طـلال سفيان / لا ميديا -
وسط أفراحنا بإنجاز منتخب الناشئين ولقب غرب آسيا وانهيال المكافآت الموعودة عليهم،  هل تتذكرون "منتخب الأمل" الذي أوصلنا للعالمية في كأس العالم للناشئين فنلندا 2003؟ أين مصيرهم؟
للأسف اختفى كل هؤلاء في شوارع الضياع دون أن نستفيد منهم، ومما وصلوا إليه. سأذكركم بأسمائهم فقط وسأذكر لكم مثالا: جمال العولقي، الذي أعجب بمهاراته اللاعب العالمي الكبير رونالدينيو، بينما يعمل الآن "مقوت" في أبين! وابحثوا عن الآخرين.
كانت نهاية هذا المنتخب عجيبة. والسبب مسؤولو الرياضة اليمنية. الغريب في الأمر أنه في سنة واحدة شارك منتخب الأمل في فئات منتخبات الناشئين والشباب والأولمبي والمنتخب الأول, وخلال سنوات قليلة لم يبق إلا 4 لاعبين, لينتهوا بعدها ويتبقى فقط لاعب واحد منهم مازال يلعب حتى اليوم وهو حارس مرمى المنتخب الوطني الأول محمد إبراهيم عياش.
عاش نجوم هذا المنتخب في دائرة الإهمال. في البداية ذهبت المكافآت  من أموال وعقارات وسيارات المعلن تقديمها لهم في سراديب الزيف وتحصل كل لاعب وقتها على مبلغ مليون و50 ألف ريال من أصل 5 ملايين, البعض تم توظيفه بالجهاز الحكومي حسب مكافآتهم بعد المشاركة في المونديال العالمي. والأكثر لم يتوظف وبقي في دائرة شظف الحياة وعلى باب الله. قليل ممن صرفت لهم أراض من الدولة نتيجة الواسطة ونفوذ أنديتهم، والأكثر لم تصرف لهم الأراضي الموعودة.

وسام «علوي» المنسي
من أشد القصص إيلاما هي قصة محمد علوي، مدافع منتخب الأمل، ونادي طليعة تعز. اختاره المدرب والخبير الألماني سبتلر ضمن قائمة الفريق اليمني في تصفيات صنعاء المؤهلة لنهائيات آسيا للناشئين, والتي تأهل معها منتخبنا ولاعبنا علوي إلى النهائيات.
يقول المدفعجي الأسمر الذي تألق في تصفيات صنعاء وفي نهائيات القارة الصفراء في اللقاء النهائي أمام منتخب كوريا الجنوبية: "أصبت إصابة بالغة في الركبة واضطر المدرب أمين السنيني لأن يطلب مني مواصلة اللعب نتيجة اكتمال تغيير منتخبنا, فأكملت المباراة التي خسرناها بركلات الترجيح وتأهلنا لكأس العالم".
ويستطرد محمد علوي: "كانت غلطة كبيرة دفعت ثمنها غاليا بقرار مواصلتي اللعب في تلك المباراة وتفاقم الإصابة معها. ولم أشارك في نهائيات كأس العالم بفنلندا. وقف معي بقوة رئيس الاتحاد العام لكرة القدم المرحوم محمد عبدالله القاضي في مسألة علاجي وذهبت مع زميلي عوض البيحاني إلى العراق في وقت الحرب والحصار عليه, كنت صغيرا وفرحا، ولكن لم أقدر أن أجري عملية الرباط الصليبي هناك فذهبت لإجرائها في مصر".
ويتذكر علوي: "أحد المواقف المؤلمة لي عندما ذهبت إلى مدير منتخب الأمل الدكتور نجيب العوج إلى مقر عمله وكان وقتها مديرا لشركة الغاز في صنعاء, فأخبرته بموضوعي وقال: أنت لازم تذهب مع المنتخب لفنلندا، وأصدر أمراً للمدرب أمين السنيني, لكن المدرب رفض وركب راسه واستبدل بي لاعباً آخر, الحقيقة أمين السنيني دمر وأنهى الكثير من اللاعبين وبالذات لاعبي منتخب الأمل".
محمد علوي من أسرة تعاني شظف الحياة, فاللاعب السابق غير متزوج وليس له وظيفة رسمية ويعمل حاليا في أحد المخازن كحارس, في العاصمة صنعاء، التي قدم إليها نازحاً من مدينة تعز نتيجة الحرب والعدوان.
يقول: "تركت حقيبة في منزلنا بمدينة تعز مليئة بالميداليات والكؤوس والشهادات الرياضية ولم أعد أهتم بها أو أفكر وأحمل همها, الأمر لا يهمني، كما أصبحت لا آبه بكرة القدم في الوطن واتجهت لمتابعة فريق ليفربول الإنجليزي وأشجعه".
ويختتم محمد علوي: "حالة واحدة أثارت اهتمامي وأعادتني للكرة اليمنية، وهي متابعتي مؤخرا لمباريات المنتخب الوطني للناشئين في بطولة غرب آسيا وإحرازهم للقب كما حدث مع عموم الشعب اليمني وتوحدهم في فرحة هذا الإنجاز. أتمنى أن يتم الاهتمام بهذا المنتخب وعدم تكرار مسألة الضياع والتلاشي الذي حصل مع منتخب الأمل وغيره من منتخبات الناشئين على مر عقدين من الزمن".

إبراهيــم حســــن
لاعب منتخب الأمل ومهاجم أهلي صنعاء, غير موظف رسميا، وعانى كونه من طبقة المهمشين. عمل خلال فترة في بيع البطاط واشتغل في "مقشامة النونو" جوار دار الرئاسة, ومؤخرا ذهب إلى مدينة صبيا بجيزان للاغتراب.

عوض البيحاني
أحد أبطال منتخب الأمل, غير موظف رسميا, يعيش لاعب أهلي صنعاء هنا في العاصمة ويعمل حمالا للبضائع. 
يوضح  البيحاني لصحيفة "لا": "أبحث عن لقمة العيش بمشقة وأعمل يومين فقط وأبقى شهرين دون عمل
في الحمالة".

جمال العولقي
نجم حسان أبين وأفضل لاعب ناشئ في قارة آسيا عام 2002, قبل فترة أشيع عن مقتله بصفوف جيش المرتزقة، واتضح بعدها أن الخبر كاذب وأن اللاعب السابق غير موظف ويعاني من شظف العيش ويعيل أسرته في أبين من خلال بيع القات.

فؤاد العماري
 دينامو وسط أهلي صنعاء ومنتخب الأمل, بدون وظيفة حكومية, يكافح اليوم ظروفه المادية ويعمل مدرس رياضة في مدرسة أهلية بالعاصمة صنعاء.

عبود الصافي
 نجم نادي الهلال الساحلي والمنتخب الوطني للناشئين المشارك في تصفيات صنعاء 2002, ولم يشارك في نهائيات آسيا ذلك العام بعد استبعاده نتيجة كبر سنه بحسب الاتحاد الآسيوي, والعائد لصفوف منتخب الأمل في نهائيات كأس العالم 2003 بفنلندا. يعاني من التهابات المري واليوم وبعد رحلة مرض طويلة يتواجد في مصر للعلاج.

أكرم الصلوي
 نجم هجوم منتخب الأمل ونادي اليرموك «سابقاً», احترف في السودان مع نادي الهلال والمريخ, ومنذ عودته لم يظفر بوعود توظيفه. حاليا متواجد في مدينة عدن.
طارق الحيدري، كوبرا الأمل، تعب من الركض خلف وظيفة وغادر منذ 5 سنوات إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

مأســـاة الإدريسـي
عبده علي الادريسي، هذا الاسم الذي يُذكر اليمنيين بالعصر الذهبي للكرة اليمنية، هو نجم وكابتن منتخب الناشئين الذي صعد إلى نهائيات كأس العالم 2003 في فنلندا. منذ مخاضه الأول في ناديه الأم شعب صنعاء ولعبه لفرق أهلي صنعاء والتلال وخوضه لتجربة احترافية لم يكتب لها النجاح مع نادي الوطني السعودي, ترك الرياضة وخيارات التدريب وتخريج نجوم يستنسخون إنجازهم، ليتفرغ للبحث عن لقمة العيش بعد أن شاهد بعينيه أن البنية التحتية في اليمن تقصف بوحشية من قبل عدوان غاشم وأن الرياضة في اليمن محمولة على نعش الموت أو النسيان بدون مبرر.
يعول الإدريسي سبعة من أفراد أسرته، يتحمل كامل المسؤولية عنهم. كان مصدر رزقه هو ما يتحصل عليه من راتب لقاء توظيفه بوزارة الشباب والرياضة كنجم رياضي حقق ذات يوم إنجازاً للوطن.
منذ 4 سنوات توقف هذا الراتب، وهذا حال اللاعب وحال اليمنيين. حاصرت الهموم كابتن منتخب الأمل: أسرة معلقة في عنقه، ورياضة متوقفة، مصدر دخله الوحيد تلاشى، لا يملك مع كل متلازمات الألم إلا أن يبحث عن قشة يتعلق بها في بحرٍ الحياة، وهو يمتطي مركب نجوميته لا يدري أين يتجه، فحركة يأس واحدة قد تفجر ما تبقى من الأمل في رأسه. اتجه للعمل الخاص متكلًا على ربه وعلى سمعته المميزة كلاعب خلوق وقائد لمنتخب يتفاخر به كل يمني، فنجح في وأد جفافه المادي ولو بشكل يسير.
“لقد تسببت الحرب على بلادنا بمآسٍ عديدة”. هكذا قال نجم الرياضة اليمنية الإدريسي لصحيفة "لا". ويُكمل: “اتجهت للعمل في مجال غريب عني، وهو العلاقات العامة واستخلاص المعاملات للزملاء المغتربين أو رجال المال والأعمال نظير مقابل مادي. بعدها بدأت العمل في مجال بيع وشراء العقارات وأنا الذي كنت أطمح للاحتراف في مجال الإدارة الرياضية كتخصص تحتاجه الكرة اليمنية".
يسرد الادريسي فصولا مؤلمة من معاناته كمواطن يمني قبل أن يكون لاعبًا، قائلاً: "ما فتئت الحرب تلقي بجحيمها علينا، توغلت في أعماقنا وصادرت أرواح أقرب الناس إلينا. استشهد شقيقي عبدالله لاعب شعب صنعاء في ميدان القتال، وتحديدا في جبهة الساحل الغربي في الـ7 من نيسان/ أبريل 2018. صعقني الخبر، لكني كنت أؤمن أنه منتصر في الحالتين، إما شهيدًا عند ربه حياً يُرزق أو عائدًا يحمل تباشير النصر والكرامة للوطن، فكان أن حقق نصره الأول بنيله كرامة الشهادة مدافعًا عن أرض وعرض اليمنيين".