علي عطروس / لا ميديا
أثارت تصريحات للداعية المصري أسامة الأزهري بخصوص أصول فرعون “غير المصرية” جدلاً واسعاً؛ حيث قال إن “فرعون لم يكن مصرياً أصيلاً وإنما من الهكسوس”.
تصريحات الداعية المصري جاءت في سياق حديثه في أحد البرامج عن ذكرى يوم عاشوراء التي يحتفل فيها المسلمون بنجاة نبي الله موسى، عليه السلام من فرعون وجيشه وغرق الأخير في البحر وباستشهاد الإمام الحسين وآل بيته على يد الأمويين.
وقال أسامة الأزهري الذي يعمل مستشاراً للشؤون الدينية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأستاذاً مساعداً بـ”جامعة الأزهر” في لقاء إذاعي: “هناك بحث تاريخي، وهو الأصح، أن فرعون لم يكن مصرياً أصيلاً، بل كان من الهكسوس.. فالمصري لا يصل لهذا الحد من البعد عن الله بأي حال من الأحوال، والخلاصة أن الله في هذا اليوم وضع خط النهاية لفرعون”.

الروايات التاريخية، أشارت إلى أن فرعون موسى، هو رمسيس الثاني، أحد أعظم ملوك الأسرة التاسعة عشرة، وهذا الاعتقاد سائد بين الإسرائيليين بقوة.
بينما يرى آخرون أن فرعون موسى، هو الملك مرنبتاح، الابن الأكبر لرمسيس الثاني، استناداً إلى أن أول ظهور لكلمة إسرائيل في التاريخ المصري، ظهرت في لوحة في عهده، والموجودة الآن في المتحف المصري، باسم لوحة مرنبتاح، وفق ما ذكرته تقارير مصرية.
أما الرواية الدينية، فتؤكد أن فرعون موسى أجنبي، ومن الهكسوس، المنحدرين من بني إسرائيل، وجاؤوا إلى مصر من صحراء النقب، وعبروا سيناء واستوطنوا الشرقية، وتحديداً الزقازيق، وأن مجيئهم، في الأسرة الثانية عشرة، من الدولة الوسطى.
فيما يرى بعض المؤرخين اليمنيين مثل عبدالله الكميم في كتابه “هذا هو تاريخ اليمن” بأن الفراعنة يمنيون وطبعاً هذا ما سيفرح الإخوانج المتبرللين المتربللين المسمين أقيالا حتى ولو كان رمسيس أو مرنبتاح كافرا.
لسوء حظ أقيال الغفلة أو بالأصح لحسن حظ الحقيقة وقد صار فرعون قيلاً فقد أصبحت القيلة بلقيس (وريا نايا) إثيوبية بحسب أحد مراجع الأقيال فاضل الربيعي ومحاولاته الميتة المستميتة منه ومن أقياله في تهويد التاريخ اليمني.

**
من آخر محاولات الأسرلة اللامنتهية ما تناوله موقع “زمان يسرائيل” العبري من قصة بداية الوجود اليهودي في اليمن -كما في ترجمة مركز صنعاء للدراسات الذي يرأسه فارع المسلمي ويديره ماجد المذحجي- مشيراً -أي الموقع- إلى أن النبي إرميا تنبأ بخراب الهيكل قبل أن يدمره البابليون عام 586 ق.م، وأشار إلى اعتقاد كثير من يهود اليمن أن عشرات الآلاف من أجدادهم سمعوا كلماته وفروا إلى جنوب الجزيرة العربية (اليمن اليوم) قبل وقوع الكارثة.
ولنقرأ بقية القصة حسب نفس المصدر:
نُفي معظم اليهود المتبقين إلى بابل. لا أحد يمكنه الجزم حول بداية الاستيطان اليهودي في اليمن، ولكن هناك أدلة كثيرة على وجود يهود في اليمن منذ 2000 عام. وشعروا خلال هذه الفترة دائماً بارتباط قوي بأرض “إسرائيل”.
ومع ذلك، لم يبدأ اليهود بالعودة إلى “إسرائيل” بأعداد كبيرة حتى عام 1881، واكتشفوا أنهم غير مرحب بهم هنا.
كان والد باتيا بوروفسكي، زكريا جميل، صائغاً يمنياً غادر منزله في عام 1907، وسار لمدة عامين إلى أرض “إسرائيل”. تزوجت ابنته من الراحل إيلي بوروفسكي، وهو عبقري بولندي وضع لنفسه هدفاً يتمثل في إحياء الكتاب المقدس، ومساعدة الناس على التواصل مع تراثهم. أسس الاثنان معاً متحف أراضي الكتاب المقدس الفريد في القدس عام 1992.
في الآونة الأخيرة، أطلقت بوروفسكي معرضاً بعنوان “اليمن: من سبأ إلى القدس”، وبدأ في سرد قصة اليمن للجمهور العام. يبدأ المعرض المليء بالخرائط الجميلة، والتحف العتيقة، واللافتات التوضيحية الرائعة بالطبع بقصة توراتية.
نعلم جميعاً قصة لقاء الملك سليمان وملكة سبأ في سفر الملوك. في الواقع، يخبرنا الكتاب المقدس أنه قبل أن تغادر الملكة، أُعطيت “كل شيء طلبته وبسخاء”. وفقاً للأسطورة، كانت الملكة من إثيوبيا، وولدت له ابناً. وأصبح الأمير “منليك” أباً لسلالة إثيوبية مجيدة.
ومع ذلك، إذا أمعنت النظر في الخرائط التفصيلية لشبه الجزيرة العربية القديمة المعروضة في هذا المعرض، فسترى أمام عينيك مملكة سبأ. اتضح إذن أن سبأ كانت موجودة بالفعل في اليمن. كانت جنوب الجزيرة العربية واحدة من أبعد الأراضي المذكورة في الكتاب المقدس، حيث تقع على بعد 2400 كيلومتر من “إسرائيل”. ولذلك ليس من المستغرب أنه بينما كان الشرق الأوسط يتحدث باللغة الآرامية، والأكادية، والعبرية القديمة، كان لسكان جنوب الجزيرة العربية لغتهم الخاصة (لم يذكرها الموقع بتعمد).
أصبحت الرحلة بين “إسرائيل” وجنوب شبه الجزيرة العربية ممكنة فقط مع ترويض الجمل حوالي عام 1000 قبل الميلاد. في ذلك الوقت بدأ عمل طريق التوابل الذي يخرج من اليمن، ويمر عبر صحراء النقب وينتهي في الموانئ على طول البحر الأبيض المتوسط. بدأت المنطقة تزدهر حيث كانت الأشجار التي تستخدم لإنتاج التوابل القيمة مثل المر واللبان -والتي كانت شائعة جداً في أوروبا- تنمو في اليمن. نبات خاص آخر نما في المنطقة هو البرسيمون التوراتي. في الواقع، وفقاً لمؤرخ القرن الأول يوسيفوس فلافيوس، كان عطر البرسيمون إحدى الهدايا التي جلبتها معها ملكة سبأ إلى الملك سليمان.
على مر السنين، تعلم اليهود الذين عاشوا في عين جدي، بالقرب من البحر الميت، صنع مستحضرات التجميل من البرسيمون التي كان يطمع بها أثرياء أوروبا. عُرضت في المعرض جرة صغيرة، عمرها حوالي 2000 عام، اكتشفت بالقرب من البحر الميت وعليها مادة صمغية ربما يعود أصلها إلى شجيرة البرسيمون. زوار المتحف مدعوون لاستنشاق روائح البرسيمون والمر واللبان.
اكتشفت أجزاء فخارية من القرنين السادس والثامن ق.م، منقوشة بنقش عربي جنوبي، في عدة مواقع في يهودا، وهي دليل على التجارة بين البلدين. نقشت كلمة “كوهين” على إحدى قطع الخزف المعروضة في المعرض، والتي قد تكون مرتبطة بالكلمة العبرية كوهين.
ومن المكتشفات الأخرى في المعرض شواهد القبور الحجرية. نقش على إحداها اسم المتوفى كلمة “عبد”، ويعود تاريخها إلى القرن الخامس قبل الميلاد. ومن التماثيل المصنوعة من حجر الجمشت تمثال لامرأة ترفع يدها اليمنى في الصلاة ويدها اليسرى ممسكة بسنبلة من القمح. تمثال آخر مصنوع من الحجر الجيري، وهو رأس امرأة، والنقش المحفور عليه يدل على اسم المرأة واسم والدها.
تمثال لجملين توأمين، مصنوع من حجر الجمشت، معروض ويعود تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد. ويشير المرشد يهودا كابلن إلى حقيقة أن أسماءهم تشير إلى دور الجمال الرئيسي في طريق التوابل. كان الصمغ ذا قيمة كبيرة لدرجة أن الإمبراطور الروماني أوغسطس حاول، عام 26 قبل الميلاد، غزو جنوب شبه الجزيرة العربية والسيطرة على المصادر التي استخرج منها. ولهذه الغاية أرسل جيشاً قوامه 10 آلاف جندي، (و500 يهودي جندهم الملك هيرودس)، و1000 نبطي من السكان المحليين الذين عملوا وسطاء في طريق التوابل. قاد الأنباط الجنود الرومان في حلقات، حتى نفد الطعام والماء وأجبروا على التخلي عن المحاولة.
(حقيقة مرافقة جنود من يهودا للجيش الروماني إلى جنوب الجزيرة العربية تعد أول دليل لدينا على وجود يهود في اليمن). من غير المعروف ما إذا كانوا قد بقوا هناك في ذلك الوقت أم لا، لكننا نعلم أن اليهود عاشوا في رفاهية خلال القرون الأولى بعد الميلاد، في حقبة مملكة حمير. وكان لهم تأثير كبير، ففي عام 375 تبنت العائلة المالكة الديانة اليهودية، كما فعل العديد من رعاياها. وأطلقوا على إلههم “الرحمن” وأحياناً “إله اليهود”.
غالباً ما عبر يهود اليمن عن شوقهم (لوطنهم)؛ وطلب عدد كبير منهم دفنهم في “إسرائيل” (كونها وطن اليهود حسب المزاعم). يُنسب أحد شواهد القبور في بيت شعاريم في الجليل السفلي، والذي يعود تاريخه إلى حوالي 250 قبل الميلاد، إلى “يهود حمير”، ويذكر على شاهد قبر موجود في جنوب شرق البحر الميت (الآن في الأردن) أن المتوفى توفي في أرض الحميريين.
زار المصور نفتالي هيلجر اليمن ست مرات بين عامي 1987 و2008 (مهم الانتباه لهذه الفترة)، تملأ صوره، التي توثق اليمن الحديث والحياة اليهودية التي كانت موجودة هناك حتى وقت قريب، جدران المعرض. يظهر أحدها بقايا سد شهير بني في القرن الثامن قبل الميلاد في مأرب، عاصمة سبأ القديمة. هذه الأعجوبة الهندسية، التي لم يكن من الممكن إنشاؤها إلا في مجتمع منظم جيداً باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، استحوذت على أمطار الرياح الموسمية، واستخدمت لري مناطق واسعة من البلاد.
تُظهر صور أخرى لهيلجر الحقول الخضراء في اليمن، وصحاراها البنية، وبقايا المعابد القديمة، ويهودًا يرتدون الزي التقليدي، وأطفالاً يجلسون في دائرة ويقرؤون معاً في لفيفة التوراة الوحيدة التي لديهم. وصورتنا المفضلة هي لرجل طاعن في السن يحمل بين يديه كتاباً مقلوباً، لأنه تعلم عندما كان طفلاً القراءة في دائرة.
يتضمن المعرض أيضاً كتباً مقدسة ووثائق قديمة، ومن بينها قصيدة عن المخلص من القرن الثامن عشر كتبها “الحاخام شالوم شبزي”، ونسخة لوثيقة من العصور الوسطى منح فيها محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) مكانة خاصة لليهود اليمنيين بعد أن قاتلوا معه يوم السبت. كما يضم المعرض مجوهرات صنعها والد بوروفسكي، إلى جانب الملابس التي يرتديها اليهود في اليمن.
منذ اندلاع (الحرب الأهلية) في اليمن عام 2015، أصبح من المستحيل تقريباً مغادرة البلاد. ومع ذلك، تمكن 17 يهودياً من العودة إلى (وطنهم القديم) في إطار عملية قامت بها الوكالة اليهودية عام 2016. ولايزال عشرات اليهود يعيشون في اليمن.
(أعتقد بأن الخلاصة الأجمل في ما سبق مما ذكره الموقع الصهيوني والتي يمكن أن يستفيد منها من يسمون أنفسهم الأقيال هي الفقرة الأخيرة من الاقتباس).

**
في كتابه “ديانة اليمنِ السّريَّة… ألوهية الحكيم الفلاح في الموروث الشعبي”، الصادر عن دار أروقة للدراسات والنشر والترجمة ومركز رؤية للدراسات، والذي يقع في 459 صفحة، يكشف أحد رموز من يسمون الأقيال أحمد الطرس العرامي عن بعد آخر في الأسرلة المدعاة وهو البعد الشعبي الأسطوري الذي يضاف إلى البعد التلمودي الأسطوري أيضاً.
حيث يورد في كتابه سالف الذكر أسماء شعراء الأحكام اليمنيين، مثل: علي ولد زايد، الحميد بن منصور، شرقة بن أحمد، أبو عامر، وسعد السويني و”حزام الشبثي” ويحيل إلى الناس تقديسهم فيما هو من ألبسهم التقديس؛ إذ ألحق مثلاً باسم الحكيم “علي ولد زايد”، لقب صلى الله عليه وسلم، تشبهاً بنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغلّف تلك الشخصيات بالأساطير محيلاً ادعاءه على السكان المحليين والذين يعتقدون حسب زعمه أن ذلك الرجل عاش سبعة أعمار وليس عمراً واحداً كما البشر، زاعمين أن عليّاً كان كلما أصبح عجوزاً مستنداً على عكاز، يعود شاباً من جديد في اليوم التالي، وأنه كانت له كرامات أو قدرات خارقة، كأن يعرف متى يهطل المطر ومتى يهاجم الجراد القرية.
بالنسبة لمن سماه العرامي “حزام الشبثي” نقلاً عن (نبي) الأقيال عبدالعزيز المقالح فيعرف العرامي جيداً -وهو من درس البكالوريوس في رداع وعاش بين بعض أبناء قبائلها- أن الرجل اسمه أحمد بن أحمد الشبثي من قرية ثاه -قيفة -رداع وهو شاعر شعبي عظيم يتهمه الأقيال بالتشيع وهي التهمة التي يتشرف بها الشبثي كما عبر عن ذلك في استهلالات كل قصائده تقريباً.
يعتبر العرامي -وهو من صنع مجموعة فيسبوكية جمع خلالها أمثالا وحكما شعبية يمنية- أن شخصيات الحكماء الفلاحين هي بقايا أو ظلال لشخصيات آلهة أو أنبياء أسطوريين زراعيين تنكروا، معتبراً تلك الظاهرة أحد أشكال مقاومة الثقافة الشعبية المغلوبة، ومن صور مقاومة الديانات الزراعية القومية للديانات السماوية، ونموذجاً حياً من نماذج تحولات الأساطير في المكان وعبر الزمن.
ويفترض العرامي أن هؤلاء الحكماء الشعراء كانوا في المخيلة الشعبية بمثابة شخصيات إلهية في الديانات اليمنية الزراعية، هبطت إلى مستوى بشري، حيث عبد اليمنيون القدماء آلهة كوكبية فلكية تتصل بالزراعة وأعمالها، فكان القمر هو المعبود الأساسي لهم، ثم جاءت بعده الشمس ثم كوكب الزهرة، كما عرفوا آلهة ثانوية أخرى اختلفت أسماؤها وتعددت وظائفها؛ حيث كان لكل شعب أو قبيلة إله قومي خاص يعتبرونه حامياً لهم، ورابطة تربط بين وحدات المجتمع، وقد تركز كمٌّ كبير من النقوش المسندية التي تركها اليمنيون القدامى في مناجاة الآلهة، لمنحهم الخير والعطاء، ومباركة زراعتهم ومحاصيلهم وجعلها زاخرة بالثمار والغلال، وسقيها بالغيث وحمايتها من الأوبئة والأمراض، فطلبوا منها الشفاء وتقربوا إليها، وربطوا بينها وبين مختلف المناسبات والأحداث، ولقد تميزت هذه الآلهة بالتعدد والكثرة قبل أن ينتهي ذلك إلى التوحيد، في مرحلة متأخرة قبل ظهور الإسلام -يقصد اليهودية- حيث يتطرق إلى ثيمة صراع الحميرية -اليهودية.
ويرى العرامي أن المصادر -وفقاً لتصريحات أدلى بها لموقع رصيف 22- خصوصاً الإسلامية، ركزت على الثقافة الرسمية وتجاهلت الثقافة الشعبية الأصلية للمجتمعات، ولكن لا يوجد ثقافة قضي عليها تماماً، وفي اليمن ثمة مقاومة كبيرة، حتى إن كثيراً من ثقافة المجتمع وموروثه مازالت على علاقة باليمن القديم.
ويستمر العرامي بطرح مسائل أخرى لعلها أكثر تعقيداً، مثل رمزيات قصة الملكة بلقيس ولقائها بسليمان، والعلاقات المفترضة بينها وبين قصة مشابهة في التراث الشفاهي اليمني ومعتقداته القديمة، وقضية الصراع القديم بين شمال الجزيرة وجنوبها، وتنافسها على النبوة والمركزية الدينية، وإذا ما كانت “نبوة الأسود العنسي” آخر ارتعاشات هذا الحلم.

**
حركة من يسمون بالأقيال هي مجرد محاكاة مشوهة، بل معكوسة لحركة التاريخ البشري ولو تذكرنا مثلاً الحركة الفرعونية التي ظهرت في مصر بداية ووسط القرن الماضي لوجدنا ذلك الانعكاس ولرأينا ذلك التشوه.
فمع إعلان وإقرار الدولة الصهيونية دولة عرقية لليهود سعى الصهاينة إلى دفع كل جوار فلسطين المحتلة إلى العرقنة ونبش الأرض العربية بمعاول الطائفية والمذهبية والعنصرية بحثاً عن روايات أسطورية تعزز من مسوغات ذلك الإعلان الشيطاني وبالعودة إلى عشرينيات القرن العشرين بدأت الفاشية بالانتشار في الدول عبر أحزاب مثل “الحزب الوطني الفاشي” في إيطاليا، و”حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني” أو “الحزب النازي” في ألمانيا الأكثر شهرة، والأكثر نجاحاً على الأرجح. إلا أنه تقريباً في أغلب دول أوروبا كان هناك حزب فاشيٌّ يدعو للقومية الراديكالية مثل حزب “المؤمنين الأحرار” في اليونان، و”التمرد” في كرواتيا، و”الاتحاد القومي” في النرويج.
بالتوازي والتأثر ظهر أحمد حسين و”حزب مصر الفتاة” هذا الحزب وأعضاؤه الذين عرفوا بقمصانهم الخضراء وكانوا من أول من نادوا بعودة الإمبراطورية المصرية، هذه الإمبراطورية المكونة من مصر والسودان، والتي ستكون حليفة للدول العربية وستقود الأمة الإسلامية.
أحمد حسين خريج كلية الحقوق مع زميليه مصطفى الوكيل، وفتحي رضوان أسسوا الحزب، بعد أن فقدوا الأمل في أن يجدوا حزباً يعبر عن رؤيتهم الشبابية لمصر عظيمة. وفي مقاله المنشور في “Journal of the American Research Center in Egypt” يوضح مايكل وود كيف أثرت الآثار المصرية في تكوين “مصر الفتاة”، فنجد أن أحمد حسين وبعد زيارته لوادي الملوك شعر بأن هذه الفترة تحديداً -العصر الفرعوني- كانت الفترة الأعظم في تاريخ مصر، حيث كانت إمبراطورية كبيرة يهابها العالم، لذلك وبحسبة رياضية بسيطة؛ فإن استرجاع أمجاد هذه الإمبراطورية سيتطلب العودة لهذه الفترة.
أظهر الحزب الشبابي إعجابه بألمانيا النازية، وشاركوا بالفعل في “تجمع نورنبرج” الشهير، وتبنى وجهة نظر مقاربة للحزب النازي ولكن على الطريقة المصرية، فنجدهم يرفعون أيديهم عند التحية مثلهم مثل الفاشيست، لكن مع ترديد عبارة “الله أكبر، المجد لمصر”، ولقب أحمد حسين نفسه بـ”الزعيم” مثل موسوليني.
وفي معاكسة لما يفعله إخوانج الأقيال في اليمن اليوم تغيرت أيديولوجية حزب مصر الفتاة وتغير الاسم معها وتحول من “مصر الفتاة” إلى “الحزب الوطني القومي الإسلامي” وصار ينادي بالخلافة الإسلامية، وأن يكون الملك فاروق خليفة للمسلمين.
واجتهد الإنجليز لكي يوهموا النشء المصري بأن وجود العرب والإسلام في مصر إنما هو احتلال كالاحتلال الفارسي، واليوناني، والروماني، والفرنسي، والإنجليزي وفي ما يفعله الغفوري والبخيتي وشوقي القاضي وغيرهم اليوم من محاولات لأسرلة ويهودة التاريخ اليمني محاكاة لموجة التغريب تلك وانظروا إلى من وراءهم تجدوا ما الذي يتوقعونه أمامهم.
يصف د. محمد حسين هيكل الوضع في كتابه “مذكرات في السياسة المصرية” قائلاً: “كانت البلاد العربية والإسلامية تعطف على عرب فلسطين أشد العطف. لكن حكومات هذه البلاد كانت تقف من هذه المشكلة الدولية موقفاً سلبيًّا بحتاً، وكان ساسة مصر على اختلاف أحزابهم يرون في هذا الموقف السلبي غاية الحكمة. فمشكلة العلاقات المصرية البريطانية وتنظيمها كانت تحتاج إلى كل جهد تستطيع مصر بذله، فإذا وجهت الجهود إلى فلسطين أو غير فلسطين أضعف ذلك نشاطها في المسعى لاستقلالها وسيادتها. كان سعد زغلول باشا وغير سعد زغلول من ساسة مصر يقولون هذا بصراحة، وإن لم يمنعهم قولهم من العطف على فلسطين والأسف للسياسة المتبعة فيها”.
ولذلك أكد سعد زغلول في مؤتمر فيرساي أنه ليس هنا للمناداة بأي حق سوى بحق مصر، وأنه ليس هنا إلا لمناصرة قضية واحدة وهي قضية مصر.

**
يقول الناشط الإخوانجي علي العقبي إن أحداث شبوة الأخيرة لم تقتصر على إحداث شرخ اجتماعي في المحافظة (شبوةR36;) بل امتدَّ أثرها إلى إحداث انقسام عميق داخل حراك الأقيال بحسب ادعائه.. إنها تناقضات الانفصام ومناقضات الانفصال من جعلت مثل العقبي يولول على أقيال شبوة ويصيح: يا لثأرات قتبان!
وعليه يمكن القول بأن التناقضات التي اندرجت تحت الدعوة الفرعونية وغيرها كانت من أسباب فشلها وتنسحب على مثيلاتها المعاصرة مثل الأقيال ولا يمكن أن نغفل أيضاً أن كل الحركات المماثلة اندثرت بعد الحرب العالمية الثانية ولا يعني هذا أن ننتظر بالضرورة حتى هزيمة إسرائيل وآل سعود لينتهي الأقيال وعفنهم المتأسرل المرسل يدا ممدودة تاريخياً للصهاينة ويدا تحمل فأساً جغرافية تود قطع رؤوس اليمنيين على مذبح ذو نواس وعلى معمدان أساطير التوراة والتلمود... بل سيندثر هؤلاء حتماً حين تكون اليمن دولة عدالة ومواطنة متساوية وذات قرار وهوية جامعة مانعة.