خاص - دمشق - أحمد رفعت
مرة جديدة تناقلت أخبار مسربة معلومات خاصة عن محادثات  سورية - تركية غير رسمية، في محاولة لفتح كوة في الجدار المسدود بين البلدين.
جديد هذه المعلومات محادثات عقدت في العقبة الأردنية على مستوى  خبراء أمنيين وعسكريين سوريين وأتراك، وبحضور ممثلين عن دول أخرى عرف منها الأردن والسعودية والإمارات وقطر.
وفي محاولة للتأكد من هذه المعلومات والمواضيع التي ناقشها اللقاء، تواصلت "لا" مع مصادر تركية أكدت وجود معلومات عن عقد هذا اللقاء، وأن الإمارات تقف خلف ترتيبه. لكن اللافت -بحسب هذه المصادر- أنه لم يتم نشر الخبر بشكل رسمي وإنما تم تسريبه من خلال مصادر إعلامية تتبع حزب الحركة القومية التركية (الفاشي) بزعامة دولت بهشلي، شريك حزب العدالة والتنمية الإخواني برئاسة أردوغان في الحكم. وكان أول من تحدث عنه هو الصحفي في صحيفة "تركيا" التابعة للحزب ومراسل "الجزيرة" في تركيا يلماز بيلكين، المؤيد للجماعات الإرهابية، وهو ما يؤكد أن وراء التسريب أهدافاً انتخابية داخلية، حيث يعاني أردوغان من انخفاض شعبيته، وكل الاستطلاعات تؤكد أنه سيخسر الانتخابات المقبلة ويخشى من قيام الحزب القومي بفك التحالف معه.
وبحسب المصدر التركي المعارض فإن اللقاء ناقش الأوضاع في منطقة شمال سورية، حيث تتواجد وحدات تركية في العديد من المواقع بشكل غير مشروع، بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، وكذلك في إدلب التي تسيطر عليها مجموعات إرهابية تعمل تحت إمرة الجيش التركي، وفي مقدمتها جبهة تحرير الشام "جبهة النصرة".
وبحسب المصدر التركي فإن المعلومات التي تم تسريبها تقول -وفق مصطلحات تركية- بأن المحادثات تناولت تنظيم عمليات مشتركة ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني (الذي يقود مليشيات قسد العميلة للاحتلال الأمريكي) والمصنف إرهابيا في تركيا، وعودة اللاجئين، وفتح بوابات القامشلي (شمال شرق سورية)، وكسب (شمال غرب) الحدوديتين، كما تم التركيز على إعادة إعمار وتشغيل المنطقة الصناعية في حلب بأموال من قطر والسعودية والإمارات.
وأضافت المصادر أن الجانب التركي طالب بخروج ما سماها "المليشيات التابعة لإيران"، و"قسد" والمجموعات الرديفة للجيش السوري (الدفاع الوطني) في المنطقة، وقيام قوة المراقبة الدولية المستقلة بالعمل في مناطق شمال حلب، وأن تكون تركيا مشاركة فيها.
وأشار المصدر إلى أن روسيا قدمت خلال مناقشة هذه المواضيع مقاربات إيجابية لبعض هذه المطالب، أما إيران فأبدت موقفاً سلبياً وقدمت شروطاً صعبة.
أما الجانب السوري -وبحسب المصدر التركي- فقدم خلال اللقاء مؤشرات إيجابية حول العملية المشتركة ضد حزب العمال الكردستاني، على أن تُؤخذ اتفاقية "أضنة" الموقعة بين البلدين في 20 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1998، والتي تنظم العلاقات بين البلدين في المناطق الحدودية، كأساس لأي عمل حول مليشيا قسد.
كما طالبت بإعادة فتح طريقي "الحسكة ـ حلب" و"حلب ـ اللاذقية" وإعادة فتح بوابة كسب الحدودية وبوابة القامشلي.
ولفت المصدر التركي إلى أن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، كان قد سئل في مؤتمر صحفي سنوي عن حصاد السياسة الخارجية التركية عن إمكانية التعاون مع سورية فيما بتعلق بمحاربة تنظيم (PKK) (حزب العمال الكردستاني) فأجاب: "نحن مستعدون للتعاون مع أي طرف إذا كان هذا الأمر يحقق مصلحة الطرفين"، وهذا يؤشر إلى وجود نوايا للعمل في هذا الاتجاه وقد ينضج لاحقاً.
كما لفت إلى أن رئيس بلدية مدينة أورفا جنوب تركيا الحدودية مع سورية، وهو من حزب العدالة والتنمية الحاكم، قال قبل أيام: "ما حصل في سورية لعبة صهيونية واليوم الرئيس بشار الأسد يسيطر على 80% من الأراضي السورية، فإذا لم نجلس معه فمع من سنجلس؟!".
ورغم غياب أي تأكيد أو نفي سوري لخبر اللقاء والمواضيع التي طرحت فيه، إلا أن الموقف السوري من هذه القضايا معروف ومعلن، وهو رفض أي تواجد تركي في أي منطقة في سورية، وأن العلاقات ومواضيع الحدود يتم تنظيمها بموجب اتفاقية "أضنة"، وأن سورية ترفض الطلب التركي بتعديل الاتفاق ليكون التعاون الأمني بين البلدين بعمق 35 كم بدل خمسة كيلومترات على جانبي الحدود.
كما تريد دمشق تطبيق الالتزامات التي قدمها الرئيس التركي أردوغان خلال قمتي "موسكو" و"سوتشي" مع الرئيس بوتين حول الانسحاب التركي من المناطق التي تتواجد فيها في شمال حلب وفي إدلب، وإخراج التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تعمل بإمرة الجيش التركي، وإعادة فتح طريق "حلب ـ اللاذقية"، ووقف المتاجرة بمأساة اللاجئين السوريين، والسماح لهم بالعودة الطوعية إلى بلداتهم وقراهم، أما إعادة الإعمار وفي أي منطقة فإن تنظيمها هو شأن سوري ليس لأي طرف خارجي علاقة به.
وكانت لقاءات قد عقدت سابقاً على مستويات أرفع بين الجانبين بترتيبات روسية، حيث جرى لقاء بين اللواء علي المملوك، مدير إدارة الأمن الوطني في سورية، ورئيس المُخابرات التركيّة، حقان فيدان، في موسكو، لكن بدون أي نتيجة، بسبب تنصل تركيا وأردوغان من التزاماته للرئيس بوتين، الذي كان قد طرح على أردوغان خلال قمة سوتشي العودة إلى العمل وفق اتفاق أضنة، وهو ما لم يتم حتى الآن بسبب المواقف التركية.
وتؤكد دمشق بشكل دائم انعدام الثقة التام بالجانب التركي وخاصة بالرئيس أردوغان، بسبب مواقفه العدوانية من سورية، والحقد الشخصي الذي يبديه أردوغان نحو الرئيس بشار الأسد بسبب إفشاله مخططاته في سورية والمنطقة، حيث يؤكد كل المراقبين أن أي مراجعة تركية نحو سورية والرئيس الأسد ستعني إقراراً منه بفشل وانهيار سياساته ومخططاته في كامل المنطقة، وهو ما لم يستطع أردوغان اتخاذه وتحمل نتائجه، وهذا يؤكد أن رفع مستوى اللقاءات إلى مستويات سياسية أعلى مشكوك فيها، رغم المراجعات المعمقة التي يجريها أردوغان لسياساته ومحاولة إصلاح العلاقات مع معظم خصومه في المنطقة، وخاصَّةً في مِصر والسعوديّة والإمارات، رغم مواقفه الحادة التي أعلنها ضد هذه الدول، وخاصة بعد إسقاط الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي، ثم سقوط حكم الإخوان في المغرب وتونس، والذي نتج عنه محاولات للانفتاح على هذه الدول والتجاوب مع طلباتها، وخاصة وقف الدّعم الذي تقدمه تركيا لتنظيمات الإخوان المسلمين فيها، وإغلاق ووقف أنشطتهم ومنابرهم الإعلاميّة التي توفرها لهم تركيا في أراضيها.
وما يقوي موقف سورية أن أي انفتاح تركي على أي دولة في المنطقة العربية لا يمكن أن يترجم علاقات اقتصادية صحيحة طالما بقيت سورية تغلق المعابر مع تركيا، والتي تعتبر الممر الإجباري للبضائع التركية نحو هذه الدول، وقد كان إغلاق هذه المعابر بسبب دور تركيا في العدوان على سورية، ودور الحكومة التركية وأردوغان شخصياً في جلب المجموعات الإرهابية إلى سورية، أحد الأسباب الرئيسية للأزمات العميقة التي بات يعاني منها الاقتصاد التركي، وباتت تهدد مستقبل الرئيس أردوغان وحكومته الإخوانية، وهو ما يجعل دمشق غير مستعجلة على أي انفتاح على تركيا وعدم تقديم طوق نجاة لأردوغان. 
وتؤكد عمليات القصف الجوي العنيفة التي قام بها الطيران السوري والروسي لمواقع التنظيمات الإرهابية في إدلب وشمال حلب بعد أخبار عقد اللقاء مباشرة، أن أي تقدم لم يحصل في اللقاء ولن يحصل في أي لقاء آخر قد يجري، قبل التزام تركيا بكل التعهدات التي قطعها الرئيس التركي أردوغان للرئيس الروسي فلاديميير بوتين في قمتي سوتشي وموسكو، وهو ما لم يستطع أردوغان تقديمه بسبب التزامات تركيا لحلف الناتو، والتي وضعتها في مواقف عدائية مع روسيا في أوكرانيا والقوقاز وسورية، ويؤكد القصف الأخير للمجموعات الإرهابية في إدلب وشمال حلب أنه كان رسائل مباشرة لتركيا، وأن الحل العسكري هو الأقرب لحسم الملفات العالقة مع تركيا في سورية.