شخصيات الدراما التركية تغزو الأحوال الشخصية وشعار قبيلة «كاي» يحتل واجهات المحلات 

مارش الحسام / لا ميديا -
إلى ما قبل ما يسمى «الربيع العربي» كانت الدراما السورية تتربع على عرش الشاشة العربية مع حضور محدود لنظيرتها المصرية.ِ
التآمر على سوريا نال من إنتاجها الدرامي ورفع من شأن الدراما التركية ليقطف أردوغان ثمار نجاحها لصالحه ولصالح حزبه ومشروعه الإمبريالي المثير للجدل: «الخلافة».

مشاريع أردوغان
صحيفة «الزمان» التركية أكدت أن حزب أردوغان مول إنتاج عشرات المسلسلات وسخر لها كل الإمكانيات المادية والمالية والاعلامية للترويج لها.. ولفتت إلى أن نجاح هذه المسلسلات هو بفعل الدعم اللامحدود الذي قدمه حزب العدالة لهذه المسلسلات التي تتبنى أهداف أردوغان السياسية والاقتصادية.
فالنزعة العثمانية الاستعمارية واضحة كالشمس في الدراما التاريخية العثمانية، فيما تتكفل الدراما الاجتماعية بخدمة مشاريع أردوغان الاقتصادية.

مرآة الرجل المريض
الدراما مرآة تعكس واقع المجتمع، فيما الدراما التركية بشقيها التاريخي والاجتماعي تفضح أطماع أردوغان وتركيبة المجتمع التركي.
فالأعمال الدرامية الاجتماعية التركية التي سخرها أردوغان لخدمة أجندة اقتصادية وتم إنتاجها للترويج للسياحة وشراء العقارات والاستثمار في تركيا والسياحة العلاجية والتجارية وكل ما يخدم الاقتصاد، غير أن محتواها يشير إلى ما يناقض هذه الدعاية كونها تقدم تركيا كدولة منحلة أخلاقياً، ووكر لعصابات الجريمة المنظمة، وهي، أي الأعمال الدرامية، بالمناسبة تقدم الصورة الحقيقية لتركيا.
هذه الأعمال الدرامية، والتي بالفعل تعد انعكاساً مباشراً للواقع المعاش في بلد أردوغان وترجمة لسلوكيات الشارع التركي، يطغى عليها ظاهرة التفكك الأسري والعنف الاجتماعي والابتزاز الجنسي والبلطجية واللصوصية والعصابات المنظمة، وهي سلوكيات متغلغلة في المجتمع التركي، وبحد ذاتها منفرة للاستثمار والسياحة في تركيا.
وهذا ما لم ينتبه له أردوغان، ربما لأنه لا يعول على هذا النوع من الدراما كثيرا، ولا يهتم بفحص محتوى سيناريوهاتها، بعكس سيناريوهات الدراما التاريخية التي تعطينا صورة تعكس بوضوح أطماع الرجل في استرداد تركة جده المريض، ولعل أشهر تلك المسلسلات «قيامة أرطغرل» و»عثمان» وغيرهما من الأعمال الموجهة لأغراض سياسية تقوم على تزييف التاريخ العثماني من خلال الأكاذيب واختلاق وقائع مفبركة من وحي خيال يدعمة أردوغان لخدمة مشروع العثمنة.

سمو العرق التركي!
في السنوات الأخيرة ظهرت عشرات المسلسلات التاريخية التركية، وجلها تتوهم أفضلية عرقية، ورغم اختلاف سيناريوهاتها، إلا أن هناك قاسماً مشتركاً واحداً يجمعها، وهو أن جميعها تسعى لتعزيز سمو العرق التركي وتمجيد إنجازات العثمانيين التاريخية والحضارية.

ناعمة وخشنة
وفي ظل هذه الرؤية الأردوغانية التوسعية التي بدأت باستقطاب جماعات الإسلام السياسي التي أصبحت إحدى الأدوات الفاعلة في تنفيذ أجندات مشروع العثمنة، وفي محاولة منه لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية التي احتلت العالم العربي لنحو أربعة قرون، شن أردوغان حروبا ناعمة وأخرى خشنة (عسكرية).
إذ شرع بتمويل وإنتاج عدد من الأعمال الدرامية على الشاشة وأخرى عسكرية على الأرض وذلك من خلال نشر قواعد عسكرية خارج بلاده في قطر والصومال، وقام باحتلال أجزاء من سوريا واستباحة شمال العراق والتدخل العسكري في ليبيا وإقليم قرة باغ والتحرش المستمر باليونان، وغيرها من الأعمال العدائية والمتزامنة مع حروبه الناعمة المتمثلة بتمويل وإنتاج أعمال درامية ومسلسلات تلفزيونية لذات الغرض، وتوظيفها لصالح التاريخ العثماني وتنقيحه من خلال تزوير وتزييف الحقائق التاريخية لإخفاء الواقع البائس الذي عاشته الشعوب خلال فترة حكم الهيمنة العثمانية.

النفس الطويل
تتميز الدراما التركية بالنفس الطويل المحاكي لأطماع أردوغان طويلة المدى، فهناك مسلسلات تم إنتاجها قبل عقد من الزمن ومازالت أجزاؤها تتناسل حتى يومنا هذا، فيما المسلسلات التي تم إنتاجها في السنوات الأخيرة يتوقع أن تستمر لعدد من السنوات القادمة.
وعلى سبيل المثال، الأحداث التي يدور حولها مسلسل «عثمان» حالياً تعود إلى ما قبل نشأة الدولة العثمانية البائدة بعقود كثيرة، وهو ما يوحي أن هناك عشرات الأجزاء ستلي ما سبق خلال السنوات القادمة، لتتماشى مع أطماع أردوغان بعيدة المدى، والتي سبق أن روج لها الإعلام التركي بنشر خريطة لتركيا الكبرى، على حدّ مخططهم، وتشمل العديد من دول المنطقة، بينها مصر والسعودية، في إشارة واضحة إلى الترويج لعودة الخلافة العثمانية.

تركيا الكبرى
أظهرت الخريطة التي نشرتها قناة «TGRT» التركية امتداد النفوذ التركي بحلول عام 2050 من كازاخستان وتركمانستان شرقاً مروراً بالسعودية ومصر وحتى ليبيا غرباً.
ونسبت القناة الخريطة الافتراضية إلى مركز أبحاث «ستراتفور» الأمريكي، في تقريرها بعنوان: «خريطة ظل CIA عن تركيا في 2050».
وفي متابعة لها قالت شبكة (CNN) الأمريكية إنها لم تستطع الوصول إلى هذه الخريطة على موقع «ستراتفور».
وأظهرت هذه الخريطة مدى طموحات الرئيس التركي التوسعية، لاسيّما في ظلّ تمسكه بتدخلاته العسكرية في أكثر من جبهة صراع، واستثماره في الاضطرابات والحروب لتحقيق أحلام واهية باستعادة مجد عثماني قديم.
إلى جانب الأعمال العدائية تظل الدراما هي سلاح أردوغان الناعم لاستهداف كل أسرة في العالم العربي وغسل أدمغتها لصالح مشروع الهيمنة التركي الذي رغم تكشفه لايزال يمضي قدماً.

«العثمنة» تؤتي أكلها!
في دراسة أجرتها وزارة الثقافة التركية أكدت أن المسلسلات أثرت في شريحة كبيرة من المجتمعات العربية والآسيوية، وأن عدة نساء أظهرن رغبة وميولاً نحو تقليد شخصيات المسلسلات التركية، وأيضاً يتبنين الأفكار نفسها، وأن هناك عدداً من المواليد في عدد من الدول العربية والإسلامية تمت تسميتهم بأسماء الشخصيات الواردة في تلك المسلسلات.
باعتبار «اليمن مقبرة الأتراك» هذا «الوسم» لم يشفع لكثير من أبنائه من الوقوع في شراك أردوغان، إما بوعي أو بدون وعي، إذ إن شريحة كبيرة من اليمنيين باتوا شغوفين بالدراما التركية دون الاكتراث بطبيعة المحتوى، سواء الذي جاء بمد ثقافي مختلف عن طبيعة العادات والتقاليد اليمنية أو المحتوى الذي يأتي لأبعاد سياسية استعمارية.
ومن المؤسف أن هذه المسلسلات التي تنفث سماً أردوغانياً تحظى بشعبية جارفة في أوساط كثير من اليمنيين الذين افترست مقابرهم ما لا يحصى من أجداد أردوغان.
لطالما تفاخر اليمنيون بأن بلادهم مقبرة الغزاة الأتراك، وبالتالي فإنه من العار والجرم أن يتفاخر البعض منهم بالغزاة ويمجدهم.
وهناك من بلغ بهم الانحطاط حد إطلاق أسماء تركية على مواليدهم، والتفاخر بشعار قبيلة «كاي» (التي ينحدر إليها الطاغية عثمان) والذي صار يزين عدداً من المحلات التجارية ووسائل المواصلات وبجانبه صور وملصقات للمدعو «أرطغرل» و«عثمان».

الأطفال ضحية
عبدالرحمن عبدالفتاح، الذي يبلغ الـ12 عمره، لا يخفي هوسه بالدراما التركية التي ربما يدفع ثمن مشاهدتها على حساب تحصيله الدراسي، كونه يتابع أربعة مسلسلات تركية، مدة الحلقة الواحدة منها أكثر من ساعتين.
يقول عبدالرحمن: «يوم الاثنين أشاهد مسلسل المنظمة، السلاجقة ينزل يوم الثلاثاء، وعثمان يوم الخميس، وبربوس الجمعة».
عبدالرحمن لا يفقه بعد في أمور السياسة ولا الخلفيات التي جاءت منها تلك المسلسلات ولا أهدافها، وكل ذلك خارج اهتماماته المنصبة حاليا حول كمية الإثارة التي تحويها هذه المسلسلات.

الخميس قرح!
عبدالرحمن الشرعبي يقول: «أنا من متابعي مسلسل عثمان بانتظام ولا تفوتني حلقة من هذا المسلسل، لا يهمني أن فيه كثيراً من المغالطات التاريخية أو كونه يخدم توجهاً سياسياً معيناً، لأني أشاهده باعتباره عملاً درامياً قوياً يحوي كمية من الإثارة التي تستحق المشاهدة وصرت أعمل حسابه كل خميس».
ويضيف الشرعبي: «هناك مسلسلات تركية أخرى قوية وربما أقوى من مسلسل عثمان، ولا أريد أن أتورط في مشاهدتها، ولا أريد أن أغرق أكثر في بحر المسلسلات التركية، ولست متفرغا لمشاهدتها، يكفيني أن مسلسل عثمان يقرح الخميس حقي جواً».

جزء من المشروع العثماني
أما محمد سلطان فيقول: «من المؤسف أن مسلسل عثمان صار حديث المقايل الشبابية كما لو أنه بطل وليس مجرم حرب استعمارية دموية».
ويضيف سلطان: «في البداية عندما سمعت الضجة التي أحدثها مسلسل عثمان وكذا مشاهدتي للشباب يتزاحمون على محلات الإنترنت وبالذات يوم الخميس لتحميل حلقات المسلسل، تولدت لديّ الرغبة في مشاهدته بداعي الفضول رغم علمي المسبق أنه يخدم سياسة أردوغان العثمانية.. ولكن عندما شاهدت الإصلاحيين، إخوان تركيا في اليمن، يروجون لهذا المسلسل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويمجدونه كتابات وتحليلات وتسويقاً لهذا المسلسل كما لو أنه واجبهم المقدس، ماتت لدي هذه الرغبة تماما، لدرجة أني صرت أتضايق لمجرد سماعي اسم هذا المسلسل الذي صار يسبب لي صداعاً كل يوم خميس من كثر ما أكون فيه مجبراً على سماع الموسيقى الخاصة بمقدمة المسلسل تصدح من مقاهي الإنترنت والمحلات التي توفر لزبائنها حلقات هذا المسلسل».
ويتابع: «ترويج البعض لهذا المسلسل قد يكون عفوياً، ولكن الترويج الإصلاحي ليس عفويا، وإنما جزء من المخطط والمشروع العثماني».