أحمد رفعت يوسف - دمشق / لا ميديا -
في تطور مفاجئ تم الكشف عن مفاوضات سورية تركية حول الوجود العسكري التركي غير المشروع في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية وتنشيط «اتفاقية أضنة» الموقعة في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1998 والتي تنظم العلاقات بين البلدين في المجال الأمني والحدود.
هذه المحادثات التي تتم بوساطة روسية ولم يتم الإعلان عنها مسبقاً، تؤكد وجود تطورات مهمة في المنطقة التي تشهد تشابكات معقدة، حيث تسيطر على معظمها مليشيات «قسد»، الكردية العميلة التي تحاول فرض حكم ذاتي بحماية ما يسمى قوات التحالف الدولي (بقيادة واشنطن) المتواجدة بشكل غير مشروع.
كما تتواجد في بعض مناطقها وبشكل غير مشروع قوات تركية، وبعض المجموعات الإرهابية المسلحة التي تعمل بإمرتها، كما توجد قوات روسية وإيرانية، إضافة إلى الجيش السوري.
ما يهم الإشارة إليه أن هذه المحادثات هي فنية أكثر منها سياسية، وبالتالي لا يمكن اعتبارها تطوراً أو خرقاً في العلاقات بين البلدين، لكن مع ذلك يمكن النظر إليها على أنها تطور مهم، يشير إلى أن العدوان على سورية انتهى في جانبه العسكري، وأن ما تبقى من أراضي سورية، سواء التي تتواجد فيها وحدات من جيوش أجنبية بشكل غير مشروع وتحديداً الأمريكية والتركية كما هو الحال في شرق الفرات وشمال حلب أو التي تقع تحت سيطرة المجموعات الإرهابية كما هو الحال في إدلب، أصبح حلها سياسياً ودبلوماسياً، قبل أن يتم التفكير بحل عسكري في حال استمر العناد التركي، كما هو متوقع في إدلب.
يمكن قراءة الكثير من مؤشرات وجود محادثات سورية تركية مهما كان مستواها، لأنها تدل على طبيعة التوازنات التي تتجاوز الوضع السوري لتشمل المنطقة كلها، وأهمها:
ـ فشل تركيا في الحصول على ضوء أخضر أمريكي- روسي لتوسيع تواجدها في شمال شرق سورية، بذريعة ملاحقة المجموعات الكردية التي تشكل أساس مليشيا «قسد».
ـ الأزمة الاقتصادية التركية التي تضغط على حكومة أردوغان وتجعلها عاجزة عن الاستمرار في مغامراتها العسكرية وتحديداً في سورية.
ـ لا يمكن أن تتم هذه المحادثات إلا بضوء أخضر أمريكي لتركيا، وهذا مؤشر إضافي إلى قرب الانسحاب الأمريكي من منطقة شرق الفرات بعد إعلان انتهاء المهام القتالية الأمريكية في العراق، رغم الحديث الأمريكي عن البقاء في سورية بسبب صعوبة توصيل الإمداد اللوجستي لهذه القوات والذي يتم من الكويت بسبب بعد المسافة وصعوبة تأمين الحماية لها، والرسائل السورية ومن فصائل المقاومة باستهداف أي تواجد عسكري أمريكي في سورية والعراق بعد تطبيق الاتفاق، لأنه يدل على التضليل الأمريكي بالانسحاب.
ـ تزايد الوجود الروسي في المنطقة بعدما كانت حكراً على الأمريكي والتركي، خاصة مع إعلان احتمال إقامة قاعدة روسية في مطار القامشلي بريف الحسكة الشمالي، قرب مثلث الحدود السورية مع العراق وتركيا، والتي تشرف على طرق الإمداد الأمريكي إلى قواعدها في شرق الفرات.
ـ أما المؤشر الأبرز في هذه التطورات فهو أن مشروع «قسد» لإقامة حكم ذاتي قد وصل إلى طريق مسدود تماماً، وهو ما يعتبر فشلاً أمريكياً قبل أن يكون فشلاً لـ«قسد»، لأنه كان أساس المشروع الأمريكي في سورية.
وفي معلومات خاصة بـ»لا» من مصادر محلية فإن ثمة خلافات بين قيادات «قسد» في سورية، والقيادات في كردستان العراق التي تهيمن سياسياً على «قسد»، وخلافات وانقسامات أخرى بين قيادات «قسد» نفسها على خلفية التطورات الجديدة وكيفية التعامل معها حتى لا يسقط مشروع «قسد» بشكل نهائي.
وعلى خلفية هذه الخلافات أغلقت حكومة كردستان العراق معبر «سيمالكا» الذي يربط بين إقليم كردستان العراق ومدينة القامشلي، كما أزيلت الحواجز التابعة لمليشيات (pkk) الكردية المتواجدة هناك وتم رفع بعض قطع الجسر العائم بين طرفي الحدود.
وقد كان لافتاً رفض الكونغرس الأمريكي تمرير بند في ميزانية البنتاغون يدعو إدارة الرئيس بايدن لتمكين «قسد» بما يكفي للاستغناء عن الدعم الأمريكي.
القرار الأمريكي خلق حالة استياء وقلق في صفوف «قسد» وجعلهم يتأكدون من أن مشروع الحكم الذاتي لم يعد يحظى بأولوية أمريكية، وأن العلاقة مع «قسد» باتت محصورة بمهمة قتال «داعش»، مع التأكيد بأن هذه الذريعة باتت غير مقنعة بعد هزيمة التنظيم في سورية والعراق، وهذا ما أكده الناشط السياسي الكردي بسام حجي مصطفى بقوله إن «التوضيحات والتطمينات الأمريكية لتركيا كانت واضحة، بأن التحالف مع قسد، هو عسكري ومأجور ومؤقت».
أما الناشط الإعلامي عبدالعزيز الخطيب، فقد رأى أن «الولايات المتحدة تؤكد أن تعاونها مع قسد لا يهدف إلى تأسيس حكم ذاتي للأكراد في سورية، وإنما لهدف محدد، هو محاربة داعش».
وإضافة إلى الموقف الأمريكي المستجد يلاحظ أن المتغيرات الجديدة على الساحة السورية والإقليمية والدولية تسير كلها لغير صالح «قسد»، فعلى الأرض يوجد تذمر كبير من المكونات العربية، التي تشكل الأغلبية السكانية، بسبب سياسات «قسد» ووجود رفض كبير لمحاولاتهم صبْغ مناطق سيطرتهم بالصبغة الكردية وتهميش المكونات الأخرى، وكان آخرها رفض المناهج التربوية التي حاولت إدارة «قسد» فرضها في المناطق التي تسيطر عليها مما أجبرها على التراجع عنها.
وذلك فاقم من تدهور الأحوال الاقتصادية في مناطق «قسد»، رغم سرقتهم النفط والغاز والقمح السوري بمساعدة القوات الأمريكية، الأمر الذي زاد صعوبة قدرة «قسد» على ضبط الأوضاع فيها.
وجاءت خطوات الحكومة السورية لفتح باب المصالحات في المنطقة الشرقية، والنجاح الذي حققته والتحاق أعداد كبيرة من الشباب في مناطق «قسد» بهذه المصالحات لتؤكد حجم الاستياء الشعبي منها وانقلاب البيئة الحاضنة على مشروعها ولتزيد الضغوط على المشروع الكردي.
يضاف إلى ذلك وجود استياء سوري ـ روسي من سلوك «قسد» المتأرجح، مع تقلبات السياسة الأمريكية، والذي جعل من الصعب إجراء حوار جدي معها حول المواضيع التي تخص المنطقة، ومستقبل «قسد»، حيث كانت تجري محاولات روسية لإجراء حوار بين القيادة السورية و»قسد» بهدف التوصل إلى نتائج عملية قبل نهاية العام الحالي، والموعد المحدد لإتمام الانسحاب الأمريكي من العراق.
هذه الأوضاع جعلت قادة مليشيا «قسد» وجناحها السياسي «مسد» يشعرون بخطورة وضعهم ويبحثون عن أوراق جديدة داخلية وخارجية تقوي موقفهم التفاوضي مع دمشق، حيث توجد محاولات كردية مستميتة لإيقاف المصالحات عبر تهديد مَن يقدم عليها، والإسراع بتنفيذ عمليات مسح ديموغرافية لمناطق سيطرتها بهدف وضع مسودة لـ«العقد الاجتماعي» الذي تعتبره «الإدارة الذاتية» الأساس القانوني لمشروعها، بالتزامن مع محاولات توسيع دائرة علاقاتها بحثاً عن اعتراف أطراف دولية، بينها دول عربية، بمشروع الإدارة الذاتية.
وإن نظرة موضوعية لهذه المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، تشير إلى أن محاولات «قسد» إيجاد مخرج لأزمتها الحالية، أو على الأقلّ تقوية موقفها التفاوضي مع دمشق، تلاقي صعوبات حقيقية، وأن الهامش يضيق أمامها أكثر، وأن الزمن المتبقي لحسم الكثير من هذه الملفات بات قريبا، وسيكون مع بدايات العام المقبل، حتى تتضح الأمور حول الوجود الأمريكي في العراق وسورية، والذي على أساسه ستترتب معظم الأوضاع في المنطقة.