بشرى الغيلي / لا ميديا -
رغم موسمية الدراما اليمنية إلا أنها تُصر كل عامٍ على أن تُقدم الإنسان اليمني للمتابع العربي والعالم وكأنه ذلك المختل عقليا، المستهتر بحياته، المتسخة ملابسه، المعاق فكريا وجسديا... فحتى على مستوى طقم أسنان الممثل يتم اختياره إما مكسورا أو بارزا خارج فكيه! لم يكتفِ المخرجون بذلك، بل يصرون على أن تلك هي سلوكيات أفراد المجتمع وأنه واقعهم.
في هذا الاستطلاع، الذي أعدته «لا»، الكثير من وجهات النظر المتباينة والمتفقة حول الدراما اليمنية.

ارتجال لملء الفراغ
«بعيدا عن رداءة الأداء وكثرة التهريج والاستظراف العبيط الممل، ظلت الدراما اليمنية غائبة أو مغيبة عن ممارسة دور فني إيجابي حقيقي يخدم الإنسان اليمني وقضاياه. هي في جلها أعمال مرتجلة تسعى لملء فراغ، ووسيلة لا أقول للارتزاق، بل للقمة العيش أو السعي للثراء عند بعضهم، فحسب». بهذه الكلمات بدأ الدكتور عبدالرحمن الصعفاني، أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب - جامعة صنعاء، حديثه لـ»لا» حول واقع الدراما اليمنية.
ويضيف: «ربما كنا قاسين على الدراما اليمنية وممثليها إذا نظرنا من زاوية أن واقعنا كله ارتجال في ارتجال وعبث في عبث؛ لكن الحقيقة المغيبة أنه تم إسقاط دور النخبة وريادتها، والفن ونزوعه للإنجاز والاستشراف والتوغل بقواه الناعمة ليغير الواقع ويطور الحياة والمجتمعات، لا ليقودها النكوص والردة الحضارية».
ويؤكد الصعفاني أن الدراما اليمنية -باختصار- رديئة حقا، ولا تستفيد من تجاربها أو تجارب الآخرين، فما يؤخذ عليها اليوم هو ما أخذ عليها قبل عام وعامين وأكثر؛ لكن لا استجابة ولا تصحيح للمسار؛ لأنها سوق عبثية للغاية لا تحكمها رؤية ولا تقودها استراتيجية ولا أفق يدفع بالمجتمع اليمني للأمام!

تفتقر للإبداع
لطيفة الفقيه (إعلامية ومعيدة بجامعة صنعاء) بدأت بتساؤلات منطقية: «للأسف الشديد عندما أشاهد بعض المسلسلات اليمنية أتساءل مرارا: ما الذي يجبر المخرجين على تقديمنا بهذه الصورة البشعة؟! ومن سمح لهم بذلك؟! ما الذي سيضيفه ذلك للمشهد وللمشاهد أيضا ولمستقبل الدراما اليمنية؟! وما الذي يريدون إيصاله للعالم عن اليمنيين؟! البعض منهم يقول بأن تشويه صورة الممثلين يضفي نوعا من الفكاهة والتسلية والترويح عن النفس، وآخرون، وهم الطامة الكبرى، يعتبرون ذلك تجسيدا للواقع، وأن هذا هو مجتمعنا، وهذه هي سلوكياته، وهؤلاء الشخصيات، الممثلين والفنانين، يمثلون غالبية المجتمع اليمني، بملابسهم المتسخة، وصورهم المشوهة... لا أدري حقيقة هل إظهارهم بهذه الرداءة والبشاعة يحقق نجاحا للمسلسل؟! أم يخيل لهم أننا لا يمكن أن نضحك إلا أذا أظهروا ممثليهم بكل تلك العاهات الجسدية وأيضا اللفظية؟! هم لا يدركون حقيقة أن المتابع لا يريد كل هذا التشويه والمسخ لذاته؛ هو فقط يحتاج مادة درامية وإخراجا فنيا يحترم ذائقته. ورغم أن الدراما اليمنية موسمية ولا يتابعها المشاهد إلا في رمضان؛ إلا أنها تفتقر للإبداع في الشكل والمضمون، إضافة إلى أن ما تبثّه معظم الشاشات المحلية لا يرقى إلى مستوى العمل الدرامي الفني ومقوماته، من حيث الفكرة والأداء والإخراج؛ حيث يغلب عليها التهريج والكوميديا الساخرة، وتشويه الصورة النمطية للمجتمع، وطرح قضايا لا جدوى منها ولا تعبر عن تطلعات الجمهور».
وختمت الفقيه حديثها: «أظن أن كُتَّاب السيناريو والمخرجين وشركات الإنتاج وقعوا في الخطأ الأكبر عندما تناولوا الشخصية اليمنية بكل هذا السوء والشر أيضا، وإلا فما الداعي لكل هذا التشويه؟! ولماذا يختار المخرج والمؤلف في مسلسله الدرامي أو الفكاهي الساخر بعض النماذج السيئة في المجتمع ويسقطها على الغالبية؟! من سمح لهم بذلك؟! لماذا يعمد المخرج في قصته الدرامية إلى تشويه الشخصية البطلة، تارة يظهرها بملابس متسخة، وتارة بأسنان مكسورة، وأخرى بوضع علامات في الوجه وخدشه... ناهيك عن التلعثم الطاغي على لهجته وأثناء حديثه؟! لماذا لا يأتي بشخصية حضارية، نظيفة، مرتبة؛ حتى وإن كانت القصة فكاهية، فالممثل وإجادته للدور تغنيه عن الظهور بكل تلك العاهات والقبح والتخلف».

لا رسائل هادفة
من جهته يرى خالد مسعد، مدير مكتب الإعلام بمديرية عبس - حجة، أن ما تعيشه المسلسلات اليمنية، لاسيما هذا العام، إعاقة في الشكل والفكر والثقافة. «وأنت تشاهد هذه المسلسلات تشعر أنها تخلو من الرسائل الهادفة، وانحطاط في محتواها، ناهيك عن نشر ثقافة دخيلة لا تمت للإنسان اليمني بصلة».
ويضيف: «للأسف مثل كل عام استخفاف بالناس ونشر ثقافة التهريج والحط من شأن الإنسان اليمني وتصويره بالمتخلف الذي لا يسعى إلا وراء النساء وتوافه الأمور. هذه السلبيات لا تقف عند الممثل اليمني، فهناك ضعف كبير من المنتج وفريق التصوير في إظهار الممثل بشكل جيد. فعلى سبيل المثال وأنت تتابع مسلسل «دكان جميلة» تلاحظ هزالة التصوير والإضاءة، لكأنما تشاهد هواة في التصوير».

تطور ملحوظ
محمد داود (إعلامي وكاتب سيناريو) يتحدث عن الدراما اليمنية بوجهة نظر مختلفة، حيث يقول إنه يلمح فيها تطورا ملحوظا هذا العام وجهودا جميلة وكبيرة من أجل تقديم الدراما اليمنية إلى الجمهور اليمني والعربي المتابع من خلال مسلسلات متنوعة وهادفة، وفيها من التنوع الثقافي والمعرفي الكثير، خاصة في تنوع اللهجات اليمنية من مختلف المناطق وإبرازها.
ويضيف: «المنتج اليمني ينتج العمل بميزانية قليلة جدا، وبكادر فني بالفطرة، ويفتقر إلى التأهيل والتدريب في المجال الفني؛ إلا أن الأعمال جميلة ويُشكرون عليها. وبحكم خبرتي المتواضعة في مجال الإنتاج لاحظت تطورا ملحوظا، خاصة في التصوير، واختيار اللوكيشنات، ونفتقر فقط إلى كُتَّاب محترفين يعملون على تطوير وتغيير الأفكار المستهلكة التي تعودنا عليها طيلة الأعوام السابقة».
ويختم داود: «يظل الاختلاف في الرأي وارد ولا يفسد الود، والنقد المتخصص إذا كان إيجابيا لتطوير العمل الدرامي فهو مستحب. أما جلد جميع الممثلين والطواقم من أجل النقد وإظهار أن هذا الفن والممثلين لا يمثلوننا، أرى أنه خاطئ جدا، ويهدم ولا يبني».

قضايا مستهلكة
حمزة ذياب (طالب إعلام) يرى أن الممثل اليمني في عجزٍ دائم، كل شيء مكرر، حتى القضايا المتناولة مستهلكة جدا، لا يوجد أي تقدم في الفن أبدا، كما لا يوجد أي تمثيل للواقع اليمني، «صورة الإنسان اليمني التي تصدرها المسلسلات لإخوتنا العرب هي صورة إنسان تافه جاهل غير متزن مع الواقع، ودائما ما أقول لإخواننا العرب: لا تأخذوا شخصيتنا من مسلسل؛ فنحن أعظم وأكبر من كل ذلك».

محدودية القدرات الإنتاجية والخبرات 
لارا عبدالله (أستاذة جامعية) تقول: «بغض النظر عن أخطاء السيناريو والحبكة، التي قد تكون غير منطقية ببعض المشاهد؛ لكن يجب أن نقدر أن القدرات الإنتاجية بسيطة، فحتى لو كانت القصة قوية فإظهارها بصورة لائقة يحتاج لإمكانيات مادية، والأعمال الدرامية لا بأس بها بقدرات إنتاجية وخبرات محدودة. الدراما اليمنية تحسنت هذا الموسم أفضل من السابق في عدد المسلسلات، وتنوعها بين الدراما والكوميديا، والأهم في نهاية المطاف أن المواطن العادي ليس ناقدا، ولا يبحث عن الهفوات بقدر ما يستمتع وهو يقلب القنوات ويشاهد المسلسلات اليمنية».

وميض أمل
يرى الصحفي محمد خالد أن المسلسلات اليمنية بدأت تختلف عن السابق؛ ولكن المشكلة في السيناريو اليمني أنه غالباً ما يركز على الجانب الساخر في الدراما، وكأنها الوسيلة الوحيدة لنيل إعجاب الجمهور. «أنتقد هذه الطريقة، وأفضل لو تم استخدامها بأسلوب مختلف؛ فهناك العديد من القضايا الاجتماعية، وبعضها حساسة، يمكن طرحها بشكل أو بآخر في الدراما اليمنية؛ ولكن لا يحدث ذلك».
وأضاف: «أتمنى أن يحاول كُتّاب القصة والسيناريو أن يُفكروا خارج الصندوق، أن ينطلقوا بخيالهم وبأفكارهم، وألا يَظلوا حبيسي الدراما القديمة. وأعتقد أن الكثير من الشباب الآن لديه من الأفكار ما يحتاج لتوجيه فقط من أصحاب الخبرة. وأكبر دليل على أن هناك إبداعا هو فيلم «المرهقون» الذي عُرض في مهرجان دولي ونال استحسان العديد. وهناك وميض أمل بأن القادم سيكون أفضل وأجمل، وأن الدراما اليمنية ستبدأ بالتحول والاتجاه نحو القضايا المهمة، والتي تهم الفرد والمجتمع».

تحصيل حاصل
سمية الحسام (ناشطة حقوقية) بدأت حديثها: «إنصافاً يوجد لدينا ممثلون رائعون، والدراما اليمنية مشهود لها بالتميز والإبداع، سواء في الحوار أو اللهجة، وكذلك البساطة المحلية واللبس الجميل؛ ولكن خلال سنوات الحرب ونتيجة الظروف والتحديات أصبحت الدراما اليمنية تحصيل حاصل، تخضع لرغبة المنتجين، إضافة إلى أسلوب المخرج؛ ولكن يجب أن نسلط الضوء على وزارة الثقافة، التي لم تهتم بالممثل من كل النواحي الفنية والإنسانية، بل إنها غائبة تماما ولا علاقة لها بالممثل أو بالفن من أساسه، وبالتالي أصبح المنتجون اليمنيون هم من يتحكمون في الممثل وأسلوب وطريقة لبسه وتصرفاته وإظهار الممثل الجميل وكأنه إنسان لا هدف له وعاهة في المجتمع، حتى الممثلون الجدد (الوجه الجديد) للأسف لم تهتم بهم الوزارة إطلاقاً، فالمواهب تحتاج أيضا لصقل وتدريب وتعزيز المهارة».
تختم الحسام: «تاريخ اليمن مليء بالأحداث والقصص المشوقة والتي نفتخر بها، لماذا لم يتم تجسيد التاريخ اليمني، وحكايات الريف، وصوت الأرض الزراعية، وبسالة الرجل اليمني، وشجاعة المرأة اليمنية...؟ قصص وحكايات جميلة، تحتاج لمنتجٍ ومخرجٍ ينتميان للهوية الوطنية، وليس لقناة بعينها أو تاجر أو حزب أو طرف. للأسف حتى الفن تم تسييسه».

آخر الأوراق
ختاما نكرر أن هناك وجهات نظر متباينة حول الدراما اليمنية، إلا أن كفة الامتعاض كانت أرجح، خصوصا وأن ثمة بعض الأعمال الجديدة التي تبث حاليا على شاشات التلفزة الرمضانية لا جديد فيها، بل هي إمعان في الاستخفاف بعقلية المشاهد.