حاوره:  طلال سفيان / لا ميديا -
نوح عبدالله صالح المونسي، أحد أبرز أبطال اليمن في رياضة الدراجات الهوائية.
اللاعب الذي أرسى الكثير من الأسس (نادي نوح ومنتخب العاصمة) وحقق ألقاباً محلية وقارية ومزج الثقافة بالرياضة، ووجه رسالة الرياضة في وجه العدوان.
صحيفة «لا» استضافت نوح الدراجات وطافت معه بلقاء مستفيض...
 كيف بدأت قصتك مع الدراجات الهوائية؟!
- الدراجات كنت أعشقها منذ الطفولة، وكأي طفل كان يمتلك دراجة ليلعب بها في الشارع ويتجول بها. في إحدى المرات ذهبت إلى صنعاء القديمة ورأيت السياح يقودون دراجات هوائية، ولحظتها انتابني الفضول تجاه هؤلاء الأجانب، وأنا أراهم بدهشة وغرابة وهم يرتدون أزياء قيادة الدراجات الرياضية والنظارات والخوذات، وارتحت لهذا الأمر. كنت بعدها أذهب إلى سائلة صنعاء القديمة لمشاهدتهم، ومرة أعطاني أحدهم وكان مع زملائه بالدراجات زمزمية ورأيت أن الموضوع كبير.
كما أن السياح بدؤوا يركزون عليَّ بعدما كنت يومياً آتي لمشاهدتهم وملاحقتهم أثناء تجوالهم بالدراجات في السائلة أو في الأماكن السياحية، بعدها انضممت إليهم وعملت لا شعورياً كمرشد سياحي لهم من خلال مرافقتهم في أي مكان يتجولون به، وكنت أشاهد دهشتهم وهم يشاهدون بائع الرومي (حبوب الذرة تعمل شعبيا بالنار والجمر)، ومن هذه العلاقة معهم فهموني أنها رياضة عالمية (الدراجات الهوائية) وفهموني قواعدها وقوانينها، وكل ما يتعلق بها، حتى مسألة التعشيقة أو الأسبيت، وكيف تطلع وكيف تنزل و... و... و... الخ من الأساسيات. طبعاً في تلك الفترة لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي موجودة، وأثناء مغادرتهم للبلاد طلبوا رقمي وأعطيتهم رقم شقيقي الكبير، لأني لم أكن حينها أملك هاتفاً نقالاً وكان غير متوفر بشكل كبير في بداية الألفية الثانية، وبعد سفرهم أرسلوا لي فانلة وشورتاً وخوذة ونظارة الدراجات الهوائية، وفرحت بها كثيراً وكأنني ملكت العالم كله، بالإضافة إلى كتب عن هذه اللعبة. ومن هنا بدأت قصتي مع رياضة الدراجات الهوائية.

 هل كنت تملك دراجة سباق هوائية حينها؟ وكيف بدأت مع اللعبة؟
- نعم، كان لدي دراجة هوائية، لكن من الشكل البسيط وهي جبلي وليست مثل دراجات الأجانب التي كنا نسميها الهجين، أي ما بين الجبلي وسباق الطرقات. في تلك الفترة تعرفت عن طريق سائح بريطاني على شخص أمريكي اسمه إدوارد كان يعمل هو وزوجته في معهد "أمديست" في صنعاء، تصادقت معه، وفي إحدى المرات شاهدني وأنا أوجه الشباب حول النظارات والخوذات والزمزميات وغيرها من مستلزمات الدراجات الأساسية، وكنا نتطور كشباب دراجين في الحارة ويرتفع عددنا، فطلب مني إدوارد أن أعمل لي "جروب" و"إيميل". لم نكن نعرف هذه الوسائل وهذا الكلام عام 2006، وطلب مني أن أكوّن لي فريقاً، وفهمنا أن هناك شيئاً اسمه فريق خاص وفريق حكومي. أعجبت بالفكرة وكونا أول فريق وسميناه "نادي هواة الدراجات". وفي 2009 عمل لنا إدوارد صفحة على "فيسبوك" وأهدانا بعد عودته من أمريكا طقم ملابس، وكنا 5 أو 7 دراجين نقوم برحلات في العديد من المناطق الجبلية في صنعاء، وبدأنا نطور أنفسنا ونقيم سباقات وطوافاً.

 وأين دور الاتحاد العام في هذه المسائل تجاهكم؟
- الاتحاد العام كان متعاوناً معي، وبحسب إمكانياته، أشركني في أشياء ومدحني وفي البطولات، وفرع الاتحاد كان يغط في سبات، وأنا كنت أنشط اللعبة في أمانة العاصمة أكثر منه، حتى أنني عملت ترويجاً للعبة وأدخلت الدراجات إلى المدارس، وأقمنا أنشطة متنوعة من سباقات ورحلات، حتى إن الشباب قاموا أثناء ما كنت مسافراً بالخارج بتأسيس نادي للدراجات الهوائية أطلقوا عليه اسمي وهو نادي نوح للدراجات الهوائية.

 هلا تشرح لنا هذه اللعبة حتى نفهمها بشكل أفضل؟
- طبعاً لعبة الدراجات الهوائية هي 70% سياحة و30% رياضة، وهي في الأصل سياحة وتوثيق، وطبعاً أشهر سباق هو طواف فرنسا، وكل طوافي العالم يشاركون في هذا السباق الذي يمتد لمناطق ودول أوروبية كثيرة ويهدف في الأساس للترويج السياحي.
وفي الوطن العربي بدؤوا يخطون في هذا الاتجاه في دبي وقطر والبحرين ومصر وتونس.

 متى كان أول سباق دراجات خضته محلياً وخارجياً؟
- في عام 2008، وكان سباق أمانة العاصمة صنعاء أول سباق أخوضه، ومن عام إلى عام طورنا أنفسنا. وفي 2014 شكلت منتخب محافظة صنعاء وشاركنا في بطولة الجمهورية بمدينة عدن في سباق البريقة وأحرزنا ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية للناشئين والكبار، وهذه كانت المرة الأولى على الصعيد المحلي. وبعد أن رأى الاتحاد الأداء والزمن الذي حققه لاعبونا قرر أن نشارك في بطولة آسيوية، وليس في بطولة عربية، لأننا حققنا أرقاماً وأزمنة تجاوزت العربية، وذهبنا للمشاركة في بطولة آسيا في تايلاند العام 2015 وحققنا نتائج هي الأولى على مستوى المشاركات اليمنية في البطولات القارية، وطبعاً من المعروف أن نتائج السباقــات في الدراجـــــات الهوائية يكـــون فيهـا الفــــارق بين صاحـــــب المركــز الأول والمركز العشرين أجزاء من الثانية، المهم شاركنا في البطولة الآسيوية في مراحلها كافة وحققنا أعلى أرقام وإنجازات لم يحققها أي منتخب عربي، حتى أن كل الاتحادات العربية تفاخرت بالإنجاز اليمني المحقق آسيويا على مستوى الدراجات.

 هل تغيرت الأمور للأفضل أم العكس بعد هذا الإنجاز؟!
- طبعاً جاء العدوان على اليمن، فغير الكثير من الأمور، من تمارين وأحوال اللاعبين، وتسبب لنا بتوقف المشاركات. لكن عملنا جاهدين على استمرار اللعبة وحتى اليوم.

 هل سنرى مستقبلاً دراجات اليمن تحقق بطولات عالمية؟
- نعم، إذا وجد الاهتمام الرسمي والخاص بلعبة الدراجات الهوائية في الوطن، لدينا مقومات لا توجد في معظم دول الوطن العربي، الطبيعة والأجواء في اليمن مساعدة للعبتنا بشكل لا تتخيله، لدينا في اليمن جبال وسهول وطبيعة مساعدة، فمثلاً محافظتا ذمار وصنعاء ترتفعان عن سطح البحر أكثر من 2000 متر والأكسجين يقل فيهما وهذا يساعد الدراج على قوة التحمل، في مصر وفي البحرين رأيت دراجين يتمرنون وهم يضعون أقنعة مطاطية على أنوفهم وأفواههم لتقليل الأكسجين، غير ذلك لدينا المنحدرات والطرق الجبلية وهو ما يساعد اللاعب على التمرن بقوة، والبلاد مهيأة لإقامة أقوى بطولات الطواف العالمي.

 ما هي الأنشطة التي قمتم بها؟
- نشطنا وأنعشنا اللعبة في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، وأقمنا رحلات أثناء العدوان على بلدنا، إذ نزلنا الحديدة عدة مرات وإب والبيضاء وشبوة والمحويت وحجة.

 من الملاحظ أن دراجات العاصمة واجهت العدوان وقدمت رسائل كثيرة في هذه المسألة...؟
- بداية العدوان على بلادنا، شاركنا مع الإغاثة، فعندما ضربوا المخيمات في حرض نزلت مع مجموعة من أبطال الدراجات الهوائية إلى حرض لتقديم رسالة أننا كيمنيين مازلنا صامدين وسنقاوم العدوان. وفي الحديدة نزلنا 30 دراجاً بعد 10 أيام من ارتكاب العدوان مجزرة في حق المواطنين في سوق الهنود، ونزلنا إلى مكان مجزرة عرس سنبان، كما قمنا بطواف دراجات من صنعاء مروراً بمحافظة عمران وصولاً إلى محافظة صعدة (طواف صنعاء-صعدة)، وكان هذا الطواف للتعريف بصعدة وكسر حصار العدوان.
طبعاً فكرة هذا الطواف جاءت خلال جلوسنا مع الشباب لمناقشة وطرح مشروع "تيديكس"، وكان موضوع السياحة والبيئة مطروحاً ضمن هذا، فذكر أحد الشباب موضوع صعدة، وأنها فقط معروفة بالرمان، فقلت له صعدة معروفة بأشياء كثيرة ولا بد من الترويج لها لأنها ظُلمت كثيراً في رأس مخيلة الناس بأنها مجرد صحراء وأسواق سلاح، ولم يفهموا أن صعدة جبال وسهول ووديان وزراعة و... و... و... الخ، وجاءت فكرة الترويج وأكثر مسألة هي إقامة سباق دراجات هوائية إلى صعدة، ونسقنا مع المجالس المحلية ووزارة الشباب والرياضة ووزير الدولة فارس مناع، وعملنا طواف صعدة وشارك فيه لاعبون من محافظات صنعاء والعاصمة والبيضاء وتعز وإب وذمار, وكان للأستاذ زيد جحاف«أبو حمزة»نائب مدير مكتب الشباب والرياضة بالعاصمة الدور الكبير في هذا الطواف.

 كيف تم استقبالكم في صعدة؟!
- كان استقبالاً كبيراً ومشرفاً من أبناء صعدة. وكان الطواف نقلة نوعية للدراجات، وحصل لمحافظة صعدة ترويج إعلامي رائع، وعرفنا الناس عن صعدة وعن ناسها وبيئتها وزراعتها، وعن المعاناة والمقاومة الكبيرة لديهم تجاه العدوان، ونقلنا الصورة الإيجابية عن هذه المحافظة المكافحة بشكل هو الأصح، وزرنا في صعدة المدينة القديمة ومسجد الإمام الهادي وسوق الطلح والكثير من الأماكن التي استهدفها العدوان، وذهبنا إلى روضة الشهداء، وكانت رحلة طواف جميلة وناجحة.

 حالياً لديكم طواف إلى مدينة الحديدة...؟
- نعم، سننطلق الأربعاء (اليوم) ومن جوار ضريح الرئيس الشهيد صالح الصماد في سبعين العاصمة برحلة طواف إلى مدينة الحديدة، ونحن من خلال هذا الطواف نواكب ونجاري الحدث العسكري المتمثل بتحرير كيلو 16 ومديريات الدريهمي والتحيتا من قوى العدوان على البلد، وهذا من باب أن كل واحد يجاهد بطريقته ويطرح بصمته، وموضوع التحرير كان له بصمته في الساحل الغربي، ونحن نشاركهم هذا الحدث من خلال نزولنا إلى الحديدة بالدراجات الهوائية ونفتتح الخطوط والمناطق التي حررت خلال الأيام القليلة الماضية.

 لماذا غاب دراجو العاصمة عن المنتخب المشارك في البطولة العربية في مصر؟!
- كنت أتمنى أن أشارك في البطولة العربية بجمهورية مصر التي انطلقت، ولأكثر من 20 يوماً، وأنا كنت أجاهد في وزارة الشباب والرياضة وصندوق النشء بالمعاملات الرسمية، قالوا لي إن الميزانية صفر وعملوا لي مذكرات، وباجتهاد شخصي وعلاقتي الشخصية، عملت مذكرات من مكتب رئاسة الجمهورية ووزارة النقل لاستخراج تذاكر سفر وميزانية معقولة أن أسافر مع بعض اللاعبين من المحافظات الشمالية وننضم مع اللاعبين الاثنين من المحافظات الجنوبية لتشكيل منتخب وطني للمشاركة في البطولة العربية.
حقيقة ساعدنا وزير النقل، ولكن وكيل هيئة الطيران حرمنا من المشاركة في هذه البطولة بعد أن أخذ الإرساليات وحبسها في درج مكتبه لمدة أسبوعين، ليفاجئنا بعد مماطلة برفضه بعد أن قالوا لي في الهيئة إن التذاكر والميزانية جاهزة وعليَّ فقط الانتظار لمذكرات موجهة للخطوط الجوية اليمنية، ليذهب اللاعبون في الأخير من دراجات عدن للمشاركة وتمثيل الوطن في البطولة العربية.

 ما هي الرسالة التي تود أن توصلها للجهات الرسمية؟
- أتمنى من الجهات المختصة، وزارة الشباب والرياضة وصندوق رعاية النشء والشباب واللجنة الأولمبية اليمنية، أن يهتموا بلعبة الدراجات الهوائية ويدعموها، وأن يلتفتوا لاتحاد الدراجات ولاعبيه.
نحن لدينا مستوى فني عالٍ سبق أن حققنا إنجازات دولية ونريد أن نرفع دراجات اليمن عالياً على كافة المستويات سواء كانت محلية من أنشطة أو عربية وقارية وعالمية من مشاركات، نريد بل ونطمح بقوة لإنعاش اللعبة في الداخل بعد أن تسبب لنا العدوان والحرب على البلاد بأضرار كبيرة ومصاعب في التمارين أو الحصول على قطع الدراجات والتي تستلزم من اللاعب أن يستقدمها من الخارج لمدة شهر تقريبا وخلال هذه الفترة يكون اللاعب متوقفا عن التمارين بسبب الانتظار. لعبة الدراجات مكلفة وباهظة ماديا.

كلمة أخيرة كابتن نوح...؟
- أشكرك أخي العزيز، وأشكر صحيفة "لا" وكل العاملين فيها، على هذا الحوار والالتفات للعبة الدراجات الهوائية في الوطن.