عادل عبده بشر / لا ميديا -
أثارت الإجراءات التي اتخذتها رئاسة جامعة صنعاء، حول حرمان أكاديميي الجامعة الذين يعملون في جامعات خاصة من الامتيازات، سخطاً كبيراً في أوساط أعضاء هيئة التدريس في أكبر جامعة حكومية. وزاد ذلك السخط ما سُمي بـ«استمارة تعهُّد» اعتبرها أكاديميون إجراءً تعسفياً لا مُبرر له ولا جدوى منه، ويحمل أهدافاً وصفوها بـ«الخفية».
وتداول أكاديميون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، منتصف الأسبوع الماضي، استمارة، قيل إن رئاسة جامعة صنعاء وزعتها على كليات الجامعة، ضمن إجراءات التضييق على هيئة التدريس من العمل لدى الجامعات الخاصة.

الوثيقة، وعنوانها «استمارة تعهُّد عضو هيئة التدريس للعاملين في جامعة صنعاء»، يتعهد فيها الأكاديمي بعدم العمل في أي جامعة خاصة أو أهلية، ولجامعة صنعاء فرض أي عقوبة عليه في حال ثبت غير ذلك.
وتتضمن لائحة العقوبات الحرمان مِن: الحصول على سكن أو قطعة أرض، حصة أبناء أعضاء هيئة التدريس في القبول والتسجيل، منحة إيفاد داخلي أو خارجي، التعيين في أي مناصب إدارية (رئيس قسم، نائب عميد، عميد كلية)، الترقيات والتثبيت في جامعة صنعاء، مكافآت البحوث العلمية، التأمين الصحي، حضور مجالس الأقسام والكليات.
وقوبلت هذه الإجراءات بسخط كبير في الوسط الأكاديمي، وبين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين وجهوا انتقادات لاذعة لرئاسة جامعة صنعاء، ومن ورائها وزارة التعليم العالي، واصفين هذه الإجراءات بأنها «سياسة تجويع ممنهجة للكادر الجامعي»، فيما اعتبرها البعض «سياسة إذلال» قالوا إنها تأتي لـ«تطفيش» الأكاديميين من جامعة صنعاء، خصوصاً وأن هذه الإجراءات جاءت في وقت يُعاني فيه كوادر الجامعة كبقية موظفي الدولة من انقطاع المرتبات، الأمر الذي سيزيد معاناتهم الحياتية والتضييق على ما تبقى من مصادر رزقهم.
وذهب أكاديميون وناشطون إلى اتهام رئاسة جامعة صنعاء بأنها، ومن خلال هكذا قرارات، تُقدم لوسائل إعلام تحالف العدوان على اليمن مادة لتوظيفها سياسياً وحقوقياً، ضد الجامعة تحديداً، والتعليم الجامعي بشكل خاص، وسُلطة المجلس السياسي عامة.
وفيما لم يصدر أي بيان رسمي من الجهة المختصة في رئاسة جامعة صنعاء، بالنفي أو التأكيد، تواصلت صحيفة «لا» مع رئيس الجامعة، الدكتور القاسم عباس شرف الدين، وعدد من أعضاء هيئة التدريس، بحثاً عن الحقيقة.

نفي واعتراف
بدايةً، نفى رئيس جامعة صنعاء صحة «استمارة التعهُّد» المُتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام موالية للعدوان؛ لكنه أكد معلومات حرمان الأكاديميين العاملين في جامعات خاصة أو أهلية، من الامتيازات.
وقال القاسم عباس شرف الدين لـ«لا»: «استمارة التعهُّد التي تم تداولها ليست صحيحة، وهي افتراء وكذب»، لافتاً إلى أن الجامعة لا تمنع كادرها من التدريس في جامعة أهلية؛ لكنها ستحرمهم من امتيازات أخرى.
وأوضح: «من حق الأكاديمي أن يعمل في أي جامعة أهلية أو خاصة؛ لكن بموافقة الجامعة الحكومية التي يعمل فيها. وقد وجهنا تعميماً بذلك بداية العام الدراسي الحالي»، مضيفاً: «من يخالف التعميم ويذهب للعمل في جامعة أهلية دون موافقة رئاسة جامعة صنعاء، سيتم حرمانه من الامتيازات التي يتمتع بها زملاؤه غير العاملين في جامعات خاصة».
وبرّر شرف الدين هذا الإجراء بالقول: «الامتيازات في جامعة صنعاء تنافسية، فمثلاً ليس من المعقول أن يذهب أحد أعضاء هيئة التدريس للعمل في جامعة أهلية، ثم يأتي لينافس زملاءه على الامتيازات الخاصة بهم؛ لأنه بذلك سيحرمهم منها».
وأضاف: «من تلك الامتيازات على سبيل المثال: السكن؛ لدينا 4 آلاف عضو هيئة تدريس، ولدينا 200 شقة سكنية، فإذا أخذها من يعملون لدى الجامعات الأهلية، فماذا سيتبقى لزملائهم غير العاملين في الجامعات الخاصة؟!».
واجهناه بالامتيازات الأخرى التي سيحرم منها عضو هيئة التدريس ولا علاقة لها بالتأثير على زملائه، كما في موضوع السكن، ومنها حرمانه من التعيين في مناصب إدارية ومن الترقيات والتثبيت في جامعة صنعاء، وغير ذلك، فكان رده بحدةٍ: «أكيد يُحرم منها»، مُعللاً ذلك بالقول: «لأنه سيسحب الطلاب إلى الجامعة الخاصة، وقد يسحب أيضاً المعيدين والكادر من الجامعة الحكومية إلى الأهلية، إضافة إلى أنه عندما يشغل منصباً إدارياً كعميد كلية يجب أن يكون متفرغاً لكليته».
وحول لجوء بعض الأكاديميين إلى العمل في الجامعات الخاصة، لتحسين دخلهم المعيشي، خصوصاً مع انقطاع الراتب، أجاب بالحِدة ذاتها: «ما له الراتب؟! هل عملهم في الجامعات الخاصة براتب شهري، أم بأجور الساعات؟! الأجر الذي يستلمه من الجامعة الخاصة للساعة الواحدة نحن في جامعة صنعاء ندفع له أكثر؛ لكن أعضاء هيئة التدريس العاملين هم مِلك جامعة صنعاء، ورفضوا أن يأتوا ليشتغلوا، رغم أننا ندفع لهم أكثر».

تداعيات الفصل بين الجنسين
وفيما يتعلق بالجدوى من هذه الإجراءات، قال رئيس جامعة صنعاء: «نحن هذا العام ضاعفنا الأعمال؛ لأننا فصلنا البنات عن البنين في الكليات الطبية والهندسة والحاسوب والإعلام، الأمر الذي أحدث إشكالية في توفر الكادر في تلك الكليات، ماعدا الإعلام، فأصبح الدوام يتطلب حضور كادر التدريس أربعة أيام في الأسبوع، بدلاً مما كان سابقاً: يومين فقط».
يُذكر أن جامعة صنعاء اتخذت في بدء العام الدراسي الحالي قرارا بفصل الطالبات عن الطلاب، في كلية الإعلام، ليتضح من حديث رئيس الجامعة أن الفصل شمل أيضاً كليات الطب والهندسة والحاسوب.

نفي النفي
حديث الدكتور القاسم شرف الدين عن «استمارة التعهُّد» ونفيه القاطع لها، دفع بالصحيفة للتواصل مع عدد من الأكاديميين في جامعة صنعاء، الذين أكدوا صحة وجود هذه الاستمارة، وأنها تم توزيعها على إدارات الكليات، وإبلاغ هيئة التدريس بالتوقيع عليها.

إجراء مُجحف
في هذا السياق قال لـ«لا» الدكتور أحمد عبدالله الصعدي، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب: «تم إبلاغنا قبل نحو أسبوعين أن استمارة التعهُّد موجودة لدى سكرتارية مكتب عميد الكلية، وعلى المدرسين أن يذهبوا لأخذ نسخة منها وتوقيعها».
ووصف  الدكتور الصعدي هذا الإجراء بأنه «مُجحف، ويشبه الفصل من الجامعة، وليس له أي مبررات أو جدوى»، مضيفاً: «لا يوجد مرتبات في جامعة صنعاء، وفي الوقت نفسه لا يريدون الكادر أن يعمل في مكان آخر، بعد أداء واجبه في الجامعة، فيما لم يحدث أن أخلَّ أحد بواجباته».
وأرجع الأكاديمي الصعدي الهدف من هذه الإجراءات إلى ما قال إنه متداول في الوسط الأكاديمي، ويتلخص في: «تطفيش كوادر الجامعة بغرض الإتيان بالبديل عنهم»، لافتاً إلى أن «التذمر يسود الجامعة بشدة، نتيجة لهذا القرار ولممارسات أخرى كثيرة» لم يسمها.

غير قانونية
من جهته أوضح الدكتور عبدالملك الضرعي (كلية التربية) أن ما وصفها بـ«العقوبات» الصادرة من مجلس الجامعة وطالت عددا من العاملين في الجامعات الخاصة، تعتبر «غير قانونية؛ لأنها تحرم منتسبي الجامعة من حقوق أساسية لهم».
وأضاف: «القانون كلي التنفيذ، بمعنى أنه حتى إذا أردت فرض عقوبات ينص عليها القانون، عليك في الجانب الآخر الالتزام بدفع الأجور (المرتبات)، وفي حالتنا هذه لا سلموا الأجور ولا تركوا الناس يدبرون أمورهم مع الوفاء بالدوام الأكاديمي في جامعة صنعاء».