«لا» 21 السياسي -
في توافقٍ غير مفاجئٍ بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبعد إقرار مجلس النواب الأمريكي بأغلبية 363 صوتاً مقابل 70، وافق مجلس الشيوخ بأغلبية 88 صوتاً مقابل 11 على نسخة من قانون تفويض الدفاع الوطني الذي يسمح بإنفاق دفاعي بقيمة 770 مليار دولار بزيادة 25 ملياراً عما طلبه جو بايدن، لتبرز من جديد مسألة الثوابت الوطنية الأمريكية، وهي الثوابت التي يتفق عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري، ولا تتغير بتغير سيد البيت الأبيض كل بضع سنوات. وهذه الثوابت تتفق عليها مراكز الأبحاث والإدارات الرئيسية المسؤولة عن أمور بعينها، بالإضافة إلى ما يسمى «الدولة العميقة» التي تسيطر على أمور وتترك أخرى للرؤساء الأمريكان وأحزابهم. ومن هذه الثوابت العلاقة بين شركات النفط والسلاح الكبرى المملوكة للدولة وعلاقتها بالسياسة الخارجية والداخلية لواشنطن.
ويرى كثيرون أن الشركات المذكورة هي صانع القرار الرئيسي، وأن السياسيين والسلطات التشريعية مجرد جهة تساعد في تمرير الخطط الكبرى، وأن إحدى السياسات الثابتة للإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت السيطرة على الدول الصغيرة لصالح الشركات الأمريكية العملاقة، وخاصة تلك العاملة في الصناعات العسكرية والنفطية ومؤخراً شركات التكنولوجيا.
وفي إحصائية قديمة في نهاية العام 2002 وقبل اجتياح العراق وما صاحبه من صرف كبير على السلاح وتنشيط لعمل الشركات العسكرية الأمريكية، كانت مبالغ عقود أكبر 5 شركات أمريكية مع وزارة الدفاع الأمريكية كالآتي: «لوكهيد مارتن» 23 مليار دولار، «بوينغ» 24 مليار دولار، «نورثروب غرومان» 3 مليارات دولار، «جنرال دينامكس» 3 مليارات دولار، «يونايتد تكنولوجي» 3.6 مليار دولار.
والعلاقة الخفية بين هذه الشركات وهرم السلطة في واشنطن قديمة. وقد شاعت في خمسينيات القرن الماضي مقولة لتشارلز ويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة «جنرال موتور»، كبرى شركات صناعة السيارات وقطع غيار الأسلحة: «ما هو في صالح جنرال موتورز هو في صالح أمريكا».
وتلخص هذه المقولة المصالح المشتركة بين الشركات الصناعية الكبرى وبين مصالح الولايات المتحدة، والتدخلات العسكرية الأمريكية في مختلف أنحاء العالم هي جزء من استراتيجية هذه الشركات التي تستخدم القوة العسكرية الأمريكية لتحقيق هدفين:
الأول: تحريك مصانع وشركات الأسلحة الأمريكية عن طريق استهلاك السلاح في العمليات العسكرية.
والثاني: تحقيق أرباح للشركات المدنية الأمريكية التي تعمل على إعادة بناء ما هدمه الجيش الأمريكي فتحقق أرباحاً طائلة تنعش الاقتصاد.
وعند الحديث عن المؤسسة العسكرية الأمريكية لا يخفى علينا أن هذه المؤسسة هي أكبر زبون لدى شركات إنتاج السلاح، التي تكون المؤسسة الصناعية العسكرية. ومن هذه الحقيقة نستطيع فهم معطيين:
الأول: دور الجيش الأمريكي خارج بلاده بات يمثل محفزاً مهماً للإنتاج الصناعي العسكري ولعملية تصريف هذا الإنتاج في أسواق الجيوش الحليفة والمناطق الساخنة.
والثاني: هو أن قطاع التصنيع الحربي الأمريكي يعمل على توظيف مئات الألوف من الأمريكيين، ما يُسهم في تخفيف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن البطالة.
ويمكننا بعد ما سبق فهم لماذا استأنفت إدارة بايدن الديمقراطية دعم واشنطن لجرائم السعودية في اليمن، وتسهيل عقد المزيد من صفقات الأسلحة معها! لنخلص إلى القول بأنه لا الديمقراطيين ولا الجمهوريين هم من يحكم أمريكا، بل يحكمها رجال أعمال البنادق وتجار براميل النفط ومنظمو الجنائز ومقاولو المقابر وصوانات العزاء.