تقرير / عادل عبده بشر / لا ميديا -
كانوا أكثر من 50 طفلاً، من طلاب الدورات الصيفية، وجميعهم تحت سن 15 عاماً، تجمعوا السابعة صباحاً في الجامع الكبير بمديرية ضحيان محافظة صعدة، للقيام برحلة إلى مقبرة الشهداء بـقرية «الجعملة» في ذات المديرية، ثم إكمال الرحلة الترفيهية بعد ذلك إلى مدينة صعدة وزيارة مسجد الإمام الهادي، تكريماً لهم بانتهاء الدراسة الصيفية، فحضروا والفرحة تفوح من كل خلية في أجسادهم، والبعض حضر مرتدياً الملابس الجديدة المخصصة لعيد الأضحى الذي يحل بعد أيام قليلة.. غير أن الرحلة أخذتهم إلى مكان آخر أبعد من جامع الهادي وأقرب كثيراً من الفردوس، حيث استهدف طيران العدوان السعودي الأمريكي حافلتهم، لحظة توقفها في سوق ضحيان، مرتكباً بذلك أبشع مجزرة بحق الطفولة والإنسانية، ليجاهر العدوان عبر متحدثه العسكري بأن الهدف كان مشروعاً، مُدعياً استهداف خبراء عسكريين..!
حدث ذلك صباح الخميس 27 ذي القعدة 1439هـ الموافق 9 أغسطس/ آب 2018م، ونتج عن الغارة الجوية استشهاد وإصابة أكثر من 120 شخصاً من الأطفال والمتسوقين وأصحاب المحال التجارية، غير أن الشهداء وعددهم 42 شهيداً جُلهم ممن كانوا في الحافلة (5 مدرسين و37 طالباً).
أمس الجمعة (27 ذي القعدة 1444هـ) صادف الذكرى الخامسة لهذه المجزرة البشعة التي صنفتها، حينها، الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية بجريمة حرب ضد الإنسانية، ولكن هذه «الأمم» وقفت عاجزة عن اتخاذ أي إجراء ضد مرتكبيها.
وكنوع من إحياء ذكرى مجزرة حافلة طلاب ضحيان، نظم جمعٌ من أهالي المديرية وطلاب المراكز الصيفية، صباح أمس الأول الخميس، وقفة احتجاجية في المكان الذي شهد استهداف الحافلة أثناء توقفها بسوق ضحيان، ورافق الوقفة الاحتجاجية فعالية خطابية أدانت التواطؤ الأممي في تمييع هذه الجريمة الوحشية.
كما نظمت المدارس الصيفية المغلقة في مختلف مديريات محافظة صعدة، وقفات احتجاجية وفعاليات خطابية مماثلة، إحياء لذكرى شهداء الحافلة، أكدت في مجملها أن هذه الدماء الزكية لن تسقط بالتقادم وستكون لعنة تطارد دول تحالف العدوان والمرتزقة ومن تآمر معهم على الشعب اليمني أو شارك في سفك دماء أبنائه، وأن هذه الجريمة لن تُمحى من ذاكرة شعبنا اليمني.
الوقفة الاحتجاجية والفعالية التي شهدتها مدينة ضحيان، في الذكرى الخامسة لمجزرة طلاب المراكز الصيفية، لم تكن بمستوى الحدث، وإنما «بقدر المُستطاع» بحسب مندوب شهداء وجرحى الحافلة، الذي تحدث مع صحيفة «لا» وخيبة من الأمل والكآبة تخيم على صوته القادم عبر الهاتف.
وعلى ما يبدو أن خيبة الأمل سوف تزداد وتتسع أكثر مع استمرار الجهات المعنية في التعامل مع هذه المجزرة بنوع من اللامبالاة وعدم الاهتمام، حد تعبير ممثل أهالي الشهداء والجرحى.

خمسٌ عِجاف
خمس سنوات مضت على استهداف حافلة طلاب المراكز الصيفية في ضحيان بقنبلة أمريكية، لم تستنهض ضمير الإنسانية والمسؤولية لدى حكومة الإنقاذ الوطني، للاهتمام بأسر الشهداء ورعاية الجرحى وإكرام بعض جثث الأطفال التي مازالت حتى اللحظة تتوسد ثلاجة المستشفى، والعمل على تخليد هذه الجريمة بالحفاظ على الحافلة المستهدفة ومقتنيات الأطفال والاهتمام بروضتهم.
وناشد ممثل أهالي شهداء وجرحى حافلة ضحيان، زيد حسين طيب، عبر صحيفة «لا» قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، أن يتم النظر في أحوال أهالي الشهداء والجرحى من أطفال الحافلة، حيث يعيش الكثير من الأهالي أوضاعاً معيشية صعبة، وفي مقدمتهم أهالي الجرحى ذوي الإعاقات والجروح البليغة.
وقال زيد طيب في حديثه لـ«لا»: سبق أن ناشدنا قائد الثورة وقيادات الدولة، عبر صحيفة «لا» في الذكرى الثالثة للجريمة، احتساب الأطفال «شهداء الحافلة» ضمن كشوفات شهداء الوطن، وقلت حينها إن قدمي قد حفيت ذهاباً واياباً الى مؤسستي الشهداء والجرحى للمطالبة بالاهتمام بأسر الشهداء والتعامل معهم على أنهم جميعاً شهداء دون تمييز بين شهيد وآخر، وكذلك رعاية الجرحى ومد يد العون لأسرهم نظراً لحالتهم المادية الصعبة، لكن لم أجنِ أي فائدة».
وأضاف: «أذكر حينها، أني ذهبت لزيارة أحد الجرحى فإذا بالدود يخرج من الجرح الذي في قدمه، وعندما طرقت باب مؤسسة الجرحى، قالوا «هؤلاء ليسوا محسوبين علينا» فاضطررت أن أذهب لجمع النقود من الناس، يعني أشحتها شحتا، حتى أستطيع شراء عسل وزبيب للجرحى».
يذكر أن صحيفة «لا» كانت قد زارت منطقة ضحيان في يونيو/ حزيران 2021م، والتقت أهالي الأطفال الشهداء، كما التقت عددا من الأطفال الجرحى، وزارت روضة الشهداء، واطلعت على أوضاع الجرحى وقبور الشهداء ومآسي أهاليهم، لتقوم بعد ذلك بنشر ملف صحفي مُتخم بالأوجاع وممتلئ بشكاوى الخيبة والخذلان، وعلى ما يبدو فإن الوضع مازال على ما هو عليه، من الإهمال واللامبالاة، حيث أكد ذلك ممثل الشهداء والجرحى زيد طيب، وهو والد ثلاثة أطفال استشهدوا في ذات الجريمة، قائلاً: «منذ مجيئكم في 2021م، وحتى اليوم، لم يتم التجاوب مع أي من مطالبنا وشكاوانا، بل إن الوضع زاد سوءاً».

شهداء وجرحى خارج الكشوفات
وأوضح زيد طيب أن عدد شهداء الحافلة 42 شهيداً بينهم خمسة مدرسين والبقية أطفال أكبرهم في عمر 14 عاماً، لافتاً إلى أن الأطفال لم يتم ضمهم إلى قوائم الشهداء لدى الجهات المعنية، قائلاً: «لم يتم اعتماد ولا واحد من الأطفال الشهداء، بينما اعتمدوا المدرسين الخمسة الذين كانوا معهم».
وأضاف: «منذ أول يوم لسقوط الأطفال بين شهيد وجريح ونحن نصرخ ونناشد ونستغيث بالقيادة أن يتم اعتماد الشهداء، وكذلك الرعاية بالجرحى، إلا أن أصواتنا لم تجد آذاناً صاغية».
ولفت طيب إلى أن الجرحى يصلون إلى قرابة 72 شخصاً معظمهم من المتسوقين وأصحاب المحال التجارية، لكن الجرحى الذين مازالوا متأثرين بجراحهم وهناك شظايا مازالت في أجساد بعضهم حتى اليوم، ويحتاجون إلى رعاية، عددهم قرابة ثمانية جرحى. مشيراً إلى أن أحد الجرحى ويدعى محمد عبدالرحيم، تم إجراء عملية جراحية له في صنعاء قبل نحو أسبوعين، تكفلت إحدى منظمات الطفولة بنصف قيمة العملية، بينما قام والد الجريح بـ»تدبير بقية المبلغ».
وقال: «الجريح الطفل يحيى مجلي، هو أيضاً قامت إحدى المنظمات بتسفيره إلى الأردن للعلاج على نفقتها، واستمر هناك قرابة الشهر، وهناك الآن الجريح يونس القطابري، مازالت الشظايا في رأسه ويحتاج لإجراء عملية جراحية في الرأس والوجه، وكان الأطباء قد قرروا حاجته للسفر إلى الخارج، لكن ذلك مكلف، فنبحث الآن عن أي مساعدة لإجراء العملية في صنعاء».
وأكد طيب أن مؤسسة الجرحى لم تقدم لهم شيئاً، سوى بعض كميات العسل وسلال غذائية، قدمها نائب مدير دائرة الجرحى في صعدة، بعد زيارته للمنطقة برفقة صحيفة «لا» في يونيو/ حزيران 2021م.

روضة مهملة
تم تحديد مساحة لروضة الشهداء الأطفال، وتضم الروضة قرابة الأربعين قبراً، وهي مسورة بجدار صغير من «البلك» وفي مدخلها تم وضع الحافلة التي استهدفها طيران العدوان في مكان مرتفع قليلاً بفناء الروضة، كما توجد في مدخل المقبرة قصيدتان للشاعر عبدالحكيم عامر، إحداهما رثاء في نجله أحمد وأخرى في المجزرة.
يقول ممثل أسر الشهداء والجرحى زيد طيب في سياق حديثه لـ«لا»: المقبرة تحتاج إلى اهتمام كما هو واقع الحال في الاهتمام بروضات شهداء الجيش واللجان الشعبية في هكذا مكان، ومن ذلك الاهتمام بناء سور مرتفع وعمل شواهد صخرية للقبور، وشبكة ري بالتقطير لري الورود.
وبخصوص الحافلة المستهدفة أوضح زيد طيب أن الحافلة مازالت مُلقاة عند بوابة المقبرة وقد أوشكت على الهلاك تحت الشمس والرياح، مشدداً على ضرورة عمل «منصة وهنجر» للمحافظة على ما تبقى منها، وإطالة عمرها، وكذلك عمل معرض لصور الشهداء الأطفال وعرض مقتنياتهم، في المساحة الفارغة أمام الروضة.

أشلاء بدون قبور
وكشف ممثل أسر شهداء وجرحى حافلة ضحيان، أن بعض القبور مازالت حتى اليوم، فارغة من أصحابها الملائكة الصغار، قائلاً: «هناك ثلاثة قبور مازالت مفتوحة تنتظر جثثها، وقبر مازال صاحبه مفقودا وقمنا بدفن «الكوت» الذي كان يلبسه، وطفل لم يجد والده منه إلا القدم، فدفناها في القبر».
وأضاف: «لدينا ثلاث جثث متفحمة لم نستطع التعرف عليها، إضافة إلى أشلاء مجموعة في كيسين، مازالت في ثلاجة مستشفى الطلح، حتى اليوم، ولم يتم إخراجها ودفنها».
وناشد زيد طيب باسم أهالي الشهداء، السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي، «توجيه وزارة الصحة العامة والسكان، بإجراء فحص حمض DND للجثث والأشلاء التي مازالت في ثلاجة المستشفى، حتى يتم التعرف عليها والإسراع بدفنها».