في 26 تموز/ يوليو الماضي، قام جيش النيجر بعزل الرئيس المعروف بولائه لفرنسا والولايات المتحدة، محمد بازوم، من الحكم، واحتجازه مع وزير الداخلية، وإلغاء الاتفاقيات الأمنية بين فرنسا والنيجر.
واليوم تنتهي مهلة الـ7 أيام التي قالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إنها تمنحها للجيش في النيجر لإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم إلى منصبه، ما لم فإنها ستتدخل عسكرياً.
وقال مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، عبد الفتاح موسى، الجمعة 4 آب/ أغسطس، إن وزراء الدفاع بدول غرب أفريقيا وضعوا خطة لتدخُّل عسكري محتمل في النيجر في حالة عدم تنحي من سمّاهم قادة الانقلاب.
وأضاف موسى، عقب اجتماع إقليمي في أبوجا، أن التكتل لن يكشف متى وأين ستكون الضربة، وهو قرار سيتخذه رؤساء الدول.
رداً على ذلك، صعّد المجلس العسكري في النيجر خطابه ضد الغرب و«إيكواس».
وأعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع نيجيريا وتوغو والولايات المتحدة وفرنسا، وقال إنه يعمل على إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، التي سمحت للبلد الاستعماري بنشر 1500 جندي هناك.
وحذر المجلس العسكري في النيجر من أنه سيرد «فوراً» على أي «عدوان أو محاولة عدوان» ضد بلاده من جانب «إيكواس».
وقال المجلس العسكري إن «أي عدوان أو محاولة عدوان ضد النيجر ستشهد رداً فورياً ودون إنذار من جانب قوات الدفاع والأمن النيجرية على أي عضو (من أعضاء المنظمة)، باستثناء الدول الصديقة المعلقة عضويتها»، في إشارة إلى بوركينا فاسو ومالي.
من جهتها عارضت مالي وبوركينا فاسو أيّ تدخّلٍ عسكري في النيجر، وهددتا بأنه سيأتي بمثابة إعلان حرب عليهما أيضاً، وأكدتا أن جيشيهما سيتصدّيان له بكُل قوّة. كما اتّخذ قادة البلدين قراراً بوقف صادرات اليورانيوم إلى فرنسا.
مراقبون أكدوا أن القارة الأفريقيّة أمام أزمة سياسيّة طاحنة قد تتطوّر إلى حربٍ دمويّة، وانقسامٍ خطير يُهدّد أمنَها واستقرارها ووحدتها.
فرنسا، المتضرر الأكبر من عزل رئيس النيجر الذي يصفه الكثيرون بأنه دمية بيد فرنسا والولايات المتحدة، تدعم التدخل العسكريّ في النيجر وتُحرّض عليه؛ لأن الإطاحة بنظام محمد بازوم قد وضعها ورئيسها الحالي إيمانويل ماكرون أمام أزمة طاقة صعبة، حيث يعد النيجر، البلد ذا الأغلبية المسلمة، معقل فرنسا الاستعمارية الأخير في غرب أفريقيا، وتسيطر على نظامه منذ استقلاله عام 1960 وتستنزف مقدراته، وخاصة اليورانيوم.
وتعتمد فرنسا على اليورانيوم بشكل كبير لتوليد الطاقة الكهربائية (70% من احتياجاتها الكهربائية تؤمن من اليورانيوم) وتؤمّن مصادرها من مناجم النيجر وكازاخستان وأستراليا.
لذلك يعتقد محللون أن فرنسا، بمساندة أمريكية، قد تقود غزواً أفريقياً للإطاحة بالمجلس العسكريّ في النيجر، بذريعة إعادة الرئيس الدستوري المُنتخب، وذلك لتأمين حاجتها من اليورانيوم، الذي ستنهبه بحرية أكبر في حالة حدوث فوضى عسكرية في النيجر.
ومع انتهاء المهلة التي وضعتها «إيكواس»، اليوم، ما السيناريوهات المقبلة المتوقعة؟
حسب المعطيات فأحد الخيارات المتاحة أمام قادة «إيكواس» هو تمديد المهلة. ولكن هذا الخيار فيه مجازفة بأن يُنظر إليه باعتباره تنازلاً؛ لكن قادة الدول قد يحافظون على ماء وجوههم من خلال القول إن الجهود الدبلوماسية حققت بعض التقدم وأنهم يرغبون بإعطاء المجلس العسكري المزيد من الوقت.
من السيناريوهات الأخرى، وإذا تعقل قادة «إيكواس» واتخذوا قرارهم بعيداً عن الإملاءات الفرنسية الغربية وتجنبوا حرباً إقليمية في القارة الأفريقية، قد يتفق المجلس العسكري و«إيكواس» على جدول زمني لوضع نظام حكم جديد في النيجر.
وقد يتضمن هذا الاتفاق إطلاق سراح الرئيس بازوم، المعتقلين السياسيين الآخرين.
وكانت مجموعة «إيكواس» قد وافقت من قبل على عمليات انتقال إلى نظام حكم جديد في جارتين للنيجر في منطقة الساحل، هما مالي وبوركينا فاسو، اللتان استولى جيشاهما على السلطة فيهما في السنوات الأخيرة.
السيناريو الأسوأ هو التدخل العسكري؛ رغم أن دول غرب أفريقيا لم تقل إن القوة ستستخدم قطعاً إذا لم تتم إعادة الرئيس بازوم إلى الحكم، حيث تركت الأمر مفتوحاً كاحتمال من الاحتمالات، لأن تلك الدول تدرك أن المضي قدماً في الخيار العسكري سيكون أمرا خطيرا على أفريقيا برمتها؛ وذلك لعدة أسباب، أولها: أن النيجر تعتبر من الناحية الجغرافية أكبر دولة في غرب أفريقيا، وبالتالي فإن إرسال القوات إليها سيكون مغامرة.
ثانياً: تواجه نيجيريا، جارة النيجر، والتي تقود «إيكواس»، العديد من التحديات الأمنية في الداخل، وبالتالي فإن إرسال جزء كبير من جيشها إلى النيجر سيكون مجازفة كبيرة.
ثالثاً: قالت كل من مالي وبوركينا فاسو إن التدخل العسكري في النيجر سيُنظر إليه باعتباره «إعلان حرب» وأنهم سيذهبون للدفاع عن رفاقهم قادة الانقلاب في النيجر.
وبالتالي فإن الأمر يهدد بالتدحرج ككرة الثلج ليصبح حرباً إقليمية واسعة النطاق، خاصة إذا كان سكان النيجر يرفضون التدخل الأجنبي.
كما تشترك نيجيريا والنيجر في العديد من الروابط التاريخية والعرقية، حيث يتحدث الناس على جانبي الحدود اللغة نفسها، وبالتالي فإن هذا قد يجعل الكثير من الجنود النيجيريين مترددين في القتال إذا ما وصل الأمر لذلك.
كما تحظى خطوة المجلس العسكري في النيجر بتأييد شعبي كبير. ويقول كثير من النيجيريين إنه ليس انقلاباً ضدّ الديمقراطيّة، وإنّما ضد الهيمنة الاستعماريّة الفرنسيّة وسرقتها لثروات البِلاد وحِرمان شعبها منها، وخاصّةً اليورانيوم والذّهب والفوسفات، حيثُ تُعتَبر النيجر واحدة من أكثر ست دول أفريقية فقراً وفساداً.
وبالتزامن مع الذكرى الـ63 لاستقلال النيجر عن فرنسا، انطلقت، الخميس الماضي، في النيجر مظاهرات مؤيدة للإطاحة بمحمد بازوم، وطالب المتظاهرون بوقف «الهيمنة الفرنسية» على بلادهم.
كما حاول المتظاهرون المؤيدون للمجلس العسكري إشعال النار في السفارة الفرنسية بالعاصمة نيامي، قبل أن تفرقهم قوات الأمن.