غازي محمد / لا ميديا -
بعيداً عن الاعتداءات العسكرية الواضحة للاحتلال الصهيوني في غزة والضفة الغربية. هناك في العمق الفلسطيني، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، يشن العدو الصهيوني حرب إبادة وتصفية عرقية ضد الفلسطينيين بأداة مختلفة، هي عصابات الجريمة المنظمة.

عدوان وحشي صامت
خلال الـ4 أشهر الأولى من العام الجاري 2023، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، أكثر من 95 شهيداً.
هؤلاء الفلسطينيون قتلوا على يد أفراد العصابات الصهيونية وبعض العصابات الفلسطينية التي تسمى العصابات العربية، والتي عمل الكيان الصهيوني على صناعتها من خلال تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الفلسطينية في الداخل المحتل.
هذه العصابات تقتل الفلسطينيين دون أن تكون هناك أي جهة تلاحقهم أو تقدمهم للعدالة، كونهم يرتكبون تلك الجرائم بغطاء من الأجهزة الصهيونية الحاكمة، التي ينسقون معها وتربط قادة تلك العصابات بكبار القادة والسياسيين الصهاينة علاقات خدمةص أو ابتزاز.
بحسب المركز الفلسطيني للإعلام، فإنه تم حل لغز 3 جرائم قتل فقط من أصل 70 جريمة ارتكبت في أوساط فلسطينيي الداخل خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.
كما اعترفت صحيفة «هآرتس» العبرية أن عمليات قتل فلسطينيي الداخل مستمرة ومتزايدة على أيدي رجال العصابات وأشارت إلى أن العدد الإجمالي للضحايا قد يصل إلى 230 ضحية مع نهاية العام الحالي.

تصفية وتفتيت المجتمع الفلسطيني
بعد أن لاحظ الكيان الصهيوني أن المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948، قد نجح في الحفاظ على هويته الوطنية، رغم محاولات التهويد والأسرلة والتغريب، لجأ الكيان لاستخدام الجريمة المنظمة التي تقودها عصابات مسلحة وتتحرك دون رادع أو محاسب، لمحو الوجود الفلسطيني المقاوم وتفتيت مجتمعه.
وقام الكيان الصهيوني باستهداف المجتمعات الفلسطينية بعصابات الجريمة والمافيا اليهودية، كما عمل على صناعة عصابات محلية فلسطينية بداخل تلك المجتمعات وسهل لها الحصول على السلاح وممارسة الأعمال غير المشروعة مقابل خدمة العمل كمخبرين للكيان الصهيوني.. ويعيش فلسطينييو الداخل اليوم رهينة للعصابات الإجرامية.
وأكدت مصادر فلسطينية أن عشرات العصابات اليهودية، تعمل في تجارة السموم والسلاح والمخدرات والبشر، في المناطق العربية، وتعمل معها 8 عصابات إجرامية عربية.
وحسب المصادر الفلسطينية فهذه العصابات تعمل على إرهاب المواطنين وانتزاع ‏أموالهم بالإجبار، وبلغ عدد أفراد إحدى تلك العصابات قرابة 200 شخص مسلحين ‏بكامل عتادهم.‏
وحسب المركز الفلسطيني للإعلام فإن ‏المجتمع الفلسطيني والعربي في الداخل المحتل يشهد سنويا قرابة 35 ألف حالة إطلاق نار على المنازل والمؤسسات والمرافق العامة.‏
ووفقاً لإحصائيات مؤسسات فلسطينية، فإن أكثر من 67 فلسطينياً استشهدوا في مناطق 48 خلال عام 2017، بينما شهد عام 2018 استشهاد 58 شخصاً بينهم 13 سيدة، وفي العام 2019 استشهد 93 فلسطينياً بينهم 11 سيدة، في حين استشهد 99 مواطناً بينهم 16 سيدة في سلسلة جرائم قتل شهدها العام 2020.
وشهد عام 2021 استشهاد 127 مواطناً فـــي الداخل، وفـي عام 2022 استشهد 109 مواطنين بينهم 12 سيدة، وهكذا طوال العقود الماضية للاحتلال ومن المتوقع أن تزداد شراسة هذا الاستهداف.

الكيان الصهيوني المتهم الأوحد
تقول حركة الجهاد الإسلامي إن «ظاهرة القتل المنظم في مناطق 48 بواسطة عصابات صهيونية، ليست ظاهرة اجتماعية ذاتية، بل إن الكيان الصهيوني متورط فيها بشكل مباشر، ضمن مشروع يستهدف تفتيت المجتمع الفلسطيني وشرذمته، وإعاقة استقراره وطموحاته في التطور وتحقيق الإنجازات خصوصاً في المناطق ذات الكثافة السكانية للفلسطينيين العرب (الخليل والمثلث والقدس وشمالي النقب)، وذلك بهدف دفع الفئات الشبابية والشرائح الوسطى في المجتمع العربي الى الهجرة».
وفي حديث خاص لـ«لا» يقول ممثل حركة الجهاد الإسلامي في اليمن أحمد بركة: «يقوم جهاز الشاباك الصهيوني بابتزاز رؤساء عصابات الإجرام بإلزامهم بالتعاون معه مقابل غض الطرف عن تورطهم بالجريمة داخل مجتمعهم والسعي لتخليصهم من تقديم لائحة اتهام بحقهم، فغالبية قطع السلاح المنتشرة والتي تقدر بنصف مليون قطعة وكميات مضاعفة عدة مرات من الذخيرة، مصدرها قواعد الجيش الإسرائيلي».
ويوضح: «في أي حالات إطلاق النار على يهودي يتم القبض على المتورطين وتقديمهم للقضاء، فيما عمليات القتل التي تستهدف الفلسطيني يتم إغلاق التحقيق فيها، كما يعمل الاحتلال على وضع تعقيدات أمام الفلسطينيين لتوريطهم في عالم الجريمة المنظمة».
ويؤكد بركة أن الاحتلال الصهيوني متورط بشكل مباشر في الجريمة وترعرعها، كسياسة واستراتيجية تستهدف بنية المجتمع العربي الفلسطيني، وهي سياسة لا تقتصر على فلسطينيي 48 وإنما يتم تطبيقها في القدس التي تنتشر فيها الجريمة، إضافة الى انتشار واسع للمخدرات الرخيصة الثمن، والمحفزة للإدمان المستدام.

أخبث المخططات السرية
أوضحت وثائق سرية للكيان الصهيوني كُشفت السرية عن بعضها، أنّ تعامل الكيان مع بقاء الفلسطينيين في حدود سيطرته، «حدث من باب الخطأ الذي ينبغي تصحيحه» حد وصف الوثائق «الإسرائيلية».
لذلك فالكيان الصهيوني يستخدم عدة أدوات للتخلص من الوجود الفلسطيني.
وراهن الكيان الصهيوني على عامل الوقت في استراتيجياته لهندسة تفتيت المجتمع الفلسطيني ديموغرافياً وتقليص وجوده ومحوه أخيراً.
من الأمثلة على ذلك التضييق الاقتصادي وإفقار فلسطينيي الداخل ما أدى إلى تراجع كبير في نسبة الولادة بين الفلسطينيين حسب معطيات بنك «إسرائيل»، واعتبرت مؤسسات الأمن القومي الصهيوني ذلك إنجازا جوهريا في سياق «السياسة الديموغرافية».
كذلك الجريمة المنظمة في مناطق 48 ليست ظاهرة مجتمعية عربية فلسطينية، بل هي ظاهرة مرتبطة بمنظومة أجهزة الاحتلال، وسياسة واستراتيجية له، فيما يستغل البنية الاجتماعية والبلدية والحالة الاجتماعية الاقتصادية لمجتمع فلسطين.
والهدف منها هو تقليص الوجود الفلسطيني أو دفعه إلى الهجرة والتخلص منه.
وعلى مر عقود حارب الكيان الصهيوني الجريمة المنظمة في البلدات والمدن المحتلة ذات الغالبية اليهودية في مركز الكيان ودفعها نحو البلدات العربية الفلسطينية أو الأحياء العربية في المدن الساحلية، لأن الكيان يعد استفحال الجريمة في المجتمع اليهودي، مسألة أمن قومي لأنها ستدفع اليهود إلى الهجرة من فلسطين، وبالتالي سيتغيّر الطابع الديموغرافي لهذه المناطق في حال سكن الفلسطينيون فيها، فتم الدفع بمنظومة الجريمة الى البلدات والتجمعات الفلسطينية.
الأمر لا يقتصر على توطين الجريمة في المجتمعات الفلسطينية ودعمها، بل وفر الكيان الصهيوني اقتصادا آمنا لها عبر دول التطبيع حتى، فبعد التطبيع مع النظامين في المغرب والإمارات، اعتمد أقطاب الجريمة أهم مدن البلدين عواصم لهم. ومع قوة العلاقات «الإسرائيلية» -التركية، وفرت العصابات ملاجئ ضريبية وجنائية لقياداتها في هذه البلدان، وبإيعاز من أجهزة الكيان.
ولأن الكيان الصهيوني بارع في استغلال كل الأمور لصالحه، فإنه يقوم تحت ذريعة «مكافحة العنف والجريمة»، بالتنكيل بفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، حيث نفّذ مئات المداهمات والاقتحامات لمنازل ومحالّ تجارية، خلال العام الماضي فقط، وصادر ممتلكات قيمتها 300 مليون دولار، واعتقل المئات.

الكيان يحيي قوانين إجرامية قديمة
يقول ممثل حركة الجهاد الإسلامي في اليمن أحمد بركة: «شرع الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000 بتفعيل مشروعه القديم لتفتيت بقاء وصمود الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، بعد استشعاره خطراً داهماً بسبب «هبة الأقصى»، والتي استشهد فيها 13 شاباً فلسطينياً من المثلث والجليل برصاص الاحتلال الإسرائيلي، الذين يتظاهرون احتجاجاً على تدنيس المعارضة الإسرائيلية حينها، بقيادة الإرهابي إرييل شارون لحرمة المسجد الأقصى المبارك، والذي اندلعت على إثره انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، والتي استمرت قرابة خمسة أعوام».
وأضاف: «وبعد اندلاع معركة سيف القدس مع المقاومة في غزة في أيار/ مايو 2021، والحركة الشعبية الاعتراضية (العنيفة) التي انطلقت للتضامن مع غزة والمسجد الأقصى في بعض المناطق (الاستراتيجية) ضمن الأرض المحتلة سنة 1948 (عكّا واللد وحيفا)، وحصول مواجهات بالسلاح مع المستوطنين والشرطة الإسرائيلية، عاد الكيان إلى سياسة التواطؤ أو غضّ الطرف عن الجرائم في مناطق 48، لمعاقبة فلسطينيي الداخل، ولإشغالهم عن الدفاع عن قضاياهم الأساسية، وفي مقدّمها وجود الاحتلال وتطوّر مخططاته التهويدية للقدس وللنقب ولكلّ فلسطين».
ويحمل بركة «المؤسسة الإسرائيلية» كامل المسؤولية عن مشهد العنف والجريمة الذي يعكس مشهد الاغتيال الجماعي لفلسطينيي 48. ويوضح: «مشهد الاغتيال يتركّز عبر الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للثقافة الفلسطينية والإعلام والتعليم والتربية والنسيج المجتمعي، مع محاولة مسخ وتشويه الهوية الوطنية والقومية والدينية لفلسطينيي 48. كما أن الخطة الإسرائيلية للاغتيال الجماعي للفلسطينيين، وهي الخطة التي أفرزت أشخاصاً اختطفهم كيان الاحتلال بعد أن نجحت بتشويه هويتهم وسلخهم عن انتمائهم وشعبهم؛ أضيف إليهم عنصر آخر وهو سهولة الوصول للسلاح، علماً أنه بموجب الإحصائيات الرسمية وإقرار وزارة الأمن الداخلي للاحتلال، فإن مصدر 70٪ من الأسلحة بالبلدات العربية بالداخل، هو مخازن مقرّات الشرطة ومستودعات الجيش الإسرائيلي».

جبهة ملحة
يجمع كثير من الفلسطينيين على أن التصدّي للجريمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، بات مهمة مركزية وملحّة أمام كل فعاليات الشعب الفلسطيني، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وخارجها، مهما بلغت درجات تعقيد تلك القضية، وحجم دور الكيان الصهيوني الخطير فيها.
حركة الجهاد الإسلامي من جهتها قالت لـ«لا»، إنه «ضمن مشروعها (وحدة الساحات) تعمل الحركة على أن تكون ساحة الأراضي المحتلة عام 1948 ساحة مقاومة ضد الاحتلال، ونظراً لأهميتها فإن الحركة توليها اهتماماً كبيراً، لجعلها ساحة مقاومة كبيرة ضد الاحتلال الصهيوني، وهي من أجل ذلك تقوم بالكثير من العمل لتحقيق هذا الهدف مثل فضح ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين في مناطق 48، وبث روح المقاومة والجهاد في نفوس أهلنا في هذه المناطق لتحقق رؤية الحركة في وحدة ساحات المقاومة في الداخل والخارج، وهذا ما أظهرته معركة «سيف القدس» التي أظهرت الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه سكان المناطق المحتلة عام 48، في أي مواجهة قادمة مع الاحتلال».