استطلاع: يسرية الشرقي / لا ميديا -
لم أجد أصدق من تعبير “جنائز القاصرات” لأصف به زواج الصغيرات اللاتي لم يبلغن بعد سن الرشد، والمنتشرة في بلادنا وعديد الدول العربية، فكلا الجسدين يغطيهما اللون الأبيض وكلاهما يقودهما الناس والعيون تترقب وصولهما إلى منزلهما، ودعني أخبرك بأن الجنازة هي الأوفر حظا اليوم.. لم أنت متعجب من كلامي؟! ففي بعض الأحيان يكون الموت هو البداية لطريق النجاة، فنحن حتما راحلون إلى رب كريم رحيم، لكن تلك الطفلة ذاهبة إلى رجل رضي على نفسه أن يتزوج طفلة لا تعرف عن الزواج سوى الطرحة والفستان الذي يشبه فستان دميتها القماشية.

ظلم وظلمات
ولحساسية هذا الموضوع شعرت بضرورة أخذ رأي الشارع اليمني باختلاف عاداته وتقاليده، ومدى معرفتهم بخطورة هذه الظاهرة، وكنت أشد حرصاً على أن أسأل النساء اللواتي عشن هذه التجربة لنعيش معهن اللحظات التي عشنها وكيف أثرت في مستقبلهن وأسلوب تربيتهن لأولادهن.
البداية كانت مع الحاجة أم صالح التي تقول: “زوجوني يا بنتي وأنا طفلة، ما كنتش فاهمة إيش يعني زواجة، كنت أتخيل الملابس الجديدة والبيت الجديد، وكانت القرية اللي زوجوني فيها أماكن حالية، وكان نفسي أسير عند أختي الكبيرة، لأن قرية زوجها قريبة”.
وتستدرك: “لكن الذي يزوج بنته وهي صغيرة (جاهلة) والله إنه ظلم وظلمات، لأن البنت بتكون مش فاهمة الدنيا ولا المسؤوليات حق الزوج وأهل الزوج، وكل هذا يأخذ من عمرنا يا بنتي”.

عمتي تنتبه لي أنا وابني
وتضيف أم صالح: “أنا أديت ابني الأول وكنت ما أقدرش أنتبه عليه ولا دارية ما يفعلوا للجاهل، كنت أرقد وأقوم وقد هو يموت من البكاء، وطبعاً، كانت عمتي تجلس تصيح فوقي، ومسكينة كانت تنتبه لي أنا وابني”.
وتختم حديثها وهي تضحك: “زوجت ابنها علشان ترتاح، لكنها تعذبت معي أكثر، وقد كان ابنها عزب أحسن لهم”.

استعجال الفرحة
أما محمد علي، فقد كان الابن الوحيد لوالديه، وهو ما دفعهما لتزويجه مبكراً، يقول: “كنت الابن الوحيد لأمي وأبي، ولذلك كانوا مستعجلين لكي يفرحوا بي ويفتخروا فيني بين الناس، وبالتالي، بمجرد أن وصلت بداية المراهقة، قرر والداي تزويجي، فزوجوني بطفلة”.
ويضيف عن شعوره تجاه الزواج وهو في سن مبكرة: “تعرفوا زمان كان ما يعيب الرجال إلا جيبه، وطبعاً، أنا كنت كما هو حال أهلي فارح بالزواج ومثل كل العيال في عمري في تلك الأيام، في البداية فرحت بعروستي، ولم أفكر بأنها طفلة لا تفقه شيئا في مسؤولية رعاية أسرة، ولا كيف ستربي عيالي بينما هي الأخرى لاتزال طفلة؟!”.

ممنوع الإنجاب!
ويسرد محمد علي المعاناة والآثار الصحية التي عاشتها زوجته (الطفلة) جراء الآلام الشديدة في الحمل والولادة الأولى لها، يقول: “أذكر أنها وهي في أول حمل لها، كانت ولا فاهمة ما يحصل لها، واشتدت عليها آلام الحمل والولادة وكانت بتموت علينا، نتيجة لتمزق رحمها أثناء ولادة أول مولود لها، وحصلت لها مضاعفات أدت إلى حرماننا من إنجاب أطفال آخرين، بعد أن منعنا الدكتور من الإنجاب، وليس معي الآن سوى ابن وحيد (ربنا يحفظه)”.
ويستدرك بالقول: “المجتمع ما يرحم النسوان، فعلى الرغم من أنها تزوجت صغيرة والحمل المبكر كان السبب في حرمانها من إنجاب الأطفال، إلا أنهم كانوا يضغطون علي لكي أتزوج عليها، من أجل أي يكون لي المزيد من الأطفال، لكن بصراحة أنا ما قدرت أحملها الثقيل، ورضيت بما كتبه الله لي”.

تلعب مع عيالها
بينما هناك آخرون لديهم رأي مغاير تماماً للرأي السابق، حيث يرون أن زواج البنت وهي صغيرة شيء جيد، ومنهم الحاج أبو محسن الذي يقول: “أحسن شيء البنت تتزوج صغيرة، عشان تكبر هي وعيالها سوى، أما لو قد البنت كبيرة وعنست ما عاد الفائدة من زواجتها، حتى ما عاد تقدر تخلف إلا لو الله أدى لها جاهل واحد، وبعدين يرجع الرجال يدور له واحدة صغيرة تدي له جهال”.
ويعلل ذلك بالقول: “ما بش رجال بيجلس بواحدة وكبيرة يشتي له واحدة يربيها على يده، والله إن بعضهن يندمن أنهن تزوجن متأخر، لأن الخلفة وقد هي كبيرة تعب، لكن لما تتزوج البنت وهي صغيرة بيكبروا عيالها ويكونوا متقاربين بالتفكير وتقدر تلعب معاهم وتساير بناتها وعيالها”.

تبرير في غير محله
ويتفق أبو سعد، مع رأي أبو محسن، حول زواج البنت وهي صغيرة، فبالنسبة له يرى أن الزواج من بنت صغيرة أمر عادي وليس هناك ما يمنع ذلك، ويبرر ذلك بالقول: “أبي وجدي وجد جدي عاشوا نفس الحياة وربوا أجيال (رجال وبنات)، والبنت يكون أسهل لها تتزوج وتعيش مع أهل غير أهلها وهي عادها صغيرة تتعلم وتفهم حياتهم وتتعود عليها أسهل من لما تكبر في بيت أهلها يكون أصعب عليها أن تستغني عنهم ويكون صعب عليها أيضاً أن تتقبل حياة غير التي عرفتها وعاشتها”.
ويضيف: “ولأنها أصلاً تعودت على تلك العيشة في بيت أهلها، فإن هذا يسبب مشاكل بعد الزواج، لأنها تشتي تعيش نفس حياتها التي تعودت عليها، وتوصل أحياناً لدرجة أن ينتهي الزواج لهذه الأسباب، وأنها ما قدرتش تتقبل ناس غريبين وحياة غريبة ومسؤوليات جديدة عليها وطريقة عيش مختلفة بكل تفاصيلها اليومية”.
ويستطرد أبو سعد: “أما الرجل فإنه لما يتزوج بنت صغيرة، فإنها تتربى على يده وعلى طريقة عيش بسهولة، لأن عادها بعمر قابل للتعلم والتأقلم وترجع واحدة من البيت وتشعر بأنهم عائلتها الجديدة، وبالتالي تتعلم الانتباه لزوجها وتفهم مسؤولياتها أكثر لأنها تعلمت بعمر صغير”.
ويرى أبو سعد بأن البنت متى ما وصلت عمر 12 سنة، فهي مؤهلة للزواج، يقول: “بعدين مافيش حاجة اسمها بنت صغيرة، أول ما توصل عمر 12 سنة قدها مرة، مثلما نحن وقعنا رجال واشتغلنا وهي قدها حق زواجة”.
ويواصل بالقول: “أحد الأسباب لتزويجها مبكراً هو تجنب وصولها إلى سن لن يكون لديها فرصة لأن تتزوج، لأن أمرا كهذا في بعض القرى يجلب الإشاعات على العائلة سواء من طباع أو أخلاق سيئة أو مرض منتشر في العائلة، وأثره ينعكس على نساء العائلة بأكملها”.

إثبات رجولة
علياء صلاح، تقارب الموضوع من ناحية طبية بحتة، وترى أن السبب الرئيسي لاستمرار زواج القاصرات في بلادنا وحتى البلدان العربية الأخرى، هو الجهل بطبيعة فسيولوجية المرأة جسدا وعقلا ومشاعر.
وتقول: “من المؤسف أن بعض الرجال ينظرون للمرأة بأنها مجرد وسيلة لإشباع غرائزه سواء الرغبة الجنسية أو السلطة والهيمنة أو الطاعة الكبيرة أو التحكم، وتكوينها كما تشتهي رغباته أو الرغبة في ذلك الجسد والعقل اللذين لم يظهر عليهما آثار التقدم في العمر التي يراها عيوبا لا تشتهيها رغباته”.
وتضيف: “وكما تعرفين فإن البنت في مجتمعنا تربت على احترام وطاعة من هو أكبر منها، وخصوصاً الزوج، وهذا ما يجعل من هذه الظاهرة منتشرة بشكل مبرر اجتماعياً، فالرجال من وجهة نظرهم صحيحة ومنفعة لهم، فهي لا تعارضهم أو تعصيهم أو تشكو منهم، لأنها تربت على أن ذلك هو واجبها، وأن الحياة تسير هكذا”.
وترى علياء بأن بعض الشباب الذين يتزوجون بقاصرات يكونون غير مدركين لحقيقة الأمر والمخاطر الصحية والنفسية المترتبة على مثل هكذا زواج، فهو “لا يفهم سوى أنه رجل وأنه يجب أن يكون رجلا بمقاييس المجتمع مثلما يتعلم من عائلته والناس من حوله ويذهب أينما يرميه أهله ويفعل ما يقررونه هم، وبالتالي فهو لا يفهم سوى أنه ذكر يريد الزواج لا غير”.

الزواج مسؤوليات وليس أطفالا فقط
أم رحمة تقول: “أنا تزوجت بعد ما خلصت الجامعة، ويستحيل أن أزوج ابنتي قبل ما تكون فاهمة وواعية للحياة ومسؤولياتها كاملة، الزواج ليس أطفالا وبيتا فقط، الزواج علاقة مقدسة، يجب أن تقوم على التراضي والحب والتفاهم وهذا صعب يتحقق بدون ما يكون الزوج والزوجة واعيين ومتفهمين، وعلى الأقل تكون البنت فاهمة واجباتها والمسؤوليات المقبلة عليها، وبهذا تقدر تربي جيلا سليما وواعيا يكون قادرا على الإسهام في تطوير بلاده، ونصل بإذن الله لأعلى المراتب بين الأوطان الأخرى”.

تأثيرات نفسية وجسدية خطيرة
الدكتورة  سكينة عبداللطيف متخصصة في الطب النفسي، يقول: “بحكم خبرتي مع الحالات التي نقابلها في حياتنا، فإن أكثر حالات اكتئاب ما بعد الولادة تكون بين القاصرات، والمصيبة أن المجتمع يستهين بالمشكلة ويتعامل معها على أنها دلع أو مبالغة من الأم (الطفلة)”.
وتشير إلى أن اكتئاب ما بعد الولادة هو أمر شائع بين الكثير من النساء، فما بالك بطفلة لاتزال أصلاً بحاجة للرعاية، ويقول: “للأسف، اكتئاب ما بعد الولادة تتعرض له الكثير من النساء فما بالك بطفلة هي أصلا مازالت بحاجة إلى الرعاية والاهتمام، وبحاجة حقيقية لأمها وأبوها، فيما الآن مطلوب منها أن ترعى أطفالاً، فهي أصلاً لم تستوعب التغيير الذي في حياتها بعد الزواج”.
وتختتم الدكتورة سكينة حديثه بالقول: “أحب هنا أن أستغل الفرصة وأنبه إلى أن زواج القاصر جريمة إنسانية، بعيدا عن أي اعتبارات، لأن الفتاة القاصر تكون نفسيا وجسديا غير مكتملة، وبالتالي فإن له آثارا نفسية وجسدية بالغة الخطورة عليها، حتى لو سمعنا عن قصص قاصرات تزوجن وأمورهن على خير ما يرام، لكن بالمقابل هناك الكثير من القصص عن محاولات انتحار أحياناً، لكن المجتمع للأسف يرفض أن يصدق هذه الحقائق، ونسأل الله السلامة لكل النساء”.