خاص - دمشـق أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -

نسب السيدة رقية (ع)
هي رقَية بِنت الإمام الحسين (عليه السلام)، حضرت واقعة الطف وهي صغيرة، وسارت مع ركب سبايا كربلاء إلى الشام وتوفيت هناك.
يقع مقام السيدة رقَية بِنت الإمام الحسين (عليه السلام)، في حي العمارة على مقربة من الجامع الأموي الكبير، ويتوسط أبواب دمشق الشهيرة، وهي باب توما، وباب الجباية، وباب السلام، وباب البرديسي، وباب سريجه، وباب المصل، وكان يطلق عليه سابقا اسم مقام الرأس.
كان المكان بالأساس ساحة أثرية رومانية، واستخدمها الأمويون كسجن مكشوف وضعوا فيه الأسري والسبايا بعد حادثة كربلاء، ومنهم الطفلة رقية بنت الإمام الحسين، وأخته السيدة زينب، وابنه علي زين العابدين.
كما هو الحال مع كل الأماكن التي تنسب إلى أحد من آل البيت، هناك روايات عديدة بشأن وجود جثمان السيدة رقية في المكان، ووفاتها والمزار المنسوب لها، لكن معظم الروايات وبخاصة التي تتصف بالمصداقية وتتوافق مع تواريخ الأحداث ومجرياتها، تجمع على أن المقام هو للسيدة رقية ودفنت فيه، ومنها الرواية التي نقلها الميرزا هاشم الخراساني (1352هـ) في كتابه «منتخب التواريخ»، ونقلها أيضاً عدد من الرواة حيث تجمع قصصهم على أن حوالي سنة 1280هـ، ظهر جثمان المقام سليماً إثر تسرّب المياه إلى القبر، فأرادوا إخراجها منه لتجديده، فتهيب الجميع النزول إلى القبر، حتى تم تكليف السيد إبراهيم مرتضى، وهو من عائلة مرتضى المعروفة في دمشق، ويعود نسبها إلى آل البيت، للنزول إلى قبرها، وتم ذلك بحضور جمع من علماء الطوائف ووجهائهم بدمشق، فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ، فوضع عليها ثوب لفّها فيه وأخرجها، وأعيد ترميم القبر والمقام، وتم تعيين السيّد إبراهيم مشرفاً على المقام.
كما كان يوجد نقش قديم في مدخل المقام ولايزال في مكانه يقول: «هذَا البَيْتُ بُقْعَةٌ شُرِّفَتْ بِآلِ النّبِيّ صلی الله عليه وآله وسلم وَبِنْتُ الحُسَيْنِ الشَّهيد، رُقَيَّة (عليها السلام)».

توفيت جزعا على والدها
تجمع المصادر، ومنها الطبري، والملا حسين الكاشفي السيزواري، وفخر الدين الطريحي، ومحمد حسين الأرجستاني، ومحمد جواد اليزدي، ومحمد علي الشاه عبد العظيمي، وقاسم بن محمّد بن أحمد المأموني، على أن السيدة رقية توفيت طفلة بعمر بين أربع وخمس سنوات، وأنها كانت خلال وجودها في المكان الذي احتجزت فيه مع السبايا والأسرى تبكي لأيام وتسأل عن والدها حتى سمع يزيد بن معاوية بذلك، وهو في قصره القريب من هذا المكان وكان يسمى قصر «الحمرا»، فأمر لها برأس والدها الشهيد الإمام الحسين (عليه السلام) فوُضِع بين يديها، فجزعت وظلت تصرخ ونامت على الرأس، وهي تقول: أبي من خضب شيبك الشريف، من قطع رأسك، من فض وريدك، وظلت ملقاة على الرأس حتى صمتت، وقال شقيقها علي زين العابدين لعمته السيدة زينب، ارفعي الجسد عن الرأس فقد فارقت الحياة، وتم دفنها في المكان وسُجِّل يوم 5 صفر للعام 61هـ، يوم وفاتها في معظم المصادر، واليوم يخصّص يوم الثالث من محرّم وليلته من السنة لقراءة العزاء عن السيدة رقية بنت الحسين، وسُمّيت الكثير من الهيئات والمواكب الحسينية، وكذلك المساجد باسمها، كما أُنشِد في حقها كمية كبيرة من المراثي والأشعار.

معلم ديني وسياحي
يعد مقام السيدة رقية اليوم واحدًا من أبرز المعالم السياحة الدينية في دمشق، والتي تستقطب الزوار من مختلف الانتماءات الدينية، ومن مختلف بقاع العالم.
يعود تاريخ أول معالم بناء المقام والقبة إلى القرن الأول للهجرة؛ وهو مسجل كأثر منفصل عن مدينة دمشق بالقرار (264/أ) بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 1979م.
ورد في المصادر التاريخية أن المقام كان مشيَّداً من قِبَل الأيوبيين سنة 526هـ، كما يُذكر بناء قبة على المزار سنة 768هـ، وتطور مع الزمن لمقام كبير بفضل رعاية الدولة السورية، وتبرعات محبي آل البيت من داخل وخارج سورية.
شهد المقام سلسلة متلاحقة من التحسينات وعمليات الترميم وإعادة البناء؛ فتمّ تجديده سنة 1125هـ (1713م)، وتمَّ تجديد المقام وترميمه أيضاً في 1864م، وفي 1323هـ (1905م) جُدد بناؤه على يد الميرزا علي أصغر خان أمين السلطان ناصر الدين شاه، وفي 1982 شهد المقام عملية توسيع كانت الأكبر والأهم واستمرت لغاية العام 1994م، تم خلالها توسيع المقام بشراء المنازل المحيطة به، وضمت القبر والقبة القديمة وبُدّل الضريح بآخر صنع على يد أربعين شخصًا من الفنانين البارعين، وألحق به معهد لتدريس العلوم الشرعية، وشيّد مسجد حول الضريح، وأصبح يضم داخله عددًا من الأروقة، وأدخلت عليه تحسينات بطراز معماري فارسي مشغول بتناظر رائع، وتم تلبيسه بورق الذهب.
ثم جرت عليه لاحقاً عملية توسيعات أخرى حتى أصبح يشغل اليوم مساحة حوالي خمسة آلاف متر مربع، ما بين الروضة والصحن والأروقة والفضاء الداخلي لقبة المقام، مع القسم العلوي من ضريحها الذهبي، وكتبت أعلاه آيات سورة «الدهر» المباركة، وتغطي الضريح لوحة من الفسيفساء مكسوة بالعاج والمرمر.
يتألف المقام اليوم من بناء كبير، ذي أروقة وأعمدة مزخرفة بشكل بديع بالبلاط المزجج الذي يسمى «الفنّ القاشاني» والذي يختلط مع الاحتراف والإبداع الإيراني والإسلامي، قد نُقش عليها آيات قرآنية وأحاديث نبوية في ولاء ومودّة أهل البيت، حتى أصبح تحفة معمارية على الطراز الإسلامي، يعلوه قبة مكسوة بالزجاج وقطع المرايا والقيشاني، ويوجد مبنى كبير يتوسطه المقام. 
يلاحظ الزائر في الداخل طغيان الديكورات الفضية والذهبية، والنوافذ المزخرفة؛ وتعلو المقام قبة مضلعة؛ وكتب على الباب قصائد وأبيات من الشعر العربي، منها قصيدة شعرية للمرحوم د. السيد مصطفى جمال الدين، كتبت بماء الذهب؛ يقول فيها:
فـي الشام في مثوى يزيد مرقدُ
يـنبيك كـيف دم الشهادة يخلدُ
رقدت به بنت الحسين فأصبحت
حـتى حـجارة ركـنه تـتوقدُ
هـيا استفيقي يا دمشق وأيقظي
وغـدا على وضر القمامة يرقدُ
وأريـه كيف تربعت في عرشه
تـلك الدماء يضوع منها المشهدُ
سـيظل ذكـرك يا رقية عبرة
للظالمين مـدى الـزمان يخلدُ

تضاعف الزوار في المناسبات
اليوم يأتي المسلمون من كافة الطوائف ومن كل العالم لزيارة مقام السيدة رقية عليها السلام، ويتضاعف عدد الوافدين لزيارتها في المناسبات، لاسيما في ذكرى استشهادها، وأربعين الحسين عليه السلام، ومولد الرسول، في الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وفي بعض الأحيان تقام صلاة الفجر أكثر من مرة نظراً للأعداد الكبيرة التي تأتي لصلاة الجماعة. 
ومن سخريات القدر أن هذا المقام الذي يزداد تألقاً وعمراناً ويزداد زائروه للتبرك وتبجيل صاحبته الطفلة المظلومة رقية، فيما قبر معاوية على بعد مئات الأمتار منه تعلوه الأوساخ والقمامة.