غازي المفلحي / لا ميديا -
ما إن تهطل الأمطار على العاصمة صنعاء حتى تصبح مدينة نصف صالحة للعيش، ولا تقتصر المشكلة على معاناة سائقي المركبات نتيجة الشوارع التي أكلتها الحفر أو المياه التي قد تجرف السيارة أو تتسبب بعطل لها، بل حتى على مستوى السكان وممتلكاتهم، إذ أن المساكن والأسواق في خطر واقع فعلا، وليس خطراً متوقعاً. فقد جرفت السيول أسواقاً ومنازل في أكثر من مرة. والعاصمة ذات الـ7 ملايين نسمة نائمة في طريق السيول حسب البنية الجغرافية لها، كما أنها مدينة مهددة بالغرق ما لم يتم الالتفات بجدية إلى إنشاء بنية تحتية لائقة لها، وتنفيذ مشاريع تحميها من خطر السيول المتدفقة من حولها، حسب ما أوضحه نائب مدير المشاريع بأمانة العاصمة المهندس معين المومري.

مشكلة واقعة
اتضح خلال الأعوام الماضية أن البنية التحتية للعاصمة صنعاء غير مستعدة على الإطلاق لمواجهة الأمطار الغزيرة كالتي شهدتها خلال هذا العام والعام المنصرم، وهذا من خلال الواقع المعاش ومن واقع المعلومات التي أوردها مكتب الأشغال العامة بالعاصمة وأوردها في التقرير الذي رفعه إلى مجلس الوزراء، والذي تناول هذه المشكلة، وطالب بوضع حلول جادة لها، وحصلت «لا» على نسخة منه.
وتبدأ المشكلة مع صنعاء جغرافيا، وإذ إن هذه المدينة عبارة عن حوض وواد تصب فيه مياه الأمطار من سلاسل الجبال والوديان المحيطة بالمدينة.
وعلى الرغم من أن صنعاء هي مدينة وحاضرة اليمن الأولى، إلا أن شوارعها لا تحتوي على بنية تحتية قادرة على التعامل مع مياه الأمطار التي هي جزء من التركيبة الطبيعية لهذه المدينة، وهذه مشكلة قديمة جديدة تتحملها أجيال من الحكومات اليمنية المتعاقبة حتى اليوم.
ويؤكد نائب مدير المشاريع المركزية بأمانة العاصمة المهندس معين المومري في حديثه لـ»لا» أن التصريف الموجود في العاصمة صنعاء، هو تصريف سطحي بشكل شبه كلي، ولا يمثل تصريف القنوات حتى 10% من النسبة المطلوبة في بنية شوارع العاصمة. ويتم تصريف مياه الأمطار حالياً من شارع إلى شارع باتجاه الأسفل حتى يصل إلى شارع فيه قنوات تصريف أو إلى السائلة وإلى بعض السوائل الصغيرة الموجودة في وسط الشوارع، وإن وصل السيل إلى شارع منخفض وليس فيه قنوات تصريف، فإنه يبقى مكانه لأيام أو حتى أسابيع، كما يلاحظ على بعض شوارع العاصمة التي تغرق في موسم هطول الأمطار.
هذا التصريف السطحي البدائي غير مجدٍ، كما أنه يتسبب بحدوث كارثة، إذ إنه يقضي على الإسفلت، بخاصة أن الإسفلت ضعيف جدا ليقاوم مياه الأمطار التي تجري من فوقه، وبالتالي فإن مشكلة شوارع صنعاء مع مياه الأمطار مركبة، فالسيول تُغرق الشوارع والأحياء عندما تتجمع فيها، وتتلف بنيتها التحتية عندما ترحل منها.

تغذية المشكلة
سابقاً وحالياً لا تولي الهيئة العامة للأراضي والمساحة، سواء في مخططاتها القديمة أو الحديثة، أهمية حقيقية لوضع سائلة لتصريف مياه الأمطار ضمن مخططاتها الحضرية لمدينة صنعاء، فلا توجد سائلة ضمن كل وحدة جوار، بينما كان يجب أن تكون السوائل ضمن المخطط العام لمدينة صنعاء كونها بمثابة وادٍ تصب فيه السيول في الأساس.
ويقول المومري: «إن أحياء وبنايات كبيرة شيدت إما في مصبات السيول أو بجوارها، وتم قطع مجاري السيول الطبيعية بالبناء، بينما كان يجب أن تشق منها السوائل التي تتدفق بشكل سليم بعيدا، وتلتقي من واحدة إلى أخرى حتى تخرج من العاصمة كما في سائلة صنعاء الرئيسية».
وبسبب هذه المشكلة تتحول مياه الأمطار نحو الشوارع، وإلى أوساط الأحياء السكنية، لأن تصريفها يتم بطريقة عشوائية.
وإلى جانب شحة الموارد المالية اللازمة والمطلوبة لإنشاء سوائل وقنوات لتصريف مياه الأمطار، تواجه «الأشغال» مشكلة المخالفات في البناء، في مصبات سيول الأمطار وبجوارها.

شبكة الصرف الصحي منتهية
أما شبكة الصرف الصحي التي أنشأها الصينيون فقد خرجت عن الجاهزية بعد أن زاد عمرها عن 25 عاماً، وهي أساسا لا تغطي سوى عدد قليل جدا من الشوارع، وفي وضعها الراهن فقد أصبحت عاملاً عائقاً في بنية المدينة لا عاملاً مساعداً، إذ تضطر «أشغال الأمانة» إلى سفلتة بعض الشوارع المتضررة بشدة والمنتهية بأوامر عاجلة من المجلس السياسي الأعلى ورئاسة الوزراء، بينما يتم تجاهل البنية التحتية المنتهية لشبكة الصرف الصحي المدمرة تحت الإسفلت.
وكان وكيل أمانة العاصمة لقطاع الأشغال، المهندس عبدالكريم الحوثي، أوضح في حديث سابق لـ»لا» أن «هناك عيوباً في إنشاء بعض المشاريع السابقة في أمانة العاصمة مثل بعض الأنفاق، حيث وضعت لبعضها شفاطات ضعيفة مخصصة لشفط المياه النظيفة وليس لشفط المياه المختلطة بالطين، كما تم وضع شفاطات لأنفاق بينما كان المفترض أن يعمل منها قنوات تصب في السائلة المركزية، مثل نفق جولة الثلاثين بشارع تعز والذي يرتفع عن مستوى السائلة».
ما يشير إلى فساد سابق كان يستولي على الموازنات فيتم إنشاء مشاريع ديكورية وليس حسب المعايير المطلوبة، وذلك من أجل توفير مبالغ مالية ذهبت إلى جيوب فاسدين سابقين.

حلول
الخطة والحاجة، حسب المهندس معين المومري، هي بإنشاء أحواض امتصاصية حول العاصمة، مهمتها احتواء السيول التي تتدفق بشكل كبير نحوها، إذ تحتاج العاصمة إلى 20 حوضاً عملاقاً، بحسب دراسة أعدت بمشاركة خبراء من روسيا.
والعمل الآن جارٍ لإنشاء حوض واحد في وادي الأجبار جنوب العاصمة صنعاء، قدرته الاستيعابية قد تزيد عن 150 ألف متر مكعب، وهي نسبة ضئيلة جدا مقارنة مع حجم وكمية السيول التي تأتي من ذلك الوادي ومن مديرية سنحان. لكن ورغم ذلك، وبسبب شحة الإمكانيات، لم ينجز من هذا الحوض إلا ما نسبته 20٪ فقط، بينما الحاجة الملحة في موسم الأمطار هذا كانت تستلزم أن ننشئ 10 أحواض على الأقل، حسب المومري.
أما الشوارع التي تقاوم الأمطار فهي الشوارع ذات الرصف الحجري أو الخرسانة المدعمة بالحديد، وهذه تجربة خلصت لها كثير من الدول وأنشأت طرقاً بطول مئات الكيلومترات من الخرسانة المدعمة بالحديد، ولجأت أشغال العاصمة إلى ذلك. وتستهدف به الشوارع التي تمر منها مياه الأمطار بكثرة أو الشوارع المنخفضة التي تحتقن فيها مياه الأمطار، لكنه لايزال بنسبة قليلة جدا نتيجة تكلفته العالية، وأيضا لوجود معضلة كبيرة في هذا النوع من الرصف، إذ إن كثيراً من الشوارع بدون بنية تحتية ملائمة، فمثلا لم يتم فيها إنشاء شبكات الكهرباء والمواصلات والمجاري، وبالتالي لا يمكن القيام بتنفيذ مشروع الرصف الحجري لهذه الشوارع قبل تنفيذ وتركيب هذه الخدمات فيها.
والمعضلة هنا، تكمن في أنه عندما يتم تعبيد هذه الشوارع بطريقة الرصف الحجري، تصبح عملية قطعها أو الحفر فيها لإدخال الخدمات أمر بالغ الصعوبة، وليس سهلا كما هو الحال لو تم تعبيدها بالإسفلت، وبالتالي يجب تجهيز كافة الخدمات فيها قبل رصفها حجرياً.
لذلك تلجأ الجهات المعنية إلى رصف الشوارع بالإسفلت، كونه الحل الأقرب والأسهل، لأن استحداث الحفريات فيه سهل ولا يتطلب مشقة كبيرة.
ولكن مع ذلك -وكما يشاهد دائماً- نجد بعض الجهات الخدمية تقوم بإحداث حفريات في بعض الشوارع لإصلاح خدمة معينة، وما إن تنتهي تترك الشوارع كما هي، ولا تكلف نفسها إعادة ردم وإصلاح ما أحدثته من حفريات في الشوارع، فتأتي المياه وتتجمع في هذه الحفريات، مسببة أضراراً مضاعفة للشوارع، حتى بعض الجهات التي تقوم بإصلاح حفرياتها نجد أنها لا تؤدي عملها بالشكل الصحيح، فلا تصلح الحفر بشكل جيد ولا تقوم بأعمال الردم وكبس الأرض قبل وضع الإسفلت.

الحاصل
يتضح أن مشكلة بنية الشوارع التحتية في العاصمة مشكلة قديمة، ولكنها لاتزال مستمرة دون إصلاح، وهو ما كشفته الأمطار غير المسبوقة التي هطلت مؤخرا على العاصمة صنعاء.
هذه المشكلة بحاجة إلى توجه جاد ومسؤول من حكومة الإنقاذ، وبحدود الممكن، لتحصين العاصمة بصيانة البنية التحتية الموجودة على ضعفها وهشاشتها، وإنشاء أخرى جديدة بالتنسيق مع جميع الجهات خاصة الهيئة العامة للمساحة والأراضي، إلى جانب بناء المشاريع الوقائية على أطراف العاصمة كالحواجز المائية والحفر الامتصاصية العملاقة.
هذا هو المأمول من الحكومة، أما الواقع، فيقول المهندس المومري: «إن موازنة أمانة العاصمة السنوية 600 مليون ريال فقط، وبهذه الميزانية فإن المطلوب منها أن تغطي صيانة كافة شوارع الأمانة، وأيضاً تنشئ شوارع جديدة، وهذا غير ممكن على الإطلاق، لأن صيانة شارع بطول كيلومترين وعرض 20 متراً يحتاج لوحده إلى 350 مليون ريال».
أما الموازنة التي تحتاجها أمانة العاصمة فعليا، والتي رفعها تقرير الأشغال المرفوع لرئاسة الوزراء، فهي تزيد عن 17 مليار ريال، لكن ما يصرف 600 مليون ريال فقط، والمطلوب أن يتم التكيف معها والعمل وفقها بأي شكل من الأشكال، حسب المومري، الذي يشتكي ويقول: «لذلك نلجأ لتصريفها في أكثر المشاريع إلحاحا، ولا نغطي سوى 4 إلى 5 مشاريع، والآن نشتغل مشاريع من خارج الموازنة، مثل مشروع قناة في شارع الخمسين الذي يغرق دائما بالمياه، ووجهنا الوحدة التنفيذية دون أن يكون هناك أي مبالغ مالية جاهزة، كما وجهنا بإنشاء قناة أخرى في المطار، ويستدرك المومري: «والله إننا لا نملك ريالاً واحداً لها ولا نعرف كيف سنواجهها».
وحالياً يتم سد بعض الحفر -وبشكل طارئ- في الشوارع الرئيسية وبتكلفة تصل إلى 100 مليون ريال خارج الموازنة، تم اعتمادها بصورة استثنائية.
وحسب الأشغال، فإن كل القدرات المالية المتوفرة والإمكانيات تتجه نحو الشوارع الرئيسية، مع أنها غير كافية أصلا، أما الشوارع الثانوية فلا مجال ولا إمكانية للالتفات لها.
جدير بالذكر أنه خلال الفترة (2014-2019) كانت صيانة الشوارع متوقفة تماما، وبالتالي فقد تراكمت في هذه السنوات أضرار كبيرة، إذ تدمرت عدد من الشوارع في أمانة العاصمة بشكل شبه كامل.
وطالب المومري الحكومة بأن تأخذ الدراسات الاستراتيجية والحلول المنطقية التي ترفعها الأشغال العامة بجدية، وأن تخصص مبالغ كافية لصيانة الشوارع وما هو موجود من بنية تحتية سابقة حتى لا تنهار البنية الأساسية التي تكلف تريليونات الريالات، وحتى تأمن العاصمة المهددة وسكانها من كوارث الأمطار.