حاوره:يحيى الضلعي / لا ميديا -
عند الخوض في سيرة ومسيرة نجوم الزمن الجميل لكرة القدم اليمنية، ثمة أسماء تركت انطباعا جميلا في فكر وعقول كل من شاهدهم داخل الملعب وتعرّف على سلوكياتهم خارج المستطيل الأخضر، وما النجم جمال علي هبة، لاعب ومدرب فريق المجد في عصره الذهبي خلال السبعينيات والثمانينيات، إلا واحد من تلك الأسماء التي حفرت في الصخر لتصنع التاريخ الجميل المكتوب في صفحات ناصعة ستبقى دائماً وأبداً.
كثيرون يعرفون ما قدمه الكابتن جمال مع فريق المجد في سنوات متميزة كانت فيها النجومية لا تعانق إلا أصحاب القدرات الخاصة، ويتذكرون أن هذا اللاعب، المتميز أداءً وسلوكاً، غادر الوطن في فترة كان ما يزال يحتفظ فيها بالكثير ليقدمه؛ إلا أن الحال فرض الترحال، ليبتعد عن مسارات اللعبة ومسابقاتها وملاعبها وحتى جماهيرها التي ارتبط بها بخصوصية بحتة.
في أواخر التسعينيات قرر الكابتن جمال الهجرة إلى أمريكا لبناء المستقبل ولقمة العيش وبدء حياة أخرى، فمرت السنوات وعاد الرجل إلى أرض الوطن مرة ومرات، ليجد الذكريات الجميلة برفقة النجوم الكبار والإنجازات التي صنعها بمعية جيل مختلف مع "المجد"، الذي أصبح من الذكريات بعدما تم دمجه وغاب عن المشهد الرياضي.
اللاعب والمدرب جمال هبة يظل حالة استثنائية بملامح النجومية، فقد تميز كلاعب "جوكر"، ثم مدرباً في محطات كثيرة مع فريقه المجد وفرق كروية أخرى حظي بالتواجد معها مدرباً وقادها في كثير من المناسبات والبطولات إلى النجاحات والإنجازات التي ما يزال يتحدث عنها زملاؤه ورفاقه بشكل يعبر عن قدرات الكبار.
كان مشواره الكروي زاخراً، تتلاقح فيه البسمة مع الدمعة، تتزاوج فيه النغمة مع النقمة، تتمايل فيه النسمة مع مفردات الهمة، وكانت عناوين مفارقات أوصلته إلى القمة.
هو "جمال" الذي صنع الجمال مع كرة القدم، حتى حين يزور الوطن تجده جميلا بجمال روحه وطيبة قلبه وروعة أخلاقه. وخلال زيارته الأخيرة استغللنا تواجده في العاصمة صنعاء وأجرينا معه حوارا ممتعا ومتشعبا عبر "لا الرياضي"، غاص فيه "جمال" في تفاصيل كثيرة عن سيرته ومسيرته، وخاض في قضايا تهمه وتهم لاعبي كرة القدم في الماضي والحاضر.
  مرحباً بك كابتن جمال ضيفاً على صفحات "لا الرياضي"!
- حياكم الله، وأنا سعيد جداً أن أكون معكم.
 الملاعب وأنت في قمة مستواك كمدرب بعد أن كان لك صولات وجولات قبل ذلك كلاعب مع فريق المجد... لماذا؟
- الظروف هي التي قادتني لاتخاذ قرار الابتعاد عن ملاعب كرة القدم، وقررت الهجرة إلى أمريكا بهدف تحسين الوضع المعيشي، وأيضاً لأسباب أخرى جعلتني أفضّل الابتعاد عن ملاعب كرة القدم.
  كيف جاءت فكرة هجرتك إلى أمريكا؟
- غادرت اليمن إلى أمريكا في أواخر التسعينيات، عندما وجدت هناك فرصة مناسبة للعمل، خاصة وأنه في تلك الفترة لم تكن الأجواء الرياضية صافية بالنسبة لي، فكانت الهجرة هي الخيار الأمثل والمناسب.
  هل ندمت على قرار تخليك عن معشوقتك لعبة كرة القدم؟
 - مزاولة الرياضة في أيامنا كانت نابعة عن هواية وعشق وشغف كبير. وعندما نستعيد ذكريات أيام الزمن الجميل نشعر بارتياح لا نظير له، ودائماً نجد الكثير من عشاق كرة القدم يتحدثون أن الرياضة كانت جميلة جداً في أيامكم، وكانت هناك أخلاق رياضية ولعب وفن وحب واحترام... ولهذا لا أشعر بالندم أني تخليت عن كرة القدم ومواصلة المشوار؛ لأني والحمد لله مقتنع بما قدمته، ويكفيني أنني كسبت حب الجماهير.
  كان اسم نادي المجد "13 يونيو". هل تتذكر أسباب التغيير؟
-نعم، نادي المجد قبل ذلك كان اسمه "13 يونيو"، الذي تكون ونشأ بحي نقم في العاصمة صنعاء، وكان كل لاعبي النادي يسكنون في المكان نفسه وفي الحارة نفسها، وتم تأسيس وإشهار النادي في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وعملية إنشاء النادي جاءت حينها في أصعب الظروف، بسبب عدم وجود مقرات وملاعب وإمكانيات، بل كفاح ونضال وحب لكرة القدم فقط، وكان المقر يتكون من دكان واحد فقط، ولكن بإصرار وجهود اللاعبين الذين سبقونا في اللعب استمر النادي تحت اسم "13 يونيو"، وبعد ذلك تم دمج فريقي الثورة و13 يونيو في نادٍ واحد سمي "المجد"، بعد استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي رحمة الله تغشاه، والذي حمل معه مجداً رياضياً مشرقاً.
  المجد كان من أبرز الأندية المتميزة على الساحة الرياضية اليمنية، وخاصة فريقه الكروي، الذي كان يضم نخبة من ألمع نجوم كرة القدم؛ غير أن تاريخ هذا النادي أصبح في خبر كان. ترى ما هي الأسباب؟
- لا أخفي سراً إذا قلت إنها مؤامرة كبيرة وخبيثة حدثت لنادي المجد، واستهداف ممنهج لتدمير النادي، وبالذات خلال التسعينيات. وللأسف الشديد أن هذه المؤامرة قادها بعض النخب من القيادات الرياضية الذين كانوا على رأس هرم الرياضة اليمنية، فبدأ الاستهداف بمبرر دمج النادي مع أندية أخرى، وبالفعل حققوا هدفهم بالقضاء على نادي المجد عندما تم اتخاذ قرار الدمج مع نادي الزهرة ونادي حمير تحت اسم "نادي 22 مايو".
  هل كنت مع فكرة دمج المجد مع الأندية الأخرى تحت اسم 22 مايو حالياً؟
- لم ولن أكون موافق مطلقاً على تغيير اسم نادي المجد ودمجه مع الأندية الأخرى، مهما كانت الظروف؛ ولكن للأسف الشديد تمت العملية تحت ضغط كبير جداً على القائمين على النادي آنذاك، ومورس جميع الوسائل للقضاء على تاريخ المجد. وأتذكر حينها أننا في إحدى الأيام فوجئنا بحضور حسين العواضي وإلى جانبه مجموعة من اللاعبين إلى النادي، وأعلن حينها أن الدمج قد تم بالفعل، في حين كانت إدارة النادي ترفض الفكرة جملة وتفصيلا. وأتذكر حينها أن لاعب المجد مجاهد الآنسي سجل اعتراضه الشديد على حديث العواضي عندما أكد أن الدمج قد حدث، وتساءل الآنسي مستغرباً: بأي صفة يقول العواضي هذا الكلام؟! وبعدها عملنا على إفشال قرار الدمج، الذي لم يكن له مسوغ قانوني؛ لكن دون جدوى.
  يقال أيضاً إن ثمة مقترحا قبل ذلك لدمج المجد مع الزهرة تحت اسم "نادي الاتحاد". ما صحة ذلك؟
- صحيح، كانت هناك فكرة دمج نادي المجد مع نادي الزهرة تحت اسم "نادي الاتحاد"، على أن يتم اختيار 7 أعضاء من المجد و7 أعضاء من الزهرة للإدارة. وفي تقديري أن هذه الفكرة كانت بداية المؤامرة لاستهداف نادي المجد، بدليل أنه تم انتقال 8 من أبرز لاعبي نادي المجد إلى صفوف فريق الزهرة، وهم حسين جباري ومحمد العزعزي وعبدالعزيز عايش وأنور راشد ومحمد فيضي وصادق شاجرة وتوفيق عبدالجليل ومحمد الخولاني. وهذه الانتقالات كانت بفتوى من اتحاد كرة القدم، بهدف إضعاف نادي المجد وتمرير فكرة دمجه مع الزهرة تحت اسم "الاتحاد"؛ لكنها لم تكلل حينها بالنجاح.

دبلوم بـرازيلي هو الأبرز
  ما هي أبرز الإنجــازات والنجاحات التي حققتها خلال مسيرتك الرياضية مع كرة القدم؟
- سيرتي الرياضية مع كرة القدم بنادي المجد كانت بالتدرج، كلاعب ناشئ ثم مع فريق الشباب ثم اللعب في صفوف الفريق الأول. وحصولي على شهادة الدبلوم في تدريب كرة القدم من البرازيل عام 1985 هو الإنجاز الأبرز خلال مسيرتي الرياضية، وإثر ذلك أتيحت لي الفرصة بتعييني مساعداً للمدرب الألماني لفريق المجد، وحينها أحرز الفريق كأس الجمهورية في العام 1987، كما قمت بتدريب الفريق الأول بنادي المجد، وتدريب كافة الفئات العمرية بالنادي، وحظيت كذلك بتدريب فريق النجدة وحصلنا على دوري الوحدة، وتدريب فريق المدرعات عام 1991 وحققنا لقب الدوري العسكري، فضلاً عن قيامي بمهمة تدريب فريق النقل الحربي وعدد من الفرق العسكرية والأمنية.
  ماذا أعطتك الرياضة؟ وماذا أخذت منك؟
- الرياضة أعطتني حب الوطن، وعلمتني الأخلاق الرياضية مع الجميع. الرياضة لم تأخذ مني أي شيء، بل أعطتني حب جماهير كرة القدم.
  برأيك، ما هي أسباب تدهور الحركة الرياضية في اليمن، وخاصة كرة القدم؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
- ربما الأوضاع التي يمر بها وطننا الحبيب خلال السنوات الأخيرة هي أبرز أسباب تدهور الرياضة اليمنية، فضلاً عن عدم وجود مسؤولين أكفاء في الجهات الحكومية للحركة الرياضية، وعدم وجود شخصيات رياضية في الأندية والاتحادات، وكذلك الظروف المالية الصعبة التي يمر بها اللاعبون.

اتحاد الكرة قام بتهبيطنا وجمال حمدي كان له الفضل بعودتنا بين الكبار
  ما هو الحدث الذي لا تنساه في مسيرتك الرياضية كلاعب كرة قدم مع فريق المجد؟
-  لا أنسى ذلك المخطط الذي استهدف فريق المجد في موسم 88/ 89م، عندما تم اتخاذ قرار تهبيطه إلى أندية الدرجة الثانية، بذريعة أنه قام بتجاوزات غير قانونية في المباراة التي جمعته مع فريق شعب صنعاء. وهذا كان عذرا أقبح من ذنب من اتحاد كرة القدم، واستهدافا واضحا فاضحا لنادي المجد لتهبيطه. ورغم ذلك تمكن الفريق بعدها من العودة إلى الدوري الممتاز بجهود الكابتن جمال حمدي وبقية الزملاء اللاعبين والمخلصين من أبناء النادي.
  كيف ترى الأحداث التي يمر بها الوطن حالياً؟ ومــــا هــي الرســــالة التـــي توجهها؟
- للأسف الشديد وطننا الحبيب يمر بمرحلة صعبة جداً جداً، ونسأل الله عز وجل أن يعجل بالفرج، وأن يحسن المخرج، وأن يلم شمل اليمنيين أمام مخطط أعداء الوطن العربي والأمة الإسلامية. والرسالة التي أوجهها لكل عقلاء اليمن، أقول لهم: اليمن والشعب اليمني أمانة في أعناقكم.
  كلمة أخيرة تود قولها في ختام هذا الحوار...؟
- في الختام الشكر والحب والاحترام لكل مواطن يمني غيور يحب تراب هذا الوطن الحبيب. والشكر لصحيفة "لا"، التي عادت بنا إلى الجماهير الرياضية وإلى الزمن الجميل فعـــــلاً للكــــــرة اليمنية من خلال هذا الحوار.