صلاح عبدالفتاح / لا ميديا -
عارياً كما يليق بيوم الحشر، عَقَد مجلس الشورى بصنعاء جلسته الأحد الفائت لاستعراض (أهوال يوم القيامة) وإثرائها بالنقاش والمداخلات والتوصيات التي يفترض أن يعمل بها... مَن؟!
نُفخ في صور الجلسة فخرج أعضاء مجلس الشورى بالمئات من أجداث بطالتهم المستدامة سراعاً وشرع المحاضر بتلاوة بيان الآخرة وعَنَت الوجوه فلا تسمع حتى همساً.
خارج قاعة (يوم القيامة) المُكَيَّفة والمُكَيِّفة يسير الجحيم على ما يرام وتستعر نار أسعار وعوز وفاقة وقودها ملايين الناس الذين هرست أضلاعهم جنازير سبعة أعوام من العدوان الكوني والحصار الإمبريالي المطبق على خبزهم ودوائهم ووقودهم للعام الثامن.
أسر الشهداء والجرحى والمرابطون القابضون على زناد الكرامة بكفاف الزاد في خنادق حرب لايزال يشب العدو نارها في هشيم هدنة هشة... كل هؤلاء ليسوا موضوع نظر في «الشورى» العاكف في عرصات القيامة يسترق السمع لحسيس جهنم الأخرى فترتعد فرائص أعضائه من خشية الله وتخضل لحاهم بالدموع من مشهد يوم عظيم وأزوف ساعةٍ تجلّت بعض أشراطها في هذا الابتذال المبجل والجلسات الأنطوانية المحلقة في سديم الغيبيات ومهب طواحين الهواء.
تذرف تماسيح الشورى الدموع خلف واعظها هدراً على هامش حرائق الشارع المتعب ولو ذرفتها في صهاريج الدفاع المدني لأمكنه مكافحة الحرائق لبضع سنين قادمة.. ولو ذرفتها عرقاً في الأراضي البور لفجرت ثورة زراعية تحقن ماء وجه بلد يتسول كسرة خبزه بمليارات العملة الصعبة لأكثر من نصف قرن... لكن أعضاء الشورى يذرفون الدموع ليُوَفَّوا أجورهم وامتيازاتهم يوم الحساب في محشر أمناء صناديق المجلس الموقر والناقر في ناقور جعجعات بلا طحين تنتفع به أكثرية كادحة تذرع إسفلت الصبر بأمل التغيير.
بينما كان المعلمون يترقبون نبأ الحوافز المعتقلة في صندوق رئيس الحكومة والمستهلكون ينتظرون نبأ ضبط الأسعار الطيارة وإلزام تجار الطاقة بإلغاء الاشتراك، راح «هُدهد سبأ» ينعق على رؤوسهم بالنبأ غير العظيم لـ«قيامة الشورى» قادماً من برزخ مجلس عالق بين الآخرة والأولى فلا هو حكومة ولا برلمان.
أحد الساخرين علّق جاداً: «لحسن حظ الهدهد أنه ما من سليمان في صنعاء وإلا لذبحه بجريرة أنباء مبتذلة كهذه»!
وقال آخر: «البلد بحاجة إلى مواقف لا إلى مجالس...» واستدرك شارحاً: «مواقف عملية من تحديات الراهن لا مواقف سيارات فارهة»!
واعتبر مراقبون حريصون أن حشر الوعظيات الغيبية في أروقة الموات الرسمي الحكومي هو تقزيم متعمد لمشروع أنصار الله الثوري الذي يحضر فيه المسار الإيماني متماهياً في المسار العملي ويتجلى الصبر في مقام الحركة والعمل بعيداً عن منبرية الخطاب الديني التقليدي ووعظيته، الأمر الذي شدد عليه السيد القائد في (يوليو -أغسطس 2017) المنعطف الأخطر في البلد حين قال: «أنا لست مجرد موعظ... أنا رجل قول وفعل بإذن الله ومستعد لأن أقدم هذا الرأس رأس عبدالملك الحوثي في سبيل الله وفداءً لهذا الشعب».
رفعت الأقلام وجفت الصحف لكن مجالس وجلسات الابتذال لم تُرفع بعد وزبد الوصاية ماكث ويذهب بـ«ما ينفع الناس» جفاءً!