوان، فإلى الحوار:
 مرحباً بك أستاذ صعفق في صحيفة «لا».
 شكرا لكم ولصحيفتكم الغراء على شرف الاستضافة. وليس ذلك غريبا على هذا المنبر الإعلامي البارز والمتميز.
 في البداية حبذا لو تعطي القراء نبذة تعريفية عن الشاعر صعفق؟
 صعفق شعيب علي عمر النشري، من بني نشر مديرية كعيدنة محافظة حجة، من مواليد 1975، أعمل في المجلس المحلي بمحافظة إب.

أول قصيدة في الثورة
 كيف كانت بداياتك مع الشعر؟
 ليس للبداية عُمر أو زمن يحدد، ولكن أستطيع حصره من خلال نشر أول قصيدة عام 1994 في صحيفة «الثورة»، عندما كنت طالبا في الثانوية العامة بمدينة حجة. ومن المؤكد أن لعملية النشر عبر الصحافة والمشاركة ضمن الفعاليات دورا فعالا في إخراج أي عمل إبداعي إلى حيز النور.

نفحات إلهية
 بماذا تعرِّف الشعر؟
 كلام موزون ومقفى.. وبلغة عصرية: إنه كيمياء الكلمة. وأرى أن الشعراء هم من يمتلكون أرواحا ملائكية شفافة تحلق في حواصل الطير المهاجرة إلى مدينة الغد المجهول. والمواهب نفحات إلهية يختص بها من يشاء ومن عدالته لا يخلو إنسان من موهبة. إلا أن للشعر والأدب بمختلف فنونه نكهة خاصة لا يتعاطاها إلا أصحاب الذوق الرفيع. والشاعر الحر هو من لا يتسكع بموهبته على موائد النقيصة ولا يرد إلا موارد الشرفاء كيفما أظمأته الهواجر.

صرخة غاضبة في وجه العدوان
 ما الذي شكله العدوان على اليمن بالنسبة للشاعر صعفق؟
 العدوان الظالم على اليمن عَكَس مسار الخيال الشعري وجعل منه صرخة غاضبة تجافي كل غرض من أغراض الشعر، ما لم يكن ضد العدوان.
والمسيرة القرآنية فتحت آفاقا واسعة للشعر والشعراء في مجال كتابة القصيدة وبإرادة ذاتية ودون أي إملاءات، وأسهمت إسهاما بارزا في إحياء ما غُيب واندثر في تاريخ الأدب المعاصر، وفي مقدمة ذلك جانب المديح النبوي. ففي كل عام، وبإحياء فعاليات المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأتم والتسليم، نرى حضورا أدبيا متميزا على خارطة الوطن المتفرد بهذا الشرف العظيم.

إحياء ذكرى رموز الأمة وأعلام الهدى
  للقطاع الثقافي فعاليات وأنشطة متعددة في إحياء مناسبات مختلفة وللشعر حضور متميز، فماذا قدمت؟
كان هناك تغييب متعمد وبفعل فاعل لإقصاء رموز الأمة وأعلام الهدى عن ذاكرة الأجيال، ولذلك كان لزاما على كل موهوب أن يسهم وبحسب قدراته في إحياء فعاليات ذكرى أولئك العظماء. وهنا أستعرض مقاطع من بعض القصائد التي شاركت بها في مناسبات مختلفة، منها قصيدة في المولد النبوي بعنوان «جئناك طه»:
قفوا لأشرفِ خلقِ الله واعترفوا
بالفضلِ يا فوز من بالفضلِ يعترفُ
يا أفضل الخلق في خلقٍ وفي خُلقٍ
يا من لك الله في قرآنهِ يصفُ
أنت الحبيب الذي من نور غرتهِ
البدر والشمس للأنوارِ تستلفُ
ها قد أتيناكَ والذكرى تذكرنا
بالأدعياءِ ومن في الخندقِ انصرفوا
جئنا لإحياءِ ذكرى من فوائدها
أن الطواغيت من إحيائها ارتجفوا
ها قد أتيناك والدنيا بما رحبت
في غفلةٍ عنك إلا من هنا هتفوا
جئناك نهتفُ يا طه الهدى وبنا
من الجراحاتِ ما الأعراب تقترفُ
الشعب ينزف في صمتٍ وما علموا
أن الحياة لمن في الصمتِ قد نزفوا
صنعاءُ تنزفُ يا طه برمتها
والشرق والغرب بالعدوانِ يعترفُ
سل الحديدة عن كم غارةٍ ولِما
للأبرياء بها يا سيدي قصفوا
سل صعدة الآل كم طفلاً بها قتلوا
بالطائراتِ وكم داراً بها نسفوا
إن الرياض طغت في الأرض واقترفت
جرماً وباتت لهذا الجرم تحترفُ
لكن شعبي الذي سارت مسـيرتهُ
على هداك برب البيت قد حلفوا
ألا نرى فـوق أرض الله طاغيةً
عهداً ولا عاش من منا سيختلفُ
وقصيدة في ذكرى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بعنوان «في محراب الإمام علي»:
اصدقْ بقولكَ من في قولهمْ صدقوا
وابعثْ شهاباً لمن للسمعِ يسترقُ
وسابق المجد واسبق من يسابقهُ
بقوةٍ للرواسي الشمّ تخترقُ
يا جند حيدر كونوا في اللقا حمماً
لو لامستها أكفُّ الجنِّ تحترقُ
كونوا علياً وفي ذكرى ولايتهِ
إلى المعالي مع ابن البدر انطلقوا
سيروا على نهجهِ الوضاء واقتبسـوا
نورا فمن نورهِ الأنوار تنبثقُ
وفي ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام من قصيدة «على ضريح الحسين»:
دعني أشاطرك الأسى إلهاما
فالحزن ينصب للعزاء خياما
ويقيم ما بين الضلوع مآتماً
تنكي الجراح وتبعـث الآلاما
فتأجج الحزن الذي لولاه ما
كنا بفاجعة الحسين حطاما
وإذا الجراح تفاقمت في مهجةٍ
فعلى الـشهـيدِ تحيةً وسـلاما
لبيك دوماً يا حسين وثورة
ضد الطغاةِ بدايةً وختاما
ومن قصيده بعنوان «يا قائد النصر» ألقيت في تخرج طلبة المركز الصيفي بمنطقة ميتم إب:
يا قائد النصر إن النصر وافانا
فـاشمخ وطاول بهذا الجيل عَطّانا
جيل تلقّى علوم الآل فانطلقوا
من ميتم النصر بالفرقان فرقانا
أنت الذي في سبيل الله عـلمنا
حب الجهاد وبالقرآنِ ربانا
وأنت من بالصرخة العظمى تقدّمنا
وبالمسيرة بعد الموت أحيانا

قضايا الأمة
  ما هي القضايا الأبرز التي تركز عليها في شعرك؟
 الحياة الشعرية امتداد لعمر طويل احتوى العديد من القضايا منها الذاتية المقتصرة على واقع فردي، بعذبهِ وعذابهِ وآلامهِ وآمالهِ. وهذا شيء لا يذكر، وقضايا أساسية اعتنقتُ مبادئها في ظلال المسيرة القرآنية النعمة الإلهية الشاملة التي جعلت كل فرد من أفراد المجتمع يعرف دوره في الحياة تجاه دينه وأمته. في بداية الحرب الظالمة على اليمن قصفت طائرات العدوان بعدد من الصواريخ «الاستاد» الرياضي وعددا من منازل المواطنين في مدينة إب، راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، فكتبت:
كلما تقذفُ نارا
زدتُ عزماً واقتدارا
وبعزمي وثباتي
أملأُ الدنيا فخارا
سوءةُ الجارِ تبدت
لم تعد يا جارُ جارا
كل صاروخٍ أتانا
زادكم قبحاً وعارا
كان أولى بهِ يمضي
ليهودٍ أو نصارى
لا إلى صنعاء قل لي
كيف حولت المسارا

على جناحي طير
  مشهد مؤثر خلق لديك قصيدة؟
 شاهدت في الجبهة طائرا يقف على ماسورة الـ7-12 فكتبت قصيدة بعنوان «على جناحيك»:
على جناحيك يبدو لي وقد رُفعا
السلم والحرب يا ابن البان قد جُمعا
رسمتَ في لوحةِ الإبداعِ ما عجزت
عـن رسمه أمة صارت لهم تبعا
جمعت بين نقيضين اختلافهما
لا يلتقي أبدا مهما به اقتنعا
أرشدتنا أنت نحو السلم مزدجرا
للحرب يا بئس من منا إليه سعى
يا طير أوصل إلى العدوان أنهمُ
قد ضيقوا كل ما في أفقنا اتسعا
لم يسلم الطير حتى من طوائرهم
فكيف بالطفل مـن غاراتهم هلعَاً
لكننا رغم ذا لن ننحني أبدا
حتى وإن قُطعت أجسادنا قطعَا

ميول عشق جارفة
  بمن تأثرت من الشعراء؟
 لا شك أن لكل شاعر شخصية يتأثر بها ويستظل ظلالها الوارف ويسعى إلى الدنو أو التقليد، ولا أرى في ذلك شيئا إذا كان من باب الاستفادة وتوسيع المدارك. أما بالنسبة لي فأنا أعشق وبميول جارفة شعر المتنبي وروائع الشاعر اليمني الكبير الأستاذ عبدالله البردوني رحمه الله.

الشعر لؤلؤ منثور أو منظوم
  أيهما أقرب إليك: الشعر الشعبي أم الفصيح؟
 الشعر بشكل عام كحبات اللؤلؤ منه المنثور ومنه ما هو في عقدٍ منظوم، وكلاهما يبقى لؤلؤاً. وجمال القصيدة، سواء كانت عمودية أو حرا أو زاملا شعبيا، يعود إلى قدرة إبداع القائل ومستوى ملكته الشعرية وإحساسه المرهف وعاطفته الجياشة وقريحته الوقادة، ولكلٍّ خصوصياته. أما بالنسبة للأقرب فلا نرقى إلى درجة تعاطي الفصيح، ولكن نحاول مع الاعتراف بالقصور.
 هل لقيتم تشجيعا من قبل الجهات المعنية؟ وما نوع هذا التشجيع؟
 الوضع الذي تمر به البلاد يرفع الملام، وبالرغم من ذلك إلا أن هناك تكريما ودعما وتشجيعا لكل عمل إبداعي.

  كلمة أخيرة تودون قولها من خلال صحيفة «لا»؟
 عبر صحيفتكم الموقرة أرفع تحية إجلال وإكبار إلى سيدي القائد العلم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله وأيده بنصره، وإلى أبطالنا الأشاوس في ميادين العزة والكرامة.
وأدعو كل الشعراء ألا يفوتهم شرف الجهاد بالبندقية والقلم وتسجيل أسمائهم في أنصع صفحات التاريخ تحت عنوان شعراء ضد العدوان. وأختم هذا اللقاء بقصيدة عن شهيد الأمة قاسم سليماني:
دعوا التعازي وهنوا كل إيراني
على شهيدِ العُلا قاسم سليماني
وإن أردتم بكاءً فاذرفوا سُحباً
تجري عليهِ بدمعٍ أحمرٍ قاني
هذا الذي شق درباً للجهادِ على
نهجِ النبوةِ تحريراً لأوطاني
وسَلَّ بالحقِّ سيفاً صارماً ومضى
بفيلق القدسِ في عزمٍ وإيمانِ
طهرتَ أنت عراق المجـد من دنـسٍ
ورحتَ توصلُ شرياناً بشريانِ
فضخّك الـقلبُ حباً عبر أوردةٍ
يجري بها العز رغم الحاسد الشاني
تأمركت نَجْدُ لؤماً في عقيدتها
وخانتِ العُرب في سـرٍّ وإعلانِ
فأوجد الله ذوداً عن شريعتهِ
خطاً قد امتد من صنعا لطهرانِ
يا فارس القدس إن القدس يجمعنا
رغم التنائي بنفسِ المجرمِ الجاني
كنا على المسجد الأقصى ننوح كما
نوح الحمامِ على إلفٍ وخلانِ
وإذ بنا اليوم نبكي أمة سقطت
بأسرها فـي حضيضٍ ما له ثاني
أضمدُ الجرحَ في قلبي فيفجعني
بغيرهِ الدهرُ من آنٍ إلى آنِ
كم أقلق الغرب إن الغرب يقلقهُ
مـن كان حقا كهذا القائد الباني
يا قاهر الغرب يا عنوان عـزتنا
لا عشتُ إن لم تكن رمزي وعنواني
ما مت إلا لتحيا أمة فحيت
وعمّ فكرك قاصيها مع الداني
فلو شققت صدور العرب قاطبةً
أطل من كل صدرٍ ألف قرآنِ
عهداً إليك شهيد القدس إن لنا
رداً على الغرب نيرانا بنيرانِ
وما الذي شبّ ناراً فـي قواعدهم
إلا البداية في مفهومنا الآني
والنفسُ بالنفسِ إلا أن أنفسهم
لا تعدلنّ حذا قاسم سليماني